ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 01:30
المحور:
الادب والفن
الشاحنة
استيقظ الشاب في باكرة يوم الأربعاء، وخرج من خيمة الذكور يداري آثار حلم أزعجه، فالوقت غير مناسب البتة لهدر الطاقات هباء. وفي طريقه إلى الفيلاج* عرج على وادي موه جديد حيث توضأ بماء إحدى عيونه ثم صلَّى الصبح على الحصى . وبعد أن دخل وسط المدينة أوثق البغل في إسطبل مولاي سليمان عملا بوصية جده، وسلم إلى حارسه البردعة التي يظهر على جانبها مهماز حاد، ثم أمده بقارورة لبن، فأمسكها الثاني شاكرا.
وبعد هذا سيقضي العريس نصف يومه الأول في شراء مستلزمات غذائية أخرى. وفي ركن دكان تحسس جيبه لِيَعُدَّ ما تبقى من نقود كان قد قضى سنتين لتوفيرها من الرعي بالرِّفْدِ** لدى رجل من أعيان القبيلة، منعزلا في أعالي هضاب وسهوب الحلفاء، متحفزا لهجوم الذئاب واللصوص ومتصبرا على الأطياف التي تظهر له في أعماق الليالي. وأما ما تبقى من يومه فسيُعَرِّج فيه على منازل الأقرباء المتوزعين على مختلف الأحياء ليدعوهم لحضور زفافه. وخلال طوافه على الأهل داعبه عم كهل له ناعتا إياه بمولاي السلطان، فكان أول من ينطق بهذه الصفة مستفسرا عمن سينقلهم إلى البادية .بدت على الشاب بعض مظاهر الارتباك، فلم يكن قط في الحسبان توفير وسيلة نقل مكلفة، سيستقلها المدعوون إلى مضارب العائلة جنوب المدينة، ثم في يوم العرس إلى خيام العروس ذهابا ورجوعا.
استشار في موضوع النقل مع قريب له، فترافقا إلى موقف الشاحنة الوحيدة بالمدينة، ليتجادلا مع صاحبها حول الثمن للعمل خلال يومي الخميس والجمعة المقبلين. لم يخفض لهاما السائق من المبلغ الذي طلبه، ولم يتوقف قط عن فتل شاربه المعقوف، مما أثار حنقا خفيا في نفسية الشاب الذي تمنى في دواخله لو يختلي به في مكان قفر لنتفه له ولا يترك شيئا على أديمه ليعتد به. طلب السائق أن يُدفع له نصف المبلغ كضمان، ففعل الشاب على مضض، وتواعدا على اللقاء غدا صباحا حيث سيتجمع المدعوون من أهل المدينة في بيت عمه في الحي الجنوبي غرب سكة القطار .
"يتبع..."
---------------------------
هامش:
*الفيلاج : كلمة فرنسية مدرَّجة وتعني هنا مركز المدينة.
** الرفد : محليا هو الأجر النقدي الذي يتقاضاه الراعي مع انتهاء العقدة.
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟