|
قصة قصيرة بعنوان/ الندم
هيثم نافل والي
الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 20:12
المحور:
الادب والفن
هزت ياسمين رأسها متوجعة، وقالت وهي تنظر إلى الأرض: الموضوع كبير يا أمي!! ثم تابعت بغصة وحرقة، وكأن شيئاً ما في داخلها قد تمزق: أكبر مما تتوقعينه للأسف!! وهمت باكية بألم ولوعة...
أطلت الأم بنظرات حيرى وهي تتوجس الخطر، فقالت مخاطبة ابنتها بنبرة مرتجفة وبأنفاس متهدجة، بعد أن استحل القلق كيانها: غاليتي وعزيزتي، أرجوكِ... اشربي عصير الليمون هذا، واهدئي قليلاً وحدثيني بروية وحكمة عما حصل، ثم أردفت بتأثر: يا إلهي، ما هذا؟ إنك مازلت عروسا... هدئي من روعك واشرحي لي ما جرى وما حدث؟! فما أن طلبتني في الهاتف وفي هذا الوقت المتأخر من الليل، حتى جعلتني لا أستطيع الوقوف على أطرافي، وتمنيت أن يكون الخطب خيراً وسهلا... في حين استمرت ياسمين بالتقلب في فراشها بأرق قاسي شديد كاد يقتلها، وشعرها يهتز، كأنه يرقص فوق رأسها، وهي تئن وتتنهد وترثي حالها المنحوس وحظها العاثر الذي جعلها وهي حديثة العهد في زواجها... تتلوى وتتأوه وتنوح شاهقة، كأنها تعاني من مغص حاد يقطع أوصالها: تباً لي من إنسانة غبية، مغامرة، ساذجة، رعناء وبلهاء... واستحق كل ما يحصل لي!! ثم بتشنج تابعت: لم أعد أثق بأحد بعد الآن أبداً... وها أنا مازلت عروسا وأستقبل أيامي كالسجينة لوحدي، وكأن زوجي قد مات!! وكم أرغب الآن أن أجده قد فارق الحياة فعلاً!! ثم تعود وتتقلب وتتشنج ويرتفع صوتها تارة، وبكاؤها تارةً أخرى فيشق ويلوث هدوء وسكينة الليل. لم تتجاوز ياسمين عامها الثالث والعشرين، رقيقة، كالنغم، جميلة ونقية، كقطرة الندى، دقيقة الملامح، ساحرة الكلام، رشيقة القوام، فارعة الطول ولها هيبة امتزجت فيها الرقة والغنج مع الكبرياء، وحين تتحدث تخرج الكلمات من فمها وهي توحي بالمعرفة والذكاء، طيبة القلب، نقية السريرة وحالمة أبداً... تزوجت تقليدياً بعدنان قبل شهر ونصف تقريباً، وهما يعيشان الغربة وبكل تناقضاتها وغرابتها؛ ولم يكن زواجهما في منأى عن تلك التناقضات... وها هي الليلة غارقة في دموعها الحارة، الملتهبة، تدق صدرها بيدها الرقيقة، الدقيقة الجميلة بألم مضنِ دون شعور، منكسرة، متحطمة وأمها تنظر لها بعينين يائستين، متأسفتين على حال ابنتها التي مازالت في بداية عهدها بالزواج!! في حين كان عدنان رجلا متزنا- كما عرفه الجميع- رساما وعلى موهبة وذوق فني رائع، لكنه كثير العلاقات، واسع الصداقات من كلا الجنسين، سريع التأقلم مع الآخرين، بخيل الطبع، قليل النقد، راض على حياته وتزوج من ياسمين بعد أن قرر الزواج وهو في منتصف الحلقة الثالثة... أشيب الرأس، طويل القامة، كعملاق وفي أعلى وجهه حفرتان عميقتان تنمان عن شر أو توحيان بذكاء من خلالهما ينظر إلى الآخرين بسخرية مفرطة، وكأنه يلعن حظه في الحياة! وفوقهما يجلس حاجبان كثيفان، كأنهما لشيطان، ولنبرة صوته صدى زجاجي غريب، كأن في داخله عفريت يقهقه. بللت ياسمين ريقها بعصير الليمون قليلاً، ثم حدقت بأمها بخوف حقيقي ونوهت قائلة: أنا مازلت لم أخبركم بكل ما حدث أو يحدث!! ولاذت بالصمت وكأنه سينقذها؟! فزعت الأم من قولها، وفجأة، اصفر وجهها، ومدت يدها فأمسكت بكتف ابنتها، ونبرت: ما هذا الأمر الذي لم تخبرينا به بعد؟! - هزت ياسمين رأسها متوجعة، وقالت وشفتاها ترتجفان وهي تنظر إلى الأرض: الموضوع كبير يا أمي!! ثم تابعت بغصة وحرقة، وكأن شيئاً ما في داخلها قد تمزق: أكبر مما تتوقعينه للأسف!! وهمت باكية بألم ولوعة... - ردت الأم بنبرة، كأنها تبكي: لا تجعلينني صريعة أفكاري السوداء التي تتراقص في ذهني الآن، كالعفاريت، قولي ما الذي تعنيه؟ - عدنان!! - بعينين محنطتين، شاخصتين: ما له؟ - لقد... ( وغاصت هائمة بالصمت اللعين من جديد ) - بجزع: أجيبي، ردي أرجوك... أنت بسكوتكِ هذا، تقتلينني!! - دمدمت وهي تلهث في ذعر، وكأنها تعاني من لوثة: ماذا أقول؟ تباً لي من غشيمة وساذجة... ثم شهقت تبكي وتشد شعرها براحة يديها بانفعال جنوني غريب... حنت عليها أمها وهي تقبلها من رأسها برقة وحنان مستدرجة، وكأنها تخفف عن ابنتها يأسها: كل شيء يمكن أن يحل بالتفاهم والنقاش، ثم تابعت بعطف زائد مفتعل: ما عليك إلا أن تشرحي لي بالضبط ما حصل، واتركي لي الباقي، سأجد طريقة لحله، واستطردت مازحة لتقليل وطأة الموقف على ابنتها الغارقة بالدموع: أنت تعرفين حكمة أمك جيداً... ولا داعي لتذكيرك بها... وسألتها مباغته: أليس كذلك؟! رنت ابتسامة صافية على وجه ياسمين وهي تمسح الدموع من على خديها وعينيها اللتين التهبتا واحمرتا نتيجة البكاء المتواصل... فدنت من يد أمها وركعت على الأرض بمشهد بان مسرحياً، وقبلت يدها بحرارة وقوة وقالت: الحقيقة يا أمي... أقصد أنا وعدنان وكما تعرفين قد تزوجنا، ولكن اكتشفت بعد أسبوع واحد من الزواج، أنه على علاقة بامرأة أخرى، أعني له زوجة أخرى مازالت على ذمته!! وقفت الأم بهبل صارخة وهي تدق الأرق بقدميها بقوة وتدفع يد ابنتها بعيداً عنها وتهتف بانفعال هاذية: ماذا؟ له زوجة أخرى؟ كيف هذا؟ القانون هنا لا يسمح بتعدد الزوجات!! مستحيل، لابد أن تكوني مخطئة!! ( قالت ذلك وهي في حالة هياج عصبي شديد، بعد أن بات خوفها على ابنتها، سوطاً يلسعها) دخلت ياسمين بنوبة بكاء حاد مجدداً... وأجابت مقتضبة: أتمنى أن أكون مخطئة!! - بأسى واندفاع: ولكن كيف؟! - متنهدة باستكانة: لقد تأكدت بنفسي، بعد أن رأيت قسيمة زواجهما!! ثم أردفت باحتقار ومقت وشفتاها ترتعش، كأنها ضاقت بترددها وصمتها: لقد باركتما- أنتِ وأبي - زواجنا وأنتما تعلمان!! - جلجل صوتها: نعلم ماذا؟ ثم باختصار وبصوت قاصف، ناقم سألتها: ماذا تقصدين؟! ( لحظة صمت لا يسمع فيها سوى لهاث الأم ونحيب ياسمين ) باستسلام عادت الأم قولها بوجوم: ماذا تقصدين، باركنا زواجكما، رغم معرفتنا؟! ها... انطقي... بوجه مكفهر غرزت ياسمين بصرها بوجه أمها وهمت قائلة بحنق وامتعاض، بعد أن استجمعت ما بقي من إرادتها وبتحدٍ، وكأنها تحاول أن تنتصر على مأساتها: هل نسيتم ما تم الاتفاق عليه، بقلوب مبهورة وعقول مأخوذة مع عدنان؟ وها هو... وبعد أقل من شهر ونصف من زواجنا، يعلن حريته ويمارسها بكل غطرسة واستهتار، لماذا؟ بسبب غبائي أولاً وثقتي العمياء به ثانياً، وقبولكم على عرضه، ومباركتكم لزواجنا وبشرطه العجيب ذاك!! ثم صاحت بهوس: هل نسيتِ يا أمي ذلك الاتفاق؟ ( قالت ذلك والشرر يتطاير من عينيها وهي لا تزال تنهب أمها تحديقاً، وكأنها تريد ذبحها من خلال نظراتها ) جفلت الأم، كأنها طعنت وذبحت بخنجر من عذابات ابنتها؛ تجمدت الدماء في أطرافها وعقدت الدهشة لسانها؛ نكست رأسها ودموعها تزاحمت واختنقت في عينيها ولم تغثها أو تنقذها... بقيت صامته، كالجبل، ووجهها جامد، كالحجر... وهي تشعر داخلها يتحطم، كموجة على صخرة الندم... وربما هي كانت بحاجة إلى هذا التفتت لكي تصحو أو تهدأ وتستريح، بعد أن صارحتها ابنتها بالحقيقة المرة، القاسية التي كانت ثمرة أطماع وقتيه زائلة، وماديات غير خلقية عندما وافقوا عدنان على مقترحه، بالزواج من ابنتهم دون أوراق رسمية... وبجشع واندفاع وغباء وطمع، جاوز فيه حدود الخطيئة والانحطاط...
#هيثم_نافل_والي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلطان الكلام/ الأسلوب الأدبي عند الناثر
-
قصة قصيرة بعنوان/ على ضفاف نهر الأردن
-
حكاية بعنوان/ في رحاب الكفر
-
سيرة ذاتية/ رحلتي معَ الكتابة
-
حكاية بعنوان/ قارئة الفنجان
-
قصة قصيرة بعنوان/ جريمة قتل
-
قصة قصيرة بعنوان/ الشبح
-
حكاية بعنوان/ الهروب من الطاعون
-
قصة قصيرة بعنوان/ رحلة
-
شخصية الفرد العراقي
-
كلمات... ولكن
-
حكاية بعنوان/ الصديق
-
قصة قصيرة بعنوان/ بيت الله
-
حكاية بعنوان/ جلسة معَ رئيس الطائفة
-
قصة قصيرة بعنوان/ المغرور
-
قصة قصيرة بعنوان/ كؤوس الخمر
-
قصص قصيرة بعنوان/ كؤوس الخمر
-
قصة قصيرة بعنوان/ معاناة عائلة
-
قصة قصيرة / الطريق
-
حكاية بعنوان / وعد
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|