|
عن الحراك الثوري المدني وسقوط -النُخَب-، سوريا نموذجاً
عادل القلقيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 21:27
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
منذ أن انطلقت ثورات "الربيع العربي" قبل ما يزيد عن عامين، تجدّدَ السجالُ القديم حول إشكالية مصطلح النخبة الثقافية والسياسية ودورها في التحول الديموقراطي في دول المنطقة التي تعاني من غياب تصوّر أو تعريف واضح لهذه النخب وفعاليتها في مجتمعاتها، حيث نجحت السلطة على مدى العقود الماضية في "تدجينها" أو تهميشها بأحسن الأحوال، حتى أصبح انتظارُ قيادتها لتحرك شعبي ثوري ضرباً من السذاجة أو الخيال. فرغم انحياز عدد كبير من شخصيات هذه "النخب" إلى انتفاضات شعوبهم من أجل الحرية والكرامة وتصدُرهم المشهد في بداية الاحتجاجات، إلا أن ذلك الدور بدأ بالتراجع التدريجي مقابل ظهور بارز لقوى الحراك الثوري المدني حتى أصبحت، بشكل أو بآخر، المعبّرَ الوحيد عن نبض الشارع. ولعلّ المَثَل الأهم على ذلك هو الحالة السورية، حيث أسهم الصراع المستمر منذ عام ونصف تقريباً بعد عسكرة الثورة، في خلق شرخ كبير بين جناحيها المدني والعسكري. ففي غياب رؤيا واضحة للكتائب المقاتلة على الأرض وأجنداتها وولاءاتها وقياداتها، نجد بالمقابل غياب رؤيا واضحة في شعارات وأهداف شباب الحراك المدني الذين باتوا يحملون اليوم مسؤولية حماية الجانب السلمي من ثورتهم وتقع على عاتقهم أعباءُ تنظيم شؤون الحياة وتأمين الاحتياجات الأساسية لأهالي مدنهم وقراهم في ظل غياب الدعم الخارجي وتقصير المجتمع الدولي في إغاثة المنكوبين وفتح ممرات آمنة. ويُعتَبر هؤلاء الشباب أيضا، بما يملكون من وسائل ميديا متواضعة، صلةَ الوصل الوحيدة بين مناطقهم و العالم من جهة، وبين المناطق السورية المختلفة من جهة أخرى، ممثلين بذلك النخبةَ الجديدة الفاعلة ميدانياً وإعلامياً، بعيداً عن ما يقوم به معارضوا الخارج من مجالس ومؤتمرات وائتلافات وحكومات، وبعيداً أيضاً عن طروحات مثقفي "النخب القديمة" و"تنظيراتهم". فهل تعبّر هذه الفئة عن نخبة سياسية وثقافية حقيقية أم هي مجرد نتيجة موضوعية لخطاب ثوري "ديماغوجي" سائد؟
إن المتابع للتظاهرات السلمية منذ انطلاق الاحتجاجات وحتى الآن يلاحظ مستوى مرتفعاً جداً من الوعي السياسي في الشعارات المطروحة التي تجاوزت منذ زمن بعيد مرحلةَ انتقاد ممارسات النظام والتعبير عن خيبة أمل السوريين من المجتمع الدولي الذي خذلهم ومايزال، ومن المعارضة الخارجية أيضا التي لم تقدم لقضيتهم شيئاً يُذكَر حتى الآن، وبات هؤلاء الشباب يمارسون الآن دور الرقيب والناقد لانتهاكات الكتائب المعارضة المقاتلة ولا سيّما في المناطق "المحرَرة"، حيث تُلاحظ زيادةٌ مطّردة في نسبة هذه الحوادث التي لم تعد تقتصر على حالات فردية بل أصبحت ممارسات ممنهجة في بعض الأماكن، نتيجة طول أمد الحرب الدائرة وتخصيص الدعم الخارجي لجماعات مسلحة دون غيرها كسباً للولاءات السياسية، ما أدى إلى مرحلة الفوضى الحالية التي شكّلت جواً مثالياً للمرتزقة وأمراء الحرب الذين باتوا اليوم يرتكبون بحق الناشطين الإعلاميين وشباب التنسيقيات انتهاكاتٍ تحاكي ما يمارسه النظام.
إن الرؤى التي تقدمها هذه "النخبة الثورية" أنضجُ في معظم الأحيان من طروحات المعارضة "الكلاسيكية" التي تدور في حلقة مفرغة منذ عامين، فلم تستطع هذه المعارضة بكل أطيافها حتى الآن الاتفاقَ على محددات وأهداف العمل الثوري و شكل سوريا المستقبل، إذ لايزال هناك خلاف كبير مثلاً حول أهم وأبسط الأسس مثل اسم الدولة ومبادئ الدستور وعلاقة الدين بالسلطة...
بينما كان شبابٌ من الحراك المدني سبّاقين إلى طرح وثائقَ وبياناتٍ تعبر عن رؤيتهم للمرحلة القادمة وتَطلُعهم إلى دولة "مدنية" ديموقراطية تعدّدية يسودها القانون والمساواة بين جميع الطوائف والاثنيات.
لكن في مقابل التيار السابق، فإننا نجد اتجاهاً آخرَ إقصائياً يعبر عنه أيضا شباب من الحراك المدني خاصةً في المناطق التي تسيطر عليها الكتائب الإسلامية حيث يسود مناخ من التطرف و الشحن الطائفي يبدو جلياً من خلال الشعارات المطروحة في التظاهرات أو حتى في الأماكن العامة، ما يشكل "حاضنة شعبية" للقوى المتطرفة تزداد رقعتها يوماً بعد آخر، حيث لم تعد تقتصر على مجرد اتجاهات فكرية راديكالية معزولة، بل أصبحت واقعاً على الأرض من خلال الممارسات التي تحد من الحريات العامة في مناطق واسعة من البلاد.
في نهاية المطاف، يصعب التكهن بغلبة أحد الاتجاهين السابقين خصوصاً أن كلاً منهما يزعم تمثيل الشعب السوري بأكمله، كما يصعب التكهن بعلاقة النخبة الثقافية بالنخبة السياسية ودورهما في مؤسسات السلطة الحاكمة بعد الثورة، لكن على أية حال، فإن ما نشهده الآن يبشّر بولادة نُخَب جديدة تضع حداً لسلبية النخب القديمة تجاه قضايا شعوبها والقطيعة التاريخية معها، كما تبشر بتشكل نواة جديدة لمنظمات المجتمع المدني في الدولة مستقبلاً.
#عادل_القلقيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في تحليل الخضوع للسلطة والدين .. مدخل سيكولوجي
المزيد.....
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|