|
الميثولوجيا الإلكترونية: سوريا نموذجا
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 14:25
المحور:
كتابات ساخرة
الأصولية في الفكر، بشكل عام، كانت ذا طابع ديني او دنيوي، هي في الحقيقة العجز عن التفكيك، العجز عن النزول إلى مستويات فيها الواقع يتحرك زمانيا ومكانيا، هي الإنطلاق مما هو تأسس عمليا ومن ثمة تبدأ تتلاقف كل ما هو معطى قديما كان او جديدا، كل هذا المعطى يتأصل، يتأسس بحسب قيم معطاة سلفا، ويبدو ان القدرة الهائلة لدى المفكر في زمن الحيض العربي هي قدرته على هذا التأصيل في ان يكون فكره فكرا قزميا، أي أن يكون خبيرا بما تحصل له، أي أن تكون الفواجع مبررة تماما فيها التاريخ يعيد نفسه، أن تكون حركة التاريخ دموية بشكل دائم لان الأصولية لا تسمح بأن تفقد هيمنتها النارية، وقع ذلك أيضا مع كل فكر تقدمي، بعبارة احسن وصفا أيضا مع كل فكر قزمي لأن الفكر التقدمي لا يملك هذه الصفة ما دام يتأسس على تلك القيم السابقة، اما صفة التقدمي فتعني عادة وموضوعيا أنه فكر ولد باسم "تقدمي" أي انه سليل ما بعده، كمسمى جديد ايضا لللبرالية: تتقدم فيه الحداثة على الماضي بكونها تعبير الحاضر، لكن تبدو تقدمية أكثر في سليل آخر هو ما بعد الحداثة في قفزة ساحرة، تصبح الحداثة هي ما هو مابعد الحداثة، قفزة نحو المستقبل، الشيء الموضوعي المتحقق من هذه العملية من القفز نحو المستقبل، بطريقة وهمية رائعة، هي هذه العملية من رهن الذات، أن تكون عبدا للمستقبل عن طريق الإقتراض، لكنه في واقع الأمر ليس سوى حدث الحاضر اي انه حدث هو او هي عملية الرهن، يتأسس وفقا لشروط ما بعد الحداثة، وفقا لشروط متخيلة حول المستقبل هي من صميم الفهم الآني للربح، زيادات في الفائدة بحسب شروط الرهن، ما بعد الحداثة عادة هي استزادة فائضة مبهرة في الكسب المريح ظاهريا، بشرى مفعمة بالخصوبة تتيح متسعا من الحلم لكل الأطراف، هذا فقط الشيء الوحيد الذي لم يكن متحققا في السابق، اما في الجانب المتعلق بالذات المرهنة، فالشيء الوحيد المتحقق والذي لم يكن مستساغا في التاريخ الإنساني هو او هي أيضا طوعية الرهن: تتحقق إذا احتفالية الاطراف كلها حين يتناقض الفهم زمنيا يصبح الفكر فيه في ميل عجيب للتناغم، فسيفساء رائعة اسمها الأصالة والمعاصرة وما بعد المعاصرة، تتخذ الفسيفساء شكل الفهم السياحي: أن يصبح مثيرا جدا ومدهشا ايضا وجود حمار بجانب طائرة، السائح هنا يتخذ موقف المراقب في الزمن الأنشتايني، يتخذ موقف المحايد بين الطائرة والحمار ويفهم الإثنين وفقا لمنظومته النسبية: كلاهما يعاصر الآخر من منظور ما. إنها الضالة السياحية بالفهم الإستثماري للطرف الآخر، الطرف المهيمن.. شرط الحداثة هو الإلتزام بالمعايير الآنية، معايير التحديث، بينما شرط ما بعد الحداثة هو الإنصياع لشروط الرهن، هي الإلتزام الأخلاقي لشروط التعاقد، هي الإنبطاح اللازم بموجب ذلك على أنها يجب أن تفهم في سياق آخر هو سياق النظام السياسي الكوني العام، وهنا تتجلى حكمة التحديث وما بعده: أن تتفتح شهية الشعوب على شهية الرهن. بموجب ذلك تصبح الدول المارقة، التي لها بعض الكرامة في حفظ ثرواتها الطبيعية شرا لا يطاق، ويمكن وصفها تبعا لذلك بكل نعوت القذارة والتخلف. أما الدول الفاقدة لكل سيادة على شؤونها العامة والخاصة، بكل هالاتها الوهمية في السيادة، تصبح دولة حداثية وديموقراطية لأنها اتاحت لكل مواطنيها بطاقة هوية ناصعة: بطاقة إلكترونية تتيح التقاط انفاسك حيث تكون وهي لذلك عرفان جميل لك بالتحديث، وعرفان منك لتحصيل عقودك الرهنية، يمكن للتحديث أن يكون ساري المفعول بها ويصبح بموجبه الإنسان حيوان إلكتروني، لقد ترقى بذلك درجة خاصة على باقي كل المخلوقات بدرجة التحصيل الواعية لأنه في الدول الحداثية، الدول الأكثر تدجينا أقول، مثل هذه البطاقات يحصل عليها أكثر من حيوان ماعدا الدجاج، إنسان أفلاطون حسب ديوجين. حتى عقود العمل هي عقود رهنية، مع أنها في السابق هي عقود حول المنوال والقطن إلا أنها بفضل التقدم الفقاعي أصبحت عقودا حول الكومبيوتر، أصبحت لها وثيرة هائلة لطمس قيم الأشياء (على الأقل في ثقافة الشلة)، يمكنك بها وتبعا لها أن تكون مدجنا في بيتك. ثمة شيء ما يجب الإعتراف به، التحديث هو تحديث في مسميات القيم، اما القاعدة المعرفية المتبعة في ذلك فهي مرهونة بشروط الحداثة، يمكن أن تكون حدثيا وفقط بأن تجمع في جعبتك ادوات معرفية جديدة: ان تكون لك لغة إلكترونية: أن يكون الإستعمار شيئا آخر غير لغة المنوال والقطن، أن تكون عولمة، نيوليبرالية، أن تكون أي شيء ماعدا أن يتمثل في لغة تفضحه، ماعدا ان يكون استعبادا جديدا، تصبح الحماية الإستعمارية في لغة إلكترونية ذات مدلول فياض: الأمن القومي، الأمن الغذائي، المصالح الإستراتيجية، كل هذه الترسانة الحقوقية التي تبطن لغة الإستعباد وتتيحها في نفس الوقت، يصبح عادة جيدة أن تكون حياتنا مضبوطة من فوق بزر إلكتروني، ومن بيت الآلهة الجدد المتوزعين على قضايا تخص حياتنا اليومية وتفرض وفقا للخصوصيات المحلية والجغرافية شكل طقوس التعبد، إله الوهابية مختص بجنوب البحر الأبيضا المتوسط، الحيوان الخرافي، التنين الشرق اسيوي، الماموث الروسي، دجاجة ديوجين الفرنسية، الثور الإسباني، الوحش الإفريقي... بعبارة نحن في عصر الميثولوجيا الإلكترونية، تأخذ أسماءها من رموز الأصالة وتوقع أثرها بالمعاصرة وفقا للغة الرقمية الجديدة...آلهة حربائية تظهر بالشكل وباللون الذي تشتهيه الشعوب في عصر يفوح باللغة الحقوقية، الإلكترونية بالتحديد، تصبح مصالحنا وفق مصالح حماية الكبار، وعادة حين يفترس الكبير ضحية، يتوجب على البقية الإنتظار حتى يملأ كرشه، تصبح الحرب مشروعة وفقا لذلك، فالأمن القومي، الأمن الغذائي، المصالح الإستراتيجية هي لغة لنا للإستهلاك وهي أيضا لغة لحفظ الهوية وحق الإنتماء، اما دلالاتها الحكيمة فهي حماية للفريسة التي هي نحن الشعوب المستضعفة، الشعوب المدجنة للإفتراس وتغذية الكبار، هي إذا لغة للحداثة، والحداثة فيها أن تؤمن ما تبطنه: تصبح مثلا حركة التحرر الوطني لاغية لأنها تنتفي وتفقد مشروعيتها التاريخية في الحداثة، تنتمي إلى زمن الحماية الإستعمارية، تصبح حماية إلكترونية، حماية بالإنتماء إلى المصالح الإستراتيجية، أو الامن القومي او ما إلى ذلك، حماية تدخل في نطاق إحدى القوى الكبرى وتعادي نفوذ الأخرى: ترسم الولايات المتحدة والصين والدول الكبرى الأخرى نطاقات مجالاتها الحيوية بنفحة بول، بول إلكتروني هذه المرة، حتى الحروب تخوضها بزر إلكتروني تشحينا للشعوب المدجنة، بمعنى ما تخوضها الشعوب نيابة عنها وكل انتصار فيها هو انتصار مشبوه، سوريا نموذجا، قوى في الداخل مشحونة بزر الميثولوجيا الإلكترونية، كل انتصار فيها لطرف ما هو انتصار مشبوه، وتغيب الحقيقة الوحيدة هي حقيقة الشعب السوري، انتصار الشعب السوري، انتصار الشعب السوري هو تحقيقه لمصالحة وطنية حقنا للدماء تأخذ في مضمونها حقوق الجماعات والأفراد ببلورة دستور للمواطنة الحقة التي تضمن حقوق الجميع وينتفي فيها ما يجعل منها قابلة للشحن الخارجي، خلق ممانعة وطنية مفهومها الوطن فوق الجميع، ورفض كل إملاءات الخارج. مع أن المشكل يبدو اكثر تعقيدا إلا أنه مشكل مرهون بإرادة الشعب السوري: عوض تظاهرات الهرولة في الجمعة(الهرولة بلغة شاعر سوريا نفسه) تظاهرات بشعارات تدين كل حملة الأسلحة من هذا الطرف أو ذاك، تظاهرات ضد القتل مهما كان ومهما كانت عشوائيته، إدانة للقتل ولو بالخطأ، إدانة لحملة السلاح، تظاهرات مثل هذه ستلقى دعما من كل شعوب العالم، تظاهرات تدين كل اطراف الشحن القتالي، أزرار الميثولوجيا الجديدة: بشار إيران ، قطر، إسرائيل وروسيا والولايات الهمجية المتحدة.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعويذة ضد الصمت
-
أبوليوس، هينبال والفراعنة، خواطر حول ثورات الشعوب في شمال إف
...
-
المرأة بين المنطق الذكوري والمنطق الأنوثي
-
عظمة الراسمالية: دورة الزمان البنيوي للرأسمالية (2)
-
عظمة الراسمالية: دورة الزمان البنيوي للرأسمالية
-
في بيتنا....قرد، قراءة نقدية
-
نائب وكيل الأحدية
-
-الديموأعرابية-
-
عظمة الرأسمالية: نقض مفهوم العولمة
-
عظمة الرأسمالية: حول“القدرة المدهشة-
-
وطن الجحيم
-
لم أحمل الصهيونية شيئا من عندي
-
الصهيونية تعني قتل أطفال
-
الحب الإيكولوجي
-
تأملات في المشهد الأوربي: الإضراب العام وحركات الإحتجاج
-
تأملات في المشهد الأوربي: حول الإضراب العام
-
مريرت وأومدا
-
ديموقراطية البيعة
-
العالم الآخر ممكن بالقوة وبالفعل ايضا
-
قنصليات البؤس: قنصلية ألميرية نموذجا 2
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|