أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيروز شحرور - أربعُ رسائل إلى زَوجي الراحل...














المزيد.....

أربعُ رسائل إلى زَوجي الراحل...


فيروز شحرور
(Fairouz Shahrour)


الحوار المتمدن-العدد: 4086 - 2013 / 5 / 8 - 11:50
المحور: الادب والفن
    


رسالة (1)

.. بعد يومين من غيابكَ، بدا هذا الصباح متعرقا، غارقا بالبرد، يرتجف من الآتي؛ ولأول مرة سمعت اسمي بشكل مختلف وأنا أناديني: جميلة، جميلة! وسمعته مرتين إلى ثلاث مرات، وهو يرتّج، يتراقص، يتغنّج فوق الكنبة ويتمايل بخفة من بين الطاولات الصغيرة والفجوات الضيقة، عند التلفاز والمزهرية ذات العنق الطويل جنب النافذة، كان يوم يُتمٍ للشارع، حيث لا مدرسة، لا عمل ولا أنت! كنت وحدي وصدري بدا أوسع من الشارع وبفمي كلمات أتمتمها؛ لقد سمعتني جيدا وأنا أقول بسكر حَنون:

الضوءُ ينبعثُ من كلِ مكان
لكنه يتحَطمُ عند نقطةٍ معروفةٍ
وللبقعة المظلمة
أملٌ يتيم..

إلى لقاء.

رسالة (2)

كالعادة تتأرجحُ الشمس والقمر، لتمُّر بذلك أيام وأيام. ترى الشمس تطلع بوهجها الذهبي وتجبرنا على المثول غصبا أمام يوم جديد، ثم يجيء القمر البارد بهدوووء، يُخدرنا ويقنعنا أن اليوم قد ولى! هاهي يا عزيزي أيام عدّة قد ولت إذن مع غيابك، أيام مثل رزم الجرائد التي تكدست منك يوما فوق سطح الخزانة، كانت جرائد لسنوات ميتة، كيف أوثقناها وأدرجناها سويا كمشاتل زهر مخنوقة من عنقها، وألقيناها في الحاوية.. هي هكذا الأيام الفائتة، موت ولا عودة! اليوم رأيتني أمرُّ جانب المرايا التي باتت لا تعرفني، وجهي أزرق متحشرج كمحتضر يعاند الموت، مائي يجف، وصوتي نشيج أنادي اسمي واسمك، فيركع عند حلقي مترهلا واهيا، رأسي يحكني بشدة، أعصاب الأسئلة تنهش عقلي وإدراكي لك (غريبة علي هذه الحالة)!
منذ غيابك لم أخرج (كما عودتني)! ربما حتى ضوء الشمس اختلف وأنا لا أعلم، فقد أبدلت ستائر الدانتيل الأبيض في الصالون والغرف بستائر سوداء قاتمة كلون الحداد، وجعلت اللون الأبيض لي، لا رداء أرتديه ويغطي جسدي إلا هو.. ألم تكن تحب الأبيض؟!

تعبت
..

رسالة (3)

.. أربعة شهور أخرى على رحيلكَ، أحس بالجيران من دبيب خطواتهم أمام بيتنا وهم يصرخون من أنوفهم: لهذا البيت رائحة الموت.
زَوجي العزيز: لم أصدقهم، إلا حينما مررت على قمصانكَ التي بهتت وتبخر لونها، فالخزانة لم تغلق منذ غيابكَ، فناجين قهوتكَ صارت قاعا أخضر، والعناكب تغلق فجوة حذائك المنسي لإحراقي، دفاترك القديمة وحقيبة مهترئة نسيت أن تلقيها في الحاوية، بضع ملابس داخلية، فوضى السرير الذي لا يزال كما تركته، وأعقاب سجائر ميتة، كل ذلك مكانه، كله ولكن بعفنه.. وها أنا أمتشق هواء كثيفا لصدري الضعيف، وأكشف عن قدميّ، كم كنت تحب قدميّ!
وركعتُ على الأرض قبالة لوحة كنت تعشقها لظهر امرأة، ووجدتني أتمتمُ بوضوح:

.. أنا دونكَ أدخل من ثقبِ الباب
تعلمتُ الصمت
جَلدتني الوحدة
وفي رحمّي بذرة للغة هائجة.


رسالة (4)

أوجعني غيابكَ كما تَسلطّكَ علي، أعترف! وقد كنت بكامل الوعي والعري لأتقبل ذلك، وكنتُ بكامل الذاكرة المرّة لاستحضارها ببطء، مشهدا تلو آخر.. وها هي سنة كاملة تامّة تمّر عليّ دونكَ، وأعترف أني قد نسيت صوتكَ بالضبط -أعتذر- وملامح وجهك! حتى المسافة التي كانت تتلوى ألما (كذبا) حينما نفترق عن بعضنا، مرت عليها شهور كثيرة حتى أخذت غفوة لا أعلم متى تنتهي....!
زوجي: بغيابكَ الطويل، لم أعتد السُكون، ربما لأن حياتي معك كانت متشحة بالمستعجل! علي التيقظ قبلك، والإسراع لحاجاتك وموائد الغداء والعشاء لأصدقائك ومعارفك والاهتمام بك كأنك معاق! علي أن أنسى شكل صوتي وشكل الحياة التي لا تبدو مناسبة إلا معك؛ افعلي، هاتي، رتبي، نامي- متى آخر مرّة نمت كما أشاء-؟
أكثر ما يمقتني يا زوجي ال ع زي ز؛ سؤالٌ ما ولعله منطقي ولعله يبعث الاشمئزاز لي، فمن كان عليه الرحيل أولا؟! من كان عليه أن يأخذ زمام الركض خارج دائرة العفن؟! لمَ لمْ أكن أنا؟! سنة كاملة جلدتني، حتى أدركت غيابكَ الضروري لي، وأدركت لغتي التي افتقدتها معكَ منذ أحد عشر عاما، صرت أتفوه بعبارات: أنا حرَة، قراري، من حقي، التفاهم، وأنا! وغيرها من العبارات التي لم يعيها لساني معك.. سنة كاملة أزور زوايا البيت يومياً متى أشاء، وأنام حيثما أشاء، آآآآآه، لو تعلم كيف ينام المرء حيثما يشاء؟! ويلبس الألوان التي يشاء؟! تراني أتمطى، أتلوى، أنكمش، أشرع يديّ، أفتح قدميّ وأضمهما، أنام على بطني وعلى ظهري، أنام على الأرض، فوق الكنبة، عند الثلاجة، تحت النافذة، في الحمام! كل مكان، أتخيل السقف سماء والأرض بحرا، أنا أسبح في البيت يا زوجي الراحل! لا حاجة لي بالماء! ووجهي عاد رطبا كما كان قبلك، (وبيتي) تفوح منه رائحة أمي التي دفنت دون أن أراها بسببك، وصدري ممتلىء بالنرجس، العطر الذي تكرهه! لقد حاصرت العفن، حاصرته سنة كاملة، وجعلته يتعفن ويتعفن ويتعفن حتى يموت العفن من بطنه.. الشمس الآن تخترق بيتنا وتحرث أرضه بسرور، وتشرب معي الشاي كل صباح وتدلك قدميّ.

زَوجي العزيز: ابقَ حيثما أنت، دونكَ أنا أحيا، دونكَ لغتي مَعي، وقلبي يافعٌ، قل وداعاً أرجوك!


مودتي،،



#فيروز_شحرور (هاشتاغ)       Fairouz_Shahrour#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتجاهات العلوم الاجتماعية في السياق الفلسطيني
- أينكَ (منك)؟!
- 300 حَجر، أم 300 عَقل!
- نحنُ على مشارفِ الحريّة..!!!
- الدولة الحلم!!
- مساعدات أمريكية - للفلسطينيين-، أم مساعدات فلسطينية - للأمري ...
- إغتراب قسري
- إليها.. جدتي
- سيرة فيروز شحرور
- رواية -ما زال المسيح مصلوبا- ضمن قراءة تحليلية لشباب فلسطيني ...
- لننسى جميعا
- الكتابة النسوية: بين الحلم واضطهاد الواقع
- حينما تستريح الوطنية بشكل أو بآخر
- الحجاب يغطي العقل
- المفاجأة الرائعة
- هواجس مارٌة


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيروز شحرور - أربعُ رسائل إلى زَوجي الراحل...