أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - حروب الظلال في مجموعة - أنا ظل الآخر - لفكري عمر















المزيد.....

حروب الظلال في مجموعة - أنا ظل الآخر - لفكري عمر


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


هل رأيت ظلال الدموع من قبل؟ إنها لا تشبه الظلال العادية فى شىء. لا تشبهها على الإطلاق. إنها تأتى إلى هنا من عالم ما ناء., عالم يخص قلوبنا فحسب . أو لعل الأمر ليس كذلك. لقد صعقت لفكرة أن الدموع التى يذرفها ظلى ربما كانت هى الدموع الحقيقية, و أن الدموع التى أذرفها أنا هى مجرد ظلال فحسب. أنت لا تفهم ما أعنى, أنا متأكدة من ذلك. عندما تذرف فتاة عارية فى السابعة عشرة من عمرها, الدموع فى ضوء القمر, فمن الممكن لأى شىء أن يحدث.تلك هى الحقيقة.
(حوليات الطائر الزنبركى, هاروكى موراكامى)

مثل أي شيء في العالم لا يقدم الظل معرفة أو يقين .. لا يعطينا سوى هواجس واحتمالات تسلمنا في لحظات تشريحها ومحاكمتها إلى تشابكات من الغموض المحصن .. نحن نتحدث عن أنفسنا إذن حينما نتحدث عن الظلال .. هل لأنها إنعكاس ما يطابق بطريقته وجودنا في زمن محدد ومكان واضح ويقتصر تأثيره على أطر ضيقة لحالة فردية معينة ؟ .. لكن بما أنه لا توجد أطر ضيقة بل امتدادات معقدة تجعل الوجود الفردي حشد غير محسوم ومراوغ لبشر في أماكن وأزمنة مختلفة سواء لدينا أفكار ومشاعر ملموسة عنهم أم لا؛ فإن الظل بالضروة هو تحقيق بل انكشاف مغاير لهذا الحشد .. تجليات متباينة لأحلام وكوابيس الماضي .. إذن عندما نتحدث عن الظل ليس علينا فحسب التفكير في ما يمكن أن تعنيه وتمارسه ظلالنا الخاصة، بل وأيضا التعامل مع وجودنا الفردي على أنه ظل للآخر وهو عنوان مجموعة ( فكري عمر ) القصصية ( أنا ظل الآخر ) .. الأنا والآخر ظلان لبعضهما، ولذلك هما ظلال لآخرين قريبين بما يفوق التوقع والاحتمال وبعيدين إلى ما يتجاوز قدرتنا على إدراكه .. إلى ما يتخطى استطاعتنا التحقق منه والتأكد من طبيعته ونواياه وحكمته ومقصده .. نحن ظلال غاية ما يرى كل منا في الآخر مشيئتها وألغازها وجحيمها المبهم الذي يخصه.

يتحدث الراوي إلى شخص يحكي له حكاية التاجر والعفريت .. حكاية نعرف أن الراوي لا يسمعها للمرة الأولى وأن ذلك الشخص يحكيها له هذه المرة بطريقة المختلفة، لذلك لا يتوقف الراوي عن مقاطعته بأسئلة واستفسارت دالة على عدم الاقتناع أو الوعي بغياب المنطق في الحكاية حتى يصل صبر ذلك الشخص إلى نهايته ويتوقف عن الحكي تاركا الراوي الذي يكتشف أن من يحكي له هو نفسه التاجر .. ذلك الاكتشاف سيؤدي بالراوي للجري وراءه لاستكمال الحكاية ومعرفة حقيقته وما يوجد داخل الصندوق لكنه لن يلحق به وسيظل يتتبع آثار خطاه.

( تركني ومشى .. وحين نظرت إليه رأيت على كتفيه عباءة التاجر، وصندوقا خشبيا صغيرا يحمله بين يديه، فخبطت جبهتي، وجريت وراءه، ليكمل الحكاية، ويخبرني بحقيقته وما في الصندوق .. كان قد انعطف من شارع جانبي فظللت طوال اليوم على أرض الشوارع الضيقة المبلولة بماء المطر أتتبع آثار خطاه.. )

في قصة (الصندوق ) يمكن رصدالتعامل مع الظل كخرافة في سبيل إنكاره ومن ناحية أخرى فإن استيعاب أي منا لواقع أنه ظل يوفر لديه دافع المقاومة ضد أن يكون كذلك حتى وهو في أقصى درجات رغبته للوصول إلى تأكيد عن ما الذي يعنيه أن يكون ظلا .. أن تريد وربما بهوس مخبوء رؤية وجودك كانعكاس على سطح أمين ومضمون لتحصل على حقيقة ما، وفي نفس الوقت ترضخ رغما عنك لعدم الاعتراف بأن ما تبحث عنه قد يأتي لك بملامح تنتمي إليك حقا .. ملامحك أنت التي تسكن الآخر الذي قد يحمل صندوقا يجب أن تعتبره تحت إلحاح التمسك بحماية متوهمة مجرد خيال .. حماية من مواجهة كارثة أبدية والتمعن في تراكماتها .. الصندوق الذي تريده أيضا أن يكون متجسدا بين يديك وتستطيع أن تفتحه وتتمكن من حيازة الخلاص الذي ربما يكون مجهزا من أجلك بداخله .. عدم الثقة في الظل هو نتيجة منطقية لفقدان الأمل في الذات باعتبار صاحب الحكاية هو ظل الراوي، وبالتالي فإن الراوي لا يؤمن بأن هناك فائدة لما يسمعه لأنه مأخوذ من نفسه .. الراوي ظل التاجر لذا فهو بطل الحكاية، وهو من جرّب أحداثها وعاش تفاصيلها ولو بطرق مختلفة، ويريد ـ أي الراوي ـ أن يعرف مصيره من ظله، ولا يريد في نفس الوقت أن يعرف باعتبار أن كل ذلك لا يمكن أن يكون حقيقيا .. عليك أن تحافظ على قوة تساؤلاتك عن ما كان بداخل الصندوق .. هل كان بداخله الطبيعة والنية والحكمة والمقصد؟ .. هل كان بداخله يقينا عن أصل الظلال وغايتها؟ أم أن الصندوق كان لابد ألا يفتح ـ كأنها صدفة ـ حتى لا يخدش المجهول؟!!

( لم يعد شباب البلدة ورجالها يصدقون أوصاف ست الحسن ما لم تطابق هيئة الجميلة ( جميلة )، بل إن النسوة أصبحن يتغزلن في جمالها على مضض أمام أزواجهن؛ ليشعلن الرغبة في أجساد منهكة طوال النهار، فيفرغها الأزواج الحالمون عندهن، وليطفئن الحب السري من أجساد هؤلاء الأزواج. لكن رغبة الأزواج في المستحيل لم تنطفيء رغم كر السنوات )

كانت ( جميلة ) في قصة ( الجميلة وفارس الرياح ) بمثابة الظل المتمنع أو الظل المستحيل لنساء القرية .. في المقابل كانت النساء ظلالا ( بشرية ) لـ ( جميلة ) .. الظلال المريضة العاجزة والمحاصرة برائحة العفن .. كانت ( جميلة ) هي النموذج الخارق المنفصل عن شروط الواقع والمنتهك والفاضح بفضل استحالته لكائنات / مسوخ فشلت في جعل نفسها ظلالا له أو جعله ظلا مروضا لها .. لم يكن بالإمكان معالجة الأمر أو بالأحرى التحايل عليه سوى باستبدال أنفسهن بها لدى أزواجهن على مستوى التخيل المحفز للشبق .. كانت النساء بأنفسهن يقدمن ( جميلة ) لأزواجهن خيالا ليحصلن على أي نصيب مما تستحقه .. أردن أن يقمعن ذواتهن المتآكلة لصالح أن يكن ظلالا شاحبة لهذه المرأة ولمدى مؤقت وغير مشبع وبل وربما متعجل ومتوتر مع أزواجهن الراغبين في ( جميلة ) .. قد يكون هذا هو كل ما بمقدورك فعله حينما تريد أن تكون ظلا لمستحيل.

ربما لم يكن غياب الرجال عن القرية في ذلك الوقت هو الذي جعل نساء القرية وحدهن يشاهدن رحيل ( جميلة ) مع فارسها على حصانه المجنح، ولكن في تصوري أن السبب الأكثر قوة الذي يقف وراء ذلك هو أن هذا المشهد ربما يعد الحلم الذي استجاب فيه القدر للنساء بالتخلص من ( جميلة ) واسترداد رغبة أزواجهن بعد نسيانها .. لكن من الضروري أيضا أن نرعى الإلهام الذي يخبرنا بأن كل واحدة من نساء القرية رأت في تلك اللحظة فارسها وحصانه .. كل امرأة حاولت أن تكون ظلا لـ ( جميلة ) رأت في الفارس ظلا لزوجها كما كانت تحلم به أن يكون، أو لرجل من الغيب لم تعرفه من قبل .. لماذا لا نفكر أيضا في أن ( جميلة ) ربما رأت نفسها قد تحولت إلى ظل لكل واحدة من نساء القرية بعدما عثرت كل واحدة منهن على فارسها في تلك اللحظة؟ .. إنه التطابق المستحيل بين الظلال والذي لا يمر إلا عبر حدث خارق.

استنادا لادعاء الرعب مما حدث؛ حرقت نساء القرية أشياء ( جميلة ) بعد رحيلها مع الفارس ليس للقضاء على كل أثر تركته في أرواح رجالهن، بل قد يخطر في أذهاننا أنه أيضا لدفن ذكرى فشل كل واحدة من هؤلاء النساء في التحول إلى ظل لـ ( جميلة ) .. إنهاء المأساة ومحو علاماتها التي ترسخت فيها آلام استدعاء نساء القرية لـ ( جميلة ) من أجل أزواجهن عبر الخيال ليأخذن شيئا مما تملكه من شهوة رجالهن فيها.

( كانوا كلما سدوا بالطوب منفذا خر آخر. كنت معهم. أدور حاجا مثلهم حول جدرانها المتآكلة وقد جئنا لترميمها. السقف كان مائلا. مسنودا بأركان عتيقة.
نحن، شباب العائلة، نشعر بالحنين إلى موتانا المكومين عظاما نخرة. نرى الموت مازال بعيدا فلا تخور قوانا. ربما اختارنا كبار العائلة لهذا السبب، لكنني لست متأكدا بالضبط ممن كلفنا بهذا الأمر من البداية ).

نقرأ هذه السطور في بداية قصة ( حارس المقبرة )، حيث شباب يرممون مقبرة العائلة التي لا تهدأ ثقوبها .. كأن لا شيء يمكنه أن يقف بينك وبين رؤية الموت رغم التكليف الذي جعلك لا تتوقف عن سد تلك الثقوب .. الراوي ليس متأكدا بالضبط ممن كلفهم بهذا الأمر من البداية؛ كأن تلك المشيئة بسد الثقوب التي تحمي العيون من التطلع إلى الموت ليست مقترنة بكائن محدد بل تبدو رغبة كونية في ذاتها تعيش كمطلق لا يخضع لحسابات أو ترتيب.

( رأينا فجأة شابا عاريا يرقد على بطنه فوق سطح المقبرة. كان يخفي وجهه في الناحية الأخرى كلما أحدق فيه، ويلمزني كنوع من المشاكسة بأصابع قدميه الكبيرتين. لم أفلح في النجاة من مشاكساته؛ لأن الممر بين المقابر كان ضيقا. كنت مشغولا من قبل بحماية ما تركوه لنا. كل ورقة خطها أحدهم، أو بابا طلاه، أو حائطا ترك عليه هاو للرسم منهم بعض أفكاره. الآن أنا أحفظ عظامهم العارية من العيون المتلصصة بعدما تهاوت المقبرة؛ نوعا من التبجيل).

هل كان الشاب العاري ظلا للرواي أو لشباب العائلة الذين يرممون المقبرة أم كان الموت نفسه؟ .. لماذا لا يكون الظل هو الموت أو الذاكرة؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍1 .. ما هو الفرق بين حماية أشياء الموتى التي تركوها، وبين حماية عظامهم؟ .. العظام والأشياء ظلال لبعضها، وفي مقابل احتفاظنا بذكريات الموتى تبقى العظام تهديد دائم .. أشياء الماضي قد تساعد على تضليل الموت في مواجهة العظام كواقع يذكر طوال الوقت باستحالة هذا التضليل.

( حين وصلنا البيت الكبير مددت يدي، لكنها لم تمسك بأي شيء. كانت أياديهم تخترقني، وتعبر إلى الناحية الأخرى. كأنما صرت شبحا. عيونهم حدقت بشراسة في مصدر الصراخ الذي أعلنت به عن وجودي. اتخذوا جيمعا وضع الاستعداد؛ للهجوم. صرخت باسمي في محاولة أخرى؛ ليروني. قال ابن عم لي:
ـ كيف نصدق أنك أخونا يا من تحدثنا؟!
تشجع الباقون، ووجهوا حديثهم إلى الفراغ الذي أقف فيه ..
ـ كيف جئت أصلا من فوق سطح المقبرة؟! ألم تعلن أنك سوف تحمي العظام التي لم نجد فائدة لحمايتها؟!
صرخت فيهم:
ـ لقد هربنا معا. وإن كنت قد استحضرت عطر أجدادي من قبل إلا أنني لا أتوق احتواء عظامهم. ماذا أفعل بها؟!
كان الجو قد بدأ يغيم أكثر مما كان، وشعوري بجسدي المتعب قد بدأ يتضح، وكأنني أكسر جدار عالم هش ).

يتوحد الشاب العاري والراوي في شخص واحد .. يتطابق الظلان فتصير الحياة والموت والذاكرة كيانا واحدا .. كائن غير مرئي كأنما يدلل على مدى التباسه وبالطبع ينبغي الدخول في حرب ضده .. في السطور السابقة قد نعثر على تأكيد لفكرة الفرق بين أشياء وذكريات الموتى وبين عظامهم ( ماذا أفعل بها؟! ) .. ربما لأن كل موت هو خاص لا يستفيد من موت سابق ولا يمنح خبرة نافعة لموت قادم .. يتحول الشاب وقد امتزجت الظلال السابقة في وجوده إلى ظل للآخرين وبالتالي يأخذ الأمر شكل الصراع .. صراع الشاب ضد من يشبهونه وصراع الآخرين ضد العوالم والمصائر التي تحررت منهم وتجسدت في الشاب الذي كان يشاركهم ترميم المقبرة .. صراع الجميع ضد الظلال المربكة للموت والذاكرة والتي تجعل من الزمن أداة قتل أساسية .. الظلال التي تحرس المقابر.

( قلت:
ـ لم يبق سوانا.
قال:
ـ سيكون ممتعا أن ننفض تراب العداوة أخيرا.
قلت:
ـ يمكن أن نتبادل الأدوار. ما رأيك؟
رأيت عينيه تدوران، وتلمعان بالفرح. قال:
ـ سترى أخيرا بعيني، وأرى بعينيك. وقد نتفق.
قلت:
ـ وهناك متع تنتظرنا، ونساء أيضا لازلن ..
فأكمل ممسكا الخيط من فمي:
ـ والأشجار ورافة، والثمار طازجة، والأنهار تجري تحت شجر اللبلاب هناك.
لا يفصلنا الآن إلا بضع خطوات. في اللحظة التالية بعد السكوت المضطرب دوت طلقتان في المسافة الفاصلة بيننا. كان كلا منا قد سحب مسدسه الذي أخفاه ووجهه للآخر.
اتسعت نظرة الذعر في عيوننا الملتهبة بعرق المباغتة. لو يراد أن تلتقط صورة دقيقة للمشهد فلا أقل من عدسات كثيرة تكفي لصنع دائرة حول الجسدين اللذين سقطا متجاورين ).

قصة ( تفاوض ) هي توثيق للصراع الكامن في عنوان المجموعة ( أنا ظل الآخر ) .. الصراع لدرجة القتل الذي هو انتحار من زاوية أخرى .. حوار بين اثنين كلا منهما ظل للآخر .. أي ينعكس في كل منهما هزيمة وخوف ورجاء الآخر بتفاصيل متباينة .. لاحظ في الحوار ما قد يبدو من تبادل في تبني كلا منهما لانحياز الآخر المختلف؛ أتصور أن الأشجار الوارفة تنتمي إلى من تحدث عن المتع والنساء والعكس حيث يظل الدليل على ذلك هو ( سترى بعيني، وأرى بعينك ) .. التفاصيل هي الممر الذي يقود كلا منهما لقتل الآخر وبالتالي قتل نفسه حيث تعاقب كل ذات الأخرى على الاختلاف حتى لو كانت أمنية الانفلات من العالم واحدة .. تعاقب كل ذات الأخرى على فشلها في بلوغ ذلك الانفلات .. القصة لحظة تنكر في مصالحة تضمر تصفية الكائن لظله .. الكائن الذي يريد إقصاء الانعكاس الذي يحتفظ بيأسه .. لكن تلك التصفية لا تخص الظلال وحدها بالتأكيد بل تخص الأصل الذي تمتد منه كافة الظلال .. الذي وفر للظلال أن تختلف وتحافظ على تطابقها .. أن تتصارع نتيجة الاختلاف والتطابق، وتخوض حروبا ضد نفسها وضد مثيلاتها وتقتل للتخلص من التاريخ أو إيقافه.

في قصة ( أحلام الملك الخشبي ) نختبر واحدة من أكثر التجارب القصصية في المجموعة التي تبرز الحرب بين الظلال وبعضها وبينها وبين الأصل الغامض اللامرئي الذي تعكس كافة الظلال تدابيره ...
( علي:
" كان " مهدي " وزيرك يترصد خطواتنا. يتحجج بأشياء تافهة؛ لكيلا يجالسني طويلا أيام حجزك بالمستشفى. يخاف أن أدفعه للاعتراف بالمهمة السخيفة التي ينجزها لك. ما خنتك أبدا يا " خالد "، ولا " سمية " فعلت. إذا أردت أن تتهمني فلا أكثر من أنه كان اختيار، وعليك أن تتقبل نتيجته بروح شجاعة. لقد قرأت " سمية " أوراق قلبي القديمة في لحظات انفردنا فيها معا.
خالد:
" كان " مهدي " أول من رآهما سويا يختالان في حديقة الجامعة. كان يخبرني بالتفاصيل حين ألح عليه في فترة النقاهة. كانت عملية البتر تعبر أدوارها الخطرة. بينما أتلظى بخيانة توقعتها من قبل حين كنا نجتمع سويا.
مهدي:
" شاهدت " سمية " من فوق أكتاف الزملاء. رصدت كل تحركاتها من بعيد لبعيد .. ابتعد " علي " عنا، واتصل بخيط رقيق إليها، أو لعله ابتعد؛ ليأخذ راحته معها دون تأنيب ضمير حين يرى " خالد ". إن كان لـ " علي " ضمير أصلا. حين كانت تجمعنا الاستراحات قديما كنت أرى الخيط الذي ينسج بين " علي " و" سمية "؛ فالنظرات والهمسات لغة يعرفها الجميع. لا تضيع الخائنة يوما إلا وتنجز فيه شيئا جديدا في طموح لانهائي ).

لعبة شطرنج يتورط فيها ثلاثة أصدقاء .. تتحول اللعبة إلى ظل للحياة نفسها .. الحرب التي يتوقف وجود الواحد فيها على تكوين وقناعات وتبريرات الآخر .. أدوار مختلفة ولكنها تعيش نفس الحياة وتصارع نفس الموت .. الإرادات التي تتحالف في احتدامها لتشييد تساؤلات ضمنية لا تتوقف عن التناسل حول المعاني المراوغة للحب والخيانة والانتقام .. لاحظ دلالة اسم ( مهدي ) في القصة الذي ( يهديء النفوس ) أو الذي يشعل بوضعه كمراقب حكاية الخيانة بين خالد من جهة وعلي وسمية من جهة أخرى .. لكل صديق أفكاره ومشاعره ونقاط القوة والضعف والأسباب والتفسيرات التي تشكل مسارات حركته داخل الحرب، ولكن بينما يعكس كل منهم ظل الآخر أو رغبته في حسم المعارك لصالحه وإلحاق الأذى بخصومه؛ فإن كل منهم أيضا يساهم في خلود كل ما يقف وراء جميع الرغبات والخسائر .. خلود الحياة والموت.

تتخذ شخصيات المجموعة طبيعة الظلال؛ فهي لا تتمادى في الوجود الكامل الكاشف عن كافة التفاصيل وجميع السمات والملامح التي تخصها، وأيضا لا تستجيب للغياب الكلي أو للطمس المهيمن على الذاكرة، وتتفادى الضياع التام والتنازل عن عادية اليومي التقليدي .. هي أقرب إلى كائنات الأحلام الواضحة خاصة مع عبورها داخل حالات أسطورية أو غرائبية للماضي والريف باقتراحاته الحميمية .. هنا ينبغي الإشارة إلى أن قصة ( أنا ظل الآخر ) التي لا تحمل المجموعة اسمها فحسب بل تسيطر أيضا دلالاتها المحتملة على جميع القصص؛ هذه القصة تقدم نموذجا لطبيعة شخصيات المجموعة كلها .. الحالة التي يشرح فيها الكاتب علاقته بظل الآخر الذي يشتري سكوته:
( يفك قبضته عن رقبتي، وتكون حقنة المخدر القصصية المؤقتة التي ضحكت عليه بها قد سرى مفعولها في جسده الثقيل اللامرئي، كما سرى مفعول التمويه الإنساني والاجتماعي على من يقرأ القصص على ما أعتقد ).

يتخذ السرد في قصص المجموعة سلوكا أقرب إلى الحكي، أحيانا يقترب من الحكي الكامل لدرجة الاستسلام للاسترسال والتغافل عن التكثيف وعدم ترك الإشارات الرمزية لتؤدي مهمة الإيحاء كبديل عن الكشف المباشر، وأحيانا يتم تجفيف الحكي لصالح الاحتفاء باللعب السردي والتنويع في استخدام الحيل والحرص على تحريض الإيهام لجعل فراغات النص عتبات للانشغال .

علينا الآن أن نتذكر مقطع ( موراكامي ) عن الظلال .. هل الظل هو الحقيقة .. هل نحن ظلال لظلالنا أم أن أقصى ما يمكن أن نفعله في حياة كهذه ـ ربما كما تحاول مجموعة " فكري عمر " أن ترشدنا ـ هو الكيفية التي يتأسس بها عالم كل منا الخاص وفقا لعالم شخص آخر حتى ولو بدا متناقضا معه .. ليس عالم شخص آخر بل وعلى نحو أدق وفقا لذهن أبعد كائن عنا.



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نكاية / سام سيلفا ترجمة / ممدوح رزق
- يوميات: السيطرة
- المؤخرات
- ممدوح رزق
- عن (كلمات الموتى) ل فيليب كلوديل
- يوميات: backspace
- عدم التعرّض للآلهة
- يوميات: احترام المعجزات
- يوميات: ( مدحت )
- لا يوجد موت مفاجيء
- يوميات: الشكل العادي للجنون
- رائحة الفم الكريهة
- Hitomi Tanaka In The Bus
- كلما كان هناك ولم يجد شيئا يفعله
- ( وهج ) أماني خليل
- بورخيس
- بالإصبع الصغير لقدم أعمى
- حرب منتهية
- كيف يكتب ويقرأ أنسي الحاج ؟
- باب المشرحة


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - حروب الظلال في مجموعة - أنا ظل الآخر - لفكري عمر