سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1173 - 2005 / 4 / 20 - 12:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القادم من أخبار العراق هذه الايام مسر ، محزن في آن واحد ، وعلى الرغم من أن أحد الوجوه السياسية البارزة قد وصف الحالة التي عليها بلد النخيل والنفط بمأساة حقيقة ، ذلكم هو السيد أحمد الجلبي الذي صرح بذلك في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة الأهرام المصرية ، وباللغتين : الانجليزية والعربية ، وقبيل أيام من كتابة أسطري هذه . تلك المقابلة التي تمنى فيها الجلبي رحيل الدبابات التي أتت به ، وآخرين الى عرش السلطة في العراق . وحالة المفارقة هذه تجتاح تصريحات أغلب حكام العراق الجدد ، هذا إن كانوا يحكمون فعلا ، ومثل تلك المفارقة نقلت الاخبار عن الجلبي نفسه مطالبته باسترداد القصر الجمهوري الذي يرمز للسيادة العراقية ، وهذه ، لعمري ، مطالبة مسرة تدخل الغبطة على نفوس العراقيين الذين لم يكتشفوا حقيقة المأساة التي تحدث عنها الجلبي بعد ، ويبدو أن الجلبي كان يهدف من استرداد القصر الجمهوري الذي يتمشى في أروقته الآن جند بوش الميامين ! أن يكون مكانا لعمل رئيس جمهورية العراق ، مكانا يقف في بابه حراس عراقيون تصون حدقات عيونهم رئيس جمهوريتنا الجديد ، السيد جلال الطالباني ، الذي أضاع على السيد الجلبي مطالبته باسترداد القصر ، رمز السيادة ، والوطنية المضاعتين ! وذلك حين صرح أنه لا يستطيع الدخول الى ذلك القصر ، رغم أنه رئيس جمهورية العراق ، ورغم أن القصر هو مقر عمله ، والسبب في ذلك ، مثلما قال رئيسنا الجديد ، يعود الى أن الامريكان كانوا قد قاموا باستئجار القصر الجمهوري لمدة سنتين كاملتين ، قابلتين للتجديد ! ولكنه لم يذكر لنا من أية جهة عراقية استأجر جند بوش رمز سيادتنا ، وعنوان وطنيتنا ، قصرنا الجمهوري الغالي ! ؟
فالعراقيون ، الذين تابعوا ويتابعون الاوضاع السياسية في العراق قبل وبعد الحرب التي رمت برئيس جمهوريتنا ، صدام الساقط ، الى قعر حفرة حقيرة ، يعلمون علم اليقين أن القوات الامريكية التي اجتاحت العراق من جنوبه وشماله لم تستأذن أحدا من العراقيين في دخولها للعراق ، لا رئيسنا القديم ، ولا الرئيسين : الياور ، والطالباني ، اللذين جاءا بعده .
العراقيون يعلمون علم يقين كذلك أن الامريكان اختاورا لانفسهم كل القصور التي بناها صدام المجرم بدماء فقراء العراق مكانا يعملون فيه وينامون ، ومن دون أن يطلبوا أذنا لا من رئيس قديم ، ولا من رئيس جديد ، ولا حتى من الحوزة الدينية في النجف الأشرف ، تلك الحوزة التي أسعدتنا ببيان إدانتها لعمليات القمع المنظمة التي قام فيها صدام الصغير ، رئيس جمهورية اليمن ، علي عبدالله صالح ضد شيعة اليمن ، والتي استخدم فيها أقسى أنواع الاسلحة بما فيها سلاح الطيران الذي راح ينقض على قرى الجوع في الجبال من مدينة صعدة اليمنية ، ولكن الغريب هو توقيت صدور بيان الحوزة الدينية تلك ، فهو لم يصدر إلا بعد أن أشارت وكالات الانباء الى أن لايران أصابع في تلك الاحداث التي راح ضحيتها فقراء الشيعة العرب في اليمن ، فالمعروف عند الكثيرين أن ايران تدعم تحرك بعض المجموعات الشيعية الدينية في اليمن لاغراضها الخاصة ، وليس لصالح الشيعة هناك . والسؤال الآن هو هل أرادت الحوزة الدينية في النجف أن ترد في بيانها ذلك على الاتهامات الموجهة لايران في أحداث اليمن ، نيابة عن الحكومة الايرانية التي التزمت الصمت ، خشية ، ربما ، من تدهور العلاقات بين ايران واليمن ؟ وإذا كان الحال كذلك فالى متى يظل العراقيون يحاربون حرب نيابة عن الآخرين ؟ أما تكفيهم حروب النيابة التي أشعلها صدام ضد العرب وغيرهم من كرد وفرس؟
وإذا لم يكن الحال كذلك ، فلماذا تصمت الحوزة عن عمليات القمع المنظمة التي يتعرض لها الشيعة العرب في اقليم الاحواز هذه الايام ؟ فالاخبار الواردة من هناك تقول : إن اعداد القتلى الذين سقطوا في سوح الهبة الجماهيرية الشيعية العربية في اقليم الاحواز هذه الايام في تزايد مستمر ، وأنا هنا أنقل عن لسان أحد الاحوازيين شيئا موجزا عن صور القمع التي تقوم بها حكومة طهران بشرطتها وجيشها ضد السكان الشيعة العرب ، العزل ، ومثلما ورد ذلك في موقع ايلاف :
( قال رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الاحوازي صباح الموسوي في اتصال هاتفي مع "ايلاف" انه على الرغم من التدابيرالامنية المشددة التي اتخذتها السلطات في مدينة الأحواز وعدد اخر من المدن العربية الا أن المظاهرات استمرت ليومها الرابع على التوالي اليوم بنفس الضراوة التي ابتدأتها يوم الجمعة في الخامس عشر من الشهر الجاري حيث شهدت هذه المناطق من جديد صدامات خاصة في منطقة شيبان وحي شلنك آباد وحي كيان في مدينة الأحواز اضافة الى التظاهرات التي خرجت صباحا في مدن الحميدية وعبد الخان و مدينة معشور الساحلية ( ميناء ماهشهر ) وسقط خلالها العديد من الشهداء والجرحى كما قامت السلطات باعتقال العشرات من المتظاهرين مشيرًا الى ان عدد القتلى والجرحى خلال الايام الاربعة الماضية وصل الى 30 قتيلا و130 جريحًا .واشار الى انه في منطقة الكورة بمدينة معشور سقط عدد كبير من الشهداء والجرحى وقد اعترف الناطق باسم وزارة الداخلية الايرانية بمقتل عربيين في هذه المدينة غير أن الاهالي يؤكدون ان عدد القتلى بلغ سبعة وان المدينة لاتزال تعيش اوضاعا متوترة للغاية كما ان مدينة الخفاجية ما زال التوتر يسودها على خلفية المظاهرات التي خرجت هناك . واكد الموسوي ان الاوضاع في الاحواز تشهد تطورات خطيرة حيث اتسعت رقعة المظاهرات واشتدت الصدامات ضراوة بين المتظاهرين وقوات القمع، مما دفع بإحوازيين غاضبين اليوم الى نسف خط سكك الحديد الواصل بين مدينة الأحواز وميناء المحمرة مما ادى الى خروج خمس عربات قطار محملة بالبضائع عن مسيرها واشتعال النيران فيها. )
لقد هبّ الشيعة العرب من سكان الاحواز هبتهم تلك بعد أن كٌشف النقاب عن مضمون رسالة بعث بها رئيس مكتب الجمهورية الايرانية ، محمد علي ابطحي الى بعض الجهات الرسمية في الحكومة الايرانية يطالبها فيها القيام بخطة تفريس هادئة لاقليم الاحواز ، وعلى هدي من طريقة التعريب الصدامية المشينة .
تقضي الخطة الابطحية هذه بنقل اعداد كبيرة من العرب الشيعة في مدن وقرى ذلك الاقليم ، ومن ثمة توزيعهم على مدن ايرانية بعيدة ، وعلى أن يتم احلال مواطنين ايرانيين ، آذريين ( اتراك ) في مواطنهم بدلا عنهم ، مع العلم أن الحكومة الايرانية قد قامت قبل سنوات بالاستيلاء على أراضي زراعية واسعة تعود ملكيتها للفلاحين من الشيعة العرب ، وذلك بحجة تحويلها الى مشاريع حكوميه ، لكن الحقيقة تقول إن الهدف من ذلك هو تجويع الفلاحين هؤلاء ، ومن بعد اجبارهم على الرحيل من ديارهم ، وقد شملت خطة التجويع هذه سكان هور الحويزة من العرب الشيعة العراقيين أو الاحوازيين على حد سواء ، وذلك بتحوير جريان نهر كرخة الايراني ، الذي تغذي مياهه ذلك الهور جزئيا، بعيدا عن ذاك الهور نفسه .
لكن مع كل هذه الجرائم التي تقترف بحق الشيعة العرب في اقليم الاحواز نجد أن الحوزة الدينية في النجف الاشرف صامتة ، بينما نجدها ناطقة عن الجرائم المقترفة بحق الشيعة العرب في اليمن ! فهل كان هذا هو المقصود بالحوزة الناطقة ، والحوزة الصامتة الذي عناه السيد الصدر واتباعه! ؟
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟