|
من الغزو اللغوي إلى الغزو الثقافي
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 09:26
المحور:
الادب والفن
ظاهرة عجيبة تتسع باضطراد في الإعلام والمجتمع، وأعني بها خلط اللغة العربية مع اللغة الإنجليزية في الحديث على جميع المستويات، فبعض الكتاب والمثقفين، والمتحدثون عموما، يُدخلون التعابير الإنجليزية في كتاباتهم كما هي وبعضهم يأخذ على عاتقه ترجمتها، ولا يكون موفقا في كثير من الأحيان، ومع ذلك تنتشر هذه التعابير إنتشار النار في الهشيم مدمرة في طريقها المعنى الأصلي بدون أن تفيد اللغة العربية. ولا شك أن اللغة الإنجليزية من اللغات العالمية الديناميكية المرنة، ولغتنا العربية تحتاج لبعض المرونة. فاللغة الإنجليزية تستعير كلمات من جميع اللغات بدون إية مشاكل، وتأخذ هذه الكلمات معنى معينا، ولا يمضي على إستعمالها بضع سنوات حتى تد خل القواميس الإنجليزية ويبدأ إستعمالها بطريقة صحيحة، ومنها كلمة "إنتفاضة" على سبيل المثال. وبما أننا لا نستعمل القواميس إلا نادرا فكل شخص يستعمل التعابير الجديدة على هواه، وهكذا تفقد معناها الأصلي و تتخذ معاني مختلفة بدون دلالات مهمة. فالقواميس وتحديثها ضرورة ماسة، وهذه مسؤولية مجامعنا اللغوية.
لا يوجد أمة في العالم تفتخر بلغتها، وبحماس، كما تفتخرالأمة العربية، وتعتبرها مقدسة ومن أهم اللغات. التعبيرات العربيه توجد بكثرة في معظم اللغات المهمة، من الشرق الأقصى الى المغرب العربي، الذي كان يسمى المغرب الأقصي، ومن أفريقيا الوسطى إلي جنوب أوروبا، فالكلمات ذات الأصول، أو الجذور، العربية لا تُحصى. وقد شُبّه تأثير اللغة العربية في الشرق بتأثيراللغة اللاتينية في الغرب ولذلك سميت "لاتينية الشرق." ولكن الشعوب التي تتحدث بها لا تحميها من الضعف والشوائب ولا تنمّيها أو تطورها، ربما لأن الفرق بين اللغة العامية واللغة الفصحى فرقٌ شاسع، بالمقارنة مع غيرها من اللغات. ولحسن الحظ أن وسائل الإعلام والإتصال في العصر الحديث ضيّقت هذا البرزخ، وأصبحت ْ لغة التحدّث أقرب للغة المكتوبة،أو ما يسمى الفصحى، وأصبح العرب في الخليج ودول المغرب العربي يفهمون على بعضهم تماما، لأن المحادثة بين الناس، على الأقل المتعلمين منهم، في العالم العربي، تميل تدريجيا إلى الفصحى، وهذا يبشر بالخير ولكنه يتطلب قواميس سهلة الإستعمال، فكثير من الناس، حتى المثقفون والكتاب، لا يستعملون القواميس إللا نادرا، معتمدين على تفسيراتهم الخاصة للمعاني وعلى السياق وموقع الكلمات في الجمل، وهذا أحيانا يؤدي إلى البلبلة. القواميس الإنجليزية، والكتب الكثيرة حول طرق إستعمال الكلمات تتجدد باستمرار، ولكننا لا نجد هذا التجديد في المعاجم العربية، مع أن التعبيرات الجديدة تغزو اللغة العربية باستمرار وتنتظرلغويين وقواميس لتمتصها وتعطيها معانيها الخاصة. ويجب أن نعترف أن استعمال القاموس العربي ليس سهلا. وينتج من هذه الفوضى في التعبير صعوبة في الفهم الصحيح وفي ترجمة بعض النصوص العربية، وخاصة لغة الساسة والرسميين، إلى لغات إخرى. ونحن نعرف أن ما يترجم من الكتب العربية إلى اللغات الأجنبية قليل نسبيا.
معظم سياسيينا في هذه الأيام يستعملون التعابير الإنجليزية في تصريحاتهم. بعضهم يتقن اللغة الإنجليزية، وهذا مفيد جدا، لهم ولمستمعيهم من الأجانب، فمعرفتهم بهذه اللغة تمكنهم من شرح أفكارهم بطريقة صحيحة وتوصيلها بشكل سليم للمراسلين ووكالات الأنباء. ولكن بعضهم لا يتقنون هذه اللغة، وبدل أن يعتمدوا على مترجم ماهر يوصل هذه الأفكار، يأخذون على عاتقهم تحويل أفكارهم العربية إلى الإنجايزيه كيفما اتفق وبطريقة مكسرة، وأحيانا خاطئة، لا تعطي المعنى المقصود ولا تخلق الإحترام لهم في أعين الأجانب بل تشوه سياسات بلدانهم. غير أن معرفة اللغة الإنجليزية ضرورية جدا وخاصة في بلد سياحى كبلدنا، ولكن علينا أن نخاطب بها الزوار الأجانب وليس الموطنين.
وبالمقارنة فالأوروبيون عموما لا يتقنون اللغة الإنجليزية، وباستطاعة المرء أن يتحقق من هذا عندما يزور دولة كفرنسا أوالمانيا أوإطاليا، فيجد صعوبة كبيرة في التفاهم مع الناس، وهم لا يرون في هذا شيئا مخجلا. أما السياسيون منهم فلا يتكلمون الإنجليرية إذا لم يتقنوها، وإنما يخاطبون العالم بلغاته ومن خلال مترجمين. وهم في ذلك يختلفون عن سياسيينا وبعض قادتنا، فبعضهم يصر على التحدث للإعلام الغربي باللغة الإنجليزية مع أن مستواه اللغوي ركيك للغاية ويشوه صورة القضية التي يدافع عنها، ويقابل بالإستهزاء. وأذكر، من الناحية المقابلة، أن أندريه غروميكو، وزير الخارجية السوفييتي الأسبق لمدة 28 عاما، ولاحقا رئيس مجلس السوفييت الأعلى، كان يرفض رفضا قاطعا التحدث باللغة الإنجليزية رغم إتقانه لها، وكثيرا ما كان يقاطع المترجم، خلال مؤتمراته الصحفية، ليصلح ترجمته، قائلا له: "أنا قلت كذا ولم أقل كذا." من الأفضل لأي زعيم العربي أن يتحدث للإعلام الأجنبي بالعربية، من خلال مترجم، بدل أن يستعمل، كما كان يفعل القذافي، تعابير تفسر خطأ أو ينظر إليها الاجانب باستهجان. ومن ناحية أخرى ليس من الضروري، في معطم الأحيان، أن يتكلم الزعماء العرب بالإنجليزية، فالإهتمام باللغة العربية هذه الأيام كبير جدا حتى أن العديد من الدبلوماسيين والسياسيين في روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة والصين وغيرها يتكلمون العربية بطلاقة. وهناك مترجمون محترفون، من وإلى العربية، في الغرب وأوروبا وفي كل المنابر والمنظمات الدولية.
في السنوات الأخيره إزداد استعمال الكلمات الإنجليزية في برامج الفضائيات العربية، وخاصة في لبنان والاردن، وفي كثير من الأحيان يستعمل المتحدث كلمه إنجليزية بسيطه واضحة ويتبعها بمعناها العربي. حتى برامج الطبخ على الفضائيات مليئة بالكلمات الإنجليزية غير الضرورية لأن البديل العربي واضح وسهل، فمقدموا البرامج وضيوفهم يبهّرون حديثهم بكلمات إنغليزية، وبدل أن يقاطع مقدم البرنامج محدثيه ليشرح هذه التعابيرللمشاهد، الذي لا يُعيبه عدم معرفتها، يستعمل هو الآخر كلمات إنجليزية.
لا شك أن المرء يفتخر بلغته الأم وبتعابيرها، وخاصه الكلمات التي تعطي مدلولات فريدة لا نجد لها معاني مشابهه في اللغات الأخري. اليابانيون والصينيون والكوريون يفتخرون بلغاتهم الصعبة ويصرون على استعمالها في كل المناسبات وفي جميع المجالات، وحري بنا أن نكون أشد حرصا على لغتنا من حرصهم على لغاتهم، فاللغة هي المادة الخام للثقافة وهي الهوية، ويجب أن نحرص على التكلّم بها دائما ونطورها وننميها. وإذا كنا حريصين على التصدي لما نسميه غزوا ثقافيا فجدير بنا أن نتصدى أولا للغزو اللغوي.
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوقفوا تسليح المعارضة السورية
-
هل قَتلُ الإرهابيين يقضي على الإرهاب؟
-
هل بإمكاننا أن نكون أقل تشاؤما؟
-
من قتل محمد سعيد البوطي؟
-
طفح الكيل وبلغ السيل الزبى!!
-
فشل دول الخليج في سوريا وبهلوانيات قطر
-
المعذرة يا -دكتور-
-
الهجاء في الشعر .. والردح في السياسة
-
كما تكونوا يولّ عليكم
-
عباءه لبشار
-
القوائم الإنتخابية العديدة في الأردن عكست حب الظهور، لا حب ا
...
-
هل خدم حزب الله لبنان أو القضية الفلسطينية؟
-
فاروق القدومي يصر على إرجاع الضفة الغربية للأردن!!
-
هل لعب المفكرون العرب أي دور في ثورات الشعوب العربية؟
-
هل هذه صحوة الضمير اليهودي؟
-
الحكم الديني يُفضي حتما إلى الدكتاتورية
-
اليهود إذا إنتقدوا إسرائيل
-
عندما يتكالب على الأردن القريب قبل الغريب
-
أبو حفص الموريتاني وسياسة الجزيرة التحريرية الجديدة
-
ميشال عون وسوريا، وتضحيات لبنان
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|