أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الثالث)















المزيد.....



المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الثالث)


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4087 - 2013 / 5 / 9 - 11:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إنتشار المسيحية:
المسيحية هي ديانة غنيّة بتاريخها وتقاليدها وعقائدها، مثل أغلب الديانات العالمية، تتكون من مذاهب مُتعدّدة وأفكار فلسفيّة مُتنوعة ومدارس لاهوتية مختلفة. وهي كذلك ديانة عالمية تنتشر في كل دول العالم تقريبا وتعتبر اليوم اكبر ديانة من حيث العدد والاتباع.
كانت المسيحية ولاتزال تشكل المصدر الحضاري والفكري والسياسي والاجتماعي لشعوب وثقافات عديدة في العالم. وتتميز بكونها ديانة تقدميّة ديناميكية قابلة للتطوّر والتحديث في كل العصور من دون المَس في عقائدها وجذورها الأيمانية الجوهرية. وبسبب هذا التحديث والأنفتاح المسيحاني يُحاول المسيحيون أن لا يَبقوا مُنغلقين مُتقوقعين في مكانهم، وإنما يُرَكزّوا على المستقبل ويَعملوا من أجل حياة أفضل لهم ولغيرهم.
وأما بالنسبة الى تاريخ انتشار المسيحية فهو شيء يدعونا الى الدهشة والإعجاب لكونها قد انتشرت منذ اليوم الأول بين جميع الطبقات البشرية بسبب خطابات رسلها الذين كانوا يُجسّدون الموعظة الحسنة بالمحبة والتضحية. فتأثر الرومان بروحانيتها العميقة، وأقبلوا اليها بالرغم من التشرد والاضطهادات، إذ وجدوا فيها ملاذا روحيّا آمنا. ولربما كانت شجاعة المسيحيين الأوائل السبب الآخر في إقبال الفقراء والأغنياء من الناس عليها الى أن سمح الامبراطور قسطنطين بممارسة الشعائر المسيحية بحرية سنة 313 ميلادية وجعلها الديانة الرسمية للأمبراطورية الرومانية وذلك في عهد الامبراطور تيودوروس في أواخر القرن الرابع الميلادي. واستمرت المسيحية بالانتشار في كل أرجاء العالم وهي اليوم الديانة رقم (1) في العالم بالنسب الى عدد تابعيها الذي يبلغ عددهم اليوم 2.1 مليار تابع من عدد سكان العالم. وتنقسم الى (الكاثوليكية 1.1 مليار، البروتستانتية 350 مليون، الأرثوذكسية 340 مليون، الحركات الانجيلية 84 مليون، الكنائس الشرقية والآشورية 350 ألف والاورثوذكسية والكنائس المسيحية الأخرى 350 مليون).
الكنيسة ا عدد الأتباع لمنتمين
الكنيسة الكاثوليكية 1.1 مليار
الكنائس الأورثوذكسية(الشرقية) 340 مليون
جماعات الروح القدس(الخمسينيّة) 253 مليون
الكنيسة الأسقفية الانجليكانية 80 مليون
الكنائس الأنجيلية 84 مليون
الكنائس المشيخية الأنجيلية الموحدة 75 مليون
الكنائس المعمدانية 70 مليون
الكنائس اللوثرية 70 مليون
شهود يهوه (شهود الرب) 15 مليون
الكنيسة السبتية (الآدفنتست ) 12 مليون
كنيسة المورمن (للقديسين الأواخرييّن) 12 مليون
الكنيسة الشرقية الآشورية والشرقية القديمة 350 الف
الكنيسة العلمولوجيا الجديدة 150 الف
الوحدة المسيحية
هناك دعوات عديدة تنادي اليوم بالوحدة في جسد المسيح السري (الكنيسة). ولأننا نعيش في زمن تنقسم فيه الكنيسة الى مئات، بل آلاف المجموعات التي تختلف بعضها عن البعض. علما ان الخلافات والتحزّبات ليست وليدة اليوم والبارحة، لأنها كانت قد دبّت في جسم الكنيسة ومنذ اليوم الأول من نشوئها. والرسائل البولسيّة هي الشاهد الأول على هذه التحزبات التي حاربها وحاول جاهدا السيطرة عليها بولس رسول الامم ونبذها، إذ يذكر في احدى رسائله:"على أنني أتوسل اليكم بأسم ربنا يسوع المسيح أن يكون لجميعكم صوت واحد وأن لا يكون بينكم أي انقسام. وإنما كونوا جميعا موحدي الفكر والرأي. فقد بلغني .. أن بينكم خلافات. أعني أن واحدا منكم يقول: " أنا مع بولس، وآخر أنا مع بطرس، وآخر أنا مع المسيح " فهل تجزأ المسيح؟ أم أن بولس صُلب من أجلكم أو بأسم بولس تعمدتم؟" 1 كورنثوس 1/ 10.
يؤكد الرسول بولس على أن المسيحيين كلهم جزء من عائلة الله، يشتركون في وحدة أعمق من وحدة الدم التي بين الأخوة والأخوات وهناك فرق بين أن تكون لنا وجهات نظر متعارضة، وبين الانقسام. وينصحهم بالعمل معا في انسجام كامل لتمجيد الرب يسوع الذي كلنا نعمل من أجل رفع رايته وليس من أجل بطرس أو بولس.
وهذه الوحدة التي ينشدها المسيح لكنيسته مع جهود بولس من أجل تحقيقها وصيانتها هي وحدة مقدسة ومصيرية، ولا يُمكن تحقيقها من دون المحبة الحقيقية التي تحتاج الى التضحية ونبذ الاعتبارات السياسية والشخصية والسلطوية، لأن رسالة الكنيسة هي رسالة خلاصيّة أخلاقية، وصراعها الوحيد في العالم هو ضد الظلمة والشيطان وليس صراعا داخليا تحارب ضد نفسها. ولكن ما يحدث اليوم من الحزازات الدينية والمذهبية ومحاولة تكفير الآخر، تضعفها وتسبب الشكوك بين مؤمنيها وتوقعها في الغموض والوهن في رسالتها وتجعلها غير قادرة على تمثيل المسيح والمسيحية تمثيلا صادقا. وما تحتاج هذه الوحدة المنشودة هو تضحية الكنائس في التعاليم الخارجة عن الكتاب المقدس ومحاولة ترك إستعمال الأسماء الدخيلة على الكنيسة وبطلان العمل بالعقائد الغريبة عن الايمان المسيحي ونبذ الكتب البشرية التي يعدّها البعض مقدسة، والاحتفاظ بالكتاب المقدس مع الاحترام للتاريخ وللأرث المسيحي العريق. وحينئذ فقط تستطيع الكنائس المسيحية أن تقترب من بعضها البعض وتتوحد في رسالتها وايمانها بصورة صحيحة وصادقة. وتحقق الامنية التي صلى المسيح من أجل تحقيقها في صلاته الكهنوتية في انجيل يوحنا:"أيها الآب القدوس، احفظهم باسمك، الذي اعطيته لي، ليكونوا واحدا مثلما نحن واحد ... قدسّهم في الحق" يوحنا 17:11.
ويصلي المسيح من أجل المؤمنين ومن أجل الوحدة والطهارة والقداسة وعلى أن أعظم رغبة يطلبها لتلاميذه وللمؤمنين هي أن يكونوا متحدين وهي شهادة قويّة لمحبة الله. وكانت هذه الدعوة الى الوحدة هدفا تعمل الكنيسة على احترامها منذ نشوئها والى اليوم ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة لأن الكنيسة تدار من قبل البشر وهم من طبعهم ميّالون الى التحزّب والاختلاف. وكانت هناك محاولات عديدة لتقريب وجهات النظر بين الكنائس المسيحية في القديم، حيث عُقدت مجامع مسكونية عديدة مثل مجمع ليون سنة 1274 ومجمع فلورنسا سنة 1438 ميلادية. ولم تفلح الكنيسة في جهودها المسكونية في المجمعين. وتشعر الكنائس اليوم أكثر من أي وقت آخر بحاجتها الى التقارب والحوار الجديّ من أجل الوحدة الكنسيّة والعقائدية ونسيان الماضي.
وكان إنعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الخطوة الأولى في الأتجاه الصحيح من قبل الكنيسة الكاثوليكية وذلك لأعطاء المفهوم الجدّي العميق للوحدة تلبية لرغبة المسيح. وتأسيس مجلس الكنائس العالمي كخطوة أخرى في الاتجاه الصحيح. أما عن كيفية تحقيق ذلك، فكانت القرارات المسكونية وبالأجماع في تصفية الأجواء وتبادل الزيارات وفتح باب الحوار وتنظيم حلقات الصلاة من أجل تقديس الذات والنيّات.
ومن ثمار هذه القرارات التقارب الأخوي وإعلان الوحدة الايمانية وتوحيد الأعياد بين الكنيسة الكاثوليكية والشرقية الآشورية برئاسة البطريرك مار دنخا الرابع. وكذلك التقارب العقائدي مع الكنائس الأرثوذكسية ولا سيّما في شأن الاشتراك المتبادل بالأسرار. ومع الكنائس البروتستانتية بفتح الحوار البناء معهم والاشتراك في مجلس الكنائس العالمي.
الكاثوليكية:
الكاثوليكية من المذاهب المسيحية المهمّة في الديانة المسيحية، وهي تشكل أكثر من نصف عدد المسيحيين البالغ عددهم 1 .2 مليار تابع. ولها تأثير بالغ على الحضارة الانسانية بالعموم والحضارة الغربية بالخصوص ولمدة أكثر من الفين سنة. ويعتقد بعض العلماء بأن الكاثوليكية هي الصيغة الأصلية للديانة المسيحية، والبعض الآخر من العلماء يعدونها، الكنيسة الأم لمعظم الكنائس الشرقية والبروتستانتية الغربية.
ومنذ المجمع الفاتيكاني الثاني( 1962ـ 1965)، بدأت تشعر الكنيسة بدورها الرسولي والإنساني والأخلاقي في العالم، حيث بدأت تركز أكثر فأكثر على روح الجماعة، مع إنفتاح لا سابق له على الآخرين مثل الكنائس غير الكاثوليكية والأديان العالمية وحقوق الانسان والمرأة. وللكنيسة اليوم آلاف الجامعات والمعاهد والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحيّة والجمعيّات الخيرية(جمعية الرحمة ـ الكاريتاس) والمراكز الخاصة بالأيتام في أكثر دول العالم.
مريم العذراء في الكنيسة:
تحترم الكنائس الطقسيّة والتقليدية مريم العذراء وتقدرها تقديرا كبيرا ولاسيّما الكنيسة الكاثوليكية إذ تخصص لها أعيادا خاصة بها وتعطيها لقب ملكة السماء وتؤمن على أن لها وساطة شفاعة. وتشجع المؤمن للصلاة لها واكرامها وليس السجود لها لأن السجود هو فقط لله. وتعدّ الكنيسة مريم العذراء، قديسة حملت الله في بطنها، وأعطته الطبيعة البشرية، ولهذا استحقت لقب أم الله (Theotokos). وتصفها بعض الكتابات القديمة للآباء، بالسماء الثانية، وحجتهم في ذلك أن السماء توجد حيثما يكون الله، ولما كان الله في بطنها في شخص يسوع المسيح ولمدة تسعة أشهر، فهي إذا تستحق أن تدعى السماء الثانية أو أم الله.
وقد نالت مريم العذراء الحظوة عند الله، عندما إختارها لكي تحبل وتلد المسيح يسوع (ابن الله). فهي ابنة صهيون واورشليم الجديدة وتابوت العهد الجديد (تابوت العهد القديم كان يحمل الوصايا العشر)، التي بها يصنع الله القدير العظائم التي لا يتصوّرها العقل البشري.
وبحسب انجيل متى وانجيل لوقا لم يكن ليسوع والد ارضيّ لكونه حُبل به في مريم بقوة روح القدس. ومعظم الكنائس المسيحية مع الديانة الاسلامية ايضا يقبلون بالولادة البتولية ليسوع (عيسى) من مريم العذراء.
ويرفع الكاثوليك الصلوات الخاصة بمريم العذراء كل يوم ومن هذه الصلوات السلام عليك يا مريم، التي تعدّ من أشهر الصلواة التي يردّدها الكاثوليك سواء في كنائسهم أم بين أفراد عائلاتهم ومحبيهم وأصدقائهم.
السلام عليك يا مريم.. الممتلئة نعمة .. الرب معك.. مباركة أنت بين النساء، ومبارك ثمرة بطنك يسوع ... يا قديسة مريم يا والدة الله ... صلي من أجلنا نحن الخطأة .. الآن وكل أوان والى دهر الداهرين. آمين.
الخطيئة والتوبة:
تعلم المسيحية أن علاقة المحبة مع الله تعني علاقة المحبة مع الآخرين. ورفض محبة الله هي خطيئة وتنكر لعمله الخلاصي والخروج من تحت بركته ونعمته الخلاصيّة ولولا الكشف عن سر هذا الحب، لما صار الأنسان خاطئا:"لو لم آت وأكلمهم، لما كان عليهم خطيئة. لكن الآن لا عذر لهم في خطيئتهم.. لو لم أعمل بينهم الأعمال التي لم يعملها أحد لما كان عليهم خطيئة" يوحنا 15/ 22ـ 24. وإذا كانت هذه هي حال الخطيئة في الأيمان الكاثوليكي، فهي قد تكون عرضية(خفيفة) أو ثقيلة(مميتة). وبهذه الطريقة تميّز الكنيسة الكاثوليكية بين الخطايا العرضية والخطايا المميتة. والخطيئة سواء كانت عرضية أم مميتة، فهي تبقى خطيئة ويجب التحاشي من ارتكابها. وثقلها في اللآهوت الكاثوليكي يكون عندما يعرف الخاطىء أن ما يرتكبه من عمل شرير، هو بالحقيقة مُخالف وشرير.
فالخطيئة بحسب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية عدد 1440:"هي أولا إهانة الله وقطع للشركة معه. وهي، في الوقت نفسه، مساس بالشركة مع الكنيسة ومن ثم فالارتداد يستنزل علينا صفح الله ويُحقق المصالحة مع الكنيسة، في آن واحد. وهذا ما يوحيه ويحققه سر التوبة والمصالحة".
ولكن المؤمن الكاثوليكي يستطيع أن يسترجع هذه العلاقة الحياتية مع الله، لأن الله حنان، وحبه غير مشروط. وهو كليّ الحب، كلي الغفران حتى نحو الخاطىء العنيد، إذ يغفر لنا سبعين مرة سبع مرّات في اليوم.
وعندما يريد المؤمن الخاطىء أن يسترجع العلاقة مع الله فعليه أن يتصالح مع قريبه، وإلا فما الفائدة من التوبة والمصالحة. وهذه العودة الى الله تظهر في المشاركة في مائدة الرب. ويسبق المشاركة في مائدة الرب الاعتراف بالخطايا لله والكاهن حتى يتطهر الخاطىء ويحصل من الله على الغفران(اغفر لنا كما نحن نغفر لمن أساء الينا).
الصوم:
كان الصوم أمرا إجباريا على اليهود يوما واحدا في السنة، وهو يوم الكفارة (لاويين 23/32) ولكن الفريسيّين كانوا يصومون إختياريا، مرتين في الاسبوع لكي يُظهروا للناس أنهم أتقياء. ولم يفرض المسيح على المسيحية الصوم في الأيام والمواسم، ولكنه أوصى كيفية التصرّف في حالة الصوم كما جاء في انجيل متى: "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فانهم يُغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق اقول لكم: انهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صمت فأدهن راسك وأغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يُجازيك علانيّة" متى 6:16ـ18.
فالصوم إذا يتوقف في مفهومه الطبيعي على الإمتناع عن الطعام أو الشراب. وهو أمر نبيل وصعب، لأنه يُعلم ضبط النفس ويُذكر المؤمن أن يستطيع العيش بكميّات أقل من الأكل. والمؤمن لا يُمكنه أن يُعذب جسده وهو أمر سلبي وغير جائز في المسيحية.
ومفهوم الصوم هو أن يُمارس بفرح وسعادة من دون أن يكون هناك غايات المجد الباطل وان يشعر الصائم بجوع الآخرين وبحاجاتهم والتضامن معهم. وأن يُقارن بالتوبة والمصالحة مع القريب، لأن الصوم من دون توبة لايتعدّى الممارسات الطقسيّة ويكون بعيد كل البُعد عن الممارسة الروحية التي تكلم عنها المسيح في رسالته. وبقدر ما يعتاد المؤمن على ممارسة الصوم ممارسة حقيقية بقدر ما ينضج في الايمان وتستقر نفسه ويدخل في سلام مع الله ومع الآخر.
النصوص
الكاثوليكية المقدسة:
كان يسوع يُكلم الناس ويُشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ويلمسهم بطرق مختلفه عندما عاش بينهم. وهو لا يزال يلمس الناس ويُشاركهم من خلال الكنيسة ويُكلمهم من خلال الكتاب المقدس ومن خلال الأسرار المقدسة التي تعدّها الكنيسة الأفعال الأيمانية التي تنبع من سرّ التجسد.
وتعلم الكنيسة، على أن الكتاب المقدس مُلهم من قبل الله لأناس آمنوا بالرسالة وإستخدموا مواهبهم وخبراتهم الشخصية في كتابته. فهو لم ينزل من السماء ولم يكتبه الله أو ملائكته. أي أنه، كتاب إلهي وإنساني معا.
وتستمد الكنيسة تعاليمها من الكتاب المقدس وتختلف قانونيته لدى الكاثوليك والبروتستانت، إذ أن الكنيسة الكاثوليكية تقبل 46 كتابا من كتب العهد القديم في مجمع ترانت(1545ـ 1563). بينما الكنائس البروتستانتية تقبل 39 كتابا من العهد القديم بحسب قانونيته لدى اليهود، والكتب التي لا تقبلها الكنائس البروتستانتية هي أسفار( طوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ ونبوة باروخ والمكابيين وحكمة سليمان) وتسمي الكنيسة الكاثوليكية هذه الكتب بالقانونية الثانية. وأما بالنسبة الى الكنيسة الارثوذكسية فإنها تقبل العدد نفسه من كتب العهد القديم كما هو لدى الكاثوليك. وبالنسبة الى العهد الجديد فإن الكنائس المسيحية جميعها (الكاثوليكية والارثوذكسية والكنائس البروتستنتية) تقبل 27 كتابا من العهد الجديد. وتستمد الكنيسة الكاثوليكية الوصايا العشر من العهد القديم (سفر الخروج الفصل 20) وتحث مؤمنيها الكاثوليك على حفظها وتقديسها. وهي الوصايا نفسها التي اعطاها الله للنبيّ موسى مع تغيرات طفيفة في المسيحية:
1ـ أن تعبد الرب الهك من كل قلبك ونفسك.
2ـ لا تذكر اسم الله بالباطل.
3ـ إحفظ يوم الرب وقدسّه.
4ـ إحترم أباك وأمك.
5ـ لا تقتل.
6ـ لا تزن.
7ـ لا تسرق.
8ـ لا تكذب.
9ـ لا تشته إمراة قريبك.
10- لا تشته مقتنى غيرك.
ولقد أعادت الكنيسة روحية الوصايا العشر بعيدا عن تشريعاتها الجامدة وحرفيّتها. فالمسيح نفسه في حواره مع أحد الناموسيّين اليهود الذي سأله عن أعظم الوصايا يُركز على هذه الروحانية:"يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس، فقال له يسوع: تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك، هذه هي الوصية الاولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" متى 22/ 37ـ 40 .
نرى من خلال هذا الحوار، فهم يسوع لروح الشريعة، إذ يترك حرفها وجمودها ويُلخصها بوصيّتين فقط، وجوهر هاتين الوصيتين هي المحبة، لأنه لو أحب الانسان حقا فلا يمكنه أن يصنع الشرّ بالقريب، فهي إذن تمام الناموس.
الأسرار المقدسة:
حدّدت الكنيسة الكاثوليكية، الأسرار المقدسة بسبعة أسرار. وهي طقوس دينية تعبّر الكنيسة من خلالها عن عقائدها وإيمانها وخبرتها الروحية. وفيها يلتقي الأنسان بالله وبأخيه الانسان.
وتشجع الكنيسة المؤمنين على ممارستها. وهي علامات العهد مع الله. ولها دور تعليمي وتهذيبي. والغاية منها: تهيئة المؤمنين لقبول النعمة الآلهية وتقديسهم، وتنمية الايمان الشخصي فيهم.
وجدير بالذكر، أن كلمة (سرّ) مُشتقة من الكلمة اللآتينية (سكرمنتوم Sacramantom) وسرّيتها هي في قدسيّتها غير المرئية، إذ لايمكن للمرء أن يحسّ بها او يُدركها إدراكا مباشرا، إلا إذا كان مؤمنا كاثوليكيا. وأما لفظة طقس فهي مشتقة من اللفظة اليونانية ( تاكسيس) وتعني (النظام) أو الترتيب (رتبة).
والأسرار السبعة في الكاثوليكية:
المعمودية ـ التثبيت ـ القربان المقدس ـ الكهنوت ـ الزواج ـ التوبة والمصالحة ـ مسحة المرضى. ومن هذه الأسرار السبعة سوف نتكلم عن القربان المقدس والكهنوت والتوبة وسر مسحة المرضى والزواج، إذ أننا قد تكلمنا عن الأسرار الاخرى في الصفحات السابقة.
الكهنوت
يوجد في جميع الأديان في العالم ما يسمى بالخادم، سواء كانت الديانة توحيدية (إسلامية، يهودية، مسيحية) أم وثنية، أم غيرها من الأديان الأخرى، ويُسمى بمسميّات مختلفة. ففي بعض الأديان يُسمى بالكاهن أو المُلاّ أو القسيس أو الراعي أو المطران.
وتطوّر الكهنوت المسيحي من الكهنوت اليهودي الذي بدأ في عهد موسى وهارون اللذين كانا ينتميان الى هذه الفئة الكهنوتية. وكانت وظيفة الكاهن اليهودي، التناوب على خدمة الهيكل في اورشليم وترؤس الحفلات الطقسيّة وتقدمة الذبائح لله في الهيكل. ويذهب المسيح الى أبعد من موسى وهارون في قوله: أنه كاهن الى الأبد على شبه ملكيصادق (ملك ساليم الذي ظهر لأبراهيم والذي لا يُعرف له سلف ولا خلف).
والخدمة الكهنوتية هي خدمة الكلمة أولا ثم خدمة المذبح، والتعبير الأصح عن الكهنوت هو الوساطة، لان المسيح أرسله الآب وسيطا يتابع رسالته الكهنوتية في بُعدها الأفقي(الناحية الراعوية). والكهنة هم رعاة أو وسطاء شرط أن تعني المصالحة بين الله والانسان وأن يكون مستعدا ببذل نفسه عن خرافه:"المواهب أنواع، أما الروح فواحد. والخدمات على أنواع، أما الرب فواحد. والأعمال على أنواع، أما الله الذي يعمل كلّ شيء في جميع الناس فواحد. كل واحد يتلقى من تجليّات الروح لأجل الخير العام.. وهذا كلهّ يعمله الروح الواحد نفسه موزعا مواهبه على كلّ واحد كما يشاء" 1 كورنثوس 12/ 4 ـ 11.
فالكهنوت المسيحي هو رمز مهمّ جدا في المسيحية، وهو درجة ملقاة على عاتق أشخاص معييّنين مهيّئين لغرض خدمة المؤمنين. والمؤمنون أو العلمانيون هم شركاء في مهمّة المسيح الكهنوتية، وذلك في إعلان رسالة المسيح للعالم بالقول والفعل، لأنهم معاونون في نشر البشرى السارة في العالم. أي أنهم جميعا، كهنة بحسب المفهوم الكاثوليكي لخدمة الكلمة وذلك بالمعمودية والتثبيت والمسحة التي يُمسحون بها، فيُكرسون كهنة بالروح القدس، ويُمارسونها بتقديم حياتهم وأعمالهم شهادة يوميّة حيّة للمسيح أينما كانوا.
ومن هذه الدرجات أو الخدمات التي هي جزء من الخدمة الكهنوتية:
1 ـ الشماسية
هي درجة قديمة في الكنيسة وترجع في أصولها الى القرن المسيحي الأول، حيث كان يخدم الجماعة سبعة شمامسة وأستشهد أحدهم وهو اسطفانوس (اعمال الرسل 6/3). ورسالتهم هي المشاركة المميّزة في خدمة الجماعة ورسالة المسيح ونعمته ومساعدة الكهنة في خدمة المذبح والمؤمنين. إذ يقول التعليم المسيحي الجديد عدد 1570:"ومن صلاحيّات الشمامسة أن يُعاونوا الأسقف والكهنة في إقامة الأسرار الآلهية ولاسيّما الإحتفال بالأفخارستيا وتوزيعها، وأن يحضروا عقد الزواج ويباركوه، ويعلنوا الانجيل ويعلموا، ويرأسوا صلاة الجناز ويتفرغوا لمختلف أعمال المحبة".
2 ـ الكهنوت
أختار المسيح الرسل كمبشرين للرسالة الانجيلية، ولايزال يختار من يستطيع أن يخدم الكلمة والأسرار. وهؤلاء ندعوهم الكهنة، الذين يُمارسون الكهنوت بوضع الأيدي، ويُرسمون لكي يشتركوا في وظيفة الرسل(أعوانا للأساقفة). ويُكلفوا الخدمة الراعوية داخل الكنيسة ومهمتهم هي التنشئة المسيحية للمؤمنين والتبشير بالانجيل وإقامة الشعائر الدينية الكنسيّة والاستعداد للكرازة بالانجيل في كل مكان.
3 ـ الأسقفية
لقد وضع المسيح في كنيسته، خداما بدرجات متفاوتة، لرعاية الشعب المؤمن. ومنهم المطارنة الذين تقيمهم الكنيسة، خلفاء للرسل. وتسمى هذه الدرجة(الأسقفية) والتي هي ملء الكهنوت. وتحتل المحل الأول وفقا لطقس الدرجات في الكنيسة وبحسب أقوال الآباء القديسين. وتولي الكنيسة للأساقفة وظيفة التقديس والتعليم والتدبير. إذ يقول التعليم المسيحي الجديد العدد 1558:"تولي السيامة الاسقفية، مع مهمة التقديس، مهمتي التعليم والقيادة. فهم يقومون بطريقة سامية ومرئية، مقام المسيح نفسه المعلم والراعي والحبر، ويقومون بمهمته".
4 ـ الكاردينالية
الكردينالية هي من الدرجات الكنسيّة الادارية وتشكل ما يُسمى (بمجلس الكرادلة) الذين ينتخبهم البابا لأستلام الوظيفة الإدارية (الكاردينالية Cardinals) أو (أمراء الكنيسة)، وهم يُساعدون البابا في إدارة الكنيسة وفي إنتخابه.
وتوجد كذلك في الكنيسة 12 بطريركا يقومون بادارة كنائسهم بوحدة وألفة مع الكنيسة الأم (الكاثوليكية) وهي كراسي تاريخية. ومنها 6 بطاركة لاتين و6 بطاركة شرقيين.
الطقس الغربي(اللاتيني).. بطريرك الغرب وهو البابا في الفاتيكان ... بطريرك أورشليم (القدس). .. بطريرك ليشبونة... بطريرك فينسيا... بطريرك شرق الإنديز .. بطريرك غرب الانديز(شاغر منذ 1963)... الطقس الشرقي .. بطريرك الأسكندرية(الكنيسة القبطية الكاثوليكية) .. بطريرك أنطاكيا على السريان الكاثوليك .. بطريرك أنطاكيا على المارونيين الكاثوليك .. بطريرك أنطاكيا على الملكيين الكاثوليك... بطريرك بابل على الكلدان الكاثوليك.. بطريرك سيليسيا على الارمن الكاثوليك.
5 ـ البابوية
البابوية من الدرجات الإدارية مثل درجة الخوراسقفية والبطريركية والكاردينالية. والبابا هو المطران الذي يُنتخب لأدارة الكنيسة الجامعة، وهو خليفة بطرس الرسول حسب تعاليم الكنيسة والزعيم الروحي الأعلى فيها.
القربان المقدس(الافخارستيا):
يجد الانسان المسيحي(بحسب آباء الكنيسة) بنوّته في الأفخارستية(القربان المقدس)، وهي من أعظم الأسرار، إذ أنها فرح الفصح الذي يكمل في أحضان الكنيسة المقدسة. وهي تذكير حيّ لما قام به المسيح في العشاء الأخير. كما جاء في انجيل لوقا:"أخذ خبزا شكر وكسر، وأعطاهم قائلا، هذا هو جسدي الذي يبذل لأجلكم، إفعلوا هذا لذكري" لوقا 22/ 19. وكذلك في انجيل يوحنا:"هذا هو حمل الله الذي يزيل خطيئة العالم" يو 1/29.
ويقوم يوحنا بشرح السرّ في انجيله تفصيليّا، ويُعطى له بُعدا تاريخيا في العهد القديم، إذ يقول:"الحق الحق أقول لكم، إن موسى لم يُعطكم خبزاً من السماء، وإنما أبي هو الذي يُعطكم ألآن خبز السماء الحقيقي. فخبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة جديدة للعالم. قالوا له: يا سيد، أعطنا في كل حين هذا الخبز. فأجابهم يسوع:" أنا هو خبز الحياة. فالذي يقبل إليّ لا يجوع، والذي يؤمن بي لا يعطش أبدا" يو 6/ 32ـ 36 .
ومن الممكن إعتبارهذا السرّ(العلامة)، جوهر الحياة المسيحية (الكاثوليكية والأرثوذكسية والكنائس الشرقية وبعض الكنائس البروتستنتية) وهي من أهم العلامات المسيحية، إذ تقول الكنيسة في(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية) منشورات المكتبة البولسية ـ جونيه ـ لبنان سنة 1999 المقال الثالث 1322: "الأفخارستيا المقدسة تختتم مرحلة التنشئة المسيحية. فالذين أُكرموا بالكهنوت الملكي بالمعمودية، وتصوّروا، بالتثبيت، بصورة المسيح بوجه أعمق، يشتركون مع كل الجماعة، في ذبيحة السيد نفسه، بواسطة الافخارستيا".
وتسمى بالافخارستيا وهي كلمة يونانية تعني(أداء الشكر لله)، وقد تُدعى (كسر الخبز)، إذ كما فعل يسوع في العشاء الأخير يفعل تلاميذه وكهنته ويُعيدون ذكره.
أو قد تُسمى الذبيحة المقدسة: لأن الأفخارستية في العهد الجديد تفوق كل الذبائح في العهد القديم أو تسمى بالقداس: لانها ذبيحة حيّة ومقدسة وصادقة يتم فيها سرّ الخلاص الحقيقي لكل البشر. أو قد تسمى بالشركة: لاننا بهذا التجمّع الليتورجي، نتحد بالمسيح وهو يتحد بنا بتناولنا جسده ودمه في ذبيحة القربان المقدس. فالحدث إذا ليس حدثا تأريخيا فقط، وإنما هو حدث دائم التجديد للمسيح القائم من بين الأموات. وهدف يسوع من إعطاء جسده ودمه قربانا على الصليب وعلى المذبح(ذبيحة مقدسة)، ليس هو تحويل الخبز والخمر الى جسده ودمه بل بالأحرى تحويل قلوبنا وجماعاتنا شخصيّا الى(جسده). فالمسيحي وبالأخص الكاثوليكي، يؤمن حقا أن القربان هو جسد المسيح الحيّ، فعليه أن يشترك في الذبيحة الآلهيّة(القداس) ويشارك في تناوله لكي يُصبح متحداً معه. وعليه أن يحترم هذا الجسد ويُقدسّه وأن يتأمل فيه. فهو مصدر للقداسة والتقرّب الى الله، سواء كان من خلال الساعة المقدسة أم من خلال الزيارات الشخصيّة للقربان المقدس الموجود في بيت القربان أم من خلال التأملات الفردية والجماعية في هذه المناسبة المقدسة لدى الكاثوليك.
التوبة والمصالحة:
يدعى هذا السرّ: بسرّ التوبة أو المصالحة مع الله ومع الآخر، إذ على المؤمن بحسب الأيمان المسيحي الكاثوليكي أن يُصالح قريبه قبل أن يتناول جسد المسيح في العشاء الرّباني(الذبيحة الآلهية). إذ جاء في انجيل متى:"فقال بعض الكتبة في أنفسهم إنه يُجدّف. وأدرك يسوع ما يفكرون فيه، فسألهم: "لماذا تُفكرون بالشر في قلوبكم؟ أيهما الأسهل، أن يُقال: قد غُفرت لك خطاياك، أم أن يُقال: قُم وأمش؟ ولكني قلت ذلك لكي تعلموا أن لأبن الأنسان على الأرض سُلطة غفران الخطايا". عندئذ قال للمشلول: قم إحمل فراشك وإذهب الى بيتك. فقام وذهب الى بيته. فلما رأت الجموع ذلك. إستولى عليهم الخوف ومجّدوا الله الذي أعطى الناس مثل هذه السلطة" متي 9/1ـ8.
ويُعدّ هذا السرّ رمزا من الرموز الدينية الكاثوليكية التي تعني العودة الى النعمة والصلاح، والى البداية الجديدة بعد الخطيئة والعصيان والابتعاد عن الله وعن القريب، إذ كيف يُمكننا أن نتصالح مع الله إن لم نتصالح مع بنيه؟. والاعتراف في طبيعة الحال هو هبة مجانية، ومن الممكن أن يكون صعبا ومُخجلاً الإعتراف بكل الذنوب أمام شخص آخر. ولكن المفروض من المُعترف بخطاياه، أن يشعر وكأنه ربح العالم كله أو أنه قد خلق من جديد. فالمسيح أعطى هذا السرّ للشعب المؤمن حتى يكون لكل مؤمن فرصة جديدة لا نهاية لها من العيش تحت نعمته الآلهية. إنه قد يكون مقلقا ومُخيفا حقا أن تركع وتُصرّح بكل ما فعلت من أشياء تخجل منها نفسك أمام شخص آخر تعرفه ويعرفك.
وكان هذا السرّ موجودا منذ اليوم الأول في المسيحية، إذ يمكن القول أنه ولد معها وسيبقى معها إلى منتهى الأجيال. وأن ما يقرّ به المؤمن أمام الكاهن يبقى سرّا لا يعرفه أحد. وأما الكاهن في سرّ الاعتراف، فهو الرمز الذي يُساعد الناس في تقديم النُصح والمشورة، وهو سيجازف بطرده مباشرة من سلك الكهنوت إذا ما ثبُتَ كشفه إعتراف أحد المؤمنين.
وبالأضافة الى كون الأعتراف سرّا مقدسا، فهو أيضا مدرسة تهذيبية نفسانيّة وتعليمية أولى في التاريخ الأنساني التي تقدم الكنيسة من خلاله العلاجات النفسيّة لتعقيدات الحياة اليومية للمؤمنين. فالأعتراف يعني أن (تُعلن) عن المصالحة والتجديد وفتح صفحة جديدة. وهو بالأحرى، الأعتراف بحنان الله أولا، ثم الأعتراف والأقرار بخطايانا مُشدّدين على ما يجب أن يتغيّر في حياتنا لكي نعيد الصداقة مع الله.
مسحة المرضى:
يُسمى بالسرّ الأخير لكونه السرّ المُخصّص للمرضى والذين على وشك الموت. وتثقفف الكنيسة اليوم، الشعب المؤمن بخصوص هذا السرّ وتحاول أن تجعل منه وسيلة شفاء للذين يُعانون من أمراض مختلفة وللمسنين والضعفاء. وبالنسبة للكاثوليك الذين يرغبون أن يحصلوا على الأعتراف الأخير والمناولة الأخيرة، عليهم أن يحصلوا على المسحة الأخيرة بالزيت المقدس، لكي يبقى الدليل على تفقد الله لشعبه. إذ جاء المسيح طبيبا ليبرىء الانسان كله، جسدا وروحا، ويحمل عنه أمراضه وأتعابه وخطاياه.
ويحتفل الكهنة والأساقفة هذا السرّ في أماكن مختلفة، قد يكون في البيوت أم المستشفيات أم في الكنائس ويكون بوضع الأيدي على المرضى والصلاة عليهم ومن ثم منحهم المسحة بالزيت الذي يُباركه الاسقف، وذلك تعبيرا على التعزية والسلام والصبر للتغلب على الصعاب التي تلازم حالة المرض الثقيل أو وهن الشيخوخة(التعليم المسيحي الجديد).
الـزواج:
تحترم المسيحية الزواج إحتراما شديدا وترفعه الكنائس التقليدية الى مستوى السرّ(الرباط) المُقدس، ويجدون فيه سرّ اتحاد الله بالبشرية في شخص الأنسان يسوع (الأله المتجسّد) وكما أن المسيح متحد بكنيسته فهكذا يتحد الزوج بزوجته وهما(الرجل والمرأة) مدعوّان الى أن يحبّ أحدهما الآخر كما أحب المسيح كنيسته. ويقسم من خلاله المتزوّجون أمام الله والكهنة والشمامسة والشعب المؤمن بإحترام هذا القسم الى اليوم الأخير من حياتهم كما قال في انجيل متى: "وجاء اليه الفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل ان يطلق امراته لكل سبب؟ فاجاب وقال لهم: أما قرأتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وامه ويلتصق بامراته ويكون الاثنان جسدا واحدا اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق؟ قال لهم: ان موسى من أجل قساوة قلوبكم اذن لكم ان تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هكذا وأقول لكم: ان من طلق امراته الا بسبب الزنى وتزوج باخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني قال له تلاميذه: ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج، فقال لهم: ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين اعطي لهم لانه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون امهاتهم ويوجد خصيان خصاهم الناس ويوجد خصيان خصوا انفسهم لأجل ملكوت السماوات من أستطاع أن يقبل فليقبل" متى 19 / 1ـ 12.
فالكنيسة تفسّر الزواج على انه سرّ الشركة العميقة الذي أسسه الله وهو إذا ليس مؤسسة انسانية أو عقد مدني، لأن الله الذي وضعه من منطلق حبه للأنسان المخلوق على صورته ومثاله وضعه وأسسه وباركه قائلا لهم:"أنموا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها" تكوين 1/28. وهو سرّ فرح ورجاء، حُب مدهش ودائم، يجد فيه المؤمن الوحدة والأمانة والخصب وعدم إنفصام مدى الحياة، ويؤكد التعليم المسيحي الجديد في الفقرة 1601: "إن عهد الزواج الذي به تقوم بين رجل وامرأة شركة تشمل الحياة كلها، وتهدف، من طبيعتها، الى خير الزوجين والى إنجاب البنين وتربيتهم، قد رقاه المسيح الرب، بين المعّمدين، الى كرامة سرّ".
وتقدم الكاثوليكية والكنائس التقليدية إحتراما شديدا للذين كرّسوا أنفسهم للدرجات الكهنوتية والرهبانية من الرجال والنساء، الذين اختاروا البتولية طريقا للتعبير عن الحب البشري لله ولكنيسته وهو عطية يقبلونها من الله أو هي دعوة الهية:"لستم أنتم اخترتموني لكن أنا اخترتكم" يوحنا 15/ 16.
المــوت:
يؤمن المسيحيون أن الموت هو بداية الحياة الجديدة وليس نهاية كل شىء. وأن الحياة على الأرض ما هي إلا زمنية مؤقتة، لأن المسيح علم في كل مواعظه عن الحياة الأبديّة لكل المؤمنين به. ولما كانت الحياة في المسيح هي تضحية وزهد يومي لكي تزداد الحياة ازدهارا، فهكذا هو الموت، حبا بالحياة الجديدة والدخول اليها طوعا وفرحا. عليه أن يستعد الأنسان المؤمن للموت استعدادا جيدا، لأن الموت يأتي بغتة، لا يعرف الانسان متى وأين وكيف يكون، ولا يمكن نكران هذه الحقيقة. إذ يترك المؤمن كل شىء وراءه والى الأبد ويترك كذلك جسده فريسة للديدان والفساد، ولكن الأمل بعد الموت هو القيامة، حيث السعادة الأبدية التي لا يأكلون فيها ولا يشربون وإنما فرحا يفرحون وتسبيحا يُسبّحون الله. وجميع الناس مدّعوون الى سلوك هذا الطريق، لأن الرجاء بالحياة الأبدية هو لكل الناس، والمسيح مات من أجلهم جميعا:" ليجمع في الوحدة جميع أبناء الله المتفرقين" يوحنا 11/ 52. ويشرح بولس الرسول القيامة من بين الأموات شرحا تفصيليا إذ يقول:"ولكن إن كان المسيح يكرز به انه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم ان لا قيامة للأموات؟ فان لم يكن للأموات من قيامة، فلا يكون المسيح قد قام، وان لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم، فنكون نحن أيضا شهود زور على الله، لأننا شهدنا من جهة الله انه أقام المسيح وهو لم يقمه، وان لم يكن المسيح قد قام فباطل ايمانكم ... فما المنفعة لي ان كان الأموات لا يقومون، فلناكل ونشرب لاننا غدا مائتون" كورنثوس 15:12ـ 32.
فبحسب هذا النص، ان الايمان بالقيامة، ايمان جوهري في المسيحية، لأن الموت هو نهاية الرحلة على الأرض، وهو ايضا نهاية زمن النعمة والرأفة الذي يُقدمه الله للإنسان لكي يُحقق حياته على الأرض وفقا لقصده الآلهي.
وبسبب هذه التعاليم عن الموت وقدسيّته، رتبّت الكنائس المسيحية طقوسا وليتورجيات عن الموت والتحضير له، إذ تحتفل بعض الكنائس (التقليدية) بالموت في يوم خاص في السنة والذي يقع في 16 شباط من كل سنة، وهناك طقوسا مميّزة لهذه المناسبة حيث يذهب المؤمنون الى المقابر مع كهنتهم لتقديم الدعاء والصلوات من أجلهم.
الإحتفالات والأعياد:
غالبا ما تعبر الأديان عن عقائدها وتاريخها الفكري والروحي العريق بخلق نوع من المناسبات والاحتفالات لتذكير الناس والأجيال القادمة بمعناها ومغزاها الروحي والانساني. ونجد في المسيحية الشىء نفسه، إذ أن الأعياد والمناسبات الدينيّة، إنما هي مرآة صافية تعكس التعابير الروحيّة الصادقة عن تلك المناسبات الغنيّة بأرثها الروحي والفكري والحضاري.
عيد القيامة: عيّنت الكنيسة رسميّا تاريخ عيد القيامة يوم الأحد الذي يقع بين 23 آذار و24 نيسان (يختلف تاريخ هذا العيد في بعض الكنائس). ويحتفل المسيحيون بعيد القيامة منذ اليوم الأول من تأسيس ديانتهم. وكان العيد الوحيد الذي يحتفلون به في القرن الأول، إذ كانوا يحتفلون به كل يوم أحد من خلال الذكرى الاسبوعية، ثم في موسم الفصح المجيد، وذلك في شهر نيسان من كل سنة، ويُسمونه بالعيد الكبير أو عيد الأعياد. وكانوا يُعبرّون فيه عن فرحتهم بتحقيق الخلاص لهم، بعبورهم من الخطيئة الى النعمة ومن الظلمة الى النور.
عيد الميلاد: كانت الشعوب الاوروبية تحتفل في هذا اليوم بولادة الشمس التي لاتقهر، كما وأحتفلت الكنيسة بولادة المسيح لكون المسيح هو شمس الحق والنور الذي لا يُغلب، وذلك في يوم الانقلاب الشتوي الذي يقع في 25 كانون الأول(تحتفل الكنائس الاورثوذكسية والمشرقية القديمة والكنيسة الأرمنية والروسية في يوم 6 كانون الثاني بحسب الطقس القديم).
الدنح: كانت الكنيسة تحتفل في يوم 6 كانون الثاني بعيد الميلاد وعيد الغطاس أو عماد يسوع المسيح، بداية السنة الجديدة، ثم بمرور الزمن أصبح المسيحيون يفصلون بين الميلاد والعماد. وأصبح 6 كانون الثاني يُسمى بيوم الظهور الآلهي أو عيد تكريس المياه أو عيد الغطاس ( فيما عدا الكنائس الارثوذكسية).
عيد السعانين: يقع في الأحد الأخير من نهاية الصوم الأربعيني وفي بداية اسبوع الآلام وهوعيد دخول المسيح الى اورشليم ويُسمى بأحد الشعانين أو أحد الزهور أو أحد الأغصان. وهو تعبير يرمز الى دخول المسيح الى الهيكل ليطهّره من الباعة والتجار وكأنه يدخل قبل الفصح والقيامة الى قلوب المؤمنين ليطهرّها من النجاسات والفسق والنميمة.
عيد الفصح: يقع هذا العيد في يوم الخميس وهو اليوم الأخير من الصوم الأربعيني، تحتفل فيه الكنيسة بذكرى العشاء الأخير ليسوع وتلاميذه (ذكرى تأسيس القربان المقدس) ويتم فيه تقديس الأدهان للعماد والميرون (التكريس) وسرّ مسحة المرضى.
الصعود: وهو يوم صعود المسيح الى السماء ويقع أربعين يوما بعد القيامة ويسمى بخميس الصعود او عيد الرش في الطقوس الشرقية.
العنصرة: هو عيد حلول الروح القدس على التلاميذ أو عيد ميلاد الكنيسة، ويسمى بعيد الخمسين (خمسين يوما بعد القيامة). وهو كمال الدورة الطقسيّة لأعياد القيامة في الكنائس الرسولية. ويسمى بعيد الحصاد في القديم أو عيد البواكير الأولى.
الإنشقاقات الكنسيّة:
بدأت بوادر الخلافات والتحزّبات في الجماعة المسيحية الأولى منذ اليوم الأول من نشوء المسيحة. ولايُخفي بولس الرسول، الجدال العقيم حول قبول الوثنيين في المسيحية مباشرة من دون الاعتماد الى الشرع اليهودي وتطبيقاته الدقيقة. فأستوجب عقد أول مجمع في اورشليم لفض النزاع والوصول الى صيغة يوافق عليها الجميع.
وظهرت بعد ذلك تيارات كثيرة تعلن تعاليم هامة حول الايمان والعقيدة وحول شخصية المسيح الجدلية. إذ كان بعض المسيحيين الأوائل يقولون أن المسيح هو ملاك مخلوق من قبل الله، وبعضهم الآخر إدعى أنه إله أدنى من الله الآب وهو لم يفعل شيئا إلا ما أراد الله وأمره. وأما ايريناوس الذي عاش في حوالي(140ـ 202) ميلادية، كان يؤكد ردا على الهرطقات والأفكار المنحرّفة: "أنّ الاله الأسمى هو نفسه الاله الخالق وأنه لا وجود لآلهة سقطوا من جوهر الالوهة، فالله واحد، وهذا الاله قد عرف ذاته لجميع الناس معرفة أولى بواسطة الخلق. ثم أوحى ذاته تدريجيا بواسطة الأنبياء وأخيرا بواسطة ابنه يسوع المسيح". ونتيجة لهذه الأفكار والجدالات حول يسوع، جعل الكنيسة تضطر الى عقد مجمع مسكوني سنة 325 ميلادية لشجب إدعاءات أريوس الباطلة حول طبيعة المسيح ولاهوته. وفي القرن الخامس حدثت جدالات ومن ثمّ انشقاقات بين مدرسة الاسكندرية ومدرسة انطاكيا حول شخصية المسيح والتي أدت الى التراشق بالحرومات. فعقدت الكنيسة مجمع أفسس المسكوني سنة 431 ومجمع خلقيدونية سنة 451 ميلادية.
وفي سنة 1054 ميلادية حدث انشقاق كبير في الكنيسة كانت نتيجته انقسامها الى قسمين: 1ـ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. 2ـ الكنيسة اليونانية(الشرقية) الأرثوذكسية.
وحدثت انشقاقات كنسيّة اخرى بعد ذلك، مثل الانشقاق البروتستانتي في الغرب والذي بدأ سنة 1517 ميلادية (في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية).
وانشقاقات اخرى لاحصر لها في الكنائس البروتستانتية حيث توجد اليوم المئات من المجموعات الكنسيّة المنشقة بعضها عن البعض وتدّعي كلها، على أنها الطريق الوحيد للخلاص والفداء.
ولعلنا نسال عن السبب في كل ما حدث من انشقاقات في جسم الكنيسة، هل هو الله أم الانسان. ولايمكن في طبيعة الحال، أن يكون الله، لأن الانشقاق طريق مؤلم وهدّام ولا يمكن أن يشترك الله في الهدم. فالانسان إذا هو الذي يُلام في هذه الحالة وغايته في ذلك، كما هو واضح وبين، تحقيق مآرب شخصية ذاتية أو سياسية بعيدة كل البعد عن الأيمان وعن مستقبل الكنيسة والخلاص.
ومن الأسباب التي أدت الى هذه الإنشقاقات:
جهل الانسان.. فشله في اقناع المقابل.. كبرياؤه الفارغ.. حُبه للقوة والسلطة.. حُبه للمادة والطمع الغير المشروع.. الأنانية الفردية.. حبه في تحقيق ذاته ومحاولة إثبات طرقه الخاصة به. بالاضافة الى فشله في البقاء مع الله وبصورة صادقة، لأنه إذا بقي أمينا بعلاقته مع الله فإنه يكون أمينا أيضا في علاقاته مع القريب. وهذا يقوده الى الوحدة بدلا من التفكك والانشقاق. ولكن عندما تخرب العلاقة مع الله فإن العلاقة مع الآخر تخرب أيضا، مما يؤدي الى العزلة والابتعاد ومن ثم الانشقاق.
العقائد والأخلاق:
تنطلق الكنيسة الكاثوليكية في تعاليمها الأخلاقية من مبدأ الكرامة الانسانية ومن الأخلاقيات الأنجيلية التي هي القاعدة الأساسية في تعاليمها، لأن ما يُهدّد كرامة الانسان، يُهدّد في الحقيقة الكنيسة والأنجيل نفسه. وتسعى الكنيسة دائما الى الرفع من قيمة الانسان وتندّد بكل ما يُرتكب من جرائم وانتهاكات بأسم الرحمة والعلم والحرية والديمقراطية. لأن الناس كلهم خلقوا على صورة الله ومثاله وبأنهم جزء من تدبير الله وملكوته وبأن الانسان مُخلص ومُفتدى بيسوع المسيح لذلك فكرامته محفوظة ومُصانة ولن تكون بأي حال من الأحوال نتيجة كفاءة أو إنجاز إنساني.
وهذه بعض المواقف الأساسية للكنيسة الكاثوليكية تجاه القضايا الأخلاقية والعلميّة والطبية في عالم القرن الواحد والعشرين:
• تؤمن الكاثوليكية، أن الله لم يتكلم فحسب بل تجسّد في شخص بشري هو يسوع المسيح، الذي يعمل في الكنيسة من خلال أبناءها الذين هم مدعوّون لكي يؤمنوا ويفهموا ويُفهموا الآخرين ويُبشروا بالكلمة الحيّة أينما كانوا.
• تؤمن الكاثوليكية، أن المسيح هو المُعتمد الوحيد والحق لخلاص الانسانية وهو وسيط الخلاص وسراطه، والحاضر لأجل البشر في جسده الذي هو الكنيسة، التي أنشأها كي تكون آداة ضرورية للخلاص (المجمع الفاتيكاني الثاني).
• تؤمن الكاثوليكية، أن المسيحية هي دين الخلاص. وعلى الانسان المسيحي بحسب هذا المفهوم اللاهوتي أن يتوقف عند أقدام الصليب لكي يخلص من الخطيئة التي هي ديّن لا يُمكن للمرء بقوّته وقدرته الذاتية أن يوفيه إلا من خلال الفداء على الصليب الذي كان وبحق التغطئة الكافية لديون البشر جمعاء: "فلا خلاص بأحد غيره لأنه ما من اسم تحت السماء أطلق على أحد من الناس ننال به الخلاص" أعمال الرسل 4/12.
• تؤمن الكاثوليكية، أن الحياة الأبدية ترتكز على الاشتراك في حياة الله ذاته بإتحاد الآب والإبن والروح القدس. والانسان مدعوّ الى اتحاد كهذا بيسوع المسيح. والقيامة هي تعبير عن الحياة التي تنتصر على الموت وتلغي حدوده:"أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا وكل من يحيا ويؤمن بي لن يموت للأبد" انجيل يوحنا 11/21.
• تؤمن الكاثوليكية أن الله، مُحب للبشر وعادل عدالة لا متناهية، مع التأكيد على كونه رحيم غفور يفتح صدره للخطأة ويعفو ويُخلص البشر الخاطئين. وهو يُدين من لايتوب ويرفض الخلاص والويل لمن يقع في يد الله الحيّ الذي لا يُريد موت الخاطىء الى أن يتوب ويحيا حياة صالحة.
• تؤمن الكاثوليكية، أن الأحياء في هذا العالم والذين انتقلوا على رجاء القيامة هم دائما جسد واحد (شركة القديسين) فالموت لا يفصم عري الوحدة بين المسيح وجسده الذي هو الكنيسة. لأن الأموات الذين تمثلهم الصور والإيقونات هم أيضا لهم دورهم في التسبيح والتمجيد.
• تؤمن الكاثوليكية، أن منزلة العذراء مريم تفوق منزلة الملائكة، لأن الإتحاد تمّ فيها بين الله والإنسان، وأن الكلمة الإلهية(ابن الله) قد اتخذ جسده من مريم، وهي أصبحت بسبب هذا الحبل الإلهي، هيكلا حيّا للأله الذي لاتجسر طغمات الملائكة أن تنظر إليه. ومجدها إذا مُستمد من ذلك الذي أعطته للعالم وأصبحت هي أمه (أم الله) وأم لكل الذين يؤمنون به.
• تؤمن الكاثوليكية، بالحوار مع المسيحيين الآخرين وكنائسهم بروح جديدة من التفاهم والحوار من دون تسميّتهم التسمية القديمة الجارحة(الأخوة المُنفصلين). وبإنشاء العلاقات القوية مع مجمع الكنائس العالمي الذي أسس في سنة 1948 في امستردام ويضم حاليا 300 كنيسة موزعة على 105 قطرا في العالم وهو يمثل 600 ـ 700 مليون مسيحي من الارثوذكسيين والبروتستانتيين. والإنفتاح كذلك مع الاديان الأخرى ومع كل ذوي الارادة الصالحة.
• تبدي الكاثوليكية إحتراما فائقا للحرية الانسانية وهي تعلم في عقائدها استنادا على النصوص المقدسة بأن الناس جميعا ذو عقل وارادة حرّة ومن ثمّ ذو مسؤولية شخصية، فبدافع طبيعتهم وكرامتهم عليهم أن يطلبوا الحقيقة ولاسيّما تلك التي تتعلق بالدين وهم ملزمون، إذا وجدوا الحقيقة أن يعتنقوها(بيان المجمع الفاتيكاني الثاني" في الحرية الدينية ").
• تعترف الكاثوليكية بالواجبات المترتبة عليها تجاه الأديان وتقاربها ووحدة الانسانية، كما جاء في الوثيقة الفاتيكانية للمجمع الفاتيكاني الثاني:"جميع الشعوب يؤلفون اسرة واحدة: فهم جميعهم من أصل واحد إذ أسكن الله الجنس البشري كله على وجه هذه الأرض، ولهم جميعهم غاية قصوى واحدة، وهي الله الذي يبسط على الجميع كنف عنايته، وآيات لطفه، ومقاصده الخلاصية، الى أن يجتمع مختاروه في المدينة المقدسة التي يُضيئها مجد الله، وفي نوره تسلك الشعوب جميعا".
• تؤمن الكاثوليكية، أن إتحاد الجنسين يتم بالزواج الذي هو صلة عميقة وإرتباط نهائي وهما يُكملان أحدهما للآخر وهما جزءان من جسد واحد مشيرا الى أن أحدهما لا يكتمل دون الآخر.
• تحرّم الكاثوليكية، تنظيم الولادات ووسائل منع الحمل بالوسائل الاصطناعية وعدم التسرّع في قبول كل شىء جديد (رسالة الحياة الجديدة ـ البابا بولس السادس).
• تحرّم الكاثوليكية، الإجهاض المتعمّد، فالاجهاض، جريمة القتل المتعّمد، إذ لايمكن أن تقبله الكنيسة أو تؤيده بأي شكل من الأشكال، ولأن الحياة الانسانية تنشأ فور تلقيح البويضة، وهي ليست ملك الأب والأم، بل هي حياة كائن بشري جديد ينمو لذاته، فلا يمكن ممارسة الإجهاض كهدف أو وسيلة، لأن الإجهاض هو في الحقيقة تمرّد على الله، الذي هو خالق الحياة وحاميها. كما جاء في رسالة يوحنا بولس الثاني ـ انجيل الحياة:(حياة الأنسان مقدسة لأنها تفترض منذ البدء عمل الله الخلاّق وتظل أبدا في علاقة خاصة مع الخالق، هدفها الوحيد. فالله هو سيّد الحياة من بدايتها حتى نهايتها). وكما يؤكد التعليم المسيحي الجديد في الفقرة 2318: (للولد الحقّ في الحياة منذ الحبل به. والاجهاض المباشر، أي المقصود كغاية أو وسيلة هو "ممارسة خبيثة" تتعارض بوجه خطير والشريعة الطبيعية، والكنيسة تقاصص بعقوبة الحرم القانونية هذا الاجرام الى الحياة البشرية).
• تحرّم الكنيسة الكاثوليكية، استخدام الأجنة والنطف على أنها مواد بيولوجية، وتحرّم استعمالها كمصدر للأعضاء والأنسجة للزرع، لأن قتل الكائنات البريئة لمنفعة الآخرين، هو شىء مرفوض على الاطلاق:(بما أنه من الواجب معاملة الجنين كشخص منذ الحبل به، فلا بد من الدفاع عن سلامته، ومن الإعتناء به وشفائه، مثل كل كائن بشري آخر) التعليم المسيحي 2323 .
• تحرّم كل أنواع القتل الرحيم أو كل أنواع الاهمال الذي يؤدي الى الموت بحجة الدفاع عن الحياة.
• تدافع الكنيسة عن حقوق الفقراء والمظلومين، وإلا ما الفائدة من حضور القداس يوميّا إذا ما أهملنا المسكين الذي أحبه الله"أريد رحمة لا ذبيحة".
• تدافع الكنيسة عن حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها ضد المعتدي والمغتصب، دفاعا سلميّا حواريا من دون الوصول الى درجة الترهيب والقتل.
• تدافع الكنيسة عن حقوق الأديان والمرأة والأطفال والسياسيين والاعلاميين والمفكرين ضد القوانين الفاشيّة التي تُرهب الانسان وتقمعه وتمنعه من التواصل الفكري والحضاري.
• تدافع الكنيسة عن الحياة والكرامة البشرية ومعارضة الأبحاث العلمية على الخلايا الجذعية للأجنة البشرية والاستنساخ البشري لكونها ممارسات تتعارض والمبادىء الأخلاقية ولايمكن قبولها على الاطلاق.
• تدافع الكنيسة عن الانسان وعن كرامته وقيمته في المجتمع ضد كل ما يحط ّمنه ومن أصالته، وتَخليصه من واقع جَعله آلة مسيَّرة لا رَونق لها ولاحياة. زد على ذلك أنه لا يجوز حتى للانسان ذاته أن يقصد إذلال نفسه أو أن يَحُط من كرامته، لأن الأمر يتعلق بواجبات الانسان نحو الله، عليه تأديتها وهي ليست حقوقا يتصرف بها كما يشاء.
• تدافع الكنيسة عن الفقراء والمعوّزين ماديّا والمهمّشين والمظلومين في المجتمع من خلال التضامن الحيّ معهم. وعلى الحكومات والمؤسسات الاجتماعية تحجيم مثل هذه الإجراءات التعسفية والظالمة وذلك للخير العام والمنفعة الانسانية العادلة.
الكنيسة الأرثوذكسيّة:
الكنيسة الارثوذكسيّة، ثالث أكبر كنيسة بعد الكاثوليكية والبروتستانتية وتسمى أيضا (الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقية) أو (الكنيسة الأرثوذكسّة اليونانية). إذ بدأت رسميا في سنة 1054 ميلادية، بعد بروز الاختلافات العقائدية والحضارية واللاهوتية بينها وبين الغرب المتمثل في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. ويُسمى ذلك الانشقاق (بإنشقاق الشرق الكبير). وإنتشرت الكنيسة الارثوذكسية في اوروبا الشرقية والشرق الأوسط وروسيا ودول البلقان. مع بقاء المركز الكنسيّ في القسطنطينيّة والتي تسمى اليوم استنبول. ويتوسع إنتشار هذه الكنيسة اليوم في كل دول العالم ويزيد عدد المنتمين اليها عن 340 مليون تابع وتتمركز في اليونان وروسيا وأوروبا الشرقية ودول البلقان ودول الشام.
الأيمان الارثوذكسي:
تعني كلمة الأرثوذكسيّة Orthodoxy ، وهي كلمة يونانية، الطريق الصحيح أو الأيمان القويم. ويستعمل المصطلح أيضا، بنفس المعنى والمفهوم في الديانة اليهوديّة أو الكاثوليكية أو حتى في المجالات السياسيّة والأدبية.
وتؤمن الكنيسة الأرثوذكسّة أن نشوءها كان في القرن الأول المسيحي، وتمارس الطقوس الدينية الشبيهة جدا بالطقوس الكاثوليكية. ولا تختلف عقائدها اللاهوتية عن العقائد الكاثوليكية، فيما عدا الاجتهاد اللآهوتي بخصوص الدينونة الخاصة والعامة. حيث تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية، بخلود النفس مباشرة بعد انفصالها عن الجسد في الموت، وتدان من قبل الله دينونة خاصة. وهناك دينونة عامة يُكافأ فيها المؤمن أو يُعاقب. ومن الإختلافات الأخرى في الأرثوذكسية، مسألة الإعتراف بالسلطة البابوية في روما رئيسا للكنيسة إذ فيها بطاركة محليون يُنظر اليهم كأعلى سلطة كنسية.
وتتميز الكنيسة الارثوذكسّة بتقاليدها العريقة وإرثها الثقافي والليتورجي واللاهوتي الغني جدا، مثل فن الايقونات(صور القديسين) والموسيقى الكنسيّة والألحان الطقسيّة الرائعة.
وهي تتألف من مجموعة من الكنائس التي تتحد إيمانيّا وعقائديا وتتمتع كل منها بإستقلاليتها الخاصة وسلطتها الكنسيّة المستقلة. وهناك المنظمة العالمية للكنائس الأرثوذكسية التي تنظم الاجتماعات بينها، وتدار من قبل المطارنة الارثوذكس ويُدعى رئيس هذا التجمع بالبطريرك ويُعطى لبطريرك القسطنطينية المركز الفخري الأول بسبب تاريخية هذا الكرسىّ وقدمه. وأما بالنسبة الى دور العلمانيين فيها، فهو دور قويّ ومهم ولاسيّما في إدارة شؤون الكنيسة الروحيّة والزمنيّة مثل التعليم والارساليّات والبرامج التثقيفية والخيرية.
النصوص المقدسة:
تؤكد الكنيسة الارثوذكسية على أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، موحى به من قبل الله، وأنه الأساس الفكري والعقائدي واللآهوتي والايماني لتعاليمها الكنسيّة. وتحترم الكنيسة القراءات الكتابية في طقوسها اليوميّة وفي أيام الآحاد والأعياد إحتراما شديدا. وترى الكنيسة نفسها، الحارس والمُفسّر الشرعي الصحيح للكتاب. وترى في العهد القديم التهيئة والتحضير لمجىء المسيح. وتؤمن أن العهد الجديد هو الدستور الشرعي لها، والمصدر الأهم لحياتها الروحيّة والطقسيّة ولعقائدها الفكرية واللآهوتية.
الأعياد والاحتفالات:
ان الأعياد والاحتفالات اليومية والاسبوعية والسنوية الارثوذكسّة، جزء مهم من حياة الجماعة المؤمنة. وهذه قائمة بأعياد هذه الكنيسة العريقة:
الميلاد الألهي أو الحبل الألهي Theotokos في 8 ايلول.
عيد إرتفاع الصليب المقدس في 14 ايلول من كل سنة.
تقدمة الطفل الأله للهيكل في 21 تشرين الثاني.
عيد الميلاد في 25 كانون الأول.
عيد الدنح (عماد المسيح Epiphany ) في 6 كانون الثاني.
تقدمة المسيح للهيكل في 2 شباط.
عيد البشارة (Evangelismos) في 25 آذار.
عيد الفصح (Pascha ) يتغير تاريخه من سنة الى اخرى بحسب التقويم القمري.
الصعود: يقع بعد القيامة بأربعين يوما.
عيد الروح القدس(Pentecost) يقع خمسين يوما بعد القيامة.
عيد التجلي (Transfiguration): يقع هذا العيد في 6 آب.
المذهب الأسقفي الانكليكاني:
تسمى هذه الكنيسة بالكنيسة الانكليزية Anglicansوهي الكنيسة الأم لكل الكنائس الاسقفية والانكليكانيةEpiscopal في العالم، وتنتشر بشكل واسع في بريطانيا والجزر التابعة لها والولايات المتحدة وأفريقيا واستراليا ونيوزيلاندا. ويرجع تاريخها الى القرن السادس عشر، وذلك في زمن الملك (هنري الثامن) الذي كان يرغب بالحصول على تفسيح قانوني من زوجته الأولى (كاترينا الارغونية) التي لم تكن تنجب الأطفال بسبب عمرها الكبير. وكان يرغب بالزواج من (آن بولين) على أمل أن يكون له منها ولد يرث العرش من بعده. وكان في ذلك الوقت يتربع على عرش البابوية في روما(البابا كلمنت السابع)، والذي رفض منحه هذا التفسيح قائلا أنه يُخالف العقيدة المسيحية. فما كان منه إلا أن خرج عن طاعة البابوية وفصل الكنيسة في انجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية التي مركزها في روما. وعيّن في كانتربري (توماس غرانمر) رئيسا للأساقفة، الذي بدوره سمح له بتفسيح زواجه من كاترينا والزواج من (آن بولين)، التي أنجبت له طفلة أصبحت بعد وفاته (الملكة اليزابيت الأولى).
بدأت الكنيسة بعد الانشقاق عن الكاثوليكية بالأنتشار في كل المستعمرات الانكليزية في العالم. وتشكل هذه الكنائس مجلسا أعلى تحت إدارة كرسي كانتربري في انكلترا، ويبلغ عدد التابعين لها اليوم 80 مليون تابع. ويبلغ عددهم في أمريكا حوالي 3 ملايين تابع ولكن قوّتهم السياسيّة أكبر بكثير من عددهم الصغير.
وبدأت هذه الكنيسة برسامة قسيسّات للكنيسة منذ قبل عشرين سنة، وهي تعدّ خطوة أولى وجريئة مقارنة بالكنائس الأخرى. وفي سنة 1988 رسمت الكنيسة (بربارة هاريس) أول مطران في الكنيسة الأسقفية الانكليكانية.
وتجمع الكنيسة الانكليكانية في ثناياها التقاليد الكنسيّة الكاثوليكية والبروتستانتية ولكنها تتمتع بإستقلالية تامة عن كل الكنائس. مع أن لها ثوابت دينية خاصة بها ولاهوت يختلف قليلا عن الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية.
والكتاب المقدس هو موحى به من الله في الكنيسة الانكليكانية، التي تحتفل بالأفخارستية(العشاء الأخير) أيام الآحاد والأعياد على الطريقة الكاثوليكية. وتقرّ كل ما جاء في المجامع الكنسيّة الأولى مثل مجمع نيقية.
الكنيسة المعمدانية:
أسست هذه الكنيسة في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل(روجر وليامز) سنة 1600 ميلادية. وكان السيد وليامز قسيّسا بروتستانتيا في الكنيسة الأسقفية الانكليكانية، الذي هاجر الى الولايات المتحدة بسبب محاربة أفكاره التجديدية في انكلترا ووجد هناك أرضا خصبة وحريّة دينية لا مثيل لها في عالمه الاوروبي آنذاك. فأسس أول كنيسة له في أرض تابعة للقبائل الهندية الأمريكية (ناراغانسيت) وبمساعدة القبائل الهندية الأخرى أسس أول مجتمع ديني مسيحي حرّ في أمريكا. وبعد جهود شاقة منه ومن أتباعه المبشرين الأوائل، انتشر هذا التيار المسيحي الحرّ في كل أرجاء البلاد الأمريكية.
وتعرف الكنيسة المعمدانية غالبا بالكنيسة الأنجيلية ولها المؤسسة العليا للمجلس المعمداني الأعلى الذي أسس في سنة 1927 في رود آيلاند Rhode Island. والذي أعلن في كل التصريحات والقرارات، أن الكنيسة المعدانية هي كنيسة مسيحية مستقلة لها الحق في ارسال مُبشرين مسيحيين الى كل ارجاء العالم.
تمارس الكنيسة القيّم الديمقراطية في أعمالها الادارية وتؤمن بالحرية الفردية. ويتمتع كل عضو فيها، الحق في انتخاب القسس والمبشرين والاداريين الكنسيّين.
وللكنيسة المعمدانية في أمريكا ثوابت دينية مسيحية تربطها ببعضها البعض وهي:
ان للكتاب المقدس السلطة المطلقة ولا يُمكن الاعتماد على أي مصدر آخر للأيمان أو أي عقيدة تخالف عقيدة الكتاب المقدس.
تربط الكنيسة المعمدانية أعضاءها برباط المعمودية القويّ والذي يدعونه برباط المؤمن للدخول الى الجماعة الايمانية.
تحصر العضوية الكنسيّة بقوة شديدة وتفرض على الأعضاء أن يُثبّتوا إنتماءهم الكنسيّ بوثائق رسمية وبالممارسات الكنسيّة.
تؤمن الكنيسة بالحقوق المتساوية لجميع اعضاءها وبتمتع أعضائها في حق التصويت والانتخاب بخصوص القسس وإدارات الكنائس واللجان الكنسيّة.
تؤمن الكنيسة بوجود السلطة المطلقة للمسيح وبحرية الكنائس المعمدانية التي تتمتع بنوع من الاستقلالية الخاصة بها.
تصرّ الكنيسة المعدانية، على أنها الكنيسة الحرّة والمستقلة، وفي حالة طاعة حقيقية للمسيح والتي تدعم دعما كاملا في الفصل بين الكنيسة والدولة ومن دون تدخلات خارجية.
وجدير بالاشارة أن التعاليم الأخلاقية للكنيسة المعمّدانية أثرت تاثيرا إيجابيا في صياغة الدستور الأمريكي وهي التي أكدت على ضمان الحرية الدينية والحريّات العامة وقوانين حقوق الانسان في ذلك الدستور. وكان لها الدور المهّم في صياغة حرية الأجناس البشرية وأصولها المختلفة مع عدم وجود تفرقة بينها بقدر ما يوجد بين الأفراد. ومن تعاليمها الأخلاقية، عدم الايمان بزواج المثليين ومنعها برسم القسس منهم وبوقوفها وبقوة ضد الإجهاض والقتل الرحيم وزرع الأجنة والأنسجة.
شهود يهوه:
بدأت هذه الحركة الكنسيّة من قبل مجموعة من الشباب المسيحي المُتدّين في مدينة بيتسبرغ Pittsburgh في ولاية بنسلفانيا Pennsylvania سنة 1872 من قبل (تشارلس تازي روسيل) وخليفته (جوزف فرنكلين روثرفورد) اللذين كانا أعضاء في الجمعية العالمية لطلاب الكتاب المقدس في مدينة بيتسبرغ. وكان هدف الجماعة الأولى الأعلان عن الأسم الحقيقي لله والذي هو بحسب رأيهم ( يهوه Yahweh) أو جهوفا Jehovah. والتي أصبحت النواة الأولى لكنيسة جديدة تحت اسم (شهود يهوه Jehovah s Witnesses). وكان أول عمل أنجزته تلك الجماعة تحت إدارة (ناثان هومر كنوّر)، ترجمة الكتاب المقدس الجديدة وبحسب مفهومهم الجديد الذي آمنوا به وإقتنعوا به. وتنتشر جماعات شهود يهوه اليوم في أكثر من 200 دولة من دول العالم.
وتتمتع جماعة شهود يهوه بالأستقلالية التامة من جميع الجماعات المسيحية الأخرى، حيث أن لها مشاركات قليلة جدا مع الكنائس الاخرى وعلى مستوى ضعيف جدا. وتتجنب المشاركة في البرامج الحكومية السياسيّة والمدنية. إذ أن أعضاءها لا يتطوّعون في الجيش ولا يُصوّتون في الأنتخابات.
الأيمان:
كان هدف هذه الجماعة هو تأسيس مملكة الله على الأرض(مملكة دينية إلهية). ويُؤمنون بتحقيق هذا الهدف بعد الحرب العالمية الأخيرة (أرمجدون ـ Armageddon) وهي الحرب التي يعتقد المسيحيون المتطرفون على أنها سوف تدور رحاها في الشرق الأوسط وينتصر فيها (المسيح) على المسيح الدجال ويؤسس مملكة الله التي تدوم ألف سنة، ينعم فيها البشر بسلام تحت حكمه العادل (بحسب تفسيرهم لسفر الرؤيا).
ولعله هذا الاعتقاد، كان السبب المباشر في ظهور أشخاص يتنبأون عن مجىء المسيح الثاني. حيث تنبأ القس روسل بمجىء المسيح سنة 1874، ولم تتحقق نبوءته فإعتذر لعدم دقته الزمنية، فتنبأ ثانية بمجىء المسيح سنة 1914 ولم تتحقق نبوءته وللمرة الثانية.
وتؤكد جماعة شهود يهوه على أن يسوع المسيح هو وكيل الله الحقيقي الوحيد، الذي بواسطته سوف يكون الصلح بين البشر وبين الله (جهوفا). ويعدّون الكتاب المقدس كلام الله المعصوم الذي يتكلم المسيح معهم من خلاله. وهم قاموا بترجمته الى لغات عالمية عديدة تحت اسم (الترجمة العالمية الجديدة للكتب المقدسة). ويرفض علماء الكتاب المقدس من الكاثوليك والبروتستانت ترجماتهم ويعدّونها غير صحيحة وغير صادقة.
وتلتقي جماعة شهود يهوه في كنائس تسميها قاعات المملكة ـ Kingdom Halls. وتعيّن الجماعة المناظرين أو الشيوخ. وهناك ايضا الرئيس أو الخادم الكبير للجماعة. ومن أهم الطقوس عندهم العماد، إذ أنه الشرط الأهم للأنتماء الى الجماعة، ويمنعون الطلاق، إلا في حالة الزنى. ولكنهم لا يؤمنون بوحود الجنة والجحيم، والموت عندهم نهاية كل شىء.
الطقوس والعادات:
تؤمن جماعة شهود يهوه ان الميلاد حدث حقيقة في 2/ 10 وهي تحرّم الإحتفال به، وتحرّم ايضا الإحتفالات الدينيّة الأخرى كعيد الشكر ويوم الاستقلال الأمريكي وعيد الفصح والقيامة. وتؤمن كذلك بصلب المسيح وموته وقيامته. ولاتؤمن بوجود يوم مقدس مثل السبت أو الأحد، إذ هي تقدس كل أيام السنة. وتخصص المناصب الكنسية جميعها للرجال، ولا يحق للمرأة أن تكون لها منصب في عقائد هذه الجماعة. وهي من الكنائس المتطرفة في فرض وجهة نظرها وطريقة تفكيرها وذلك بزيارة العوائل والأفراد في البيوت والذين يُسمون الجوالين (المُبشرون من بيت الى بيت) وتجدهم دائما في الباصات وفي أماكن الاستراحة وأماكن العمل يُوزعون المناشير ويُناقشون الأمور الدينيّة محاولين إقناع الناس بآرائهم.
الكنيسة اللوثرية:
من الكنائس المهمّة في مجموعة الكنائس البروتستانتية. أسسها في القرن السادس عشر، الراهب الكاثوليكي الاوغسطيني (مارتن لوثر)، الذي كان استاذا للاهوت في جامعة ويتنبرغ في ساكسوني Saxony .
حاول(مارتن لوثر) أن يُصلح الكنيسة الكاثوليكية ويُنقذها من الانحرافات والخرافات التي كانت تسيطر عليها في القرون الوسطى. ولكن الكنيسة حرّمته ومنعته من التدريس ومن ممارسة مهامه الكنسيّة. فأبتعد عنها نتيجة لذلك وأسس ما يُسمى بالكنيسة اللوثرية(البروتستانتية).
وأنتشرت تعاليمه في المانيا والدول الأسكندافية بسرعة شديدة. ومن ثمّ انتشرت تعاليمه في القارة الأمريكية الشمالية في القرن الثامن عشر وبعدها الى العالم أجمع.
وهي الديانة الرسمية لعدد من دول اوروبا الشمالية وتمارس الطقوس الكاثوليكية القديمة، ولا تعترف بالسلطة البابوية في الفاتيكان، ولا تقبل أية سلطة اخرى، فيما عدا سلطة الكتاب المقدس الألهية وسلطة المسيح المُطلقة.
الأيمان اللوثري:
تؤمن اللوثرية على أن البشرية خاطئة من طبيعتها بسبب الخطيئة الأصلية، وهي واقعة تحت سلطان القوة الشيطانية. وان الأيمان اللوثري هو الطريق الوحيد للخلاص من نير هذه الخطيئة.
وتستند العبادات اللوثرية بشدة على تعاليم الكتاب المقدس، وتؤكد على أن الطريق الأمثل لمعرفة الله وارادته هي قراءة الكتاب المقدس وتطبيقه في الحياة، وأن الكتاب المقدس هو كلمة الله الألهية الذي كتبه الرسل والأنبياء لخدمة البشر في كل مكان وزمان.
وتمارس الكنيسة، الطقوس الكاثوليكية نفسها فيما عدا بعض الاختلافات في الأسرار الكنسيّة التي إختزلها(لوثر) الى سريّ العماد والعشاء الأخير. وهي تمارس الديمقراطة في إُختيار القسس من قبل أكثرية الشعب وتسمح بزواج رعاتها الروحانيين بعكس الكاثوليك الذين يفرضون العزوبية على كهنتهم. ويُقدر عدد المؤمنين بهذه الكنيسة حوالي 70 مليون تابع في العالم وأما في الولايات المتحدة الأمريكية فيُقدرعددهم 10 مليون تابع.
الكنيسة الميثودية(النظامية):
نشأت هذه الكنيسة في أيرلندا وسرعان ما انتقلت الى الأراضي الأمريكية مع المؤسسين الأوائل(جان ويسلي وتشارلس ويسلي) والجماعات التي آمنت بدعوتهم. وجاء معهم مبشرون مشهورون مثل (فرانسيس أسبيري) الذي وصل الى أمريكا في سنة 1771 ميلادية، والذي كان يتجول في كل المناطق، مبشرا بالمذهب الجديد في أثناء الثورة الشعبية ضد الاستعمار الانكليزي. فإنتشرت الكنيسة في المناطق الانكليزية بسرعة فائقة ولكنها انشقت الى قسمين بسبب مشكلة العبيد سنة 1845 ميلادية. واتحدت الكنيستان تحت اسم الكنيسة الميثودية البروتستانتية سنة 1939 ميلادية. وفي شهر نيسان من سنة 1968 انتمت الكنائس الخاصة بالسود الى الكنيسة الأم وأسسوا معا ما يُسمى (الكنيسة الميثودية المتحدة) وذلك في مدينة (دالاس ـ تيكساس) وفي المؤتمر الكنسي العام. وفي 1924 أعطت الكنيسة الحقوق الكهنوتية المُحدّدة للنساء المؤمنات، وفي 1956 رسمت بعض منهن قسيّسات، وفي 1980 كانت السيدة (مارجوري ماثيوس) أول مطران لهذه الكنيسة. ويزيد عدد التابعين لهذه الكنيسة اليوم على 11 مليون تابع في العالم.
وتؤمن الكنيسة بالكتاب المقدس وتعدّه كلام الله الموحى به للرسل والأنبياء وهي تمارس بعض الطقوس التقليدية مثل العماد والعشاء الأخير مع قبول قانون الأيمان القديم من مجمع نيقية. وللكنيسة برامج ناجحة جدا للتبشير في العالم كله، حيث تستخدم كل أنواع الشبكات الإتصالاتية الحديثة. وتؤكد على ضمان الحقوق المتساوية للمرأة مع الرجال في كل الممارسات الكنسّية.
الكنيسة الشرقية:
كان القرن الأول الميلادي، العصر الذي شهد نشوء الديانة المسيحية والتي انطلقت من اورشليم الى كل العالم. وكانت الدولة الفارسية من الأماكن التي وصلت اليها المسيحية عن طريق مملكة الرُها، فتأسست الكنيسة المشرقية التي لاتزال تحاول أن تشق طريقها نحو المستقبل مع احتفاظها بإرثها الروحي والعقائدي والتاريخي بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي تواجهها كل يوم.
ولكنيسة المشرق اليوم أبرشيات في كل من العراق ولبنان وسوريا وايران وأميركا واوروبا واستراليا وروسيا والهند وغيرها من الدول التي يتواجد فيها مؤمنون من أتباعها الذين يربو عددهم على المليون ونصف المليون تابع في العالم.
شىء من التاريخ:
إذا قرأنا سفر أعمال الرسل، نجد أنه منذ اليوم الأول لنشوء المسيحية كان هناك أناسا من بين النهرين وبلاد فارس يسمعون خطابات الرسل، وبعضهم إهتدوا للمسيحية. ولعلهم كانوا النواة الأولى لكنيسة المشرق: "فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليّين فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها: فرتيون وماديّون وعيلاميّون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس وآسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيّروان والرومانيّون المستوطنون واليهود ودخلاء كريتيّون وعرب نسمعهم يتكلمون بالسنتنا بعظائم الله" سفر أعمال الرسل 2/ 7ـ 11.
وعندما نتكلم عن الكنيسة المشرقية، فإننا نتكلم عن الكنيسة التي نشأت في الرها(أورفا الحالية في تركيا). وهي كنيسة الشهداء، التي عاصرت كل أنواع الأمبراطوريات في الشرق الأوسط ومورست ضدها كل أنواع الإضطهادات. ولا تزال تعاني من كل أنواع الإهمال وسوء الفهم(بقسمها الآشوري والقديم)، حتى من قبل الكنائس المسيحية الأخرى التي حكمت عليها بالحرّم والإهمال من دون الاطلاع على تعاليمها وعقائدها.
وتنقسم الكنيسة المشرقية اليوم الى الكنيسة الشرقية الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. وكانت الكنيسة المشرقية، تدعى بالكنيسة البارثية أو كنيسة ساليق وقطيسفون أو كنيسة الفرس. وامتدت رسالتها الى منطقة بين النهرين، وتمركزت حول المدائن ومن ثمّ انتشرت الى الجزيرة العربية والهند والصين واليابان وأندونيسيا في الشرق والى مصر وفلسطين وقبرص في الغرب. حيث وُجدت منقوشات وصلبان تابعة لهذه الكنيسة في (هسيان Xi an ) الصين وفي اللغة السريانية الآشورية الكلدانية الآرامية.
وتقول كتب التاريخ الكنسية بأنها أسست من قبل مار توما ومار أدي ومار ماري (بحسب تعاليم آباء الكنيسة) في القرن الأول الميلادي. وانتشرت في الأمبراطورية الفارسية بالرغم من القتل والتشريد والإضطهادات ضدها من قبل ملوك الفرس، التي اشتدت في القرن الرابع في عهد شابور الثاني والذي سُمي عهده بعهد الأضطهاد الأربعيني لدوامه أربعين سنة وذلك بسبب مرسوم ميلان سنة(311) الذي أصدره الامبراطور قسطنطين والذي أعطى الحرية الدينية في الإمبراطورية بعد إهتدائه الى المسيحية. ولم يخف التوتر والاضطهاد في الامبراطورية الفارسية ضد المسيحيين إلا بمجىء يزدجرد الاول(399ـ 422) للحكم، والذي خلق نوع من الهدوء في العلاقات الدبلوماسية مع الامبراطورية الرومانية.
وبسبب الأضطهادات الكثيرة ضد هذه الكنيسة والأهمال الكبير من قبل الغرب وصعوبة الاتصال مع الكنائس الغربية. وبسبب العلاقات المتوترة بين الغرب المتمثل في الامبراطورية الرومانية والتي أعلنت مسيحيّتها، وبين الشرق المتمثل في الأمبراطورية الفارسيّة والتي كانت تدين بالزرادشتية، أصبح من الصعب على الكنيسة أن تقاوم كل هذه التجارب والمشقات. وكان لابد لها أن تجد حلا يُنقذها من الوضع المأساوي الذي كانت فيه. فإنفصلت عن أخواتها الكنائس الغربية في أنطاكيا والقسطنطينية والاسكندرية وروما. وحدث ما يُسمى بالأنشقاق عن الايمان الارثوذكسي القويم، واتهمت الكنيسة بالهرطقة النسطورية، ومع أنها لم تكن جزءا من الصراع الدائر في الغرب آنذاك في قضية البطريرك نسطوريوس. وبدأت القصة بتأثير الجدال الذي نشأ بين نسطوريوس الذي كان بطريركا للكنيسة البيزنطية في القسطنطينية وقورلس الذي كان بطريركا للكنيسة في الاسكندرية، حول طبيعة المسيح وأمومة مريم العذراء. وقيل أن البطريرك نسطوريوس صرّح في خطابه عن مريم العذراء، على أنها أم المسيح "Christotokos" وليست أم الله"Theotokos" . وكان نسطوريوس قد أتهم من خصومه في الأسكندرية ولأسباب ربما سياسية، على أنه يقسم المسيح الى شخصين فصلا كاملا(قبل التجسد وآخر بعده)، ونتيجة لهذا الصراع، عُقد مجمع أفسس في سنة 431 ميلادية وتبناه رسميّا مجمع بيث لافاط (484) ومجمع ساليق وقطيسفون(486). وأدين نسطوريوس في مجمع نيقية، وأعتبر هرطوقيّا وعُزل عن منصبه البطريركي. وناقش الآباء في المجمع ولأول مرة قضية لاهوت المسيح وناسوته (طبيعة المسيح الألهية والأنسانية)، وذلك لتثبيت الأسس اللآهوتية للأيمان وتجّنب الأشكالات والجدالات المستقبلية في الكنيسة. ونفي بعدها نسطوريوس الى الصحراء الليبية حيث توفي سنة 451 ميلادية. وفرض المجمع على جميع أتباعه والمؤمنين بوجهة نظره، أن يتركوا مناصبهم ويُلزموا الصمت. فهاجر قسم كبير منهم الى المناطق الفارسية التي كانت الموطن الأم للكنيسة الشرقية. وكان نتيجة لذلك، الأنقطاع الكامل بين الكنيستين الذي دام أكثر من ألف سنة. ويبدو أن الأمبراطور الفارسي رضي بهذا الأنشقاق وأوقف الأضطهادات الدينية ضد الكنيسة الشرقية وسمح ببناء كنائسهم لأول مرة، وإنتشرت الرسالة المسيحية بعد ذلك ووصلت الى الهند والصين واليابان في الشرق والى مصر وقبرص في الغرب. حيث كان رئيس الكنيسة الشرقية يُرسل المطارنة الى كل هذه الدول المذكورة الى القرن السادس عشر. وكانت الكنيسة الشرقية قد وصلت الى الصين في سنة 635، وكان لها وجود قويّ في منغوليا، إذ أن البطريرك(مار ياهبالاها الثالث) الذي تبوأ الكرسي البطريركي للكنيسة الشرقية في سنة ( 1283ـ 1318 ) ميلادية، كان من بلاد منغوليا وهو أكبر دليل على وجود قويّ للكنيسة الشرقية في ذلك البلد.
وفي القرن الخامس عشر (1552) حدث انشقاق في جسم الكنيسة، حيث توحّدت جماعة من الرهبان والكهنة والمؤمنين التابعين لها مع الكنيسة الكاثوليكية في روما تحت اسم الكنيسة الكلدانية وفي مرسوم بابوي مؤرخ في 28 نيسان 1553، عيّن رئيس الأديرة الكلدانية (شمعون سولاقا) بطريركا وألبس الدرع المقدس باسم شمعون الثامن سولاقا ووصل آمد ـ دياربكر في 12/11/1553 وجعل مقرّه البطريركي فيها. ونال البطريرك الجديد اعترافا رسميّا من السلطان العثماني. ولكن الاتصال إنقطع بين أتباع هذه الكنيسة بعد قرن من الزمان عندما تبوأ الكرسي البطريركي الخليفة الرابع للبطريرك الكاثوليكي وذلك بعد نقله الكرسي البطريركي الى مدينة (قوجانس) في منطقة حيكاري في تركيا سنة(1662). وإضطرت الفاتيكان الى تعيين البطريرك الجديدا لكرسي دياربكر تحت اسم الكنيسة الكلدانية بعد انعزال خلفاء شمعون سولاقا في جبال قوجانس. وبعد وفاة البطريرك(النسطوري) في دير الربان هرمزد في 1804 أختارت الكنيسة الكاثوليكية برئاسة البابا بيوس الثامن، المطران الكاثوليكي الموقوف عن الخدمة(يوحنا هرمز) رسميا، باطريركا كلدانيا كاثوليكيا في تموز 1830 ومركزه الموصل. وبقي الكرسي البطريركي في قوجانوس منفصلا عن روما تحت الاسم الأصلي للكنيسة وهو بطريرك الكنيسة الشرقية.
وحدث انشقاق آخر في الكنيسة المشرقية بسبب التغيير في التقويم الكنسي للأعياد في سنة 1964، والذي أدى الى نشوء الكنيسة الشرقية الآشورية والتي مركزها في شيكاغو ويرأسها البطريرك مار دنخا الرابع والكنيسة الشرقية القديمة والتي مركزها في بغداد ويرأسها البطريرك مار أدي الثاني.
وفي 11 تشرين الثاني 1994 وفي لقاء تاريخي جمع البطريرك مار دنخا الرابع مع البابا يوحنا بولس الثاني، وقع الأثنان وثيقة الوحدة الايمانية Declaration of Faith"" في الفاتيكان. وهي وثيقة تاريخية تعترف فيها الكنيسة الكاثوليكية بأيمان الكنيسة الشرقية الصحيح (القويم).
بعض التواريخ المهمة لكنيسة المشرق:
تأسيس الكنيسة في الرها(أورفا) في القرن الآول الميلادي وتمركزها حول المدائن (العراق).
تبشير مار أدي ومار ماري لبلاد الرها والمدائن، العاصمة الأرشاقية في نهاية القرن الأول الميلادي واستشهادهم من أجل الرسالة المسيحية.
224 ميلادية، تعامل أرداشير الأول، مؤسس السلالة الساسانية بكثير من التسامح مع المسيحيين.
241 ـ 272 ميلادية، تعامل المسيحيون بشدة وصرامة في عهد شابور الأول بسبب انتشارهم وزيادة قوّتهم وتهديدهم لأركان الديانة المزدية التقليدية.
328 ميلادية، تعيين مار شمعون برصباعي، جاثليقا لكنيسة المشرق بعد إقالة الجاثليق " فافا" بضغط من الآباء الغربيين في أنطاكيا، لحسم النزاع في الكنيسة وبسبب سوء ادارته.
341 ميلادية، القاء القبض على مار شمعون برصباعي وعلى مائة وثلاثة آخرين من الأساقفة والكهنة، وتدمير عدد كبير من الكنائس(الاضطهاد الأربعيني) وبأمر من الملك الفارسي.
341 ميلادية، نيل الجاثليق مع اخوته المحجوزين الشهادة بشجاعة فائقة من دون أن ينكر دينه في منتصف نيسان في يوم الخميس من عيد الفصح المجيد وبأمر من الملك الفارسي.
410 ميلادية، تحسن العلاقات الكنسية مع السلطات الفارسية وعقد الكنيسة مجمعها الاول والذي سمي مجمع (مار اسحق) في مدينة ساليق تحت رئاسة مار اسحق الجاثليق الجديد وبمساعدة مار ماروثا الميافرقيني.
497 ميلادية، انفصال كنيسة المشرق وبصورة نهائية عن الكنائس الغربية في أنطاكيا وروما بسبب الجدالات اللاهوتية في الغرب حول طبيعة المسيح ومكانة مريم العذراء في المسيحية.
540 ـ 521 ميلادية، تسلم مار أبا الكبير الكرسي الجاثليقي لكنيسة المشرق وانضمام القبائل العربية المتمركزة حول الحيرة (المناذرة) لكنيسة المشرق.
605 ميلادية، تأزم العلاقة بين الكنيسة والدولة الفارسية في عهد الملك الفارسي كسرا الثاني الذي لم يسمح بتبوء الكرسي الكنسي بعد وفاة الجاثليق سنة 609 وبقاء الكرسي شاغرا الى سنة 628.
630 ميلادية، محاولة الجاثليق وعدد من مطارنته للتفاوض بين الامبراطورية الفارسية والبيزنطية في عهد الامبراطور هرقل.
637 ميلادية، انتصار العرب على الفرس في معركة القادسية وترحيب المسيحيين من العائشين تحت نير الحكم الفارسي بالفتح العربي.
649 ـ 659 ميلادية، تولي ايشوعياب الثالث الحديابي المنصب الجاثليقي لكنيسة المشرق وقيامه بتنظيم الكنيسة طقسيّا وعقائديا.
685 ـ 700 ميلادية، دخول الكنيسة في عهد جديد من العلاقة المتأزمة داخليا بسبب الصراع على السلطة.
780 ميلادية، تبوء مار طيماثيوس للكرسي الجاثليقي لكنيسة المشرق والذي عرف بالعلم والفضيلة وادارته الجيّدة للأمور ولتعامله الحكيم مع الخلفاء العباسيين.
1155ـ 1281 ميلادية، انطلاق الحملات المغولية نحو بلدان آسيا الوسطى وتدميرها للكنائس والأديرة والمكتبات والجوامع والمساجد من دون تمييز.
1281 ميلادية، انتخاب مار يهبالاها جاثليقا للكنيسة الشرقية وهو من منغوليا خلفا للبطريرك دنحا.
1284 ميلادية، اعتناق المغول للإسلام في عهد تكدار وخلفه أرغون ومحاولة الكنيسة بقيادة مار يهبالاها الوساطة بين المغول والكنيسة في الغرب بقيادة الراهب صوما.
1340 ميلادية، انضمام قسم من أتباع الكنيسة الشرقية في قبرص الى الوحدة الكنيسة الكاثوليكية في 1445، وأعطائهم البابا أوجينس الرابع اسم الكلدان، تيمّنا بإسم كلدو في جنوب العراق وتبع ذلك دخول المرسلين الفرنسيسكان والآباء الدومنيكان واتصالهم بأبناء الكنيسة الشرقية لجذبهم الى الوحدة مع روما.
1318ـ 1332 ميلادية، بداية السيطرة لعائلة أبونا على الكرسي الباطريركي لكنيسة المشرق وانتخاب البطاركة من أفراد هذه العائلة، ابتداءً من طيموثاوس الثاني الذي كان الأول في هذه السلسلة. فأصبح الكرسي وراثيا محصورا في عائلة واحدة ولقرون عديدة.
1553ـ 1551 ميلادية، ترشيح الراهب (يوحنا سولاقا) الذي كان رئيسا لدير الربان هرمزد والرئاسة البطريركية لكنيسة المشرق والذي سافر الى روما برفقة وفد من الأعيان، ورسم بطريركا للكنيسة الكلدانية في الموصل في 20 نيسان 1553 بإسم (يوحنا سولاقا). وقلده البابا يوليوس الثالث درع الرئاسة المعروف بالباليوم.
1662 ـ 1700 ميلادية، عودة الكنيسة الشرقية المتحدة مع روما الى التقاليد الكنسية القديمة وانفصالها عن روما بعد بقائها متحدة لمدة قرن كامل وذلك في عهد البطريرك شمعون الثالث عشر الذي انتقل مع أتباعه الى بلدة قوجانس(قوتشانس) شرقي تركيا في جبال كردستان حيث بقي هناك حتى الحرب العالمية الاولى.
1830 ميلادية، منح الحقوق البطريركية الشرعية من قبل روما لبطريرك كلداني جديد وهو (يوحنا هرمز) الذي كان له دور مهم في تنظيم أمور الكنيسة وتقوية دورها الوحدوي مع روما.
1842 ميلادية حدوث مذابح وتهجير في تركيا ضد أتباع الكنيسة الآشورية من قبل الامراء والعشائر الذين إستولوا على قراهم وأراضيهم.
1914 ميلادية، بداية الهجرة الجماعية لأتباع الكنيسة الشرقية من الآشوريين والكلدان من قراهم وأراضيهم في تركيا بسبب نشوء الحرب العالمية الاولى.
1917 ميلادية، تعرض المسيحيون الآشوريين والكلدان للمذابح في المناطق الشمالية الغربية من ايران(آذربايجان) بعد إنسحاب الجيش الروسي تاركين الآشوريين تحت رحمة أعدائهم، واضطرارهم للهجرة الجماعية الى العراق المحتل من قبل الانكليز، ووصول 60 ألفا منهم الى مدينة بعقوبة.
1933 ميلادية، تهجير أعضاء الكنيسة الآشورية وتشتت أبنائهم في معظم البلدان في العالم بسبب المذابح التي ارتكبت بحقهم في منطقة "سميل" في شمال العراق اثر الانتفاضة التي قاموا بها والتي كانت تهدف الى إقامة نوع من الحكم الذاتي ولكن المصالح البريطانية والحكومة في بغداد قضت بإحباط تلك الانتفاضة والتي جند العراق كل طاقاته للقضاء عليها وابعد على إثرها البطريرك (شمعون إيشاي) الى قبرص أولا ومنها الى لندن وبعدها الى الولايات المتحدة وأغتيل في سنة 1942 ميلادية في مدينة سان فرنسيسكو(كاليفورنيا).
1964 ميلادية، حدوث انشقاق كنسي كبير أثر القرار الذي اتخذه البطريرك في تغير التقويم الكنسي اليولياني القديم الى التقويم الغريغوري الكاثوليكي. عندما لم يُرض ذلك جماعة من المؤمنين الذين أسسوا كنيسة خاصة بهم سنة 1968 في بغداد بقيادة المطران توما درمو الذي كان في الهند.
1976 ميلادية، انتخاب مار دنخا الرابع(اسقف طهران) باطريركا على الكرسي الرسولي لكنيسة المشرق الآشورية الذي اتخذ من شيكاغو مقرا مؤقتا له وهو يُحاول منذ اليوم الأول من رسامته أن يوحد شعبه وكنيسته وأن يفتح أبواب كنيسته على سائر الكنائس في العالم وأن يشجع الأكليروس للتسلح بالعلم والثقافة الدينية الحديثة.
1971 ميلادية، انتخاب مار أدي الثاني باطريركا للجناح الثاني من كنيسة المشرق بعد وفاة الباطريرك مار توما درمو. وبقائه رسميا في بغداد تحت اسم الكنيسة الشرقية القديمة.
العقائد:
تؤمن الكنيسة الشرقية بقانون الأيمان لمجمع نيقية سنة 325 ميلادية. وتحتفل بالأعياد المسيحية نفسها مع إختلاف بسيط في توقيت البعض منها. وتمارس الأسرار المقدسة وتحترم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتعدّه كلمة الله الموحى بها الى الأنبياء والرسل. وهي تحافظ على ايمانها بالثالوث الأقدس وبالمسيح الاله وبمريم العذراء أم الطبيعة البشرية.
وتعترف الكنيسة الكاثوليكية بالممارسات الأيمانية لكنيسة المشرق على انها ممارسات صحيحة ولا شك في صدقيّتها الأرثوذكسيّة الكاثوليكية بعد زيارة البطريرك مار دنخا الرابع في 1992. وهي اليوم عضو مهم في مجلس الكنائس العالمي.
الكنيسة السبتية:
(الأدفنتستية)
تتمتع الكنيسة السبتية Adventists بسمعة جيدة اليوم ولاسيّما في خصوص النظام الغذائي الصحيّ التي تفرضه على أعضائها. من منعها شرب المُنبّهات والكحول والتدخين الذي تعدّه من المُحرّمات الى الأنظمة الغذائية النباتية التي تحاول أن تنشرها بين أعضائها. وتتمتع الكنيسة أيضا بسمعة جيّدة في المستشفيات التي تديرها في العالم والكتب العلمية والصحيّة التي تطبعها لفائدة الناس الصحيّة. إذ لها 155 مستشفى و276 عيادة طبية وعدد لا بأس به من المعاهد الطبية والعلميّة التي تساهم في تعليم الناس كيفية الأعتناء بصحتهم ونوعية الأغذية التي عليهم تناولها وعن كيفية طبخها، وتدير الكنيسة آلاف المدارس الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في العالم. وتؤمن وبقوّة في فصل الدين عن الدولة وفي ممارسة الديمقراطية والحرية من دون التدخل في السياسات العالمية والمحلية. وكان للكنيسة نحو 497, 663 ,13 مليون تابع أو معمّد في العالم سنة 2004. ولها الارساليّات التبشيرية التي تنتشر في كل دول العالم وتثبت الأحصائيات الكنسيّة والمدنية بأن الايمان السبتي المسيحي يزداد حوالي 11% في السنة، في 205 دولة من دول العالم.
نبذة تاريخية:
هي جماعة مسيحية بروتستنتية تؤمن وبشدة بمجىء المسيح الثاني وتحاول أن تكون على استعداد دائم لأستقباله. وتعتقد الكنيسة أنه سوف يفصل في مجيئه الثاني بين الأشرار والقديسين. وللكنيسة جذور في اليهودية والتقاليد النبوية الأواخرية المسيحية. أسسها وليم ميللر William Miller، الذي كان قسيّسا معمدانيّا، أعلن عن مجىء المسيح الثاني وحدد لمجيئه التاريخ 21 من نيسان في سنة 1844. وتشجع في رؤياه حينما جذب التأييد من بعض القسس والمُبشرين البروتستانت وأتباعهم. ولم تتحقق رؤياه في التاريخ المُحدّد كما هو معلوم، فعيّن تاريخا ثانيا في 22 تشرين الأول من سنة 1844 ولم تتحقق الرؤيته الثانية. وأصيب بخيبة أمل كبيرة كاد أن يعتذر ويتنازل عن منصبه الكهنوتي لولا إصرار مؤيديه بحجة أن المجىء الثاني سوف يتحقق يوما ما من دون تحديد التاريخ والمكان الجغرافي. ولكنه أصرّ مع رفاقه بأن ظهوره سوف يكون في يوم السبت. وآمنوا كذلك أن عباداتهم الأسبوعية يجب أن تكون في يوم السبت لتساعد في تسريع مجيئه الثاني ولهذا جاءوا بالأسم الجديد (كنيسة اليوم السابع أو الكنيسة السبتيّة).
وبدأت بعد السيد ميللر، المُبشرة آيلين وايت Ellen White بتسجيل رؤياها الروحية عن الكنيسة وعن مستقبل البشرية في 1844، وبدأت تتنقل بين اوروبا وأمريكا واستراليا لعقد الاجتماعات الدينية والتكلم مع الناس حول رؤيتها للمسيح وتأسيس الكنيسة السبتية وعن أهداف وجود السبتية في العالم. وفي 21 أيار 1863 أسست الكنيسة السبتية رسميا وآمنت السيدة وايت على أن التاريخ الذي حدّده وليّم ميللر لظهور المسيح كان دقيقا للغاية، إلا أنه كان تاريخا تحقيقيا يبدأ فيه المسيح دينونته وفصله بين الأخيار والأشرار. وبعد الانتهاء من الدينونة والفصل سيظهر المسيح ظهوره الثاني والأخير.
وتختلف الممارسات الروحيّة للكنيسة السبتبة من مكان الى آخر، إذ تمارس بعضها طقوسا عصرية مُتحرّرة وبعضها الآخر طقوسا تقليدية مُتشدّدة ولاسيّما بخصوص الملابس والخدمة الكنسيّة والموسيقى.
ومن هذه المُمارسات:
العبادة يوم السبت بدلا من يوم الأحد المُخصّص للعبادة من قبل معظم الكنائس المسيحية وبأعتباره يوما آدميّا أعطاه الله للبشر لكي يستريحوا من الأعمال ويتفرغوا للعبادة والتسبيح (غيّرت الكنيسة الكاثوليكية يوم العبادة رسميّا من يوم السبت الى يوم الأحد في مجمع لوديشيا سنة 364 ميلادية Council (of Laodicea circa.
من عقائد الكنيسة السبتية:
تؤمن الكنيسة بالكتاب المقدس وبالمعمودية للبالغين وبالتغطيس الكامل في الماء وبالتوبة والأعتراف عن الخطايا.
تحرم الكنيسة الخمور والتدخين وكل أنواع اللحوم والقهوة والمُنبّهات الأخرى تحريما شديدا.
تفرض الكنيسة الأزياء المناسبة للرجال والنساء في أيام الخدمة الكنسيّة في يوم السبت.
تمنع الكنيسة الزواج المختلط حتى مع المسيحيين أعضاء الكنائس الأخرى.
تسمح الكنيسة الطلاق في الحالات الخاصة جدا.
تؤيد الكنيسة النظريات العلمية مثل نظرية التطور وتؤيد دراستها في جامعاتها وكنائسها.
تؤمن الكنيسة بحقوق المرأة وبالدفاع عنها وإعطائها دورا قويّا في الخدمة الكنسيّة، مع منع رسامة القسيّسات.
تؤيد بعض الكنائس السبتية الزواج المثلي بحجة أن الله يُحب كل أنواع البشر وهو أرسل إبنه لخلاص جميع البشر.
كنيسة البنتيكوستية
جماعة الروح القدس(الخمسينيّة)
لعله من الشائع جدا في العالم الغربي، عندما نتكلم عن البنتيكوستاليزم Pentecostalism فإننا نتكلم عن(التكلم بالألسن). وتعود جذور هذه الكنيسة الى الكتاب المقدس والى الجذور المسيحية الاولى في بداية نشوئها. حيث كان المسيحيون في القرن الأول يقبلون الروح القدس ويتكلمون بالألسن، كما جاء في أعمال الرسل:"وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين وظهرت لهم السنة منقسمة كانها من نار واستقرت على كل واحد منهم وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتداوا يتكلمون بالسنة اخرى كما اعطاهم الروح ان ينطقوا وكان يهود رجال اتقياء من كل امة تحت السماء ساكنين في اورشليم، فلما صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيّروا لان كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته. فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض، أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس وآسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بالسنتنا بعظائم الله. فتحيّر الجميع وارتابوا قائلين بعضهم لبعض، ما عسى ان يكون هذا وكان آخرون يستهزئون قائلين انهم قد امتلاوا سلافة" أعمال الرسل 2/ 2ـ 13 .
وهي من الكنائس الأنجيلية البروتستانتية التي تؤكد على مواهب الروح القدس كما نجدها في الكتاب المقدس في يوم الخمسين من صعود المسيح الى السماء ونزول الروح القدس على الرسل والمسيحيّين الأوائل.
شىء من التاريخ:
بدأت هذه الكنيسة في 1867 من قبل جماعة من المؤمنين المسيحيين البروتستانت الذين كانوا يبحثون عن القداسة الحقيقية وممارسة الايمان المسيحي الحقيقي ولهذا سُميّت في بداية نشوئها بالحركة المقدسة Holiness movement وكان من المحتمل أن تكون، البدايات الأولية لنشوء الحركة الخمسينيّة، ولكن النشوء الحقيقي لها كان في 1901 عندما حصلت (أغنس أوزمان ) مواهب الروح القدس وتكلمت بالألسن وهي تصلي في الاجتماع الخاص للصلاة في ولاية كنساس في الولايات المتحدة. واشتهر (السيد وليم سيمور) في إحدى المدارس في تكساس إذ كان يتكلم بالألسن حينما كان يُصلي. وفي شهر 9 أيار سنة 1906 في لوس أنجيلوس Los Angeles كان الأجتماع الرسمي الأول لهذه الكنيسة، وفي 18 أيار 1906 كان التاريخ المُحدّد لتأسيسها عندما قامت مجموعة من أتباع هذه الحركة بأيجار الكنيسة الصغيرة في مدينة لوس انجيلوس والتي سميّت (رسالة الأيمان الرسولية) وتعتبر معظم الكنائس الخمسينية نفسها فروعا من هذه الكنيسة الصغيرة. كما واسست بعدها جمعيّات الله في 1914 وكنائس الله الخمسينيّة في 1919.
وبالنسبة الى عدد المنتمين الى هذه الكنيسة اليوم، فإنها تختلف من دولة الى اخرى ومن إحصاء الى آخر. إلا أن جميع الأحصائيات تثبت بأنها من أسرع الكنائس إنتشارا في العالم، إذ ينتمي اليها حوالي 19 مليون شخص كل سنة ويقدّر عدد أتباع هذه الكنيسة 25 % ( 550 ـ 600 مليون ) من عدد المسيحيين في العالم. ويوجد كذلك أكثر من 11,000 طائفة تابعة لها في العالم.
ويجب أن لا ننسى دور هذه الكنيسة العظيم في خلق فرص العمل للمنتمين اليها وتثقيفهم وإخراجهم من واقع الفقر والبؤس. ففي 1999 نشر تقرير من الأمم المتحدة حول هذا الموضوع قائلا:"كانت الكنائس الخمسينية من أنجح الكنائس التي تساعد الناس في إخراجهم من واقع الفقر الذي يعيشون فيه من توفير المأكل والملبس لهم وتثقيفهم وتهيئة الأجواء الانسانية لهم في العيش الكريم".
الأيمان:
يستطيع الأنسان أن يخلص بمجرد الأيمان بيسوع المسيح ربا وإلها بحسب العقيدة الخمسينيّة وتؤمن الكنيسة كذلك بالعماد شرطا أساسيا للعضوية في الكنيسة، ولكن العماد الأهم هو عماد الروح القدس والذي يعدّ (النعمة الثانية)، ويُصاحبه الغناء والرقص الروحي والتكلم بالألسن والشفاءات من الأمراض، ومن لا يُظهر موهبة من المواهب المذكورة في اعتقادهم فهو لم يقبل الروح القدس لقلة إيمانه أو إيمانها. والشرط الوحيد لحصول هذه المواهب هو التوبة الصادقة عن الخطايا وقبول المسيح ربا ومخلصا. وتؤمن هذه الجماعة أيضا على أن الكتاب المقدس هو السلطة الحاكمة في قضايا الأيمان، كما وان الفهم الشخصي للكتاب والأقتداء بالمسيح والوصول اليه روحيّا هي الطريقة الوحيدة للخلاص.
وتؤمن الكنيسة كذلك بالثالوث الأقدس مثل معظم الكنائس الأخرى. ومن الطوائف الخمسينية الرئيسة هي (جمعيات الله Assemblies of God) وتوجد ايضا كنائس تابعة للكنيسة الخمسينية في الولايات المتحدة والتي هي من الكنائس المتطرّفة جدا، إذ تعتقد، أن الأيمان بيسوع المسيح يُعدّ كافيّا للخلاص، من دون التركيز الى (الآب والروح القدس) وتسمى بكنيسة (الرسل Apostles). ويُسمى لاهوتهم باللآهوت التوحيدي. وهذا ما ترفضه معظم الكنائس في العالم ويعدّونه تعليما منشقا أوهرطوقيّا Heretics. وتغالي بعض هذه الكنائس في التطبيق الحرفي للكتاب المقدس ولاسيّما المقطع من انجيل مرقس الذي يقول:"وقال لهم اذهبوا الى العالم أجمع واكرزوا بالأنجيل للخليقة كلها، من آمن وأعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدان وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بالسنة جديدة ويحملون حيّات وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة امين" مرقس 16/ 15ـ 20. وهم يفهمون العبارات حرفيّا ويحاولون تطبيقها عمليّا، ولاسيّما العبارة المجازيّة التي تقول:" وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرّهم". ولا يتردد بعضهم في شرب السُم ليثبت قوة ايمانه وقبوله للروح القدس.
كنيسة المينونية:
تعدّ كنيسة المينونايت(المينونية) Mennonites من الكنائس الصغيرة والمتشدّدة جدا في الحفاظ على التقاليد الدينية القديمة للعهد القديم والعهد الجديد. وسميّت بأسم مؤسسها القس الهولندي (مينو سيمونز Menno Simonze)، الذي أسسها في القرن السادس عشر. وقررت الجماعة الأولى بسبب مشقة الحياة والاضطهادات الدينية في هولندا في سنة 1663 بالهجرة الجماعية الى العالم الجديد(أمريكا). وهاجرت جماعات صغيرة منهم الى روسيا القيصرية في نهاية القرن الثامن عشر، والذين شتتوا بعد الثورة البلشفيّة الشيوعية ولم يبق منهم فيها اليوم إلا جماعة صغيرة جدا.
وتنتشر جماعات المانونية في أكثر من 60 دولة، ويتجاوز عددهم (1) مليون تابع. وتحتفظ هذه الجماعة بالتقاليد الكنسيّة التقليدية، ولا تقبل عماد الصغار إذ يُعطى فقط للبالغين مثل أكثر الكنائس البروتستانتية. ويؤمنون بسلطان الكتاب المقدس المطلق، وبالتفسير الشخصي للكتاب. وكانت الجماعة تحافظ على طقوسها الدينية باللغة الألمانية حتى القرن التاسع عشر. ومن المبادىء الأخلاقية لها: مساعدة الفقراء بكل الطرق الممكنة وتثقيف الناس بالقيّم الأخلاقية الانجيلية ونشر بذور الحرية والسلام في العالم. كما وأنهم لايشتركون بالفعاليّات السياسية والعسكرية، حيث كانوا يدفعون الفدية في الحرب الأهلية الأمريكية والحروب الأخرى لتجنب الالتحاق بالخدمة العسكرية. كما ولهم مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم الخاصة بهم والمنتشرة في معظم الدول الغربية.
كنيسة الآمش:
أسست كنيسة الآميش Amish في أوروبا من قبل (جاكوب أمان Jacob Amman (1644 to 1720 ومنه جاء أسمها آميش. وكانت في بداية نشوئها حركة اصلاحية في جماعة المانونية لغرض ارجاع المانونية الى جذورها. ولما لم يكن بأمكان المؤسس أن يعمل من داخل جماعات المانونية، إنفصل عنهم ليؤسس جماعة خاصة به في نهاية القرن السابع عشر. وبعد أن واجهوا المضايقات والتحرّشات من الحكومة والجماعات الكنسيّة الاخرى، إضطروا الى الهجرة الى الولايات المتحدة، وذلك طمعا بالحرية الدينية المتوفرة هناك في بدايات القرن الثامن عشر، حيث استقروا في بنسلفانيا ونيو يورك والولايات الامريكية الأخرى.
وعاشت جماعات الآميش هناك في تجمّعات منفصلة عن بقية الناس وحاولوا العيش على الأكتفاء الذاتي، وهم لا يزالون يعيشون في أمريكا في تجمّعات خاصة بهم. واما بالنسبة الى عقائدهم فهم يلتزمون بالتقاليد الصارمة للكتاب المقدس ويؤمنون بسلطانه المطلق ولا يُشجعون الزواج المختلط ولا يقبلون الاهتداء الى كنائسهم. ويزيد عددهم اليوم على 180,000 تابع وينتشرون في 22 ولاية امريكية.
المورمونية:
كنيسة يسوع المسيح للقديسين الأواخريين
أسست هذه الكنيسة من قبل (جوزف سميث Joseph Smith) في مدينة نيو يورك New York، بعد أن ترجم كتاب مورمن (ادعى السيد سمث اكتشاف هذا الكتاب في قبر أحد الأنبياء)، الذي يحصي فيه الأسباط الاسرائيلية التي هاجرت الى أمريكا قبل ولادة يسوع المسيح.
يقبل المورمونيّون الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، بالأضافة الى الكتاب الآخر الذي يعتقدون على أنه (كتاب مورمن) وهو يشبه الى حد كبير العهد القديم ويؤمنون على ان نبيّهم جوزف سميث إستلمه من الملاك الذي أوحى له بزيارة المسيح للأسباط الاسرائيلية في الأراضي الأمريكية بعد قيامته من بين الأموات.
واستعملت كلمة (مورمن Mormon )، لأول مرة في سنة 1830 من قبل الذين آمنوا بنبوّة جوزف سميث، وبكتاب مورمن على أنه وحي من الله، والذي يعدّونه كتابا مقدسا. وبموجب لاهوت المورمن، فإن مورمون هو نبيّ عاش في أمريكا في القرن الرابع الميلادي. وكان قد دعي من قبل الله لتبشير الأسباط اليهودية والهنود الحمر في الأراضي الأمريكية. وبعد موت النبي مورمن، شهد ابنه ماروني الخراب الذي أصاب الجماعة التي آمنت برسالة والده، فقبر الوثائق المقدسة لكتاب مورمن في منطقة التلال في المدينة المُسماة اليوم (نيو يورك). وبعد 1400 سنة من دفن كتاب مورمن، أرسل الله موروني الى جوزف سميث، الذي ذهب الى حيث كانت الوثائق المقدسة واكتشفها، وترجمها الى الانجليزية بعون من الله حسب رأي كنيستهم. وبعد قتل جوزف سميث في زنزانته في مدينة كارثاج في ولاية إلينوي سنة 1844 استلم رئاسة الجماعة الأولى(برينغهام يونغ Brigham Young) الذي قاد جماعته في هجرة جماعية الى وادي سالت ليك Salt Lake Valley (على غرار خروج اسرائيل من مصر). فوصلوا الى الوادي المذكور في الشهر السابع من سنة 1847 ميلادية.
وكانت الكنيسة تعترف بتعدّد الزيجات إلا أنها منعت هذا التعليم رسميا في المؤتمر الكنسي سنة 1890 وتحت ضغوطات من الحكومة الأمريكية وبوعود رسمية من الحكومة بتأسيس ولاية خاصة بهم تسمى (يوتا).
بنود الأيمان في كنيسة المورمن:
تؤمن الكنيسة، بالله الآب الأزلي وببنوّة يسوع المسيح (بكون المسيح أحد الملائكة)، وبروح القدس الرب المُحيّ.
يُعاقب الأنسان على خطاياه الشخصيّة في الدينونة العامة وليس بسبب معصية آدم في الفردوس.
تؤمن الكنيسة على أن الذبيحة الحيّة للمسيح على الصليب، هي ذبيحة تكفيرية لخلاص الانسانية، وذلك بطاعة الشريعة الأنجيلية.
تؤمن الكنيسة على أن الايمان بيسوع المسيح، هو الركن الأول للخلاص، والتوبة هي الركن الثاني، والعماد هو الركن الثالث ووضع الأيدي للحصول على هبات الروح القدس هو الركن الرابع.
تؤمن الكنيسة على أن المسؤول عن الجماعة، يجب أن يكون مدعوّا من الله للنبوءة. ويتم رسمه وتكريسه للوظيفة، بوضع الأيدي المؤمنين والكرازة الدينية بإسم الأنجيل.
تؤمن الكنيسة، بنفس التقاليد الكنسيّة الأولى(بحسب إعتقادهم) وتقاليد الرسل والأنبياء والمعلمين والمبشرين.
تؤمن الكنيسة، بموهبة التكلم بالألسن والنبوّة والوحي والرؤيا وقوة الشفاء.
تؤمن الكنيسة، بالكتاب المقدس بكونه كلام الله، وكذلك بكتاب مورمن على أنه كلام الله، وبأن له القدسية والقيمة التشريعية نفسها كما للكتاب المقدس.
تؤمن الكنيسة، على أن ما أوحاه الله ولا يزال يُوحيه للمؤمنين به هو وحي مقدس يجب على كل مؤمن أن يُصدقه.
تؤمن الكنيسة، على أن أمريكا هي الصهيون الجديدة أو اورشليم الجديدة (the New Jerusalem) التي سوف تستقبل المسيح في مجيئه الثاني لتجديد الايمان ولتأسيس الفردوس على الأرض.
تؤمن الكنيسة بطاعة القوانين المدنية والحكومية في البلدان التي يعيشون فيها وعليهم أن يعبدوا الله بحسب ما تملي عليهم ضمائرهم.
تؤمن الكنيسة بعمل الخير ونشر السلام في العالم بصدق وإخلاص وبطاعة الكتاب المقدس في التعامل مع الآخرين.
الكنيسة العلمولوجيا:(الساينتولوجيا)
حركة دينية علمية مسيحية تؤكد على دور الروح أو طاقة الحياة في الكون المادي، أسسها في أمريكا سنة 1954 (ران هيوبرد Ron Hubbard)، الذي درس في جامعة جورج واشنطن (1930ـ 1932 ) من دون أن يحصل على شهادة التخرج. وغالبا ما اتهمت هذه الكنيسة بكونها هرطقة خطيرة تغسل أدمغة تابعيها وتمارس عليهم نظاما قاسيّا للسيطرة عليهم، وتمارس كذلك القسوة والشدة ضد من يُخالف فلسفتها وممارساتها العملية، كما وتعامل الذين يتركونها على أنهم منشقين ويجب محاربتهم.
العقائد:
نجد من خلال قراءتنا لتاريخ هذه الحركة أو الكنيسة، على أن الجزء الأهم من نظامها يتركز على علم النفس Psychology وعلى الطريقة التي يعمل العقل، ومحاولة السيطرة على الجسد وأمراضه من خلال العقل والعقل الباطن.
وإذا قارنا عقائد هذه الكنيسة مع عقائد الكنائس الأخرى وممارساتها فإننا نجد تشابها كبيرا مع وجود اختلافات جمّة، ولا سيّما في مجال الطرح العلمي للأيمان والتفسير العلمي للأعاجيب والنبؤاة والقوة الألهية والأرادة الربانيّة.
فالكنيسة جديدة بالنسبة الى الكنائس الأخرى ولكن جذورها تعود في القدم الى ما قبل التاريخ البشري. وأما بالنسبة الى القسس والأسرار الكنسيّة، فإن الحركة الساينتولوجية Scientology تعيّن خدامها مثل الكنائس البروتستنتيّة الاخرى. إذ يُمارس القسس الخدمة الكنسيّة من الكرازة والتعميد والزواج والدفن وغيرها من الممارسات الخدمية الاخرى. ويعتقد بعض الباحثين في شؤون الأديان بأن الحركة الساينتولوجيا: هي دينية إلحادية، إذ لا يُذكر أسم الله في كتابات مؤسسيها واحتفالاتها الروحية والدينية. مع إنهم يؤكدون بقبول الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ويُمارسون بعض الأسرار الكنسية.
رمز المسيحية (الصليب):
تحتفل الكنيسة بعيد الصليب في نهاية السنة الطقسيّة، وهوعيد مهّم جدا ولاسيّما في الكنائس الشرقية ويسمى عادة: بعيد ارتفاع الصليب، الذي كان المسيحيون يحتفلون به لمدة سبعة أيام إبتداءً من 13 أيلول. ويُجسّد، ما قام به الملك قسطنطين وأمه الملكة هيلانة بعد اكتشافهم الصليب الخشبي الذي صُلب عليه المسيح وذلك في سنتي 335 و347 ميلادية. وكان يُكرّس في هذه الفترة ويُسجد له لمدة سبعة ايام.
والصليب علامة قديمة قدم الكنيسة، تذهب جذورها ليس فقط في العهد الجديد، بل في العهد القديم أيضا. ونجد تاثيرها الطقسي في سرّ التثبيت (الميرون) حينما يُكرّس المطران الذين أقتبلوا المعمودية، ويختم جباههم بنوع خاص من الدهن المقدس" القديس يوحنا الدمشقي". وهذا ما أعطي لنا، علامة "ختم" لجباهنا، كما أعطي شعب اسرائيل الختان هكذا أعطينا نحن علامة الصليب، لاننا بها نتميز نحن المؤمنين عن غير المؤمنين. فعندما نرسم الصليب فأننا نختم أنفسنا بختم الحياة الجديدة، وعندما نصنع هذه العلامة، فأننا ندعو الله للحضور في حياتنا" الله الآب، الله الأبن، الله الروح القدس". علامة إيماننا أو هي شهادة قصيرة لأيماننا بالله الواحد. وأننا عندما نستعمل الماء المقدس ونحن ندخل الكنيسة، راسمين علامة الصليب على وجوهنا، بها نُجدّد معموديتنا، التي هي بالروح والماء. ويقال قديما: "إستعمل علامة الصليب في وقت التجارب والمصاعب والأفراح والأتراح لنيل الفائدة الروحية".
ودخل استعمال علامة الصليب مع البسملة بين المسيحيين منذ اليوم الأول، إذ آمن المسيحييون أن العلامة قدّست بسبب صلب يسوع وتغيّرت الى علامة مجد وبركة بعد أن كانت علامة شرّ ولعنة:"قال لهم بيلاطس: فماذا أفعل بيسوع الذي يقال له المسيح؟ فأجابوا جميعا:" ليُصلب"، قال لهم: أية جريمة أقترف؟ فبالغوا في الصياح:"ليُصلب"، فلما رأى بيلاطس أنه لم يستفد شيئا، بل تفاقم الاضطراب، أخذ ماءً وغسل يديه بمرأى من الجمع وقال :" أنا برىء من هذا الدم، أنتم وشأنكم فيه". فأجاب الشعب بأجمعه:" دمه علينا وعلى أولادنا" فأطلق لهم برأبا، أما يسوع فجلده ثم أسلمه ليصلب". متي 27/ 22ـ 26
وهو سرّ المصالحة والغفران والإنفتاح على الآخر:"فإنه هو سلامُنا، ذاك الذي جعل الفريقين واحداً وهدم حائط الحاجز الفاصل بينهما، أي العداء، إذ أبطل بجسده شريعة الوصايا ذات الفرائض، لكي يكون من الفريقين إنساناً واحداً جديداً، إذ أحل السلام بينهما، ولكي يُصالحهما معاً في جسد واحد مع الله بالصليب الذي به قتل العداء" افسس2/14ـ16.
وانه بموته على الصليب جُعلنا عائلة واحدة، حيث هدم الحواجز بين البشر، فلم نعد غرباء عن الله وعن بعضنا البعض. وأحلّ السلام بدمه على الصليب، فيه يُصالح كل شيء. سواء كان ما على الأرض أو ما في السماوات. والطريق انفتح أمام أي إنسان يؤمن بالمسيح المصلوب لكي يخلص، وذلك بطرح الأولويات والهموم الدنيوية جانبا لكي يستطيع الانسان أن يتبعه ويُسلم له نفسه، التسليم من دون أي رجوع أو نكوص. إذ لا يوجد حُب أقوى وأعمق من الاستعداد في بذل الذات من أجل من تُحب. كما يقول بولس الرسول في رسالته: "أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به أصبح العالم بالنسبة لي مصلوباً، وأنا بالنسبة له مصلوباً. فليس الختان بشيء ولا عدم الختان بشيء، وإنما أن يصير الانسان خليقة جديدة" غلاطية 6/14.
وقد صار الصليب منذ موت المسيح أهم علامة في حياة كل مسيحي. وهو يدعو كل مؤمن، أن يواجه العالم المليء بالاغراءات المادية والجنسيّة والوظيفية، والسيطرة على هذه الأهواء بقوة هذا الصليب. ويدعو كل مؤمن أن لا يكون في حياته مكان للكبرياء أو إدعاء العلم بكل شيء، بل أن يكون له فكر التضحية مثل المسيح الذي قدم نفسه ذبيحة من أجل البشر، مع علمه بمدى خشونة الموت بهذه الطريقة ومدى العار الذي يصيب كل من عُلق على خشبة الصليب، إلا أنه كان قادرا على تغيير هذه الفكرة وجعل الصليب رمزا للمجد والحياة.
وكان للصليب أربع أذرع يوضع فوق رأس المصلوب وكذلك توضع لائحة التهم في رقبته:"فجردوه من ثيابه وألبسوه رداءً قرمزيا، وجدلوا إكليلاً من الشوك على رأسه، ووضعوا قصبة في يده اليمنى وركعوا أمامه يسخرون منه، وضربوا بها على رأسه. وبعدما أوسعوه سخرية، نزعوا عنه الرداء، وألبسوه ثيابه، وساقوه الى الصلب" متي 27/ 27 ـ 31.
وأصبحت هذه الاهانات رمزا للبطولة والفداء ورمزا للطاعة المطلقة لأرادة الله فالأهانات والهزء تقوّي عادة إيمان المؤمنين وتجعلهم أكثر شجاعة وإصرارا للدفاع عن إيمانهم.





#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الثاني)
- المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الدينية(الجزء الاول)
- اليهودية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
- الزرادشتية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
- الزواج: واحد + واحد = واحد
- الهندوسية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
- الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة
- سعادتي في الايمان
- الثقافة الصحية ركن من اركان المجتمع المتمدن
- لا نظام من دون منظم ولا حركة من دون محرك
- هل وجد الكون بالصدفة، أم هو أزلي، أم هو مخلوق؟
- الكون في نظر العلم والاساطير الدينية
- العمل قانون الحياة
- لماذا نحتاج الى الصداقة والاصدقاء؟
- مفهوم الزمن وقيمته في العلم والحياة اليومية
- بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا
- التفاؤل: مفتاح النجاح في الحياة العملية
- الحضارة المعاصرة: وليدة الحضارات القديمة مجتمعة
- الحداثة: الضامن الرئيسي لتحرير العقل
- اللغة: اهم ركيزة لتحصين الثقافة والهوية


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الثالث)