|
مأساة عبود !!
نورالدين عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 4086 - 2013 / 5 / 8 - 08:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ذهب عبود وذهبت معه المسؤولية القانونية تجاه الظلم الذي حاق بأهلنا الحلفاويين ، وأصبح هو تحت التراب حسابه عند رب العالمين ، ومن بقي من عهده وشارك في تلك المأساة لا حساب يطولهم اليوم ، إلا تأنيب الضمير ، الذي لايرحم ، ولكن للأسف لم تذهب الماساة التي خلفها ، نظامه ، ومايزال الشعب الحلفاوي يعاني من التشرد في أصقاع البلاد ، ويعاني ويلات التهجير القسري ، ويعاني من ترك أرضه وتاريخه وحضارته ، ويعاني من السكن في أرض ليست أرضه ، وسماء ليست سماءه ، ويعاني من إنقطاع تواصل الأجيال وإنقطاع التواصل الثقافي والإبداعي ، فالحلفاويين اليوم ليسوا هم حلفاويي الأمس ، حتي في ثقافتهم اليومية ، ونشاطهم الإقتصادي ، وتعاطيهم الأدبي ، بلأمس كانوا يسكونون على النيل ، ويزرعون على النيل ، وياكلون من النيل ، ويتغنون للنيل ، ويمرحون في النيل ، ويقدسون النيل الذي وهبهم الحياة ..
واليوم حدث ولا حرج ، فهم اليوم يسكنون في أراضي خلوية غير صالحة للحياة الآدمية ولم تتواجد بها قبلاً أي مجموعات سكانية ، أصبحوا يتعاملون مع مناخ جديد وبيئة جديدة لم يخبروها ، ولم يعرفوا كيفية التعامل معها ، فقدوا روح المبادرة ، عاد من رحم ربي إلي وادي حلفا ، ليعيد تعمير أرضه ، وهاجر من هاجر في أرض الله الواسعة ، ومن بقي منهم في خشم القربة ، يعاني الآن من ويلات الأمراض السرطانية ، وفشل المشاريع الزراعية ، والتعامل مع شعوب مختلفة عنهم لغوياً وثقافياً وعرقياً ، رغماً عنهم ..
دون إطالة في مآسي الحلفاويين فكل سوداني يعرفها ويحفظها عن ظهر قلب ، وكل حلفاوي يعاني منها اليوم ، ولا خلاف في خطأ التنازل التاريخي لمدينة وادي حلفا للمصريين دون أي مقابل وطني ، فالخطأ وقع في نظام غير النظام وبواسطة أشخاص رحل منهم من رحل عن الفانية وبقي منهم من بقي يعاني من الكبر ، وهكذا ضاعت المساءلة القانونية ، وضاعت فرصة معاقبة كل من أجرم في حق مواطن وادي حلفا ، فكل الوعود التي كانوا ينادون بها من مشاريع زراعية وطرق مسفلتة وحدائق غناء ومدارس متطورة ومستشفيات مجهزة ، وخدمات متوفرة ، وتعويضات مجزية ، وإعادة توطين عادل ، الخ من الوعود التي أصبحنا نسمعها اليوم من القائمون على أمر سد كجبار ، ضاعت كالسراب ، وقد ظن حينها أهلنا الحلفاويين خيراً ، ولكن حينها أيضاً قال العقلاء والحادبون على مصلحة المنطقة ، لا للسد العالي ، ولا للتهجير ، ولا للإغراق ، ولكن دائماً صوت العقل يتم قمعه عبر الآلة الحكومية والأنظمة العسكرية وبطش السلاح ، وسياسة الترغيب والترهيب ، وشراء الأشخاص ، والصفقات السرية ، وإستغلال العاطفة الشعبية ، و الدعاية المضللة ، وهذا بالضبط مايحدث الآن ، لإقامة سد كجبار بأي وسيلة ، وأي ثمن ..
العقلاء اليوم يعرفون تماماً أن سد كجبار لا جدوى إقتصادية له ، وسيتسبب في تفريغ المنطقة من السكان ، وسيتسبب في كوارث بيئية وإجتماعية وإقتصادية لاقبل لحكومة السودان لها ، وسيعاني شعب كجبار من ويلات السد ونتائجه السالبة ، وسترفع الحكومة يدها عنهم وكأنها ليست السبب في هذه الكوارث ، وسيختفي كل الأشخاص الذين يحاولون اليوم خداع أهل القرى لإقامة السد ، وسيهربون من المسؤولية التاريخية ، والقانونية ، وسيندم بعضهم ، ولكن حينها لا ينفع الندم ، فعبود أخطأ عندما تنازل عن جزء من وطنه للمصريين دون مقابل ، فكانت مأساة عبود ، واليوم التاريخ يعيد نفسه ، بذات المشاهد ، ولن يجد أهل كجبار حينها ، من يحاكمونه ، أو يستنجدون به للمساعدة ، فالجميع سيكون غير موجود ، الحكومة ستذهب وستأتي غيرها حكومات ، والأشخاص سيرحلون ، ولكن ستظل مأساة كجبار باقية ، كبقاء مأساة عبود إلى يومنا ، والعاقل من يتعظ بغيره ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، والتكرار يعلم الشطار ، ولنرفع شعار مأساة عبود لن تعود عالياً حتى يسمع التاريخ صوتنا ..
ولكم ودي ..
#نورالدين_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-45 ساعة من الفوضى-: مصادر تكشف لـCNN كواليس إلغاء قرار ترام
...
-
مستشار ترامب: يجب على مصر والأردن أن تقترحا حلا بديلا لنقل س
...
-
-الطريق سيكون طويلا جدا- لإعادة بناء غزة من الصفر
-
إدارة ترمب تسحب 50 مليون دولار استخدمت لـ-الواقي الذكري- في
...
-
أميركا نقلت صواريخ -باتريوت- من إسرائيل إلى أوكرانيا
-
-الشيوخ- الأميركي يعرقل مشروع قانون يعاقب -الجنائية الدولية-
...
-
مقتل العشرات بتدافع في مهرجان هندوسي ضخم بالهند
-
ترمب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين
-
دفع أميركي باتجاه وقف هجوم حركة -أم 23- على شرق الكونغو
-
توقيف رجل يشتبه في تخطيطه لقتل مسؤولين في إدارة ترمب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|