|
عسكرة الاعلام وسورية الوطن
نمر يزبك
الحوار المتمدن-العدد: 4083 - 2013 / 5 / 5 - 15:04
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
عسكرة الإعلام وسوريا الوطن. تتزاحم الأنباء بأنبائها المتضاربة وتتدافع الأحداث في صورها المتناقضة، البعض يلتهمها تماما كما نُقلت إليه، يُقرُّ صدقها وتصديقها بلهف وشغف، يبثها كما هي للآخرين.. وبعض آخر يميل إلى تصديق ما صُوّر له لانكشافه لمحيط هائج من الضخ الإعلامي الأرضي والفضائي، المحلي والإقليمي العربي والعالمي.. هناك من يبحث جاهدا عن حدث، خبر، صورة أخرى، علّه يجدها، يقاربها، يقارنها، يتفكّر بها، يتحقّق منها ومن مصدرها ليجدها واضحة لا يشوبها التشويه ولا فن التركيب والتفكيك. نشهد الآن دورا فعّالا لإعلام متنوّع الأشكال، أحاديّ المصدر يساهم في رسم صورة "الربيع العربي" الهائج في بعضه والمهُيّج في بعضه الآخر، نشهده طرفا مشاركا بجدّ ودون كلل في صنع المعلومة والحدث ونقله وتعميمه عبر قنوات الأرض والفضاء، التي تتسابق أجيرة في بث وتسويق الخبر والصورة كسلعة مصنّعة، معلّبة، مغلّفة، مزيّنة بطلاء دم الأبرياء وببريق اللهب الوهّاج وبروائح بخور الموت والدمار، إننا بهذا نشهد عسكرة الإعلام وحملته الدنيئة. تداهمنا كما تداهم المشاهد، القارئ والمستمع، قذائف المعلومات الملوثة زورا وزيفا، لإنتاج معرفة وهمية مشوّهة حاجبة للحقيقة ولسبل الوصول إليها، بهدف خلق واقع افتراضي قاهر بديلا، بل نافيا للحقيقة الواقعة ليساهم في حسم الأمور وتحقيق أهداف منتجها، صاحب الماكينة والمصلحة، ومموّل الترسانة الإعلامية العسكرية. يتجاوز تأثير عسكرة الإعلام وتسييسه جموعَ الناس العاديين إلى إغراق بعض الكُتّاب والمفكرين المحلّيين وغيرهم من الوطن العربي المُنهك في التماهي معه وفي التبني والدفاع عنه طوعا أو غيره، وهنا يقع أو يوقع المثقّف نفسه في تناقض غير مفهوم وغير مبرّر بين موقفه المبدئي والكفاحي من قضايا شعبه المحليّة الحارقة ودعمه لنضال شعبه السياسي المسؤول غير المتهوّر والبعيد عن كل أشكال المزاودات والتسلّح المدمّر وبين موقفه الداعم لمرتزقة إرهابية مسلّحة يسميها ذاك "المثقف" كما يسميه الإعلام العسكري المُدبلج ب"الثوار السلميين" الذين أصبحوا أخيرا وفق إعلامهم المضلّل "الثوار المسلحين". يؤيّد وبصدق النضال السلمي السياسي المتاح هنا ويحرمه في الوطن العربي. يُحرّم وبحق الكفاح المسلح هنا ويجيزه في "بلاد العُرب أوطاني"، أليس هذا هو التناقض بعينه، والكيل بمكاييل عدّة. إذا صدقت النوايا، وتصافت القلوب، وتلاشت الأحقاد، فعلى المثقف واجب البحث جاهدا عن الحقيقة والاستعانة بها لتحديد موقفه وتعميمه على الملأ. إدراكنا للحقائق لا يتأتّى من العدم، إنما من وعي شامل وفهم صحيح لطبيعة الصراع في المنطقة وللقوى الإقليمية والعالمية الفعّالة ذات الرصيد الدموي الهائل في إحداث نكبتنا، هذا الجرح المعمّق الدامي والذي ما زال ملتهبا، وفي تدمير العراق الجريح، وتمزيق ليبيا المهشّمة، والإتيان بأنظمة "طالما ابتغتها الشعوب" و"بحريّة وسلام" تمنّتها الشعوب. أليست هذه التجارب الدمويّة القاتلة كافية لنرى مستقبل سوريا الوطن، ولنشهد خريطة المنطقة الجديدة المفتّتة والمفكّكة قطعا وأشلاءً، مفقودة السيادة والإرادة الوطنية، منهوبة الموارد الطبيعية، النفطية، الغازية وغيرها. علينا نحن ضحايا هذه السياسات الدموية الذين لُدغنا من نفس الجحر مرّات ومرّات أن لا نقع في شبكة من امتهن الكذب والتضليل، وأمعن التشويه والتزييف وأنتج حالة إعلامية، غوبلزيّة، تهزم المعنيّ بتصديقها وتقهره وتهديه وهم الانتصار على نفسه وعلى الوطن. تختلط المسمّيات لدى المعنيّين بتصديق الإعلام العسكري، إذ يُمسي عدوّ الوطن صديقا، ويصبح الإرهابي ذابح الأطفال ثائرا، مسالما، رحيما بالبشر. ويحوَّل المُجرم المُرتزِق الأجير إلى حامل مشعل الحريّة وحقوق الإنسان. من يصبو إلى الحريّة لا يبحث عنها تحت بساطير الغزاة، ولا يَلتقط نورها من عتمة وظلمة غياهب القرون الوسطى، ولا يستجديها من الإرهابيين المرتزقة. حرية الشعوب لا تتحقق من خلال دمار أوطانِها ولا من استجلاب الغزاة والبلطجيّة. كما أن حقوق الشعوب وأمنها لا تُنتزع من خلال إثارة الفتن وغرائز العصبيّات الفئويّة الضيّقة. ولا يُستبدل الاستبداد بإبادات حرب أهلية أو امن خلال فوّهات البنادق ومن على دروع الدبّابات الغازية أو قصف طائرات الناتو. بل تُجترح الحريّات والحقوق والديمقراطيّة والسلم الأهلي من خلال حشد الكفاح والنضال السلمي الجماهيري لكل أهل الوطن، لأبنائه البررة، دون إراقة قطرة دم زكية واحدة. تداخل المعلومات وانتقاء بعضها، اختلاط المواقف وانقلابها هو رهين إرادة وشأن المتلقي نفسه، حيث يموضع موقعه هو، ويحدد مصلحته وبوصلته. إن امتهان الكذب وتكراره بل تكرير ضخّه لا يحوّله إلى حقيقة بتاتا بل إلى مهزلة مكشوفة لا يسري صدقها إلّا في دواخل فكر من أنتجها ومن أصرّ على تصديقها وتداولها مرتاحا.. مرتاحا جدًّا.
بقلم فيصل طه صفورية - الناصرة
#نمر_يزبك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من عبق التاريخ
-
وعى الشاعر مطلق المصائب التي مّرت بفلسطين
-
من روائع العرب
-
عن الذين يسقطون ضاحكين : رائف زعبي
-
نسب الشاعر الفلسطيني النصراوي مطلق عبد الخالق
-
أول مهرجان رياضي كشفي في فلسطين
-
خارطه الطريق
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|