أكتوبر 2002
تسمية الأمم المتحدة جاءت من الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت وأستخدم هذا الاسم للمرة الأولى في إعلان الأمم المتحدة الصادر في 1 كانون الثاني/ يناير 1942, خلال الحرب العالمية الثانية التي جمعت ممثلو26 دولة انضمت لتحالف الحلفاء الذي تشكل لمحاربة قوات المحور. وقد اشترك في وضع ميثاق الأمم المتحدة ممثلو 50 بلدا ووقعوا عليه يوم 26 حزيران/يونيو 1945. ووقعته بعد ذلك بولندا, ليصبح عدد الأعضاء المؤسسين 51 دولة. وبرزت الأمم المتحدة ككيان رسمي وحيز الوجود يوم 24 أكتوبر 1945 وأصبح هذا التاريخ هو يوم الأمم المتحدة الذي يحتفل به كل عام على أساس أنه اليوم الذي يوحد العالم والشعوب والدول تحت راية واحدة هي راية الحياة الحرة والسعيدة بالعدل والمساواة والتقدم والرخاء. أُنشئت الأمم المتحدة لتأكيد مبدأ الالتزام بحفظ السلام عن طريق التعاون الدولي والأمن الجماعي. وتنتمي إلى الأمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريباً و يبلغ عدد أعضاء الأمم المتحدة 189 بلداً في المجموع . وهناك مؤسسات ومنظمات عديدة تابعة للمنظمة وتعمل في جميع أنحاء العالم وفي مختلف القطاعات والمجالات, كما أن للأمم المتحدة قوات حفظ سلام دولية في مناطق النزاع في العالم.
وتنظر لأمم المتحدة في عدة مواضيع مختلفة، من ضمنها قضايا العولمة، والإيدز والصراعات في أفريقيا وحماية البيئة، وتوطيد أركان الديمقراطيات الجديدة. ولا تستطيع الجمعية العامة أن ترغم أي دولة على اتخاذ أي إجراء، ولكن توصياتها هي دلالة هامة على الرأي العالمي وتمثل السلطة المعنوية لمجتمع الأمم. وقد سبق و اتخذت الأمم المتحدة قرارات عديدة وكثيرة فيما يخص النزاعات الدولية وعلى وجه التخصيص الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين, لكنها لم تستطع إلزام الكيان الصهيوني بتنفيذ أي قرار. كما أن الأمم المتحدة تحولت في نهاية المطاف إلى أداة بأيدي الإدارة الأمريكية تستخدمها أمريكا في اعتداءاتها على الدول الأضعف وفي سبيل تمرير ما لا يمكن تبريره عالميا, وبما أن لأمريكا حق النقض الفيتو فأنها تحرص دائما على استعماله في خدمة إسرائيل ومصالح أمريكا في العالم الذي من النادر أن تجد فيه شعوب تحب أمريكا أو توافقها على سياساتها العدوانية والغير منصفة في حل مشاكل العالم. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الرقم القياسي في استعمال حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي, إذ باستطاعتها دخول موسوعة دينيس للأرقام القياسية بلا منازعة وبلا منافسة. الآن ونحن في خضم التحضيرات الأمريكية لشن حرب جديدة على العراق يعاد عبرها تأسيس الشرق العربي حسب الذي تراه أمريكا مناسبا لها ولمصالحها الإستراتيجية ومصالح حليفتها الأساسية في المنطقة إسرائيل الصهيونية المارقة. نسمع بأسماء ومصطلحات سياسية غريبة وعجيبة مثل دولة مؤقتة, سيادة فوق الأرض وأخرى تحت الأرض بالإضافة للسيادة الموجودة على الأرض. كل هذه الأشياء هي من صنع أمريكا الأستعلاء.
عندما ووجهت حرب أمريكا المحتملة على العراق بمعارضة معظم الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي وحتى من قبل ثلاثة أعضاء يملكون كما أمريكا وحليفتها بريطانيا حق النقض الفيتو وهي فرنسا والصين وروسيا. بالإضافة لموقف ألمانيا المعارض للحرب الأمريكية على العراق بكل أشكالها. في هكذا وضع صعب لأدارة جورج بوش الابن التي تريد تغيير النظام في العراق من أجل تغيير خريطة الوطن العربي والشرق الأوسط بشكل كامل. يتوجب على أمريكا الحصول على قرار أممي يخولها وحلفائها ضرب العراق وتغيير النظام وتجريده من السلاح, وهذا ما لا تقدر عليه الأمم المتحدة لأنه يتعارض ومبادئ تأسيسها وعملها وأهدافها. منذ أن عارضت أكثر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الحملة الأمريكية الجديدة على العراق أخذت الإدارة الأمريكية تصعد من لهجتها اتجاه الأمم المتحدة واعتبرتها عاجزة عن اتخاذ القرارات , لذا فأن الولايات المتحدة ما لم تحصل على قرار أممي يأخذ كل مطالبها الخاصة بالعراق بعين الاعتبار فأنها سوف تتصرف وحدها وبدون الرجوع للأمم المتحدة, أي أمريكا تقول علنا أنها لم تعتد تعترف ألا بشرعية قوتها وقراراتها هي وحدها ولا صوت يعلو فوق صوت أمريكا و إدارتها المتهورة. وهذا يذكرنا بالكيفية التي تعاملت فيها أمريكا مع الشعوب الأخرى في حروبها على تلك الشعوب المكافحة من أجل الحرية والاستقلال, مثل حرب فييتنام ولاوس وكمبوديا وكوريا واجتياح غرينادا وتدمير نيكارغوا والسلفادور والتآمر مع الفاشية العسكرية على نظام الحكم اليساري الديمقراطي المنتخب في تشيلي سابقا, وحصار كوبا الطويل وحرب الإبادة والحصار على شعب العراق والموقف الأمريكي المؤيد بلا تحفظ لسياسة إسرائيل العنصرية والمعادي بلا سبب للطموحات الوطنية الفلسطينية المشروعة.
تحتفل الأمم المتحدة بيوم تأسيسها وهي أضعف من أي وقت مضى وهي تتعرض لضغط أمريكي بريطاني صهيوني كبير من أجل أن تتحول من منظمة أمم متحدة لكل الأمم والدول إلى منظمة أمريكية صهيونية تعمل في خدمة الرئيس الأمريكي جورج بوش وأدارته وأطماع أمريكا الاستعلائية. فمن زمن روزفلت الذي استعمل القنابل النووية بلا سبب مقنع في اليابان حتى عهد بوش الصغير الذي أبدى أكثر من مرة استعداده لاستعمال نفس السلاح دفاعا عن الهوس الأمريكي المشؤوم. والأمم المتحدة تحاول في هكذا جو ووضع الدفاع عن استقلاليتها التي كانت ومازالت تتعرض للضغط الأمريكي, لكن هذه المرة وفي هذه الأوضاع لم تعد الأمور كما كانت من قبل, بل أصبحت أصعب وأكثر تعقيدا وحدة وذلك يعود للتعقيدات والشروط الشديدة والغير معقولة التي تضعها أمريكا وتطالب العالم القبول بها كما هي. أن الاستعلاء الأمريكي لم يعد خطرا على الأفراح في أفغانستان والمدنيين في العراق أو الأبرياء في فلسطين المحتلة, بل أصبح خطرا حقيقيا يهدد الأمم المتحدة ووحدتها وبقائها ويهدد السلم الدولي والحياة البشرية على كوكب الأرض بشكل عام. نقول هذا لأن أمريكا تتصرف بقسوة وعناد لم يشهدهما التاريخ لا مع الأمبروطورية الرومانية ولا مع أي امبروطورية أخرى. أنها أمريكا في عهد وعهدة بوش لم يتبدل فيها كل شيء, لكن تبدلت أشياء أساسية وهامة, أهمها السياسة الداخلية الأمريكية التي ألغت الحقوق الديمقراطية لمن هم من أصول عربية و إسلامية ومشرقية, بحيث أصبح من السهل توجيه التهم ولزقها بهم ومن ثم اعتقالهم سجنهم بلا أدلة وبلا قانون غير قانون الغاب الأمريكي الجديد. وتغيرت أيضا سياسة أمريكا الخارجية فأصبحت أكثر عدوانية وأكثر شمولية حيث لم تقف عند حركات وأحزاب بل تعدتها لتشمل الدول والشعوب والأنظمة والأمم التي تختلف عن أمريكا ولا تريد أن تكون جزءا من حضارة وثقافة العم سام, وعلى رأس تلك الأمم الأمة العربية وامتدادها الإسلامي.
في يوم الأمم المتحدة العالمي يطيب للعالم أن يقدم تعازيه الحارة للإنسانية جمعاء بانتهاء زمن الأمم المتحدة وببداية زمن الاستعداء والاستعلاء الذي تعتبر أمريكا رمزه الأول أما ما تبقى من الأذناب فهم مجرد خدم وصناع لدى صاحب الجلالة العظمى الأمبروطور النووي جورج بوش الابن.
باحث فلسطيني مقيم في النرويج