|
الفن الألماني – دورير
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 22:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تقع ألمانيا أقصى شمال إيطاليا. الفن الألماني يعتبر نقيض للفن الإيطالي. كذلك مناخ ألمانيا الصارم وأرضها، تختلف عن شمس إيطاليا الساطعة وتلالها وكرومها. الفن الإيطالي فن مثالي يبغي الجمال والكمال، أما الفن الألماني فهو فن واقعي يبغي الأمانة والصدق.
الألمان ينحتون تماثيل الأشخاص جافة متصلبة. بالرغم من اتسامهم بالحرص والروح الدينية، إلا أن تماثيلهم تفتقد الجمال والسمو والرقة التي تتمتع بها تماثيل الجنوب.
الألمان، بغاباتهم البرية المليئة بالأسرار والأساطير، يحبون رسم الغريب والخيالي. ينعكس هذا على لوحاتهم الدينية، صور الشهداء والقديسين والعائلة المقدسة.
بالرغم من أن كلاهما فنون دينية. إلا أن الفن الإيطالي فن روماني كاثوليكي، بينما الألماني، في القرن السادس عشر، فن بروتستانتي.
في القرون الوسطى، كان يوجد الكثير من الكاثيدرائيات، والقليل من الرسامين الألمان. الكاثيدرائيات كانت تحتاج إلى لوحات وتماثيل للزينة. لذلك تم الاستعانة بالزجاج الملون في النوافذ والنقش والحفر في الحجر والعاج والأبواب الخشبية.
مدينة نوريمبيرج (نمبيرغ)، على ضفاف نهر بينيتز، كانت هي أول مركز للفنون معروف في ألمانيا. لذلك يمكن تسميتها "فلورانسا الألمانية".
المدينة كانت، في البداية، مكونة من عدة أكواخ. يعمل سكانها بصيد السمك وقطع الأخشاب من الغابة. مبنية حول برج مقام على صخرة في الغابة الألمانية. القلعة (بيرج)، بنيت مؤخرا. سكنها الامبراطور ولوردات الإقطاع، وما يلزمهم من خدم.
بعد ذلك، منحت نوريمبيرج الحق في إقامة سوق وعملة خاصة بها. ثم بدأت في النمو والثراء . قامت بها صناعات كثيرة، قمائن طوب وفخار، أول مصنع ورق، أول ساعة، أسلحة وذخيرة، وأول صحيفة.
أصبحت المدينة واسعة الثراء، فقامت بشراء استقلالها. دفعت إلى الامبراطور الألماني مبلغا يعادل مليون دولار. في مقابل رفع الامبراطور سلطته عنها، وتركها تحكم بمجلس من مواطنيها.
المدينة القديمة كانت محمية بأسوار عالية وأبواب تغلق أثناء الليل. محاطة ب 365 برجا. شوارعها الضيقة ترتص على جانبيها المنازل ذات الأسقف المدببة، والمغطاه بالقرميد. النوافذ ناتئة قريبة من السقف، بها أبراج دائرية صغيرة تشبه البلكونات المقفولة.
ترتفع في المدينة أبراج كنيستي لورانس وسيبالدوس. بها ساحة المدينة، مناظر الجسور خلابة، والنوافير المزينة بالتماثيل البرونزية جميلة رائعة.
منها، نافورة "جوسمان". بناها الفنان "لابينولف"، تلميذ الفنان "فيشر". يقال أن لابينولف صممها على نمط قصة شاب صغير كان متوجها إلى نوريمبيرج لبيع وزتين. http://www.flickr.com/photos/gake/7513410658/lightbox/
قابل الشاب مزارعا أعطاه وزتين، كي يتاجر بهما في المدينة. تمثال النافورة يبين الشاب وهو يحمل الوزتين تحت ابطيه، والماء ينساب من منقاريهما.
أثناء سيره بين المزارع وقت الظهيرة متوجها إلى باب مدينة نوريمبيرج، أخذ ضربة شمس، أصابه العطش والهزال. أخذ يبحث عن جدول ماء فلم يجد. أخيرا، خارت قواه وسقط على الأرض مغشيا عليه.
فجأ، سمع أصواتا تقول له: "اشرب اشرب". وجد الشاب أن الأصوات تأتي من الوزتين اللتين كان يحملهما. من منقاريهما كان الماء ينساب زلالا. شرب وارتوى ونجى من الموت عطشا.
أنقذت الوزتان حياة الشاب. لذلك، قرر عدم بيعهما والعودة بهما إلى القرية. عندما ذهب فيما بعد إلى المدينة، وجد تمثالا له من البرونز يحمل الوزتين والماء ينساب من منقاريهما. عندما سأل عن صانع التمثال، قيل له أنه "لابينولف".
التمثال يبين الشاب وهو يلبس ملابس القرن السادس عشر. النافورة والتمثال صنعت عام 1550م، يعتبر من أجمل التماثيل البرونزية في نوريمبيرج.
كثير من الأعمال الفنية تجسد تخيلات غريبة أو مشاعر قومية، مما يضيف إلى مدينتنا في العصور الوسطى سحرها الخاص، ويضفي عليها بهجة، لا تخفى على الزائر والمسافر العابر.
بعض هذه الأعمال، من الخشب والحجر والبرونز، عملها صناع مهرة أو فنانون موهوبون. عاشوا في القرن الخامس عشر، أو بداية القرن السادس عشر. منهم: فيت ستوس، آدم كرافت، بيتر فيشر.
"فيت ستوس"، كان حفارا أو خراط خشب رائع. تماثيلة الخشبية التي كان يصنعها للكنائس، ينقصها الكلام لكي تصبح حية. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/b/be/N%C3%BCrnberg_St_Lorenz_Veit_Sto%C3%9F_Engelsgru%C3%9F.jpg
العمل ضخم بالحجم الطبيعي، معلق من سقف كنيسة القديس لورانس. يمثل العذراء مريم وهي تتقبل التحية من الملاك جبريل.
آدم كرافت، فنان مشهور بالنحت وعمل تماثيل من الحجر. متدين، له شعور ديني عميق. يتقن العمل بيده اليمنى وكذلك يده اليسرى. يبدو من أعماله، أن لديه سرا ما في صنعته. يجعل الحجر أمامه لينا. من ثم، يستطيع تشكيل الحجر بالتعبير الذي يريده.
آدم كرافت، مثل فيت ستوس، أعماله الهامة نجدها في كنيسة القديس لورانس. هنا نرى حفر فني رائع، يمثل قصة حمل المسيح للصليب، وعملية الصلب، والدفن، ثم البعث. http://www.youtube.com/watch?v=8m4xl65HUSE
النقوش من الجص، موجودة على الجدار الخارجي لكنيسة القديس سيبالدوس بمدينة نوريمبيرج. بعد مشاهدة الفيديو أكثر من مرة، قول لي بالله عليك، أليس هذا عمل رائع.
بيتر فيشر، هو ثالث الثلاثة. عائلته كانت تملك مصنع تماثيل برونزية مشهور في نوريمبيرج. هو أيضا مثل سابقيه رجل متدين. كان يحب عمله، صناعة التماثيل البرونز، إلى درجة أنه كان ينسى أن يأكل وهو يعمل.
رائعة أعماله، هي قبر القديس سيبالدوس. كان يساعده في هذا العمل أولاده الخمسة. العمل استغرق مدة 12 سنة. القديس سيبالدوس هو راعي مدينة نوريمبيرج. وهذه هي قصته:
كان القديس سيبالدوس ابنا لملك الدينمارك. بالرغم من ثراء عائلته ومستقبله الواعد في السياسة وحكم البلاد، إلا أنه زهد في كل هذا، وهرب من السلطة والجاه، ليكرس حياته لخدمة الرب.
ذهب إلى الغابة، أمضى هناك عدة سنوات عبادة، صيام وصلاة وتأمل. بعد ذلك، سافر إلى إيطاليا، ثم عرج إلى شمال ألمانيا. يخطب ويعظ الناس ويظهر المعجزات. استقر أخيرا في صومعة لا تبعد كثيرا عن نوريمبرج. كانت تتوافد حشود التائهين إليه، لسماع وعظه والتبرك بكلماته.
العديد من الأساطير نسجت حول معجزاته. منها أنه قام بترميم غلاية فخار مكسورة، بمجرد مباركتها. معجز أخرى، هي أنه في يوم شديد البرودة، ذهب لزيارة أسرة مزارع بسيط. وجد الكوخ الذي يسكن فيه المزارع بارد جدا من الداخل، ليست به أخشاب يمكن استخدامها للتدفئة. المزارع وعائلته على وشك التجمد من البرد.
حينئذ، طلب القديس من زوجة المزارع أن تحضر رقائق ثلج من الخارج، وهي الشئ الوحيد المتوافر لديهم. أخذ القديس يرمي الثلج في المدفأة، إذا بالنار تتوهج وتغمر المكان بالدفئ.
معجزة أخرى منسوبه إليه، هو أنه استطاع ارجاع البصر إلى أعمى. وهي حكاية أخرى، تقول أن القديس سيبالدوس كان مريضا. وكان يشتهي أكلة سمك طازجة من نهر بينيتز.
حاول فلاح تلبية رغبة القديس المريض، بأن ألقى شبكته لصيد السمك في النهر. لم يكن مسموحا للمزارعين بصيد السمك بدون تصريح في ذلك الوقت.
لذلك، قبض على المزارع المسكين، وعوقب بتقريب حديد محمي إلى عينيه حتى فقد البصر. ذهب الفلاح إلى القديس، فباركه وأعاد إليه بصره.
أهمية هذه الأسطورة، هو وجودها مرسومة على مقام أو ضريح القديس سيبالدوس، الموجود بكنيسته. التابوت الذي يحكي الأسطورة، مغطى بطبقة برنزية وفضية، ومبني على الطراز القوطي. http://www.flickr.com/photos/24364447@N05/6437681689/
القاعدة ترسو على قواقع بحرية صدفية (الحلزون)، والمظلة محمولة بأعمدة رفيعة. كل عمود يقف عليه أحد الحواريين. كل منهم يمسك بيده رمزا مختلفا.
يقف القديس نفسه، صاحب المقام في الخلف. تمثاله ينم عن الوقار. يلبس ملابس الحج، يمسك عصى ويلبس قبعة بها صدفة. في الجانب الآخر، تمثال لبيتر فيشر نفسه، كرجل عادي يقوم بعمله المعتاد، يحمل المطرقة والأزميل.
العمل كله، مزين بالتحف الفنية. تماثيل لكثير من الأطفال. بعضهم يعزف بآلات موسيقية، وفي القبة المركزية، يظهر المسيح كطفل. http://www.flickr.com/photos/prof_richard/8199991088/in/photostream/
هناك نسخة من الضريح موجودة بمتحف المتروبوليتان بمدينة نيويورك، تستحق الدراسة المتأنية. الأصل يعتبر أعظم عمل بالمعادن في تاريخ الفن التشكيلي، قارب الكمال.
قال فيشر، أنه قام بهذا العمل ارضاء لوجه الله، ولتمجيد القديس سيبالدوس، أمير الجنه كما كان يعرف في ذلك الوقت. وكان فيشر يطلب أجره، نظير هذا العمل الرائع، بالتبرع الاختياري الخيري.
في القرن السادس عشر، كانت هناك روح جديدة، أثرت على الفن وحولت مجرى تاريخه. بسبب قيام مارتن لوثر، في ذلك الوقت، بثورته الدينية في ألمانيا. قام هو وأتـباعه بالاحتجاج على أشياء كانت تحدث داخل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. لذلك، أطلق عليهم اسم بروتوستانت، وتعني المحتجون.
مدينة نوريمبيرج، أيدت مارتن لوثر في احتجاجه وشاركته معتقداته، وأصبحت مدينة بروتستنتية. لذلك، أصبحت فنونها فنون بروتستنتية.
كانت المدينة، كما أسلفنا، موطنا للكثير من الفنانين. لكن فخرها الحقيقي، هو أنها مكان ميلاد البريخت دورير (دورر). أبو فن الرسم الألماني الحديث. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/d/da/Albrecht-self.jpg
أهم الكنوز التي تمتلكها المدينة، هي منزل دورير الذي يستخدم الآن كمتحف، وتمثال له نحته "روتش" عام 1828م، ثم وهبه للمدينة بمناسبة مرور 300 سنة على وفاة دورير. قصة حياة دورير بسيطة وهادئة.
عندما أصبحت مدينة نوريمبيرج مركزا للفنون والصناعات الحرفية، قصدها الناس من قريب وبعيد. من هؤلاء، صائغ مجري وزوجته. سكنا بالمدينة، وفي عام 1471م، ولد ابنهما البريخت دورير.
البريخت كان له سبع إخوة وأخوات. لكنه الوحيد بينهم الذي أصبح نار على علم، وأطبقت شهرته الآفاق. والدته سيدة طيبة، ووالده كان رجلا متدينا. يجلس بين أولاده كل يوم، ويعظهم بتقوى الله، ويوصيهم بالجار. كان الأب صانعا ماهرا. لولا كثرة العيال، لبات غنيا من حرفته.
الصغير البريخت كان وسيما، عينان جميلتان وشعر أشقر. له خصال حميدة، يتسم بالشجاعة والذكاء. كان يحب الدراسة والتعلم. أرسل للمدرسة إلى أن يكبر ويمتهن حرفة صياغة الذهب مثل والده.
في ورشة والده، كان يصنع تماثيلا صغيرة من الصلصال، ثم يصبها قوالبا من الجص ثم تماثيلا معدنية. هذا ساعده فيما بعد على نحت تماثيل صغيرة من العاج والخشب.
عندما لم يكن يعمل، كان دورير دائما مشغولا بالرسم. بعد فترة، كانت لديه الشجاعة لكي يخبر والده أنه يبغى أن يكون رساما، بدلا من مهنة صياغة الذهب. عارض الأب في البداية، ثم امتثل لرغبة الابن فيما بعد.
في ذلك الوقت، كان "وجليميوث" أفضل رسام ونحات في نوريمبيرج. ذهب اليه الصبي دورير وهو في سن ال 15 سنة، لكي يتتلمذ على يديه. هنا قضى دورير ثلاث سنوات، سعيدا وهو يدرس فن الرسم والنحت مع تلاميذ آخرين.
تعلم تقنية وفن خلط الألوان، وفن النحت في الخشب. وبعد ذلك، ترك دورير الاستوديو، إلى عالم أوسع وأرحب. عالم الاستكشاف والترحال. قضى أربع سنوات يتنقل من مكان لمكان، يسجل ويدرس ويعمل أينما ذهب.
لكن والده كان يبحث له عن زوجة. هي "أجنيس فري". ابنة جميلة لرجل ثري. بعد الزواج، بدا دورير رحلة الحياة العملية وأكل العيش.
الأشياء الكثيرة التي تعلمها دورير، تذكرنا بليوناردو دا فنشي. لأن دورير كان ينحت العاج والخشب، وكان مثالا ونقاشا ورساما، بالاضافة إلى أنه كان أيضا مهندسا مدنيا وشاعرا.
ظل يعمل لمدة عشر سنوات، بعد ذلك قرر زيارة إيطاليا لدراسة الفن الإيطالي. في عام 1505م، بدأ رحلته إلى إيطاليا على ظهر حصان. لأن هذه كانت وسيلة السفر في القرن السادس عشر.
مكث دورير في إيطاليا سنتين. في وقت العصر الذهبي للفن الإيطالي. حظي خلالها بصداقة رفائيل وتيتان وتينتوريتو. وكان هؤلاء الفنانون العظام، مسحورين بشخصيته وأخلاقه. ومنهم، استمد دورير التشجيع والإلهام.
"بيليني" العجوز أستاذ تيتان، كان لا يزال يعيش في البندقية. كان معجبا بأعمال دورير، وخصوصا أسلوبه في رسم الشعر. في يوم من الأيام، كان بيليني يفحص بعناية رأس رجل في أحد لوحات دورير، فطلب من دورير فرشته التي رسم بها الرأس لكي يجرب بنفسه.
أعطاه دورير فرشة كانت قريبه من يده. حاول بيليني ولكنه أخفق. أخذ دورير الفرشة من يد بيليني، وهي لا تزال مبلولة بألوانه، ثم قام دورير بسرعة برسم شعر امرأة رائع.
أحب دورير الحياة في البندقية. مدينة الجندول والشمس الذهبية وموسيقى الناي والعود، بالإضافة إلى الحفاوة التي قوبلت بها أعماله هناك. لكن دورير كان يحب وطنه وأرض بلاده أكثر. مهما كانت إيطاليا، فهي بلاد غربة بالنسبة له.
في طريق عودته، مرض دورير. عندما تماثل للشفاء، وكنوع من رد الجميل، لأصحاب المنزل الذين اعتنوا وشملوه بعطفهم وكرمهم أثناء مرضه، رسم لوحة على الجدار الداخلي للمنزل.
عند وصوله لنوريمبيرج، عاد للعمل المتواصل. أصبح الآن مواطنا بارزا في المدينة، وعضوا في مجلسها. انتقل إلى منزل جميل، كان يعمل فيه من الصباح إلى المساء.
في ورشته، نجده محاطا بالمساعدين. هذا يطحن الألوان ويخلطها، وذاك يعد الأخشاب للحفر. قد تجده قد انتحى جانبا يفكر، لأن دورير كان يحب التفكير باستمرار.
من بين اللوحات التي رسمها دورير، لوحة الامبراطور شالمان، لأحد جمعيات نوريمبيرج. اللوحة تظهر شارلمان بردائه وكل مجوهراته، وهو يحمل في يد سيفا وفي اليد الأخرى الصليب. في جانب من اللوحة شعار ألمانيا وفي الجانب الآخر شعار فرنسا.
دورير يعمل بسرعة. أصغر لوحاته لا يزيد قطرها عن بوصة، توجد في متحف دريسدن بألمانيا. عليها مشهد صلب المسيح كاملا. اللوحات الكبيرة تأخذ من وقته سنة كاملة على الأكثر.
لوحة هامة بعنوان "عبادة المجوس"، موجودة حاليا بمدينة فلورنسا. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/7/72/Albrecht_D%C3%BCrer_-_L%27Adoration_des_mages.jpg
في هذه اللوحة، نجد رجال حكماء من أجناس مختلفة، جاءوا لرؤية المسيح الطفل. أحدهم أثيوبي أو زنجي. يظهرون بهداياهم. يلبسون أفخر الثياب المطرزة. السيدة مريم أم المسيح، تلبس رداء أزرق، وتنظر بشغف إلى ابنها الرضيع.
الصورة الأصلية، في تفاصيلها ودقتها، تكاد تكون حقيقية. الزهور والفراشات والخنافس، والحائط والنباتات المتسلقة التي تخرج منه، رائعة كأنها صورة فوتوغرافية.
لوحة "عبادة الثالوث"، تعتبر من أهم أعمال دورير. المشهد كله وسط السحب. الحمامة رمز الروح القدس، تحوم حول المكان. يلي الحمامة الأب، يقدم ابنه المصلوب إلى جمع من الشهداء والملوك والكرادلة وناس من جميع الطبقات. أسفل الصورة على اليسار، نجد منظرا طبيعيا جميلا. على اليمين، يقف دورير نفسه ممسكا بلوح عليه كتابة.
لكن دورير، مشهور بأعمال الحفر على الخشب أكثر من الرسم. في الواقع، يعتبر دورير أبو الصور المطبوعة في المانيا. لأنه قام بتصميم العديد من الصور المحفورة على الخشب، والتي جعلت احتواء الكتب على الصور بجانب الكتابة أمرا ممكنا. الصور مهمة في أي كتاب، وكما تقول أليس في بلاد العجائب: "ما فائدة كتاب لا صور فيه ولا حوارات".
صورة من سلسلة رسومات سفر الرؤيا من كتاب الوحي، تبين أسلوب دورير . http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/29/Durer_Revelation_Four_Riders.jpg
هذا نقش على النحاس بعنوان "الفارس والموت والشيطان". يعتبر من أعظم الرسومات المنقوشة على المعادن في العالم. الفارس بكامل حلته الحربية، غريمه الموت يحمل ساعة رملية في يده. الشيطان البشع يتبعهما لينتهز الفرصة السانحة للسيطرة على روح الفارس. ربما يعني هذا الرسم، صراع الإنسان ضد الموت والشر. https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/a/ad/Albrecht_D%C3%BCrer_-_Knight%2C_Death_and_the_Devil.jpg
صورة أرنب، من روائع دورير. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/f/f4/Durer_Young_Hare.jpg
أنشأ دورير مطبعة في منزله. كان يحصل على مبلغ مجز نظير رسوماته وطبعه للكتب.
في عام 1512م، زار الامبراطور ماكسيميليان نوريمبيرج. دورير، كعضو في مجلس المدينة، جاء لاستقباله. "قيصر ماكس"، كما كان يحلو لأهل المدينة تسميته، كان محبا للفنون.
أعجب الامبراطور بدورير بعد أول لقاء. وكلفه ببعض الأعمال. منها عمل "قوس النصر " تكريما له. لم يكن قوس النصر، قوسا حقيقيا مثل الأقواس الرومانية المبنية من الحجر، وإنما هو عمل فني مكون من نقوش على الخشب. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/0/02/Ehrenpforte.jpg
قام دورير برسم 92 نقشا على الخشب في شكل الواح. تمثل قصة حياة الامبراطور منذ مولده وانجازاته. كل ذلك رتب في شكل قوس نصر، ارتفاعه عشرة أقدام ونصف القدم، وعرضه تسعة أقدام. استغرق العمل ثلاث سنوات. ولم يحصل دورير على أجر مجز نظير بنائه.
كان الامبراطور يزور دورير أثناء قيامه بالعمل. طلب منه أيضا، رسوما توضيحية لكي يزين بها كتاب الصلاة. وجلس أمامه لكي يرسم له بورتريه. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/c/ce/Albrecht_D%C3%BCrer_084b.jpg
منح الامبراطور معاشا لدورير نظير خدماته. في عام 1520م، ذهب مع زوجته وخادمتها لزيارة هولاندا. أصبح هناك رسام بلاط الامبراطور الجديد. كان يقابل بحفاوة كبيرة أينما ذهب، وكان يقابل ذلك بعمل خدمات جليلة لمدينة أنتويرب.
عاد دورير إلى وطنه لكي يقضي به السنوات الأخيرة من حياته. رسم لوحتان للرسل الأربعة. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/c/c7/Albrecht_D%C3%BCrer_026.jpg
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/1/16/Albrecht_D%C3%BCrer_027.jpg
الأشخاص بالحجم الطبيعى للرسل، يوحنا (جون) وبطرس (بيتر)، في لوحة، بولس (بول) ومرقس (مارك) في لوحة الأخرى. الوجوه، يقال أنها تعكس طباع الرسل كما جاءت بالإنجيل. وجهي يوحنا وبولس، من أفضل رسومات دورير للوجوه.
خلال السنة الأخيرة، لم يكن دورير يشعر بأن صحته على ما يرام. كان يشعر باكتئاب شديد، وكان يسيطر عليه هاجس أنه لا يكافأ كما يجب نظير أعماله. توفي عام 1528م بسبب الضعف والهزال.
وإلى اللقاء في المقال القادم إن شاء الله، لكي نكمل الحديث عن الفن الألماني. [email protected]
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفن الهولندي – العصر الذهبي
-
الفن الهولندي – رامبرانت
-
الفن الفلمنكي – فان دايك
-
الفن الفلمنكي – روبينز
-
الفن الفلمنكي – فان آيك
-
الفن الإسباني – موريللو
-
الفن الإسباني – فيلازكويز
-
الفن الأسباني – عمارة الأندلس
-
الفن الإيطالي – رسامو البندقية
-
الفن الإيطالي - تيتان
-
الفن الإيطالي - كوريجيو
-
الفن الإيطالي - رفائيل
-
الفن الإيطالي - ليوناردو دافنشي
-
الفن الإيطالي – بداية عصر النهضة
-
الفن الإيطالي - كانوفا
-
الفن الإيطالي - سيليني،بولونيا،برنيني
-
الفن الإيطالي - مايكل أنجلو
-
الفن الإيطالي 1
-
الفن في بداية المسيحية
-
كنوز الفن الروماني القديم
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|