|
المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الثاني)
صبري المقدسي
الحوار المتمدن-العدد: 4086 - 2013 / 5 / 8 - 11:02
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الشهادات الكتابية حول يسوع المسيح تتفق معظم المصادر الكتابية والتقليدية على أن المسيح كان يهوديا من الجليل، علم تعاليم جديدة عن ملكوت الله، وعمل معجزات كثيرة، وصلب في اورشليم (القدس) في عهد الوالي الروماني بيلاطس البنطي، الذي كان واليا على اليهودية، وذلك بتهمة التحريض على الفتنة ضد الرومان. ودُعي بالمسيح ويعني (المختار أو الملك الممسوح). ويؤكد العهد الجديد في فقرات كثيرة على ان المسيح جاء ليخلص العالم أجمع من الشر والخطيئة، ويجعل كل من يؤمن به حرّا من عبودية الخطيئة، وليُعلن بقرب مجىء ملكوت الله والاستعداد له بالتوبة وبتغير القلوب، وبمحبة الله ومحبة القريب ونشر العدالة الاجتماعية بين البشر. ويؤكد العهد الجديد على تجلى الله في يسوع المسيح. وقد عاين يوحنا المعمدان مجده في وقت العماد وسمع صوت الآب يمجده قائلا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا". وشاهد التلاميذ أيضا وعاينوا مجده وسمعوا صوت الله الآب يُمجده في حادثة التجلي. فالمسيح الذي جاء الى العالم لملاقات البشرية، هو الوحيد الذي يستطيع أن يُعرّفنا بالآب، ويقودنا اليه ويجعلنا أبناءً له، ويملأنا من نعمته وحقيقته. ونجد هذا المفهوم العقائدي في جميع أقوال يسوع وكرازاته وسلوكه ومصيره، وفي جميع كتابات الرسل ورسائلهم وشهاداتهم الايمانية. فالمسيح يسوع ابن الله المخلص، شهادة ايمانية تأتي من الله نفسه كما جاء في رسالة بولس الرسول الى العبرانيين: "بعد أن كلم الله قديما بالانبياء مرارا عديدة وبشتى الطرق كلمنا في هذه الايام الاخيرة بالابن الذي جعله وارثا لكل شىء وبه أيضا أنشأ العالم الذي هو ضياء مجده وصورة جوهره وضابط كل شىء بكلمة قدرته" عبرانيين 1/ 1 ـ 3 . فالتجسد هو السبيل الذي سلكه المسيح بإرادة الله الآب لكي يقود المؤمنين الى الله كما جاء في انجيل يوحنا 1/ 1ـ 3 : "في البدء كان الكَلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هو في البدء كان عند الله. بِه كان كل شيءٍ، وبِغيره ما كان شيء ممّا كان". ولم يستنتج المسيحيون هذه الحقيقة من خلال قصص مبتكرة أو بدع ورثوها من الآخرين بل من خلال شهادات حقيقية وحيّة وصلت اليهم، من قبل المؤمنين الاوائل التي دوّنوها وأصبحت ما يسمى بالعهد الجديد. ولذا فإن الاناجيل مع رسائل بولس وكتاب أعمال الرسل والرؤيا اليوحناوية هي شهادات حيّة وصادقة لأشخاص شهدوا بها عن المسيح المُتجسّد، بالاضافة الى الشهادات الكثيرة في العهد القديم من خلال نبوات ورموز تكلمت عن المسيح ولادته وآلامه وصلبه وموته وقيامته. وتعدّ شهادة يوحنا المعمدان من أولى الشهادات التي جاءت في انجيل يوحنا: "يوحنا شهد له ونادى قائلا هذا هو الذي قلت عنه إن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي" 1/15. وكان المعمدان معروفا لدى الجميع في اليهودية واسرائيل، وكانت الجموع تنجذب اليه، كما قال في انجيل مرقس: "يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه. أنا عمذتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس". وكذلك الشهادة نفسها في انجيل يوحنا ولكن بصورة لاهوتية عميقة: "أنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" 1: 34. وفي شهادة أخرى أكثر دقة وتفصيلا في المصدر نفسه: "حين أرسل إلَيه اليهود من أُورشليم كهنةً ولاويّـين ليسألوه من أنت فاعترف وما أنكر، اعترف وقال ما أنا المسيح. فقالوا من أنت، إذًا هل أنت إيليا قال ولا إيليا. قالوا هل أنت النبـي أجاب لا. فقالوا لَه من أنت، فنحمل الجواب إلى الذين أرسلونا. ماذا تقول عن نفسك؟ قال أنا، كما قال(النبـي إشعيا): "صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب. وكان بينهم فَريسيّون ..... وفي الغد رأى يوحنا يسوع مُقبِلا إلَيه، فقال ها هو حمل الله الذي يرفع خطيئةَ العالَمِ ..... وشهِد يوحنا، قال: رأيت الروح ينزل من السماءِ مثْل حمامة ويستَقر علَيه. وما كنت أعرِفه، لكن الذي أرسلَني لأُعمد بِالماءِ قال لي الذي ترى الروح ينزل ويستَقر علَيه هو الذي سيعمد بالروح القدس. وأنا رأيت وشهِدت أنه هو ابن الله" 1 :19 ـ 23. وعلى رأس كل الشهادات في طبيعة الحال تأتي شهادة الله الآب، لأن المسيح الإله المتجسد لا يقبل شهادة إلا من فوق، ومع أنه كان من حقه أن يكتفي بشهادة المعمدان، إلا أنه أراد شهادة مَنِ هو أسمى وأكمل. وقد تكون شهادة الله الآب أكمل الشهادات حول شخصية المسيح يسوع، إذ طالما تكلم المسيح في كرازاته ومواعظه الشهيرة عن شهادة الآب الذي أرسله كما في يوحنا 5 / 37 : "والآب الذي أرسلَني هو يشهد لي"، وكذلك في يوحنا إذ قال: "لأنك أحببتني قبل انشاء العالم" 17 /24. وفي يوحنا أيضا: "لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجبوا أنتم" 5/ 20 . وفي يوم العماد أيضاً إذ إنفتحت السموات ورأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه وصوت من السموات قائلا:"هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". مرقس 1/ 11، وشهادة الآب في حادثة التجلي أمام التلاميذ (بطرس ويعقوب ويوحنا)، إذ تغيرت هيئة المسيح قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور، وإذا موسى وايليا ظهرا لهم يتكلمان معه كما في انجيل مت 17 / 1 ـ 3 . ويمثل هذا المشهد شهادة كتابية عظيمة في شخص أبي الناموس، موسى النبي الذي خلص شعب اسرائيل من عبودية اليهود في مصر مع ايليا النبي الذي يعتبر من أعظم الأنبياء قاطبة في العهد القديم. ويؤكد الانجيلي في هذا المشهد على تأييد العهد القديم ليسوع مثبتاً بأنه المرسل من الله كشهادة لرسل العهد الجديد الحاضرين معه. ويشهد الله الآب أمام مرأى ومسمع الجميع قائلا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا" مت 17 /5 ، لو 9/ 34. ومن الشهادات المهمة الاخرى عن شخص المسيح يسوع، شهادات الرسل والتلاميذ الذين قدموا دماءهم ضحية من أجل إثبات صحتها، وتقرّ بذلك المصادر المسيحية التي هي الاناجيل القانونية الاربعة إذ كتب الرسل عن المسيح كل الامور التي شاهدوها وعاينوها وبيّنوا بأنهم عرفوه تدريجيا وتوصلوا الى نتيجة حتمية عن ماهيته وشخصيته. وتطوّرت معرفتهم به الى أن سألهم هو بنفسه من أنا بنظركم؟ فأجاب بطرس قائلا: أنت المسيح ابن الله الحيّ مت 16/ 16. وتعتمد الكنيسة على كل تلك الشهادات لمعرفة معلمها يسوع المسيح. وتقرأ الكنيسة هذه الشهادات في كل المناسبات وكأنها مكتوبة اليوم. وهي شهادات واقعية كتبها أناس آمنوا بالمسيح بعد أن تحققوا من كل شىء وشهدوا بحياتهم لموته على الصليب وقيامته من بين الاموات. وفي إحدى تلك الرسائل شهد بطرس في رسالته الثانية قائلا: "لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذا عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه. بل قد كنا معاينين عظمته لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدا إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسني هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به ونحن بطرس ويعقوب ويوحنا سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" 2 بطرس / 16 ـ 18. وشهد أيضا لوقا الانجيلي الذي كان طبيباً آمن بالمسيح وبشر بملكوته. ونقل كل ما عاين وسمع من مريم العذراء بأمانة وإخلاص لتلميذه (ثيوفيلوس) الذي يعني اسمه (محب الله) وهو بهذا قصد تقديم انجيله لكل من يحب الله الى قراءته والإطلاع على محبة الله الاواخرية في شخص المسيح يسوع كما قال: "لأن كثيرا من النـاسِ أخذوا يدونون رِواية الأحداث التي جرت بيننا، كما نقلَها إلَينا الذين كانوا مِن البدء شهود عيان وخدّاما للكلمة، رأيت أنا أيضًا، بعدما تتَــبعت كل شيء مِن أُصوله بتَدقيق، أن أكتُبَها إليك، يا صاحِب العزة ثاوفيلس، حسب ترتيبِها الصحيح، حتى تَعرف صحة التعليمِ الذي تلقيته" لو 1/ 1 ـ 5. كذلك علينا أن ننتبه الى شهادة المسيح عن نفسه إذ فيه تمت وتحققت النبوات وبه ابتدأ الملكوت الجديد والعهد الجديد وهو الذي جاء ليؤسس عهد الله الجديد، الذي له السلطان في التعليم والتهذيب كما جاء في مرقس 1 / 21 ، 22، وفي السلطان على الارواح النجسة كما في مر 1 / 34 ، 41 ، 42، وفي السلطان على المرض مر 2/ 5 ، 10، وفي السلطان على الطبيعة كما في مر 5/ 41 ، وفي السلطان على غفران الخطايا مر 4 / 39 ـ 41 ، وفي السلطان على الموت، مر 6 / 41 ـ 44. وتأتي أعماله التي لا يعملها الا الله شهادة أخرى لرسالته، مثل سيره على الماء وسلطانه على الرياح الهائجة والعواصف وشفائه للمرضى بكلمة من فمه وفتحه لعيون العميان وتسليم الشياطين وصراخهم بمجرّد مروره من أماكن سكناهم وإحياء الموتى بقوة من ذاته ومن دون الرجوع الى الله، وما تلك الاعمال إلا إثبات على أنه يسوع المسيح ابن الله. وتشهد له كل الاعمال التي قام بها أيضا كما جاء في يوحنا 5/36 :"هذه الاعمال التي أنا أعملها هي تشهد لي". ودعا يسوع اليهود بتفتيش الكتب شهادة لهم إذ قال: "فتشوا الكتب .. وهي تشهد لي"، يوحنا 5 / 39. ولكي يتأكد كل من له شك في شخصه ورسالته أعلن قائلا لليهود والفريسيين عن ذاته بتوجيه أنظارهم الى شهادة الكتب التي تنبأت عنه والتي تحققت كلها فيه كما جاء في يوحنا: "تَفحصون الكتب المقدسةَ، حاسبـين أن لكم فيها الحياة الأبديةَ، هي تشهد لي" 5/ 39 . والمقصود بالكتب من سفر التكوين الذي هو أول كتب التوراة الى سفر ملاخي الذي هو آخر الكتب المقدسة لدى اليهود. ولقد كرر هذا الاسلوب مرارا وتكرارا في حياته الرسولية مع تلاميذه كما جاء في لوقا: "ثم قال لَهم عندما كنت بعد معكم قلت لكم لا بد أن يتم لي كل ما جاء عني في شريعة موسى وكُتُبِ الأنبـياءِ والمزاميرِ. ثم فتح أذهانهم ليفهموا الكتب المقَدسةَ، وقالَ لهُم هذا ما جاء فيها، وهو أن المسيح يتألم ويقوم من بينِ الأموات في اليومِ الثـالث، وتعلَن باسمه بِشارة التوبة لغفرانِ الخطايا إلى جميعِ الشعوب، ابتداء مِن أورشليم:" 24 : 44 ـ 47. وكرر الشىء ذاته لتلميذي عماوس كما في لوقا: "فقال لهما يسوع ما أغباكما وأبطأَكما عن الإيمانِ بكل ما قالَه الأنبـياء أما كان يجب على المسيحِ أن يعاني هذه الآلام، فيدخل في مجده وشرح لهما ما جاء عنه في جميعِ الكتب المقدسة، من موسى إلى سائرِ الأنبـياء" 24 / 25 ـ 27. وفي مجمع الناصرة أيضا فتح سفر اشعيا وقرأ:"وجاء يسوع إلى الناصرة حيث نشأَ، ودخل المجمع يوم السبت على عادته، وقام ليقرأَ. فناولوه كتاب النبـي إشعيا، فلما فتح الكتاب وجد المكان الذي ورد فيه روح الرب علَي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلَني لأنادي للأسرى بالحرية، وللعميانِ بِعودة البصر إليهِم، لأحرر المظلومين وأعلن الوقت الذي فيه يقبل الرب شعبه. وأغلَق يسوع الكتاب وأعاده إلى خادم المجمع وجلَس. وكانت عيون الحاضرين كلهِم شاخصةً إليه. فأخذ يقول لهم: اليوم تمت هذه الكلمات التي تلَوتها على مسامعكم" لو 4 / 16 ـ 21 . والمثير للإنتباه هو أن سفر اشعيا يتكلم عن المسيح يسوع الذي عاش قبل المسيح بنحو 750 سنة، وكأنه عاش في عهده بالضبط إذ يتكلم عن آلام المسيح في فصل كامل وهو الفصل 53 والذي يفسر فيه طريقة صلبه وآلامه من أجل البشرية، ويتكلم عن خلاص البشرية على يده وعن احتقار الناس له في حياته العلنية وعن موته الكفاري وعن نجاحه في مشروع الخلاص 53 / 10 وصبره العجيب في تحمل الالآم 53 / 7، بالاضافة الى ولادته التي تنبأ عنها قائلا:"هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل". وبسبب كل هذه النبوات يسمي بعض علماء الكتاب المقدس سفر اشعياء بالانجيل الخامس. وشهادة الملاك في حواره مع مريم العذراء عن دور الروح القدس في حبله الالهي حيث أجاب الملاك وقال لمريم: "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك. فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" 1 / 35. وشهادة رتل من الملائكة أيضا في يوم ميلاده إذ رنموا ترتيلة السلام العظيمة التي أصبحت عنوان لتراتيل كثيرة في الكنائس عبر التاريخ وفي كل اللغات العالمية كما جاء في انجيل لوقا: "وظهر مع الملاك بغتةً جمهور من جند السماء، يسبحون الله ويقولون المجد لله في العلى، وفي الأرضِ السلام للحائزين رِضاه"، وحتى شهادة الشياطين في انجيل مرقس1: 23، 24: "وكان في مجمعهم رجل به روح نجس. فصرخ قائلا آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا أنا أعرف من أنت قدوس الله". ومع شهادة الاعداء والحاقدين على المسيح، تعتبر كلها أدلة على صحة رسالة المسيح ودوره في تغيير القلوب كما جاء في انجيل مرقس15/ 39: "ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقا كان هذا الإنسان ابن الله". وكذلك شهادة رؤساء الكهنة والفريسيون في مجمعهم قائلين:"ماذا نصنع فإن هذا الانسان يعمل آيات كثيرة إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به" يوحنا 11 / 47 ـ 48 . وإن كانت شهادات الشياطين والاعداء تشير الى رسالة يسوع، فلا غرابة من إستناد بعض المفكرين واللاهوتيين وإعتمادهم في بعض الاحيان على شهادات الكتب الغير القانونية أو الغير المقبولة من قبل الكنيسة، كمصادر أخرى لمعرفة مؤسس المسيحية(يسوع التاريخي). هناك أيضاً شهادات الشعوب التي تغيرت سلوكياتها من همجية الى شعوب مُتمدنة بمجرّد قبولها للمسيح وايمانها به ربا ومخلصا، والتي تغيرت بعد إهتدائها وساهمت في بناء الحضارات والثقافات العالمية وفي نشر القيم والاخلاق العالية كشعوب (الفايكنغ الاسكندنافية) وكثير من شعوب الادغال والغابات في افريقيا وامريكا الجنوبية والشمالية. مع كثير من الافراد الذين جاهدوا للتخلص من الخطايا التي استعبدتهم، وتحرروا من عبودية الخطيئة، وأعداد كثيرة من المجرمين والسجناء وأرباب السوابق الذين تغيروا نحو الأحسن وأصبحوا ايجابيين بعد قضائهم فترة في السجون إذ تغيّروا بعد تعرفهم على شخص المسيح. ولطالما تغيرت بيوتاً ممزقة مُدمّرة وأصبحت بيوتا هادئة تنعم بالدفء والامان والمحبة بمجرد دعوتها ليسوع المسيح بالدخول في حياتها. وأناس اختبروا السعادة الحقيقية بعد تعارفهم على يسوع المخلص والفادي الامين الذي يفتح ذراعيه قائلا لكل فرد وعائلة وشعب، تعالوا الي يا ثقيلي الاحمال وأنا اريحكم. وشهادات فردية حيّة لا تعد ولا تحصى تحث كل من ضاع في معمعة الحياة وجاء الى الطريق القويم بسبب الايمان بالذي يغير الاوضاع الى الاحسن، مع شهادات الذين يتغيرون يوميا بمجرّد الايمان به، والذين يختبرون تعاليمه السامية على سلوكهم اليومي. فمنهم من يهجر السكر والجريمة، ومنهم من يرى الفرح والسعادة والامل، بمجرد الإيمان بالمسيح يسوع الذي جاء الى العالم لكي يظهر العطف والحنان في القلوب ويعين المحتاجين والمرضى والحزانى من خلالنا نحن المؤمنين به والمتممين لمشواره الخلاصي في العالم. مفهوم الله في المسيحية: كشف العقل البشري في القديم عن وجود الله عن طريق المخلوقات التي لابُد لها من خالق أظهرها للوجود. فالمخلوقات كانت العلامة والرمز لحقيقة الله. ويعتبر الانسان الموّكل من جميع المخلوقات، بالكشف عن الله وعن سرّه، وإزالة الغموض عنه وعن وجوده وعن علاقته بالكون والكائنات. وبعد الجولة التي قطعها الإنسان بحثاً عن القدرة الأعلى والأسمى منه والذي سماه الله الخالق، إنتقل نقلة أخرى في تعقله للأله وفي تصوّره له. وحينما اطمأن عقله بوصوله الى هذه الغاية القصوى، بدأت عنده النزعة القلقة عن حقيقته وسرّه ومحاولة الاقتراب منه وازالة كل الحُجب عنه، فسماه (الله) أو الحقيقة المطلقة أو بأسماء مختلفة تختلف بحسب الثقافات والأماكن الجغرافية. فالله هو الخالق المتفرّد بالعظمة والجلال، والمُبدع للأشياء كلها وما فيها من أجناس وطبائع كما يوضحه بولس في رسالته الى أهل رومية:"لأن ما يُعرف عن الله بيّن لهم، فقد أبانه الله لهم. فمنذ خلق العالم لا يزال ما لا يظهر من صفاته، أي قدرته الآلهية وألوهته، ظاهرا للبصائر في مخلوقاته" روم 1/9 و 20. ويتجسّد هذا المفهوم في العهد القديم حيث يكشف الله عن ذاته: إلها خالقا ومخلصّا، يختار شعبه ويُقيم معه عهدا خلاصيّا أبديا ويكشف له عن أسمه ورسالته:"فقال موسى: ها أنا سائر إلى بني اسرائيل، فأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإن قالوا لي ما اسمه؟ فقال الله لموسى: أنا هو الكائن. وقال: وكذا قل لبني اسرائيل الكائن أرسلني إليكم" خروج 3: 13ـ 14. وكانت رحلة البحث عن الله من أمتع وأصعب الرحلات في تاريخ الانسانية، إذ لم يكن من السهل الإمساك بالخيط الأول من خيوط هذه الرحلة التي ابتدأت في شخص ابراهيم قبل 40 قرنا من الزمان، والتي توسعت تدريجيا وشملت عائلة(يعقوب ـ اسرائيل)، ثم توسعت أكثر لتشمل شعب اسرائيل، وتوسعت أكثر لتشمل سائر الشعوب البشرية لكي يعيش جميع الناس حياة النعمة البنوية الجديدة في شخص يسوع المسيح. حيث صار الله انسانا:"الكلمة صار بشرا وحلّ بيننا". أي أن الذات الآلهية حلت في اللحم والدم(الانسان ـ الإله ... الإله ـ الانسان). أو أن الله الواحد ـ الثالوث المقدس الأبدي، دخل في تاريخنا البشري بحريّته ومحبته ليتألم من أجلنا تعبيرا عن عهد الله من أجل الخطأة والمتألمين، وأصبح شخصا إلهيا إنسانيا كاملا في يسوع المسيح، الذي جاء ليرفعنا معه في قيامته. وإحترمت المسيحية اسم الله احتراما كبيرا، وإستخدمته بلياقة في العبادة والتسبيح، وهو أسم خاص لأنه يحمل حقيقة شخصه، ويتسم بسمة متميزة. وتقول المسيحية، أن الله ظهر شخصيّا في تاريخنا البشري في شخص يسوع المسيح، الذي قال عن نفسه:"أنا هو الطريق والحق والحياة" يوحنا 6/14. وهو(الله) الخالق، سيّد التاريخ والحياة، الكائن الشخصيّ المُحب، الذي يعتني بالإنسان كما يعتني بطيّور السماء وزنابق الحقل. والذي جاء ليقترب من الانسان بثقة ومحبة وأظهر حبه كما يظهر الأب لأبنه ويثق به ثقة الصديق لصديقه. ولهذا تدعوه المسيحية (أبا)، ولا تنحصر أبوّته في كونه خالقا، بل هو أب في علاقته بابنه الوحيد، منذ الأزل، ونعرف أبعاد هذه الأبوّة الآلهية من خلال الأبوّة البشرية. فالله في المسيحية، هو على غرار العهد القديم، الأله الوحيد الذي له وحده يجب السجود:"يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك هذه هي الوصية الاولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء" متى 22/36 ـ 40. ولكنه ليس إله القدرة والتسلط والانتقام وانما هو إله العطاء والمحبة الذي أحب البشر الى درجة أنه بذل ابنه الوحيد ذبيحة حيّة من أجلهم:"فانه هكذا أحب الله العالم حتى انه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" يوحنا 3/ 16. وتعتقد المسيحية بأن الله هو الأب الروحي لكل البشر، والذي يترك التسعة والتسعين ويبحث عن الخروف الضائع:"هكذا يكون الفرح في السماء بخاطىء واحد يتوب أكثر من الفرح بتسعة وتسعين من الأبرار لا يحتاجون الى التوبة". انجيل متي 18:12ـ 14. وقد تجسد في شخص المسيح يسوع ليُقيم في مؤمنيه: "إن أحبني أحد يحفظ كلمتي وإليه نأتي وعنده نجعل مقامنا" يوحنا 14 / 23. ويعني أن يُقيم هو فينا وأن نقيم نحن فيه، وأن يثبت هو فينا وأن نثبت نحن فيه. وقد جاء ليدعونا الى الكمال:"كونوا كاملين كما ان أباكم السماوي هو كامل" مت 5: 48 مع انه يعلم ضعفنا ومحدوديتنا، وليدعونا الى التشبه بمثال المحبة الذي أظهره لنا يسوع المسيح ببذل ذاته حتى الموت من أجلنا ومن أجل كل البشر. شىء من التاريخ: كان وضع الرسل والمسيحيين الأوائل قلقا جدا بعد أن صُلب معلمهم يسوع، إذ كانوا في حالة الخوف والهلع مما سوف يُصيبهم بعد موته. وكانوا يجتمعون في العليّة والأبواب موصدة من خوف اليهود. ينتظرون الفرصة السانحة للرجوع الى بيوتهم والألتحاق بعوائلهم التي تركوها لأكثر من ثلاث سنوات منذ أن دعاهم يسوع الناصري للتلمذة والتبشير. ولكن الخبر السار الذي انتشر بينهم حول قيامة معلمهم جعلهم ينتظرون في اورشليم، وشجعهم على مواجهة السلطات الرومانية والقادة اليهود بدون خوف. وعلى أن تاريخ نشوء المسيحية الحقيقي كان في يوم العنصرة(الخمسين)، وهو اليوم المشهود الذي تعده الكنيسة المسيحية عالميّا، يوم ميلادها، فيه نزل الروح القدس على الرسل والمسيحيين الأوائل لتثبيتهم وتقويّتهم روحيّا. وأصبح المسيحيون منذ ذلك اليوم ينتمون كليا ليسوع، وبدأوا يبشرون بالبشرى السارة وهم مستعدون للتضحية بحياتهم من أجل ايمانهم المسيحي إذا تطلب الامر. ولهذا تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في هذا اليوم كل سنة طقسيّة، وتؤمن بأن الرسل قبلوا قوّة الروح القدس وانتشروا بعد ذلك في العالم كله لكي يبشروا بالمسيح القائم من بين الأموات ويُعمّدوا الناس بأسم الآب والأبن والروح القدس. وقام الرسل بتأسيس الكنائس والجماعات المسيحيّة أينما ذهبوا وحلوا بشجاعة إيمانية وبدون خوف من اليهود ومن السلطات، بالرغم من كل المُضايقات والإضطهادات ضدهم كما جاء في أعمال الرسل 2 ، إذ صرّح بطرس أمام جمع من اليهود قائلا:"اسمعوا هذه الأقوال: إن يسوع الناصري ذلك الرجل الذي أيده الله لديكم بما جرى عن يده بينكم ... صلبتموه وقتلتموه الذي أقامه الله ناقضا أوجاع ... ونحن جميعا شهود لذلك ... فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة ... فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على أسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس لان الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين يدعوه الرب إلهنا ... فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة الآف نفس". فالتاريخ المسيحي يبدأ إذاً بالأحداث التي يرويها العهد الجديد كما هو بيّن في أعمال الرسل والأناجيل والرسائل الرسولية وسفر الرؤيا، التي هي وثائق تاريخية لا يُمكننا تجاهلها لمعرفة بدايات المسيحية وتطوّرها في القرن الأول الميلادي بالاضافة الى التقاليد الكنسيّة التي وصلت الينا عن طريق الآباء مثل أوسابيوس القيصري وغيره من الآباء. ففي سنة(70) ميلادية يُدّمر الرومان مدينة اورشليم ويشعر المسيحيون بثقة ويقين، من أنهم أبناء العهد الجديد، عليهم أن يُبشروا للوثنيين واليهود من دون تفرقة، وعليهم أن يقطعوا أواصرهم بالمجامع اليهودية وبيوم السبت اليهودي ويؤسسوا لأنفسهم مجامع خاصة بهم، وأن يختاروا يوما خاصا للعبادة وهو يوم الأحد أو يوم الرب بدلا من السبت اليهودي. وفي نهاية القرن الأول الميلادي كانت المسيحية قد قرّرت الإنتشار غربا، وكان عدد المُعمّدين قد وصل في تلك الفترة بين 300 الف الى 500 الف، في العالم المعروف آنذاك. ورأى المسيحيون في ذلك أن الوقت قد حان لتأسيس قيادة كنسيّة بسبب انتشار الرقعة الجغرافية، وكانت الكنائس تدار من مدن مثل أنطاكيا وأفسس والأسكندرية. وأصبحت روما، المركز المسيحي الأهم بسبب كونها عاصمة الامبراطورية الرومانية والمدينة التي استشهد فيها بطرس أول الرسل وبولس رسول الامم. وأختارت الكنيسة في روما المطران كليمنت رئيسا ثالثا وخلفا لبطرس (البابا الأول)، وأعطت الكنائس في المدن الأخرى ولاءها له، وذلك لأيمانها بوحدة الكنيسة التي أسسها المسيح. وفي تلك الأثناء كانت الامبراطورية الرومانية يحكمها الامبراطور دوميتيان( 81 ـ 96 ) الذي كان يُحاول إجبار المسيحيين بترك المسيحية والسجود للآلهة الوثنية، وقتل الآلاف منهم بسبب ذلك. وبعد حكم دوميتيان أعلنت الامبراطورية عن سياسة رسمية بتعذيب وقتل المسيحيين أينما وجدوا في الامبراطورية والاستيلاء على ممتلكاتهم. وإستمرت هذه السياسة في عهود الامبراطور تراجان (98 ـ 117 ) وعهد ماركوس أورليوس ( 161 ـ 180) وديسيوس (249 ـ 251) وديوكليتيان (284 ـ 305). ويُقدّر عدد الذين قتلوا في سبيل إيمانهم المسيحي في تلك العهود بعشرات الآلاف. نبذة عن تاريخ المسيحية: 4 ق.م ـ 6 م، ميلاد يسوع المسيح الناصري في بيت لحم. 30 ـ 37 ميلادية، هو يوم العنصرة أو يوم الخمسين من قيامة يسوع من بين الأموات في مدينة أورشليم، حيث إجتمع بطرس مع أعضاء الكنيسة الأولى الذين كانوا يتكلمون الآرامية (اللغة السامية الأكثر إستعمالا في الشرق الأوسط آنذاك). واللذين كانوا يتميّزون عن اليهود بالعماد وبمواظبتهم على سماع تعاليم الرسل وكسر الخبز في جماعات أخوية(أعمال الرسل 2/41 ـ 47 و4/32 ـ 35). 54 ـ 63 ميلادية، وقوع أشد الأضطهادات ضد المسيحية بقيادة الملك الروماني نيرون والقضاء على حياة الرسولين بطرس وبولس في هذه الفترة الزمنية، كما يقول التقليد الكنسي. 70 ميلادية، ثورة اليهود على الرومان لغرض إقامة دولة مُستقلة تعبد الله بحسب الشريعة الموسوية والتي أدى فشلها الى اشتعال حرب ضروس والى خراب أورشليم والهيكل والى هجرة الجماعة المسيحية الاولى الى شرق الأردن والقضاء نهائيا على علاقة المسيحية بالديانة اليهودية. 98 ـ 117 ميلادية، إصدار قرار من الحاكم الروماني في آسيا الصغرى (بلينس الأصغر) لمطاردة المسيحيين ليس لكونهم أشرارا أو غير صالحين بل لمُجرّد كونهم مسيحيين. 161 ـ 180 ميلادية، شن حملة اضطهادات ضد المسيحيين في بلاد الغال(فرنسا) ولاسيّما في مدينة ليون حينما قتل الرومان إثر مظاهرة شعبية خمسين مسيحيّا ومن بينهم الأسقف بوتينس الشيخ ابن التسعين سنة. 193 ـ 211 ميلادية، شن الاضطهادات على المسيحيين ومنعهم من التبشير بدياناتهم ومحاولة قتل جميع الاكليروس في هذه الفترة التي عُرفت بعهد سبتيمس ساويرس. 216 ـ 277 ميلادية، ظهور الديانة المانوية التي كانت تعتقد بثنائية مطلقة بين الخير والشر وبين النور والظلمة والتي كانت نوعا من التأليف بين التعاليم الفارسية الزرادشتية والتعاليم المسيحية. وقد أسست من قبل ماني الذي كان ينحدر من بلاد ما بين النهرين(بابل)، ومن تعاليمها أن يسوع هو الذي يهدي الطريق وماني هو رسوله، والبارقليط ـ المُعزي(الروح القدس) قد بشر بمجيىء النبي ماني. 240 ـ 272 ميلادية، نفي الملك شهبور الأول للمسيحيين وأساقفتهم داخل الامبراطورية الفارسية وقتل قادتهم الكبار وذلك لأضعاف الكنيسة وشلّ حركتها ومحو رسالتها. 251 ـ 356 ميلادية، ظهور الناسك أنطونيوس أبو النساك والحبساء الذين عاشوا في براري مصر وإتباع الراهب باخوميس الخط الرهباني نفسه وتأسيسه 9 أديرة للرجال في صعيد مصر الى يوم وفاته. وتبعته شقيقته مريم التي أسست الحياة الجماعية للراهبات في الفترة نفسها والتي أسست ديرين للراهبات الى يوم وفاتها. 258 ميلادية، استشهاد عدد كبير من المسيحيين بسبب الإضطهاد العام الذي شُن عليهم من قبل(فاليريانيس) الذي كان يرى وجود المسيحيين خطرا على وحدة امبراطوريته، فإتخذ الإجراءات القاسية ضد الأكليروس بإعدام عدد كبير منهم. 261 ميلادية، إصدار الامبراطور غاليانس مرسوما تسامحيا بعدم الإعتراض للمسيحيين مما أدى الى ازدياد عددهم السريع في هذه الفترة التي دامت حوالي أربعين سنة. 301 ميلادية، اعتناق الدولة الأرمنية للمسيحية في عهد الملك تيريدات واعتبار القديس غريغوريوس المُنوّر شفيعا لكنيستها، وترتيب الأبجدية الأرمنية بمساعدة القديس مسروب. 303 ـ 304 ميلادية، رفض الجنود المسيحيون الاشتراك في شعائر العبادة الامبراطورية للآلهة الرومانية في عهد الامبراطور غاليريوس مما أدى الى أعنف الاضطهادات ضد المسيحيين وإتلاف كتبهم المقدسة وهدم كنائسهم وتجريدهم من كل الحقوق بالاضافة الى تعذيبهم وقتلهم. 304 ـ 305 ميلادية، ظهور الاضطهادات القاسية ضد الطبقات المسيحية المؤمنة، وبروز الأخلاقيات المسيحية من المحبة والتضحية والعمل المخلص والطاعة والتعاون مع السلطات الحاكمة بالرغم من المُضايقات والإضطهادات، ويُقال بأن عدد المسيحيين في هذه الفترة وصل الى حوالي 50 % من عدد سكان الامبراطورية الرومانية. 312 ميلادية، إهتداء الامبراطور قسطنطين الى المسيحية بعد رؤيته للصليب في رؤيا سماوية. وإعلانه مرسوم ميلان في سنة 313، الذي أوقف فيه كل أنواع الاضطهادات ضد المسيحيين، وإعطائهم حقوقهم الدينية في العبادة والتبشير والحرية في جميع ربوع الامبراطورية الرومانية. والبدء بحملاته العسكرية بعد ذلك تحت راية الصليب. وإعلان نفسه حاميّا للأيمان المسيحي في كل مكان في العالم. 325 ميلادية، عقد المجامع الكنسيّة العامة(المسكونية) بتأيد من الامبراطور ورعايته وذلك لتثبيت الايمان ضد الهرطقات وضد الخارجين عن الايمان القويم. ومن أهمها مجمع نيقية سنة(325) ميلادية، الذي أدى الى توثيق الروابط التي أقامها مرسوم ميلانو(313) بين الامبراطورية الرومانية والكنيسة. 325 ميلادية، تنظيم الحياة الدينية والاجتماعية المسيحية بجعل يوم الأحد يوم عطلة وتحريم الزنى رسميا مع وضع العقبات أمام الطلاق للحفاظ على قدسية العائلة والأطفال. 330 ميلادية، إحتفال الشرق بعيد الظهور في 6 كانون الثاني الذي كان عيد ميلاد الاله المصري(رع) وأصبح عيد ظهور الله على الأرض(عيد الميلاد والعماد). وأما في الغرب فقد حلّ عيد الميلاد محل عيد ميلاد الشمس التي لا تقهر في 25 كانون الأول وبإعتبار المسيح هو الشمس الحقيقية. 340 ميلادية، انتشار المسيحية بين الأحباش وقبول ملكها العماد بتأثير من (فروموطيوس) الذي أصبح أول اسقف لتلك البلاد. 380 ميلادية، تحريم الوثنية وكل ممارساتها وملاحقة أهل البدع وتدمير المعابد الوثنية وإعلان الكاثوليكية الديانة الرسمية في الامبراطورية الرومانية. 381 ميلادية، قيام الكنيسة بعقد مجامع مسكونية مثل مجمع القسطنطينية حول(الثالوث الأقدس والتجسّد)، الذي كان هدفه محاربة تعليم آريوس، الكاهن الاسكندري المصري، الذي أنكر أزلية الإقنوم الثاني من الثالوث الاقدس. 410 ميلادية، شن الفرس أشرس حملة من الأضطهادات ضد المسيحيين الذين كانوا يظهرون نشاطا تبشيريا قويّا في الشرق المعروف بإمبراطورية الفرس. 431 ميلادية، تحريم النسطورية وإعتبارها فكرا هرطوقيا في مجمع أفسس الذي كان يُنادي بإنفصال الطبيعة الألهية عن الطبيعة البشرية أثناء الصلب. 449 ميلادية، إنفصال الكنيسة المصرية والحبشية بسبب تحريم الفكرة التي أعلنها البطريرك ديسقوروس من أن للمسيح طبيعتين ممتزجتين في طبيعة واحدة، فيما تدعى بالمونوفيزية جماعة(الطبيعة الواحدة). 476 ميلادية، خلع البرابرة للأمبراطور الروماني الذي كان آخر إمبراطور قبل سقوط الامبراطورية الرومانية وتفتيت الغرب الروماني وانقسامه الى ممالك بربرية صغيرة. 496 ميلادية، إدخال ملك كلوفيس(ملك الأفرنجة ـ فرنسا) الديانة المسيحية الى فرنسا ومساعدته على نشر المسيحية في عموم البلاد الأفرنجية. 590 ميلادية، إهتمام البابا غريوريوس الكبير (Gregory the Great) بتبشير العشائر الالمانية، وإرساله الرهبان البندكتيين بتأسيس الأديرة الرهبانية بقيادة القديس بونافيس. 600 ميلادية، إهتداء الشعوب الموجودة على أرض انجلترا وايرلندا والمانيا والمناطق الأخرى من اوروبا الى المسيحية. 638 ميلادية، دخول المسلمين أورشليم وبعدها الى دمشق والاسكندرية في سنة 642 ميلادية، ومن ثمّ الى بلاد فارس في سنة 651 ميلادية، وآسيا الصغرى وشمال أفريقيا سنة 658 ميلادية، وبلاد اسبانيا في القرن السابع الميلادي (732 ميلادية). 732 ميلادية، نجاح الملك الفرنسي (شارل مارتيل) بصدّ المسلمين من دخول فرنسا سنة 732 ميلادية من أمام أسوار بواتييه. وصدهم في الطرف الآخر من اوروبا في الشرق في معركة ليبانت البحرية سنة 718 ميلادية. 800 ميلادية، توحيد ملك الأفرنجة (شارلمان) معظم دول اوروبا وإعلان نفسه امبراطورا على الامبراطورية الرومانية ومساهمته في تجديد الايمان المسيحي وصدّه هجوم العرب في شمال اسبانيا. 963 ميلادية، تأسيس الراهب أثناسيوس أول دير في جبل آثوس في شمال اليونان. وجعل الجبل فيما بعد جمهورية للرهبان التي أصبحت فيما بعد فخر الروحانية الأرثوذكسية. 1059 ميلادية، وضع القواعد الشرعية لإنتخاب البابا بإختيار الكرادلة وحدهم. والإكتفاء بالمصادقة في الهتاف للمُنتخب الجديد (البابا) من قبل الشعب والأكليروس. 1076 ميلادية، زوال الوجود المسيحي في مطلع القرن الثاني عشر في شمال أفريقيا تماما، وإنتقال مركز الثقل المسيحي من جنوب البحر الأبيض المتوسط الى شماله. 1096 ـ 1270 ميلادية، بدء الحملات الصليبية على الشرق لأنقاذ الأراض المقدسة. وإتخاذ القرار الأول في مجمع كليرمون بطلب من البابا أربانس الثاني ونزولا عند طلب امبراطور بيزنطية(ألكسي الأول)، الذي كان مهددا من قبل الأتراك السلاجقة. 1171 ـ 1226 ميلادية، مساهمة الكنيسة في بناء المدارس والأديرة والجامعات الكبيرة وتأسيس الرهبانيات العالمية مثل الرهبنة الدومنيكية سنة 1171 ميلادية، والرهبنة الفرنسيسكانية سنة 1226 التي أسسها فرنسيس الأسيزي. 1294 ميلادية، وصول أول راهب كاثوليكي فرنسيسكاني أسمه يوحنا الى الصين واستقراره في بكين، وتعينه أول رئيس أساقفة لمدينة بكين. 1215 ميلادية، فرض الإعتراف بالخطايا مرةً واحدة في السنة على أقل تقدير وذلك في زمن الفصح وأعياد القيامة في المجمع اللاتراني الرابع في 1215. 1445 ميلادية، اطلاق تسمية الكلدان لأول مرة على المسيحيين المشرقيين من قبل البابا أوجين الرابع عند انضمام كنيسة قبرص النسطورية الى الكثلكة لتميزهم عن المدعويين بالنساطرة. 1453 ميلادية، استيلاء الأتراك على مدينة (القسطنطينية) عنوة في 29 أيار ودخول السلطان التركي العثماني محمد الفاتح في كنيسة القديسة آيا صوفيا راكبا على حصانه. 1492 ميلادية، عودة اسبانيا الى العالم المسيحي بعد سقوط آخر مدينة اسلامية في الأندلس وهي غرناطة. وفقدان أوروبا المسيحية للقسطنطينية في نفس الفترة الزمنية. (1517) ميلادية، ظهور تباشير الصراعات الكنسيّة الكبيرة في الفترات اللاحقة، ونشوء حوادث مهمّة في تاريخ المسيحية الغربية، مع حدوث نهضة فلسفية ولاهوتية في العقيدة المسيحية. ومن تلك الصراعات، الحركة التي قادها الراهب الألماني (مارتن لوثر) الذي نادى بالاصلاح في الكنيسة الكاثوليكية، وبالإنشقاق عنها وبتأسيس ما يُسمى بالحركة البروتستانتية. وتبعه أشخاص آخرون مثل جان كلفن (سويسرا) وجان كنوكس (اسكتلندا) والملك هنري الثامن في (انجلترا). وإصطدام الكنيسة بتلك الإنشقاقات ومحاولتها تصليح الأمور وعقد مجمع ترانت ( 1554 ـ 1563) الذي كان في حقيقة الأمر حملة تثقيفية وتجديديّة في الايمان الكاثوليكي ومن إحدى نتائجه نشوء الرهبنة اليسوعية من قبل القديس أغناطيوس دي ليولا(1540) التي ساهمت في إنشأء الجامعات الكاثوليكية العلميّة في العالم أجمع. 1542 ميلادية، نشوء محاكم التفتيش في اوروبا ضد الهراطقة والملحدين الخارجين عن الكنيسة. وكانت تلك المحاكم تتألف من ستة كرادلة واثني عشر عضوا، يُرسلون المفتشين الى الجهات المختلفة من اوروبا لمكافحة الخارجين عن الكاثوليكية. 1551 ميلادية، ترشيح الراهب يوحنا سولاقا الذي كان رئيسا لدير الربان هرمزد للرئاسة البطريركية لكنيسة المشرق والذي سافر الى روما برفقة وفد من الأعيان، ورسمه بطريركا للكنيسة الكلدانية في الموصل في 20 نيسان 1553 بإسم (يوحنا سولاقا). وتقليده درع الرئاسة المعروف بالباليوم من قبل البابا يوليوس الثالث. 1509ـ 1564 ميلادية، بروز حركات الاصلاح الديني في معظم بلدان اوروبا وانتشارها في عموم اوروبا بقيادة (يوحنا كالفن) ووصول الحركة الى انجلترا ونشوء ما يُسمى بالكنيسة الانكليكانية. 1597 ميلادية، إعدام مسيحيين في مدينة ناغازاكي (اليابان) مما يدل على وجود مسيحية ناشئة في اليابان. وقتل خمسة وثلاثون ألف مسيحي في (شيمبارا) في سنة 1635 ميلادية وغلق أبواب هذا البلد بعد تلك الفترة أمام المُبشرين المسيحيين حتى القرن التاسع عشر. 1542ـ 1591 ميلادية، قيام حركات روحيّة تجديديّة من داخل جدران الكنيسة بقيادة الراهبة القديسة (تريزا الأفيلية) وتأثيرها إيجابيا على الروحانيات النسكية للرهبنة الكرمليّة واللآهوت العقائدي في الكنيسة الكاثوليكية عموماً. 1615 ميلادية، ترجمة الكتاب المقدس والنصوص الطقسيّة الى اللغة الصينية وانتشار المسيحية السريع في هذه الفترة والتي أوقفتها الاضطهادات القاسية من قبل الأباطرة الصينيين. 1776 ميلادية، انطلاق الكنيسة في حملة تبشيرية خارج الحدود الاوروبة في أفريقيا وأمريكا وآسيا وتأسيس مناطق وقرى مسيحية على الإسس الأخلاقية المسيحية. والانتشار السريع للكنيسة في الصين وكوريا واليابان، بالاضافة الى الصحوّة الدينية المسيحية في أمريكا وتأسيس الكنائس والأبرشيات المسيحية فيها ونشوء المنافسة القوية بين البروتستانت والكاثوليك في تبشير السكان الأصليين في الأمريكتين. 1784 ميلادية، إهتداء تاجر كوري للمسيحية عندما كان مارا ببكين، ونشره للإيمان المسيحي في بلده بعد رجوعه إليها وتنظيمه جماعة مسيحية اولى تبشر بالمسيحية في عموم كوريا بمساعدة المسيحيين الهاربين من الاضطهاد في الصين. 1804 ـ 1860 ميلادية، نشوء نهضة إيمانية أرثوذكسية في القرنين الأخيرين في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بظهور عدد من المفكرين الروحانيين ومن أبرزهم ألكسندر خوياكيف، ويوحنا سرجيوف(1829ـ 1908)، اللذين ركزا على الصلاة وإحياء الطقوس الدينية. 1869 ـ 1870 ميلادية، عقد المجمع الفاتيكاني الأول والخروج بنوع من التوضيح العقائدي بخصوص علاقة العقل بالوحي ومحاولة الكنيسة بفتح المجال للدراسات الكتابية والخروج من اللغة التوماوية (توما الأكويني) القديمة في تفسير الايمان والعقيدة والبحوثات العقلية والايمانية وكيفية التآلف بينهما. 1799 ـ 1800 ميلادية بدء التحدي الجديد للكنيسة في التوجه نحو العالم الجديد وتبشير الشعوب الهندية الأمريكية هناك. ونشوء حملة إضطهادات من نوع جديد من قبل الثورة في فرنسا التي حاولت تهميش دور الكنيسة وقتل وإبعاد الكهنة والرهبان فيها، والهجوم على روما وأسر البابا بيوس السادس وحجزه الى يوم مماته في السجن. 1902 ميلادية، تشريد الكهنة والرهبان في فرنسا بسبب حكم (إميل كومب) وهو طالب أكليريكي سابق، والذي بدأ بغلق جميع المؤسسات الدينية وتحريم الجمعيات الدينية والرهبانية. 1905 ميلادية، صدور قانون فصل الدولة عن الكنيسة فصلا نهائيا في جمهورية فرنسا، مع الإعتراف بحرية الضمير والإستيلاء على كل الممتلكات الكنسية وإلغاء جميع المعاهد الدينية. 1917 ميلادية، وقوع الكنيسة الأرثوذكسية تحت نير الحكم الشيوعي في روسيا والدول الشرقية الاوروبية وإلغاء دور الكنيسة الارثوذكسية لمدة 70 سنة الى مجىء عهد غورباتشوف في نهاية القرن العشرين وتحرير الكنيسة من السجن الذي كان يُحيطها ويُجرّدها من كل قواها الروحية والرسولية. 1926 ميلادية، فصل البابا بيوس الحادي عشر بين الكنيسة والعمل الرسولي والمصالح السياسية وإرسال المندوبين الى مختلف البلدان كرجال للدين وليس كرجال للسياسة. 1929 ميلادية، محاولة إصلاح الكنيسة علاقاتها مع الحكومات الاوروبية في القرن التاسع عشر وفشلها في ذلك ووصولها الى حالة من القطيعة مع الدولة الايطالية وتأسيس دولة الفاتيكان التي بدأت بإدارة الكنيسة الكاثوليكية في العالم الى يومنا هذا وجعل الكنيسة في الفاتيكان المركز الدبلوماسي الكاثوليكي العالمي، داعية الى السلام والعدل والمحبة بين شعوب العالم. 1948 ميلادية، تأسيس المجلس المسكوني للكنائس العالمي في مدينة أمستردام. والذي كان خطوة جبارة في العمل المسكوني ومن قراراته: الإيمان والنظام والعمل والاعتراف بيسوع المسيح ربا وإلها ومخلصا. وكان تأييد(مجمع إنتشار الإيمان) الكاثوليكي بهذا العمل بكونه خطوة رائعة وعمل إيماني مُثمر نحو الوحدة والتقارب بين الكنائس العالمية. 1962 ميلادية، حضور معظم المطارنة والأساقفة والكرادلة في العالم والبالغ عددهم 2800 مطرانا وكاردينالا، في تجمّع كاثوليكي مسيحي، للتكيّف مع العالم ومع أفكاره الجديدة وخلق الحوار المسكوني مع الكنائس والأديان والعودة الى ينابيع الكتاب المقدس والى الجذور المسيحية الأصيلة في ما يُسمى بالمجمع الفاتيكاني الثاني. 1967 ميلادية، احتفال في الطقوس الدينية باللغات المحلية كخطوة أولى في التطبيق العملي لقرارات المجمع الفاتيكاني الثاني وخلق نوع من التآخي بين الكنائس الشقيقة والأديان العالمية والثقافات المختلفة بالحوار معهم وبالابتعاد عن روح الإتهام والتجريح، والإعتذار عن الماضي وعن الأخطاء المُرتكبة من قبل الكنيسة ورجالاتها عبر القرون الماضية. ولقاء البابا مع الشخصيات الدينية التاريخية مثل بطريرك القسطنطينية وبابا الأقباط ورئيس أساقفة كانتربري وقادة الأديان الأخرى. وشهدت الكنيسة في نهاية القرن العشرين تطوّرات عظيمة في العلاقات الدبلوماسية مع دول العالم، مع تبوء الكرسي البابوي في الفاتيكان، عددا من البابوات الكبار المشهود لهم في دعوتهم الى تجديد الكنيسة من الداخل، وخلق روح التآخي والتقارب والحوار بين الشعوب والأديان ودعواتهم المتكرّرة الى نشر السلام والعدالة والأخلاق الحميدة بين الشعوب. أساسيات الايمان المسيحي: يتكلم الكتاب المقدس عن خلق الله للإنسان خلقا حرا، بتصميم وعبقرية لا مثيل لهما. ولا يزال العلم يتعجب من عظمة خلق الله للإنسان. وحاول الانسان بدوره الاتصال بالله منذ القدم ولكن بطرق مختلفة. واستمر الانسان في رغبته لمعرفة الله لكي يعيش ويحيا ويمجد الله ويتمتع بالسعادة التي ما فتىء يسعى إليها. وأخفق الانسان في معرفة الله عن طريق الطبيعة والمخلوقات فجرب عن طريق العقل وحده ولكنه أخفق أيضا. ولذلك إحتاج الى الوحي الالهي الذي أنار عقله وقلبه وفتح له الآفاق الواسعة للدخول الى سر الله. والله بفرط صلاحه وحكمته أوحى الى الانسان بذاته وكشف له بالاحداث والاقوال والاعاجيب عن ذاته وعن قصده. وكانت البداية في دعوة الله الى ابراهيم للخروج من أرضه وبجعله أبا لشعوب كثيرة وإعطائه الوعد بأنه سوف تتبارك به جميع عشائر الارض كما جاء في سفر التكوين 12 / 3 . وإختار الله ابراهيم ونسله لكي يكون المؤتمن على الوعود الالهية المقطوعة للأجداد. وأنشأ الله شعبا خاصا تعين من قبل الله للمحافظة على العهد الالهي معه. وأعطى الله الشريعة عن طريق النبي موسى بعد أن أنقذ شعبه من عبودية مصر. وأقام الله أنبياءً عديدين للمحافظة على ذلك العهد المبرم. وبشر الانبياء في كل فرصة ومناسبة عن المخلص والفادي الذي سيأتي ليخلص الجميع من خطاياهم وليؤسس عهدا أبديا مع البشر. وتم العهد الابدي مع المسيح الكلمة المتجسد، الذي صار إنسانا وتألم وصلب ومات ولكنه قام في اليوم الثالث منتصرا على الموت. وقد جاء في الكتاب المقدس في هذا الخصوص: أنه لما بلغ ملء الزمان، أرسل ابنه الوحيد فاديا ومخلصا للجميع من خطاياهم ولكي يدعوهم الى كنيسته ويمنحهم أن يكونوا أبناءه بالتبني ويرثوا السعادة الابدية وليبشر بقرب مجىء ملكوت الله. ويشرح الكتاب المقدس تدخل الله في الزمن الاواخري من خلال الاقنوم الثاني (كلمة الله)، يسوع الذي تجسد في مريم العذراء وحبل به بقوة الروح القدس ودعي اسمه عمانوئيل(الله معنا). وتتفق الاناجيل أن المسيح ولد في مدينة بيت لحم اليهودية. وترعرع وإمتلأ من الحكمة والقامة والحضوة عند الله والناس. وكان طائعا لوالديه المُقيمين في الناصرة الى أن أصبح ناضجا في الثلاثين من عمره. وتجمع الاناجيل أنه لما إعتمد يسوع حلّ عليه الروح القدس وقت خروجه من الماء كشهادة تأييد سماوية لينطلق برسالته، أو كتفويض إلهي للبدء برسالته الالهية ولتأسيس ملكوت الله على الارض. ولكن قبل البدء برسالته، إتجه الى البرية لكي يصوم لمدة أربعين يوما واربعين ليلة، وبعد أن أنهى صومه جُرب من قبل الشيطان، مما يثبت على أنه إنسان حقيقي جاء ليختبر كل شىء وليمرّ بكل الاهوال التي تعرّض لها الانسان بسبب الشر. ولكنه شابهنا في كل شىء فيما عدا الخطيئة. ففي التجارب التي واجهها المسيح، رفض كل المغريات المادية والدنيوية، ورفض السلطة الدنيوية، وبيّن أن مملكته ليست من هذا العالم. ولم يقبل عرض السيادة على العالم مقابل السجود للشيطان، ولم يستخدم قواه الروحية بطريقة سحرية لكي يشبع جسده المنهك من الجوع كما طلب منه الشيطان. فخرج المسيح من التجارب منتصرا لكي يُعيد للإنسان كرامته بعد فشله في التجارب الاولى في الفردوس وطرده منها نتيجة لذلك. وكرس المسيح جلّ وقته للتعليم وعمل المعجزات في القرى والمدن، من خلال الخطب والامثال والمعجزات على حقيقة جوهرية واحدة وهي: حلول ملكوت الله مع المسيح كزرع سري ينمو بصورة سرية أو كخميرة في العجين يخمر العجين كله. وكشف المسيح عن شخصيته تدريجيا من خلال حياته لأنه لم يكن سهلا معرفة وفهم شخصيته وسره الالهي الذي جاء لينير العالم بنور الحق والذي وكل اليه أن يتمه بأقواله وأعماله وآياته ومعجزاته وموته. وكشف يسوع كذلك إرادة الله الآب ومشيئته الربانية التي أعطى لها الاولوية في كل شىء حتى في موته على الصليب عندما قال: لتكن مشيئتك لا مشيئتي. وبالرغم من ذلك تعرض المسيح الى التساؤل حول هويته إذ ظن البعض أنه يوحنا المعمدان والبعض الآخر انه النبي إيليا والبعض انه أحد من الانبياء، ولكن بطرس أصاب في جوابه عندما قال: "أنت المسيح ابن الله الحيّ". فانطلق المسيح في رسالته التبشيرية لتوضيح هذه العقيدة(ابن الله الحيّ) ولتأسيس كنيسته على هذا المفهوم الذي أشار اليه كالصخرة التي لا تتزعزع. فأجاب بطرس قائلا: "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها". وكان المسيح في معظم خطاباته وأمثاله، يقود مستمعيه الى هذا السر العميق والى كيفية قبوله. وكان يستدعي من تابعيه موقفا واضحاً: من ليس معي فهو ضدي وعلى الذين يتبعونني أن يعطوا لي الأولوية المطلقة في الحياة وأن يحملوا صليبي ويتبعونني وأن يتركوا كل شىء ويتبعونني. وكان يعتبر هذا النوع من التباعة، ضربا من الجنون أو التجديف لدى اليهود، لأن اليهودية كانت تخلط الدنيويات بالروحانيات، وأما يسوع فإنه ميّز وبصورة واضحة بين طريقه وطريق العالم، وبين من يتبعه وبين من يتبع العالم، كما جاء في انجيل متى قائلا: "من كان أبوه أو أمه أحب إليه مني، فليس أهلا لي. ومن لم يحمل صليبه ويتبعني، فليس أهلا لي. من حفظ حياته يفقدها، ومن فقد حياته في سبيلي يحفظها" 10 / 37 – 39. ومن هذا يتبين خط المسيحية الذي يدعو الى تكوين العلاقة الشخصية بين التابع والمسيح يسوع المخلص. وعلى الأتباع أن يكونوا على مثاله وأن يأخذوه نموذجا وقدوة فعليهم بالرحمة من دون حدود، والغفران 77 مرة سبع مرات في اليوم الواحد، وأن لا يكون تصرفهم تجاه الذين يحبونهم فقط بل تجاه أعدائهم أيضا (متي 5 / 43 – 45 ). وأكد المسيح في رسالته على ضرورة المعمودية للخلاص فهي سر الايمان الذي ينمو ويتطور. والعماد بحاجة الى أن يتطور للدخول الى الحياة الالهية بكل غناها لأنه به يصير كل من يعتمد أبناً لله أو بنتا لله ومدعوا الى الكمال. وإن ما تؤتيه المعمودية من ثمار متنوعة ترمز اليه العناصر الحسيّة المستعملة في شعائر هذا السر. فالتغطيس في الماء يستلهم رموز الموت والتنقية من الخطايا كما يستلهم أيضا الولادة الجديدة في الروح القدس (التعليم المسيحي الجديد 1262 ص 386 ). ويستطيع المُعمّد ان يقبل جسد المسيح ودمه التي هي وليمة عشاء مقدس يمارسه المسيحيون كل يوم ولاسيما في أيام الآحاد والاعياد وذلك لتجديد ذكرى العشاء الرباني المقدس للمسيح مع تلاميذه في يوم الفصح المجيد قبل صلبه. وشهد الرسل والمسيحيون الاوائل على ذلك، ولم يبخلوا حتى بدمائهم من أجل نشر الكلمة ومعرفة المسيح يسوع الذي يجب أن يبشر به في جميع الشعوب، متممين قول معلمهم:"اذهبوا وتلمذوا كل الامم وعمذوهم بإسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به، وها أنا معكم طوال الأيام، الى إنقضاء الدهر" انجيل متى 28 / 19 ـ 20. فالمسيحية إحتاجت منذ نشوئها الى تضحيات جسيمة، إذ قدم معلمها ومؤسسها حياته ثمنا لها كما فعل معظم الرسل والتلاميذ الذين لم يكن لديهم أثمن من حياتهم، ولم يبخلوا بها في سبيل نشوئها وتطورها وانتشارها في العالم كله. ولا عجب فهي من أكبر الاديان قاطبة من حيث عدد الاتباع، ولا تزال من أكثر الاديان إنتشارا من حيث عدد المهتدين كل سنة. ولا يوجد اليوم بلد في العالم لا يحتوي على جماعة مسيحية مؤمنة. العقائد المسيحية: الايمان هو أعظم موهبة مُنحت للبشر، وهو ليس شيئا شخصيا يحتفظ به المرء لنفسه، ولا هو اختبار عقليّ وليد التجربة والبرهان. وإنما هو الثقة المطلقة في الشخص الذي نؤمن به في كل الأحوال والظروف ومن دون أدنى شك. والإستسلام المُطلق له بالرغم من توافقه مع العقل أو عدم توافقه. فهو إذا الإختبار المُباشر والداخلي الذي لا يحتاج الى إثبات ولا الى برهان. هذه بعض الشواهد الإيمانية والعقائدية المشتركة بين معظم الطوائف المسيحية: • يؤمن المسيحيون بإله واحد وهو إيمان يُعاش عمليا وليس إيمان يُقال ويُردد نظريا. وهو نوع من الرفض للآلهة الوثنية وتأليهها ورفض تأدية أية عبادة لها أو أي إحترام لقواها الثلاث، التي هي الخبز والجنس والسلطة. • تؤمن المسيحية بأن الله قادر وحكيم وقدوس وعادل، وهو سيّد الكون والأشياء كلها والأشخاص جميعها، والإله الصباؤوت. وهو في الوقت نفسه ينبوع دائم التجدّد، الذي لا نهاية لمحبته في وحدة الثالوث المقدس(الآب والابن والروح القدس). • تؤمن المسيحية بأن المغامرة الإيمانية الاولى للبشر بدأت مع ابراهيم حوالي 1850 ق.م، وتجسّدت المغامرة مع موسى النبي وشعب اسرائيل حوالي 1270 ق.م، وذلك في خروج شعب اسرائيل من مصر العبودية الى حرية الايمان في أرض الميعاد(كنعان). وتوسع مفهوم المغامرة الايمانية ليشمل كل البشر بعد صلب الكلمة المتجسد، يسوع المسيح الذي يقود العالم الى خروج جديد من عبودية الخطيئة الى حرية النعمة. • يؤمن المسيحيون أن المسيح هو كامل في كل شىء في حياته على الأرض، وأنه جاء الى الأرض ليُعلم الناس خطة الله، فعلى الناس أن يقبلوه أو لا يقبلوه وهو يعرض عليهم شخصه قبل أن يعرض تعاليمه وعقائده. • تؤمن المسيحية بأن المسيح مات على الصليب من أجل خطايا العالم وأن حُب الله فاض على العالم بشخص يسوع وأن الله يغفر خطايا كل شخص يتوب ويرغب أن يكون له أو لها بداية جديدة لحياته أو حياتها، ومن هنا يأتي التعبير المسيحي(الولادة الجديدة)، وهي الولادة الثانية أو الولادة الروحية، إذ يولد المرء طبيعيا من والدته(الولادة الاولى) ويولد ثانية ولادة روحية في المسيح يسوع (الولادة الثانية). • تؤمن المسيحية، بأن الأنسان لا يستطيع العيش إلا بالأيمان الذي يرتبط بالرجاء والتاريخ والمحبة والحياة الأخلاقية. وأن المسيح إنما جاء لكي يُحرّر الإنسان من قيود الخطيئة ومن قيود الشريعة وثقلها وتفاصيلها الدقيقة، لأن الشريعة تدفعه الى العمل الصالح الذي لا يستطيع أن يقوم به. وجاءت المسيحية بالنعمة لتحل محل الشريعة، ولكي تجعل كل من يؤمن بها تحت النعمة الآلهية وليس تحت الشريعة الآلهية (الموسوية). • تؤمن المسيحية، بيسوع المسيح ربا وإلها، وتوحد بين الأسم يسوع وبين اللقب المسيح. واللقب هو جزء من اسم العلم الذي يدل على رجل الناصرة. وأما الأسم (يسوع) فيعني (المخلص) ويدل على الوظيفة وعلى الشخصية، ويستحيل الفصل والتمييز بينهما لكون الوظيفة هي الشخص والشخص هو الوظيفة. • تؤمن المسيحية، أن الخلود ليس فقط من خلال الآخرين كالأولاد مثلا، إذ يؤكد البعض بقاءهم وديمومتهم في الحياة من خلال نسلهم وممتلكاتهم الأرضية فقط. • تؤمن المسيحية بالفرح والسعادة وبمشاركة الله في حياة الانسان وإعطائه دورا مهمّا في تكملة مسيرة الخلق والإبداع. وهم(المسيحييون) مدعوون لممارسة الصوم والتقشف من أجل الوصول الى تمام الفرح والسعادة والسلام الداخلي. • تؤمن المسيحية، أن الإنسان لا يستطيع أن يخلص بطاعته للشريعة وحفظها وممارستها ولكن بالإتكال على المسيح والإيمان به وبالتضحية والمحبة، لأن الإيمان يظهر في المحبة وعندما تفحص محبتك فإنك تفحص إيمانك. • تؤمن المسيحية، أن الزواج والعزوبة موهبتان من الله وكلاهما لهما مكانتهما في إتمام مقاصد الله. والزواج أوجده الله كوسيلة لتوفير الرفقة والتناسل وهو خير من التحرّق بالشهوة. وأما الجنس فهو عنصر جميل وضروري في الزواج ويكون إساءة الى الله والى قداسة الزواج عندما يُمارس خارج الزواج. وعلى الأزواج والزوجات ألا يمتنع أحدهما عن الآخر. • تؤمن المسيحية أن الموت ليس نهاية كل شىء بل هو مدخل الى الحياة الأبدية التي هي عطية مجانية من الله في يسوع المسيح الذي به يكون الخلاص من الخطيئة. • تؤمن المسيحية، أن الصلاة هي في ذاتها حديث مع الله وهي جوهر الإيمان المسيحي، فعلى المسيحي أن يُصلي كل حين من دون أن ييأس أو يملّ. وكما أن الجسد يتنفس بالهواء هكذا النفس تتنفس بمراحم الله من خلال الصلاة، لأن الله نبع لا ينضب للماء الحيّ وما على المؤمن إلا أن يمد وعائه ويأخذ منه على قدر ما يريد. وتتفق المسيحية منذ بدايتها على قانون للأيمان المسيحي الموّحد( قانون الرسل) والذي تقبل به معظم الكنائس المسيحية. وقد طوّر هذا القانون إلى أن إتفق الجميع على الصيغة النهائية له في سنة 325 ميلادية في مدينة نيقية في تركيا مع تعديلات طفيفة في المجامع المسكونية الاخرى. وتعتبر صيغة نيقية للقانون الايماني، الصيغة المُستعملة من قبل معظم الكنائس (الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية والكنيسة المشرقية الآشورية مع الكنائس البروتستنتية والانجيلية)، ويُسمى بقانون إيمان الرسل وهذا نصه. نؤمن بإله واحد/ الآب الضابط الكل/ وخالق السماء والارض/ وكل ما يرى وما لا يرى/ وبرب واحد يسوع المسيح/ إبن الله الوحيد/ المولود من الآب قبل كل الدهور/ إله من إله / نور من نور/ إله حق من إله حق / مولود غير مخلوق / مساو للآب في الجوهر/ الذي على يده صار كل شىء/ الذي من أجلنا نحن البشر / ومن أجل خلاصنا نزل من السماء / وتجسّد من الروح القدس / من مريم العذراء / وصار إنسانا / وصلب عوضنا في عهد بيلاطس البنطي / تألم ومات / ودفن وقام في اليوم الثالث كما في الكتب / وصعد إلى السماء / وجلس عن يمين الله الآب / وأيضا سياتي بمجده العظيم / ليُدين الأحياء والأموات/ الذي ليس لملكه انقضاء / ونؤمن بروح القدس الرب المحيّ / المنبثق من الآب والأبن / ومع الآب والأبن / يُسجد له ويُمجد الناطق بالأنبياء/ وبكنيسة واحدة / جامعة / مقدسة / رسولية / نقرّ ونعترف بمعمودية واحدة / لمغفرة الخطايا / وننتظر قيامة الموتى / وحياة جديدة في العالم العتيد، آمين. وهذا هو بإختصار ما يؤمن به المسيحيون ويُعلنوه منذ القرن الرابع الميلادي: الايمان بالله الواحد الآب الضابط الكل. الايمان بالله خالق السماء والأرض. الايمان بيسوع المسيح ابن الله الوحيد. الايمان بالروح القدس. الايمان بالثالوث الأقدس. الايمان بالكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية. الاعتراف بالمعمودية والأسرار المقدسة. الرجاء في قيامة الموتى والحياة الجديدة في الدهر الآتي. فالايمان المسيحي بحسب معظم آباء الكنيسة والعلماء البروتستانت والانجيليين ليس مجرّد صيغ ومعتقدات وتعابير طقسيّة جامدة، ولا هو نظريات علميّة نتعلمها عن ظهر القلب في طفولتنا. وإنما هو العلاقة الحميمة بين الله والانسان وذلك بأقوال صادقة لا غش فيها. وهو نعمة مجانية يقدمها الله للبشر من فيض حُبّه وسخائه. وأن يحيا البشر حسب منطق هذا الايمان على أن يُجسّدوه في حياتهم اليومية بأصالة وعمق وتواضع. وعهد الله وديعة الايمان الى مجمل كنيسته التي هي شعبه الجديد، فهي المؤتمنة على الوعد الالهي الجديد والمسؤولة على المحافظة عليه بدعم من الروح القدس المرشد والمدافع عن ايمانها لكي تبقى حيّة ومُتجددة بسلطتها التعليمية وشعبها المؤمن الذين يشتركون في خدمة كلمة الله بحسب مواهبهم الروحية، فمنهم الاساقفة والكهنة والشمامسة والعلمانيين. وتطورت فكرة الايمان لدى المسيحيين بمرور الزمن ومن دون أن تخرج من نطاق الكتاب المقدس الذي أكد على أن الله تكلم مع البشر من خلال ابراهيم والانبياء الآخرون، ولكنه في المسيحية أتى الله لملاقاة البشر بكشف ذاته لهم وبطريقة بشرية عن طريق المسيح يسوع ابن مريم الذي كان له في كل اعماله، بُعد الهي وبُعد بشري. فأقواله هي أقوال الله الآب وكذلك أعماله هي أعمال الله المقيم فيه، فمن رأه قد رأى الله الآب. على أن قبول أفكار يسوع وتطبيق نصائحه تؤدي الى التغيير الشامل في الانسان والمجتمع والى تجنب الحروب والويلات. فالعلاقة مع يسوع المسيح تغيّر الحياة، إذ يستطيع العالم عن جهل بحقيقة المسيحية أن يهزأ بالمسيحية، ويستطيع أن يسخر منها، لكنه لا يستطيع نكران قوتها في تغيير حياة الناس كما قال بعض الذين اهتدوا الى المسيحية وإعترفوا بتغيير جذري حصل في حياتهم بعد الايمان بيسوع المسيح وقبوله مخلصاً وحيدا. إذ بمجرد وضع الثقة في المسيح واتخاذه مُخلصاً وفاديا فإن الانسان يُغير حياته رأسا على عقب. ويوجه المسيح دعوة مفتوحة للجميع لقبوله فاديا ومخلصا، والمبادرة الاولى تأتي منه كما جاء في سفر الرؤيا قائلا:"ها أنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه" رؤيا 20:3. ينعم الفرد بقبوله ليسوع بحياة أفضل بكثير مما كانت له، وما يحتاجه الانسان هو الايمان به والعمل بحسب وصاياه بفعل سماع الكلمة والتأمل فيها والصلاة بصورة يومية. وما ينطبق على الفرد ينطبق أيضا على الجماعة وعلى الشعوب أيضا، إذ أن الجماعات التي قبلت المسيح تاريخيا تغيرت الى حالة أسمى بكثير مما كانت عليه، والشواهد على ذلك الشعوب الاسكندنافية التي كانت جماعات بربرية وقراصنة وقطاع طرق، ولكنها تمدنت وإرتقت بمجرد قبولها للإيمان المسيحي وشعوب أخرى كثيرة سواء في آسيا أو أمريكا أو أفريقيا، لأن السمو المسيحي والاخلاق المسيحية تشهد لها المدارس والجامعات المسيحية والمستشفيات المسيحية المختلفة، وكذلك خدمة رهبانها وراهباتها ومؤمنيها وتضحياتهم الكثيرة من أجل مساعدة القريب المحتاج. فالسمو والارتقاء بالفرد والشعوب هو الخروج من الشريعة الطبيعية الى المثل السامية التي تدعو اليها المسيحية والتغيير من خلائق الله الى ابناء الله، والتغيير من الشريعة بصيغتها السلبية أو الطفولية الى الشريعة بصيغتها الايجابية والتي تخاطب الناضجين. ولعلك تسأل ماذا عن الحروب التي تمت بإسم المسيح والحروب التي اشتعلت بين الشعوب المسيحية انفسها التي حاربت بعضها البعض ولسنين طويلة؟. أقولها وبصراحة شديدة وبحسب الاثباتات التاريخية، أن الحروب التي قامت في اوروبا وغيرها من الدول، لم تكن يوما من أجل المسيح والمسيحية، لأن المسيح لم يكن دافعها، والكتاب المقدس لم يدعو اليها يوما، وحتى الحروب الصليبية لم تكن سوى حروب سياسية اقتصادية تمت بإسم المسيح زورا وبهتانا لا أكثر ولا أقل. القربان المقدس (الافخارستيا): يجد الانسان المسيحي(بحسب آباء الكنيسة) بنوّته في الأفخارستية(القربان المقدس)، وهو من أعظم الأسرار، إذ أنه فرح الفصح الذي يكمل في أحضان الكنيسة المقدسة. وهو تذكير حيّ لما قام به المسيح في العشاء الأخير. كما جاء في انجيل لوقا:”أخذ خبزا شكر وكسر، وأعطاهم قائلا، هذا هو جسدي الذي يبذل لأجلكم، إفعلوا هذا لذكري” لوقا 22/ 19. وكذلك في انجيل يوحنا:”هذا هو حمل الله الذي يزيل خطيئة العالم” يو 1/29. ويقوم يوحنا بشرح السرّ في انجيله تفصيليّا، ويُعطى له بُعدا تاريخيا في العهد القديم، إذ يقول:”الحق الحق أقول لكم، إن موسى لم يُعطكم خبزاً من السماء، وإنما أبي هو الذي يُعطيكم ألآن خبز السماء الحقيقي. فخبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة جديدة للعالم. قالوا له: يا سيد، أعطنا في كل حين هذا الخبز. فأجابهم يسوع: أنا هو خبز الحياة. فالذي يقبل إليّ لا يجوع، والذي يؤمن بي لا يعطش أبدا” يو 6/ 32ـ 36 . ومن الممكن إعتبار هذا السرّ(العلامة)، جوهر الحياة المسيحية (الكاثوليكية والأرثوذكسية والكنائس الشرقية وبعض الكنائس البروتستنتية) وهي من أهم العلامات المسيحية، إذ تقول الكنيسة في(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية) منشورات المكتبة البولسية ـ جونيه ـ لبنان سنة 1999 المقال الثالث 1322: “الأفخارستيا المقدسة تختتم مرحلة التنشئة المسيحية. فالذين أُكرموا بالكهنوت الملكي بالمعمودية، وتصوّروا، بالتثبيت، بصورة المسيح بوجه أعمق، يشتركون مع كل الجماعة، في ذبيحة السيد نفسه، بواسطة الافخارستيا”. ويسمى السر بالافخارستيا وهي كلمة يونانية تعني(أداء الشكر لله)، وقد تُدعى (كسر الخبز)، إذ كما فعل يسوع في العشاء الأخير يفعل تلاميذه وكهنته ويُعيدون ذكره. أو قد تُسمى الذبيحة المقدسة: لأن الأفخارستية في العهد الجديد تفوق كل الذبائح في العهد القديم أو تسمى بالقداس: لانها ذبيحة حيّة ومقدسة وصادقة يتم فيها سرّ الخلاص الحقيقي لكل البشر. أو قد تسمى بالشركة: لاننا بهذا التجمّع الليتورجي، نتحد بالمسيح وهو يتحد بنا بتناولنا جسده ودمه في ذبيحة القربان المقدس. فالحدث إذا ليس حدثا تأريخيا فقط، وإنما هو حدث دائم التجديد للمسيح القائم من بين الأموات. وهدف يسوع من إعطاء جسده ودمه قربانا على الصليب وعلى المذبح(ذبيحة مقدسة)، ليس هو تحويل الخبز والخمر الى جسده ودمه، بل بالأحرى هو تحويل قلوبنا وجماعاتنا شخصيّا الى(جسده). فالمسيحي، يؤمن حقا أن القربان هو جسد المسيح الحيّ، فعليه أن يشترك في الذبيحة الآلهيّة(القداس) ويشارك في تناوله لكي يُصبح متحداً معه. وعليه أن يحترم هذا الجسد ويُقدسّه وأن يتأمل فيه. فهو مصدر للقداسة والتقرّب الى الله، سواء كان من خلال الساعة المقدسة أم من خلال الزيارات الشخصيّة للقربان المقدس الموجود في بيت القربان أم من خلال التأملات الفردية والجماعية في هذه المناسبة المقدسة لدى الكاثوليك والمذاهب الاخرى. الصلب: كلما زادت شهرة يسوع في اورشليم، كلما إشتدت مقاومة السلطات الدينية له. ولربما كان دخول يسوع في الهيكل وقلبه للموائد وضربه الصرّافين، السبب المُباشر الذي أدى بالسلطات اليهودية الى أخذ الموقف الصارم ضده. إذ أن الهيكل كان مركزاً إقتصادياً مهمّاً بالنسبة الى التجار والكهنة والفريسيين الذين كانوا يأخذون حصتهم من التجارة في الهيكل. وكان دخول يسوع الهيكل لآخر مرة راكبا اتاناً، يعدّ عملا مسيحانيّا رمزيا بحسّب التقاليد اليهودية، وذلك في أهم موسم من مواسم الأعياد اليهودية وهو عيد الفصح. وكان مؤيدو يسوع قد رتبّوا الفصح في الغرفة العليّة له ولتلاميذه، فيما يُدعى اليوم بالعشاء الأخير. وهناك في العليّة أسس يسوع العهد الجديد الذي يُدعى عهد الافخارستية(القربان المُقدس) بمشاركة تلاميذه، حينما أخذ الخبز وبارك وقال لهم:((هذا هو جسدي))، ثم أخذ كأس الخمر وقال لهم: ((هذا هو دمي)). ثم قال لهم:(( إفعلوا هذا لذكري)). وكانت الأفخارستية منذ القرن المسيحي الأول، الرمز الأعظم لذبيحة الصليب في المسيحية والى يومنا هذا، يعُاد ذكرها عند غالبية الكنائس المسيحية وهي ذبيحة غير دموية يحتفل بها الكاهن أو المطران مع الشعب المُؤمن كل يوم. شكل يسوع خطرا كبيرا على قادة اليهود، إذ كان عمله التخريبي في الهيكل بنظرهم، دليلا كافيا على أنه يشتهي القيادة السياسية للشعب، وخطاباته التي أعلنها أمام الملأ بدنو حكم الله، كانت تتضمن رسالة سياسيّة عميقة ومُخيفة بالنسبة إليهم. وشكل طرد الباعة والصّرافين من الهيكل تهديداً مُباشراً لهم وللأيمان اليهودي الذي يُمثلونه، لأن الهيكل كان يرمز الى الأيمان اليهودي بكامله وكذلك الى السلطة الدينية التي تديره. والخطر الثاني الذي كان يُشكله يسوع بالنسبة الى الكهنة والفريسين هو الأعلان عن كون الله هو الآب للجميع وهو قريب في وسط شعبه وليس بعيداً كما كانوا يُصوّرونه. وبهذا المفهوم يكون بإستطاعة كل يهودي التقرّب من الله مباشرة. وهذا ما يجعل الشعب في المستوى نفسه مع الكهنة والفريسيّين، من دون وجود طبقات أو درجات، ولا ننسى ما يُشكل فقدان هذه السيطرة على الشعوب من هلع وخوف على الكراسي وعلى المصالح الاقتصادية بالنسبة الى رجال الدين آنذاك. والخطر الثالث الذي كان يُشكله يسوع بالنسبة الى الكهنة والفريسيّين هو أن الشعب كان مُعجَبا بشخصيّته وتعاليمه وعجائبه التي كان يصنعها حتى في الهيكل أمام مسمع ومرأى من القادة والمسؤولين الدينيّين، ولاسيّما قصة الأعمى منذ مولده الذي شفاه يسوع. ونزل الحدث مثل الصاعقة على رؤوس الكهنة والفريسيّن، الذين أجروا محكمة على الأعمى وعلى أهله وأرادوا تكذيب الخبر بالقوّة والتزوير ولكنهم لم ينجحوا في مؤامرتهم. ولم تكن كل هذه الأسباب تعني شيئا بالنسبة الى الحاكم الروماني (بيلاطس البنطي) والسلطات الرومانية الأخرى التي لم تكن تهتم كثيرا بالصراعات الدينية داخل المُجتمع اليهودي. وكانت التهمة الثلاثية التي ألصقوها بيسوع، تحريض الشعب ضد الرومان ومنعهم من دفع الضرائب وإعلان نفسه ملكاً لليهود، كانت هذه التهم كافية على إدانته وصلبه بالنسبة الى الرومان. وبالرغم من أن يسوع لم يكن يهتم بتأسيس دولة سياسيّة ولكن تعاليمه الروحية عن الله وحكمه وملكوته على الأرض شكلت تحديّاً صارخا بالنسبة الى المؤسسة اليهودية التقليدية وممارساتها السلطويّة اليومية. وكان يسوع قد إتخذ طريقا خطراً لم يكن من السهل الرجوع عنه بسبب وضوح الهدف الذي كان يرمي إليه ألا وهو خلاص البشر جميعا من دون إستثناء. فكان لابد من التخلص منه بأية وسيلة كانت، حيث أدين وعلق على خشبة الصليب، وكانت هذه الطريقة الرومانية المعروفة في إعدام الأشرار والمُجرمين والثورييّن والخارجين عن القانون. ولربما يتبادر الى الذهن هذا السؤال؟ أما كان بالإمكان أن يفتدي يسوع البشر بكلمة واحدة أو بفعل سجود بسيط بإسم البشرية جمعاء، من دون أن يُقاسي الآلام الفادحة والأهانات القاسيّة. والجواب لهذا السؤال، يكمن في كوّن البشر لا يتأثرون إلا بما يقع تحت الحواس، لكونهم بشرا من لحم ودم تحكمهم الأحاسيس والمشاعر البشرية. فكان لابد من الموت بهذه الطريقة المؤلمة بسبب فظاعة الخطيئة التي استوجبت التجسّد والموت على الصليب ثمنا للمُصالحة مع البشر الخاطىء، وإلا لما كان للتضحية من معنىً يُذكر، ولا للموت حُبا بالآخرين من هدف يبتغيه الأنبياء والسياسيّون والثوريّون من أجل أديانهم وأوطانهم وشعوبهم من دلالة لها إعتبار. القيامة: عُلق يسوع على الصليب حتى الموت كما جاء في الأناجيل، وكان على أحد تلاميذ يسوع أن يشتري جسده من الرومان ليسمحوا بدفنه. فوضع جسده في كهف وغطى فوهة الكهف بحجر دائري كبير يشبه حجر الرحى. وحدث هذا يوم الجمعة قبل أن يقبل السبت، وبقي يسوع في القبر الى يوم الأحد، فعندما ذهبت النسوة بحسب عادة اليهود في اليوم الثالث ليطيّبن جسده، وفي غداة يوم الأحد وجدنَ القبر فارغاً، ثم بشّرنَ بطرس وإخوته(التلاميذ) أن يسوع ليس في القبر. وكان القبر فارغاً، والكفن والمنديل، ملقيان في الداخل. عندئذ فقط، خطرت ببالهما (بطرس ويوحنا) الكلمات التي تنبأ بها يسوع عن قيامته في اليوم الثالث وإنتصاره على الموت. وعندما ظهر لهم وهم مجتمعون، أزال شكوكهم وأوهامهم التي لازمتهم وقال لهم كلماته الأخيرة:"اني قد أُعطيت كل سلطان في السماء والأرض. اذهبوا الآن، وتلمذوا كل الأمم، مُعمّدين أياهم بإسم الآب والأبن والروح القدس، وعلمّوهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل يوم الى منتهى الأجيال" متى 28/ 18ـ 20. كانت قيامة المسيح حدثاً تاريخياً راهناً، بل حدثاً ظاهراً في العلن. الحدث الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني، إذ كيف يُسيطر الموت على من صرّح علانية أنه الطريق والحق والحياة، وكان لا بدّ لمن هو الحياة أن ينتصر على الموت بالحياة، لأن الناس لا يعبدون ميّتا يظل في قبضة الموت، ولا يمكن أن يموتوا من أجله إذا إقتضى الأمر بالشهادة في سبيله كما حدث لمعظم الرسل حيث إستشهدوا وختموا بشارتهم الأنجيلية بدمائهم، وغيرهم كثير من المسيحيين الذين كانوا مستعدّين للموت في سبيل معلمهم القائم من بين الأموات:"فأين نصرك يا موت وأين يا موت شوكتك؟ إن شوكة الموت هي الخطيئة وقوة الخطيئة هي الشريعة، فالشكر لله الذي أتانا النصر على يد ربنا يسوع المسيح" كورنثوس الاولى 15/ 55ـ 57. فالقيامة إذن بيان صدق رسالة يسوع ورفعه الى المجد وكشفه عن ذاته وقدرته على الموت والحياة. لأن موته على الصليب كان يبدو لأول وهلة وكأنه دليل على أن الله أباه قد أهمله ولكن في القيامة أظهر الله صدق رسالة إبنه يسوع عندما أقامه من الموت. نستنتج من كل ما تقدم أن قيامة المسيح أصبحت مصدرا لحياة الله في شعبه وفي العقائد المسيحية والأسرار والطقوس. لولاها لما كانت المسيحية نفسها ولما كانت الشهادة من أجلها رمزا للبطولة والفداء في أوساط المسيحيين الأوائل. ولا تزال الشهادة جزءاً مهماً من التبشير بالمسيحية الى يومنا هذا، إذ لا يزال يستشهد في سبيلها كل يوم عشرات المُبشرين في كل أصقاع العالم. وأصبح المؤمن شجاعا لا يهاب الموت بعد أن تأكد أن معلمه يسوع هو صاحب السلطان على الموت وأنه بقيامته كسر شوكة الموت وغلب الجحيم وصار الموت بالنسبة الى المؤمنين، إنتقالا من الحياة الأرضية الزمنية الى الحياة الأبدية. وأصبحت القيامة منذ اليوم الاول من إنتشار المسيحية، عيدا تحتفل به المسيحية كل سنة طقسيّة، وهو عيد الغلبة والنصر على الخطيئة، وعيد انتصار الخير على الشر والحُب على البغض والحياة على الموت. وأصبح المسيحيون يتبادلون التحيّة الجديدة(المسيح قام ... حقا قام)... تحية لطيفة... تحية الاخوّة الحقة، تنبض بالمحبة والتسامح والسلام. الصلاة: من الممكن إعتبار الصلاة الشخصيّة شيئا مشتركا بين جميع الكنائس المسيحية وهي خلق نوع من الصداقة الحميمة مع الله، بين الأبن وأبيه وبين الخالق والخليقة. وإن المسيح نفسه أوصى بهذا النوع من الصلاة في البيت بعيدا عن التظاهر والتباهي:"إذا صليتم فلا تكونوا كالمرائين فإنهم يحبّون القيام في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد أخذوا أجرهم" متى6/ 5ـ 6. فالصلاة الفردية هي مهمّة ومفيدة للمؤمن المسيحي، وأما الصلاة الجماعية في الكنيسة فهي واجبة أيام الآحاد والأعياد في جميع الكنائس المسيحية. وهي تعبير صادق عن إيمان الجماعة الراسخ. وهي الصلاة التي علمّها المسيح نفسه:"أمّا أنتم فصلوا هكذا: أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، أعطنا خبزنا اليومي، واغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن أخطأ الينا، ولا تدخلنا في التجربة، لكن نجنا من الشرير آمين" متى 6/ 9 ـ 14. يتحدث كل مؤمن مسيحي من خلال هذه الصلاة مع الله، ويدعو الى غفرانه. وهي تدل دلالة عميقة على ثقة المؤمن بالله وقناعته برزقه، وعلى محبة القريب والرغبة في الصفح عنه. وفي غيرها من الصلوات الارتجالية التي ترتكز على نفس الأسس للصلاة الربية ولاسيّما في الكنائس الانجيلية. ولكن المثال الكامل للصلاة هي صلاة يسوع البنوية كما يقول التعليم المسيحي الجديد هو:"صلاة يسوع البنويّة في الخلوة، سرّا، تقتضي المطابقة الروحية لمشيئة الآب حتى الصليب، والثقة المطلقة بالاستجابة لها". ويجب أن تكون الصلاة التي يُلقنها يسوع بقلب نقيّ وإيمان حيّ مثابر وجرأة بنويّة. وتغطي الصلاة المسيحية كل أنواع المناسبات والحاجات الشخصية والعائلية، إذ هناك صلاة تشكرية لله وصلاة الصفح والغفران عن الخطايا وكذلك صلاة الصبح والظهر والمساء وصلوات التبريكات وصلاة الوردية المقدسة (بالنسبة للكاثوليك)، بالاضافة الى التسبيحات والعبادات المختلفة الاخرى المعمودية: الماء اصل الحياة ولكن هناك حقائق ترتبط بالماء، فالحقيقة الفزيائية تقول: أن الماء يغلي في 100 درجة مئوية، والحقيقة الكميائية: أن الماء هو: H2O، وهذا يختلف عن كون الماء مهمّ جدا للعطشان في البرية أو لمن يحترق بيته أو عمّن يسبح ويلهو به في الصيف. ولكن بالنسبة الى الأديان فإن الماء رمز للطهارة كما في (الهندوسية واليهودية والصابئة المندائية والاسلام)، حيث أن الماء هو رمز للطهارة من الأنجاس ولهذا يُكثرون من إستخدامه في طقوسهم الدينية. وأما في المسيحية فالله هو الذي ينضح على مؤمنيه ماءً طاهرا للتطهير، إذ يقول الكتاب المقدس في سفر حزقيال:"أنضح عليكم ماءً طاهراً فتطهرون من جميع نجاستكم وأطهركم من جميع اصنامكم. وأعطيكم قلبا جديدا وأنزع من لحمكم قلب الحجر واعطيكم قلباً من لحم. وأجعل روحي في أحشائكم وأجعلكم تسلكون في رسومي وتحفظون أحكامي وتعملون بها. وتسكنون في الأرض التي أعطيتها لآبائكم وتكونون لي شعبا وأكون لكم إلهاً" حزقيال 36/ 25ـ 28 . ويدل الماء الطاهر في هذا المقطع الى العماد، الذي هو رمز مهم جدا للدخول في عائلة الله، إذ به يُصبح المرء إبنا أو بنتاً لله. وهو أول سرّ من أسرار الكنيسة، يعود بنا الى بدء الأزمنة، الى الحب الآلهي الكامل إذ تقول التوراة في سفر التكوين:"في البدء خلق الله السماء والأرض. وكانت الأرض خالية وخاوية والظلام يغطي البحر. وروح الله يرف على وجه المياه" تكوين 1/ 1 . ولمّا لم يعد بإمكان الأنسان اليوم، أن يرى يسوع أو يلمسه أو يسمع كلام الحياة منه جسديّا، فإنه يستطيع أن يلتقي به بوساطة الأسرار، ولاسيّما في سرّ العماد وسرّ الافخارستية(القربان المقدس). ويُصبح المرء في العماد عضوا في جسد المسيح بقوة الروح القدس، ولا يستطيع أحد أن يُقيّد الروح القدس، إذ أنه يهب حيث يشاء، كما أن الهواء يهب حيث يشاء ولا يستطيع أحد أن يُقيّده. وهو أي سرّ العماد أكثر من علامة إنتماء الى ديانة معيّنة، فهو التحرّر من الخطيئة ومن الانسان القديم لكي يولد إنسانا حرّا وجديدا، به سوف يدعى المُعمّد إبنا أو بنتا لله، وبه سوف ينادي المُعمّد الله (أبانا)، ومن له الله أبُ فهو ليس عبداً. يذكر الكتاب المقدس عدداً من الآيات التي ترمز وتشير الى الماء ودوره في التطهير، ففي سفر العدد نقرأ ما يلي:"ثم يأخذ ماءً مقدساً في إناء من خزف ويلتقط بعض غُبار أرض المسكن ويضعه في الماء". مما يعني أن الماء هو العنصر المقدس للحياة مع التراب. وهو بالاحرى الحياة بعينها بالنسبة الى المسيحية كما يقول القديس ترتليانوس. والماء الذي أخرجه موسى من الصخرة لشعب اسرائيل في صحراء سيناء، يرمز أيضا الى الايمان وأما الصخرة فترمز إلى المسيح. ومما لا شك فيه، أن العماد أصبح مقدسا في المسيح يسوع بسبب الماء، إذ به إعتمد يسوع على يد يوحنا المعمدان. وفي الكنيسة تجد للماء دوراً ومكانة مقدسة إذ تضع الكنائس الطقسية ماءً مباركاً في قحفة صغيرة على مقربة من المدخل الرئيسي من كل كنيسة للتبريك ولتنظيف النيّات وللتطهير من أرجاس الخطيئة. وفي حال دخول المؤمنين الى الكنيسة يغمسون رأس أصبعهم اليمنى في القحفة بإحترام قائلين:(بأسم الآب والأبن وروح القدس الأله الواحد آمين) وثمّ يدخلون الى الكنيسة للصلاة. وبهذا يتذكرون عمادهم ويجددون عهودهم ويشكرون الله على نعمه الكثيرة. ويُرش الماء المبارك على الشعب في بعض المناسبات في بداية القداس الآلهي ولاسيّما في الطقوس الغربية وبعض الطقوس الشرقية لتذكير المؤمنين بمعموديتهم المقدسة ولمحاولة إحياء معانيها في حياتهم اليومية من الايمان بالله الآب وبيسوع المسيح وبروح القدس المحيّ وبالكنيسة الواحدة المقدسة الرسولية العامة وبقيامة الموتى والحياة الأبدية، كما جاء في مزمور داود النبي:"إرحمني يا الله حسب رحمتك، وأمح معاصي حسب كثرة رأفتك. اغسلني كثيرا من إثمي وطهرني من خطيئتي. فإنني أقر بمعاصيّ وخطيئتي ماثلة أمامي" 50/ 1 ـ 3 . وإن كان الماء رمزا مهمّا في العماد، إلا أن المعمودية هي معمودية الروح كما جاء في انجيل يوحنا:"أجاب يسوع وقال له الحق الحق اقول لك ان كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله قال له نيقوديموس: كيف يمكن الانسان أن يولد وهو شيخ، ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد هو جسد، والمولود من الروح هو روح، لا تتعجب اني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق" يوحنا 3/ 3 ـ 7. فالمعمودية سرّ مقدس من أسرار الكنيسة. والباب للدخول الى المسيحية والى سائر الأسرار الكنسيّة الأخرى، إذ فيها يُصبح المؤمن المسيحي عضوا في جسد المسيح السري(الكنيسة)، أو بالأحرى عضوا في عائلة الله، ويدعى إبنا لله أو بنتا لله. ولا يُمكن للمسيحي أن يُعمّد أكثر من مرة واحدة في الحياة، فهي بمثابة الولادة الطبيعية التي تكون مرة واحدة ولا تعاد ثانية. ولهذا تسمى بالولادة الثانية أو الولادة الروحية. وتعمّد معظم الكنائس المسيحيّة الأطفال، فيما عدا المُهتدّين الجُدّد الذين يُعّمَدون بعد حصولهم على الدروس الضرورية، ويُسمّون قبل عمادهم (الموعوظون). وأما الأطفال المعمّدين فإنهم يمرون خلال دروس التناول الأول والتعليم المسيحي بعد سن البلوغ ليكونوا جنودا روحانيّين للمسيح ويصيرون واحدا في المسيح يسوع، في كيانه وحياته وموته وقيامته في ما يُسمى بسرّ التثبيت. ويُصبح المرء في المعمودية، منتميّا الى عائلة ثانية، ويقول الله أثناء العماد للشخص المُعمَّد ما قاله ليسوع يوم عماده:"أنت ابني الحبيب، الذي به سررت" مرقس 1/ 11 . وجدير بالاشارة، أن معظم الكنائس البروتستانتية، لا تعمد الا البالغين. وحجتها حتى يكون لهم نوع من حرية الإختيار. وأما الكنائس التقليدية (الكاثوليكية والارثوذكسية والكنائس الشرقية الكلدانية، السريانية، الآشورية) فهي تعمد الأطفال وحجتها في ذلك: أن المعمودية هي تتمة العهد الذي قطعه الله مع ابراهيم. أن الطفل هو(هي) ثمرة حب الوالدين، والمعمودية هي تقدمة شكر الوالدين لله. المعمودية هي سر الإنتماء الى جسد المسيح السري، أي سر العضوية في عائلة الله. ولا يوجد مانع من عضوية الأطفال الى هذه العائلة. المعمودية هي انقاذ الأطفال من الخطيئة الاصلية(خطيئة آدم وحواء) ولم يعد هذا التعليم منتشرا في أكثر الكنائس التقليدية. بولس الرسول: لم يكن بولس الرسول من الأثني عشر وإن كان يحسب نفسه رسولا مُعيّنا من قبل يسوع القائم من بين الأموات، حيث ظهر له وهو في طريقه الى دمشق: :وفي ذهابه حدث انه اقترب الى دمشق، فبغتة أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوتا قائلا له: "شاول شاول لماذا تضطهدني" فقال: "من أنت يا سيد" فقال الرب: "أنا يسوع الذي انت تضطهده، صعب عليك ان ترفس مناخس، فقال: "وهو مرتعد ومتحيّر يا رب ماذا تريد أن أفعل" فقال له الرب: "قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل". وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا. فنهض شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحدا، فاقتادوه بيده وأدخلوه دمشق وبقي ثلاثة أيام لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب، وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا فقال له الرب في رؤيا، يا حنانيا فقال هانذا يا رب، فقال له الرب، قم واذهب الى الزقاق الذي يقال له "المستقيم" واطلب في بيت يهوذا رجلا طرسوسيّا اسمه شاول لانه هوذا يصلي، وقد رأى في رؤيا رجلا اسمه حنانيا داخلا وواضعا يده عليه لكي يبصر، فاجاب حنانيا يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيّك في اورشليم وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة ان يوثق جميع الذين يدعون باسمك، فقال له الرب اذهب لان هذا لي اناء مختار ليحمل اسمي أمام امم وملوك وبني اسرائيل، لأني ساريه كم ينبغي ان يتألم من أجل اسمي. فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه، وقال أيها الأخ شاول قد ارسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق، الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد" أعمال الرسل 9/ 1ـ 18 . وتقع مدينة دمشق على بعد( مائتين وثمانين كيلومترا) شمال شرق اورشليم وكانت تربطها طرق تجارية بمختلف المدن الاخرى. وكان يظن شاؤول انه بإستئصال المسيحية من دمشق قد يمنع انتشارها الى المناطق الاخرى. وكان شاؤول يُحارب المسيحية وهو في اعتقاده يُحارب هرطقة يهودية خارجة عن الايمان القويم. إلا أن يسوع واجهه بقوله (أنا يسوع الذي تضطهده). ودعا يسوع شاؤول الى الأيمان والى التلمذة. فأستلم شاؤول (بولس) الأنجيل من يسوع المسيح مباشرة وبَيّن صدق رؤيته وإيمانه بيسوع لبطرس والرسل الآخرين بعد أن قضى فترة سنتين في الصحراء مع العرب. ومُنح بولس اللقب المشهور(رسول الأمم) في المجمع المسيحي الأول في اورشليم برئاسة بطرس ويعقوب ويوحنا، وقوبل بترحيب كبير بين المسيحيين الاوائل وهو المعروف جدا في الأوساط اليهودية واليونانية بوصفه فريسيّا يهوديا تقياّ ومعلما وفقيها كبيرا. أما بالنسبة الى ولادته فإنه ولد في مدينة طرسوس في تركيا من عائلة يهودية. ومن ثم انتقل الى اورشليم لاكمال دراسته الدينية. وكان شديد التعلق بالمذهب الفريسّي، قاد حملة مشهورة لأضطهاد المسيحيين، وأشرف بنفسه على رجم الشهيد اسطفانوس الذي كان الشهيد الأول للمسيحية. يجب علينا أن لا ننكر ما للرسول بولس من دور عظيم في نشر المسيحية في العالم اليهودي والهيليني (اليوناني) والروماني، حيث كان قد مُنح الجنسيّة الرومانية بسبب خدماته الكثيرة للأمبراطورية قبل أن يهتدي الى المسيحية، ولربما كان هذا السبب في حمله إسمين، إذ كان يستعمل إسمه (شاؤول) اليهودي بين طائفته اليهودية وإسمه الروماني عندما يتعامل مع الرومان والهيلينيين اليونان. وكان معروفا بتعصّبه الشديد لليهودية قبل إهتدائه الى المسيحيّة، إذ كان قد تتلمذ على يد المعلم غملائيل. ونجد عمق تعلمه الفلسفي واللآهوتي اليوم من خلال قراءتنا لرسائله الراعوية التي كان يبعثها للكنائس التي كان يؤسسها في عهده الرسولي. ومات بولس الرسول شهيدا لرسالته المسيحية في روما بحد السيف (اوسابيوس: تاريخ الكنيسة) ويُعتقد أنه استشهد بين سنة 64 و67 ميلادية. ويُعدّ بولس في كل الكنائس المسيحية، قدّيسا كبيرا ولاهوتيا بارعا، إذ لا تزال تقرأ رسائله الراعوية في الكنائس، وهي نصوص مقدسة يجب على كل مسيحي أن يقرأها لكي يفهم الأيمان المسيحي. وللقديس بولس، يوم خاص في السنة الطقسيّة في الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، ويقع اليوم في 29 من شهر حزيران ويُسمى بيوم بطرس وبولس. وجدير بالاشارة، أن الكنائس اليوم تفضل استخدام كلمة مُبشرين missionary لرسل المسيح، لان الأعتقاد السائد في معظم الكنائس هو أن الرسالة أو لقب (الرسول Messenger)، تنحصر فقط، في الذين عاشروا يسوع وشاهدوه وعايشوه. والكلمة (الرسل Apostolos) في اليونانية لم تكن تحصر اللقب في الذين عايّنوا المسيح وعاشروه فقط، وإنما كل من يُبشر بالمسيح إبن الله القائم من بين الأموات، هو الرسول وله الحق في أن يستخدم اللقب. مريم العذراء: تعتقد الكنيسة من خلال دراسة كتب العهد الجديد بأن مريم العذراء الام الحنون التي يشبهها الآباء بالحواء الثانية، قد ساهمت في ردّ الحياة الجديدة للبشرية في شخص ابنها الفادي المخلص الذي يشبهه آباء الكنيسة بآدم الجديد، وجددّت كل شىء بعد أن ساهمت أمنا الاولى حواء في إدخال الموت الى الجنس البشري بالخطيئة والعصيان. وقد جاء في قانون الايمان المعروف بقانون نيقية سنة 325 : "من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد من مريم العذراء بفعل الروح القدس". ويفسر مجمع الفاتيكاني الثاني هذه المقولة قائلا بأن: "سر الخلاص الالهي يتجلى لنا ويستمر في الكنيسة التي أقامها الرب جسدا له، وفيما يتوجب على المؤمنين المرتبطين بالمسيح الرأس المتحدين في الشركة الواحدة مع قديسيه جميعاً، أن يكرموا في الدرجة الاولى ذكر مريم المجيدة والعذراء على الدوام وإم الهنا وربنا يسوع المسيح". وكان رضى مريم لبشارة الملاك وقبولها لإرادة الله الخلاصية وحملها المسيح وولادته وتغذيته وتقديمه للآب في الهيكل، وتألمها مع ابنها في موته على الصليب، قد جعلها وأصطفاها الله لتكون في تصميم لله الذي أشركها بسخاء وبإمتياز فريد على الاطلاق في عمله الخلاصي. وهي كانت أكثر علما ومعرفة بواقع ابنها الالهي إذ كانت تحفظ كل ما يحدث له، وما يقوم به منذ صغره. وهي الشاهدة الوحيدة التي كانت تعلم كل شىء عنه لكونها كانت أقرب الناس اليه. عاشت مريم مطمئنة فقيرة، فرحت بإبنها يسوع فرحاً عظيماً بالرغم من علمها بكل الآلام والمعانات التي سوف يواجهها والتي سوف تبلغ الى صميم قلبها، كما تنبأ سمعان الشيخ بعد أن قدمته مع مربيه يوسف الى الهيكل لتطهيره ولتكملة الناموس، فحمله وباركه قائلا: "يا رب، تممت الآن وعدك لي فأطلق عبدك بِسلام. عيناي رأتا الخلاص الذي هيأتَه للشُعوب كلها نورا لِهداية الأمم ومجدا لشعبِك إِسرائيل" لوقا 2 / 28 ـ 32 . وتنبأ سمعان أيضا بنفاذ سيف الآلام والاحزان في قلبها بسبب إبنها كما جاء في لوقا: "وباركهما سمعان وقال لمريم أمه هذا الطفل اختاره الله لسقوط كثير مِن النـاس وقـيام كثير منه في إِسرائيل. وهو علامة من الله يقاومونها، لتنكشف خفايا أفكارهم. وأما أنت، فسيف الأحزان سينفذ في قلبِك" لوقا 2 / 34 ـ 35. والرمح التي تنبأ عنه سمعان هو رمح آلالام والعذابات والاهانات التي سوف يواجهها يسوع في حياته، أثناء صلبه وموته. ولا يزال المسيح يواجه الآلام بسبب نكران صلبه وبسبب الالحاد المنتشر في العالم والكفر به وبسبب الاهانات المستمرة التي توجه ضده سواء من قبل مختاريه وصراعاتهم المذهبية أو بسبب الحروب الهمجية بين البشر في كل مكان. كان اشتراك مريم العذراء ويوسف خطيبها في حياة المسيح رمزا لإشتراك البشرية الطاهرة والصادقة في حياة الله على الارض، إذ نرى مريم الطائعة لإرادة الله التي إنسكبت عليها نعم الله بغزارة ورجلها يوسف البار الذي عرف بالطاعة والخضوع لإرادة الله. كانت مريم المختارة من قبل الله والممتلئة نعمة والمصونة منذ اليوم الاول من الحبل بها من دون وصمة الخطيئة الاصلية كما تقر بذلك تعاليم الكنيسة الكاثوليكية عن عقيدة المحبول بها بلا دنس والتي أعلنها البابا (بيوس الثاني عشر) كعقيدة ثابتة مع عقيدة انتقال مريم العذراء إلى السماء بالنفس والجسد، وذلك في الخامس عشر من شهر آب من كل سنة. تؤكد العقيدة الكنسيّة على موت مريم العذراء الطبيعي وانتقالها إلى السماء بعد مماتها الجسدي. وتمثل مريم العذراء البشرية جمعاء بخضوعها لبشارة الملاك كما يفسر آباء الكنيسة. والكلمة التي رددتها مريم للملاك في قولها: (نعم)، تعني الطاعة المطلقة للإرادة الربانية كما جاء في انجيل لوقا 1 / 38. وبسبب تلك الطاعة المطلقة كتب الآباء واللاهوتيون عن حب مريم الصادق لله وعن طاعتها لكلمته القدوسة. ومن أجمل التعابير التي قيلت عنها حديثا ما جاء في كتاب (يسوع في حياته) للمؤلف أديب مصلح، الجزء الاول ص 129 إذ قال: "مريم هي الزهرة الوحيدة النقية التي نبتت في تربة تفوح بروائح الفساد والتي اختار يسوع أن يتجسد في أحشائها ويصوغ جسده من دمها". ومن هذا المنطلق قال آباء الكنيسة منذ القرن الميلادي الاول بأن إيمان مريم وقبولها للإرادة الإلهية هما السبب في حضور الله الى العالم والسبب في دخولنا في حياة يسوع والاشتراك في سر عذابه وسره الفصحي وآلامه على الصليب وفي حمل صليبه وإتباعه والاقتداء به. فالمسيح لم يأخذ لاهوته من مريم العذراء في تجسده، ولكنه أخذ ناسوته (بشريته) من اليوم الاول الذي حبل به من الروح القدس، ولم يتم ذلك بتدخل رجل بشري بل بتدخل الله المباشر وبقوة الروح القدس. ومن هذا يثبت أبوّة الله الحقيقية وكذلك بنوّته الحقيقية. وجدير بالانتباه أن المسيح لم يصبح إلها عبر حياته أو في يوم مماته أو في يوم قيامته إلا أنه كلمة الله الذي تجسد في مريم العذراء وصار بشرا، وهو كان يعلم بوضعه وسره الالهي علم اليقين، إذ نوه الى ذلك مرارا وتكرارا. وقد شهد بذلك في مناسبات عديدة كما جاء في انجيل يوحنا 8 / 58 :"الحق الحق أقول لكم: قبل أن يكون ابراهيم، أنا كائن". وهناك اشارات اخرى في حياته تدل على ادراكه لدوره بصفته ابن الله، مع انه كان يعرف الله أباه الحقيقي، إلا أنه لم يرفض الأبوين الأرضيين بل أطاعهما، وأعطى لنا مثالا على ذلك من خلال حياته اليومية. وكان أبواه يعرفان عنه بأنه طفل متميز عن باقي الاطفال ومن دون أن يعلما تفاصيل رسالته وما يدور في ذهنه. ومن دون أن يعرفا حقيقة أن إبنهما يسوع قد جاء الى العالم لكي يكشف سر الله الخاص (الآب والابن والروح القدس) وبأنه موجود منذ البدء مع الله الآب، ومساوي له في الجوهر، الذي رأيناه وسمعناه بعيوننا ولمسته أيدينا وبأنه اله حق من إله حق، تجسّد في مريم العذراء وأخذ جسما بشريا وسمي يسوع وهو أسم بشري أطلقه يوسف مربيه حسبما أمره الرب. وهذ يعني أنه لم يكن ليسوع الانسان وجود قبل الحبل به في مريم ولكنه كان له وجود كإبن لله. ولم يكن للتلاميذ والمسيحيين الاوائل علم بواقعه الحقيقي الا تدريجيا ومن خلال خبرة إيمانية عاشوها أثناء التبشير به في العالم. (يتبع الجزء الثتالث)
#صبري_المقدسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الدينية(الجزء الاول)
-
اليهودية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
-
الزرادشتية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
-
الزواج: واحد + واحد = واحد
-
الهندوسية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
-
الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة
-
سعادتي في الايمان
-
الثقافة الصحية ركن من اركان المجتمع المتمدن
-
لا نظام من دون منظم ولا حركة من دون محرك
-
هل وجد الكون بالصدفة، أم هو أزلي، أم هو مخلوق؟
-
الكون في نظر العلم والاساطير الدينية
-
العمل قانون الحياة
-
لماذا نحتاج الى الصداقة والاصدقاء؟
-
مفهوم الزمن وقيمته في العلم والحياة اليومية
-
بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا
-
التفاؤل: مفتاح النجاح في الحياة العملية
-
الحضارة المعاصرة: وليدة الحضارات القديمة مجتمعة
-
الحداثة: الضامن الرئيسي لتحرير العقل
-
اللغة: اهم ركيزة لتحصين الثقافة والهوية
-
معرفة الذات: الطريق الامثل لمعرفة الآخرين
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|