|
-سورية في قلب الهدف الأمريكي-
سهيل حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1173 - 2005 / 4 / 20 - 10:33
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تصريحات بوش الأخيرة ضد سورية جعلتني أتعجل في ترتيب وكتابة هذه الأفكار التي تخص الأحداث المتسارعة في الآونة الأخيرة والتي تجري في محيطنا ومنطقتنا بشكل عام، وفي سورية بشكل خاص. فقراءة سريعة لما يطرح ويكتب حول سورية في الداخل والخارج، وبشكل خاص التصريحات اليومية النارية والتحريضية للإدارة الأمريكية ممثلة برئيسها ووزيرة خارجيته، والمرتزقة العرب الأمريكيون (لوبي الضغط على لبنان وسورية) وبعض الإعلاميين العرب التابعيين، يجعل من المرء الذي لا يعيش في سورية يظن ويتصور بأن البلد يعيش حالة عدم استقرار أمني وشعبي وسياسي. بينما الذي يعيش في سورية أو يؤمها هذه الأيام يشاهد بأن الحركة في المدن وشوارعها عادية وهادئة وحال كل الأيام ولا يوجد ما يعكر صيرورة السوريين سوى التخوف من التهديدات التي يتوعدنا بها المحافظون الجدد في الإدارة البوشية التي لا تتورع عن القيام بأي شيء إجرامي وعدواني لتحقيق مآربها، وخاصة بأنها تمتلك أعتى قوى الدمار وأشدها فتكاً، ولا تتوانى للحظة واحدة في استخدامها ضد الناس الأبرياء المسالمين وتحويل حياتهم، بحجة إنقاذهم وتحريرهم من الأنظمة التي لا توافق رغباتها، إلى جحيم لن يستيقظوا منه لعدة عقود قادمة. ويتساءل المواطن السوري العادي لماذا كل هذا الاهتمام المفاجئ من الإدارة الأمريكية بالشعب السوري وحاله في هذه الفترة؟ هل هناك تغيير في السياسة الأمريكية تجاه العرب عموماً، وتجاه سورية خصوصاً؟ هل ستقوم هذه الإدارة بإجبار إسرائيل على تنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وباحتلال الأراضي العربية، وعودة جميع الحقوق المسلوبة لأصحابها الشرعيين؟ ويتساءل المواطن السوري العادي أيضاً هل ستغير هذه الإدارة منطق الكيل بمكيالين؟ أم ماذا؟ وتأتيه الإجابات متسارعة على عكس ما يتمناه. فكل ما تريده هذه الإدارة للشعب السوري هو مستقبل اسود. فالسيد بوش يتوعد بتفكيك وحدة الشعب السوري إلى شعوب متفرقة وضعيفة متنازعة بين بعضها البعض. ولم يعد يخفى على أحد في سورية أن ما تقوم به الولايات المتحدة لا يدل نهائياً بأنها تفكر بمصلحة الشعب السوري وتحقيق أماله وأحلامه، بل تفكر فقط بحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة وتعزيز أمن إسرائيل ودعم خططها التوسعية والعدوانية. ولم يعد يخفى على أحد في سورية، بعد رؤية النموذج الأمريكي في العراق وسقوطه، وما يدور في لبنان من اضطراب، ما تخبئه الإدارة الأمريكية تحت شعار نشر الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط، فبنفس الطريقة التي وضع فيها سيناريو غزو العراق ومشروع تحرير العراق ثم احتلاله، تكرر الآن بسيناريو جديد وبعنوان مختلف هو تحرير لبنان وسورية، والمقصود هنا إسقاط الأنظمة القائمة فيهما وإحلال بدلاً عنها أنظمة تتوافق مع رغباتها ومآربها في الهيمنة على شعوب المنطقة وثرواتها. إن ما جرى ضد العراق ويجري فيه الآن، وما يحضر اليوم ضد سوريا هو جزء من استراتيجية أمريكية- صهيونية تهدف إلى تدمير هذين البلدين وإضعافهما وتفكيكهما إلى كانتونات عرقية وطائفية متناحرة تلبي طموحات حكماء صهيون ومشروعهم الكبير. لذا نرى أن انتشار النعرات الطائفية في العراق ولبنان اليوم يتسارع مع اكتمال المخطط الأميريكي في المنطقة. وما يجري من حوار وتراشق اتهامات تحت شعار تحقيق الديمقراطية في العراق ولبنان إنما هو طروحات أولية على أسس فئوية ومذهبية وعرقية، وليست على أسس وطنية، تهدف فعلياً لتقسيم العراق ولبنان إلى طوائف وعرقيات. وهي تتم بسيناريو متقن ومدروس يعتمد على إلهاء وتحريض الناس ضد بعضهم، وجعلهم يتنافسون على اقتسام البلد تارة حسب أهواء عرقية وتارة حسب أهواء طائفية ومذهبية، ثم تفكيكه فيما بعد إلى نظم سياسية أو مذهبية تصادمية ومتنازعة فيما بينها في حدود جغرافية ضيقة، لا تمتلك القدرة على حماية نفسها إلا بوصاية ودعم خارجي ستكون تكاليفهما باهظة الثمن على الجميع، وسيكون الرابح الأساسي فيها المصالح الأمريكية والصهوينة. ولكي تحقق الإدارة الأمريكية مشروعها تتخذ من بعض أهل البلد في الداخل أو الخارج والتي تلوثت أيديهم بالعمالة والخيانة والمستقوية بالخارج رؤوس حربة ضد بلادهم مستغلة لديهم قابلية طائفية أو عرقية لتمزيق الوضع القائم من أجل مصالح فردية ضيقة، ليمرر على ظهورهم كل أهدافه ومراميه وأغراضه ومصالحه تحت شعارات وطنية هم منها براء، تعتمد على إغراءات الخارج تحت عنوانين عريضة منها حقوق الإنسان، الليبرالية الجديدة والديمقراطية، الرفاه الاقتصادي، التحديث وعصر العولمة، التجارة الحرة وسياسات السوق... ضمن هذا السياق والمخطط تحضر الإدارة الأمريكية لشن هجومها على سورية قيادة وشعباً. إن هذا الواقع يحتم علينا كالسوريين أن ننظر بانتباه وعمق إلى الطريقة التي تسوق فيها الإدارة الأمريكية ما يجري في العراق ولبنان لتمرير مشروعها وتوسيعه ليشمل سورية وبلدان أخرى في المنطقة، وعلينا أن نرى خطورة التمزيق في وحدة الشعب العراقي التي أحدثها الاحتلال الأمريكي ويعمل على تعميقها في العراق وإحيائها في لبنان، وما ينعكس من نتائج خطيرة وعواقب وخيمة على الأوطان وشعوبها نتيجة الأستقواء بالأجنبي. وعلينا التمييز بين الطروحات الوطنية التي يتبناها البعض ويعتبرها نقاط حوار تسهم في بناء سورية وازدهارها، والطروحات التي تأتينا من الخارج مغلفة غير واضحة، والتي لا تهدف إلا لإركاع سورية وإضعافها. فالجميع في سورية قيادة وشعباً يدرك خطورة الوضع الدولي التي آلت إليه حالة إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقراره والهيمنة عليه، ومحاولاتها الضغط على كل الدول التي لا تتماشى مع أهداف سياستها. فها هي بعد العراق تلوح بسيناريو جديد في الاتجاه السوري واللبناني يعتمد على قرارات دولية ملزمة لمجلس الأمن، وتدخل سافر في الشؤون الداخلية، وانتهاك صارخ لسيادة الدولة، ومن بعد التحريض على إثارة النعرات الطائفية والعرقية تمهيداً لتفجير النزاعات الداخلية والحروب الأهلية. لذلك فمن المعيب وغير المشرف أخلاقياً ووطنياً على أي كاتب وسياسي ورجل شريف في هذا الوطن أن ينخرط في مثل هذا النوع من المشاريع ضد وطنه وشعبه مهما كانت الأسباب والمبررات فالوطن فوق الجميع، وكل شيء عدا ذلك قابل للنقاش والحوار. إن ما يحصن سورية تجاه هذه المخططات هو عدم الإنجرار وراء الإشاعات المغرضة والأحلام الموعودة، وما تطلقه بعض التصريحات الأمريكية وأعوانها من العملاء المرتزقة والتي تهدف إلى بث روح التفرقة في صفوف الناس، وبث سموم الطائفية السياسية في الشارع السوري تحت ذرائع عدم تطبيق سورية لقوانين حقوق الإنسان ووجود محاكمات غير عادلة، فرض حالة طوارئ مستمرة، وجود الأحكام العرفية، تقيد حرية التعبير والصحافة، بعد أن دحضت جميع ادعاءاتها السابقة حول محاولة سورية امتلاك أسلحة بيولوجية وكيميائية وأسلحة دمار شامل ومساهمة سورية في دعم الإرهاب.... والكل يعلم بأن السوريين يشتركون جميعهم بثوابت لا حياد عنها، ولا يسمحون لأحد المساس بها وهي: - وحدة الوطن وأمنه واستقراره، والحفاظ عليه مهما كلف ذلك غالياً. - وحدة الجيش ووطنيته. - تعايش المشترك بين مختلف أطياف الشعب، حيث يدرك جميع السوريون بالفطرة التي تربوا عليها أهمية المحافظة على اللحمة الوطنية والتعايش المشترك منذ الأزل بين مختلف عروقهم ومذاهبهم. ويتميز السوريون بالتسامح وتقبل الآخرين والانفتاح على جميع شعوب العالم. ففي سورية خليط متعايش من أعراق واديان ومذاهب متعددة ومختلفة جميعها ينضوي تحت راية الوحدة الوطنية، وللجميع حقوق متساوية تحت هذه الراية. في سورية أيضاً، لا يوجد تقيد في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حرية كل شخص في أن يدين بدين ما، وفي اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وفي إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، ضمن الحدود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. وأيضاً لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة، وحق في حرية التعبير. ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. وعليه فإن سورية ملتزمة طبقا للحقوق الأساسية الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون 1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار 1976. إذا حيدنا هذه الثوابت فسنرى إن أي طرح داخلي يهدف إلى تحديث وتطوير البلد هو أمر مرحب به. فدعوة الحوار الوطني وتقبل الرأي الأخر والمشاركة الوطنية في بناء الوطن وتحديثه لم تنحصر في حزب معين أو فئة معينة من الناس دون الأخرى، ولم تأتي هذه الدعوة من الخارج إنما هي دعوة وطنية داخلية صريحة وواضحة تتمثل في مشروع تحديث وتطوير اقتصادي، واجتماعي، وسياسي جعله السيد رئيس الجمهورية عنواناً لبداية مرحلة جديدة في سورية، بدأت بوادره الأولية بالظهور في كل المجالات بالرغم من كل الضغوطات التي تمارس ضد سياسة سورية وقيادتها. أما ما نراه الآن في بعض الطروحات من أقطاب داخلية تسمي نفسها معارضة أو لجان المجتمع المدني لا يندرج ضمن إطار مشاريع واضحة ومعروفة للمشاركة في عملية التطوير والتحديث، بل هي مطالب محدودة ضمن إطار محدد على شكل شروط في قضايا محددة توضع كعناوين وليست مواد أو اقتراحات للحوار والمشاركة. وباتت هذه الطروحات معروفة للقاصي والداني وهي إلغاء قانون الطوارئ، إلغاء المحاكم العرفية، إصدار قانون الأحزاب، محاسبة الفساد الإداري... بغض النظر عن مشروعية هذه الطروحات أو عدمها، ألا يستحق كل بند فيها أن تفند أسباب وجوده أو عدمه، ومناقشته ملياً قبل اعتباره مطلباً في حال غيابه أو استمرار وجوده قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الوطن والشعب. ألا يرى معي الشرفاء في هذا الوطن أن نبقي طروحاتنا في مستوى حوار داخلي مثمر. وحبذا أن لا تضخم صورة بعض الأمور فتظهر على غير حقيقتها مما يجعلها ذرائع تتماشى مع سيناريو الإدارة الأمريكية في تحقيق مآربها، وتستغل ضمن حملة الضغوطات على سورية. أليس من الأجدى لنا أن نتكاتف جميعاً ونرص الصفوف في وجه هذه السيناريوهات لتفويت أية فرصة تستغلها هذه الإدارة الاستعمارية الجديدة قبل أن ينطبق علينا قول الأمام الشافعي: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ونهجوا ذا الزمان بكل عيب ولو نطق الزمان لنا هجانا.
#سهيل_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة ديموقراطية إلى ما يسمى العالم الحر
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|