|
الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلارك - مراجعة ابراهيم فتحى - الفصل الخامس
سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 22:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ترجمة سعيد العليمى الفصل الخـامـس أثـر البني الأوليـة للقرابـة 1 – نظريـة القرابـة : أشرت في الفصل السابق إلى الأسباب التي دعت إلى أن تكون نظرية ليفي شتراوس في القرابة غير مقبولة . لقد جادلت ، من ناحية ، بأن النماذج التي أنشئت بواسطة ليفي شتراوس لا تولد بالضرورة تبادل النساء سواء على مستوى النموذج أو على ( مستوى ) الواقع . ومن ناحية أخرى ، أن أنظمة القرابة التي توجد في الأدب الإثنوجرافي لا يمكن أن تفسر بمفهوم ليفي شتراوس عن البني الأولية ، ان محاولة تفسير مؤسسات القرابة والزواج بمفهوم الحاجة إلى التبادل يجب أن يحكم عليها باعتبارها إخفاقا مطلقا . إن بحوثا فنية أكثر تفصيلا لتحليلات ليفي شتراوس سوف تخدم فقط في فرض هذه الاستنتاجات . أريد في هذا الفصل أن أوسع المناقشة ، لأنه من الشائع للغاية ، وبالفعل يمكن أن يقال أنها على الأغلب القاعدة أن أكثر النظريات إنتاجية هي تلك التي تكون أكثر وقوعا فى الخطأ. ونظرية ليفي شتراوس مؤهلة لأن تكون في المرتبة الأولى ، ولا شك أنها ولدت جدالا شديد الاتساع تجاوز تخطيط ليفي شتراوس الأصلي ، جدالا كان له أثر عظيم داخل الأنثروبولوجيا وما يتجاوزها . تباين تقويم البني الأولية من قبل الأنثروبولوجيين وأصبح غير محبذ بمرور الزمن ، وهكذا كتب هارت في مراجعة مبكرة " ليس من المبالغة القول أن هذا الكتاب يصنع للتنظيم الاجتماعي ما صنعه أصـل الأنواع للبيولوجيا " بينما كـان استنتاج كورن الأحـدث هو أن هذا الكتاب " يرتب بعض أكثر الأفكار إثارة للاهتمام التي فكر فيها أسلاف ليفي شتراوس طوال عقود عديدة من الأنثروبولوجيا الاجتماعية ، ولكن في مخطط بلاغي ، سئ الترتيب ومتناقض . لقد بنى على استدلال معيب أقترن بتقارير غير وافية أو خاطئة عن الوقائع الإثنوجرافية ". أعتبر نيدهام البني الأولية ، تحفة فنية ، عمل كلاسيكى سوسيولوجي من الطراز الأول في عام 1962 ، ولكن حوالي 1971 انتهى إلى المصادقة على استنتاجات تلميذه كورن .
بالرغم من أن ليفي شتراوس يواصل بمثابرة الدفاع عن مؤلفه ويصر " أنا لا أرفض ولو قسما واحدا من الإلهام الفلسفي أو من المنهج ، ولا أيا من مبادئ التفسير " فليس هناك شك أنه بالتأمل يمكن أن يرى البني الأولية باعتباره مشوشا نظريا ، ومنهجيا غير سليم إلى أقصى حد ، وتجريبيا حيث الأصل ، قاصرا ( 1 ). بالنسبة للأنثروبولوجيين فإن البني الأولية هو جزء من تاريخهم بقدر ما تمثل ذلك أعمال مورجان وفريزر ، إلهام جرى تمثله ونبذه ولكن بالرغم من كل نواقصه الفنية والنظرية ، فقد كان للبني الأولية تأثيرضخم . لقد رُفض تركيز ليفي شتراوس على التبادلية منذ وقت مبكر ، حتى من أتباعه القريبين ، لأنه لم تكن هناك طريقة يمكن بها تعزيز هذه النظرية عقليا . وهكذا أنتقد نيدهام ليفي شتراوس لأنه كان معنيا بالتبادلية بينما كان كتابه بالفعل يعالج المخططات المفهومية . بالنسبة لنيدهام فإن " أنظمة التحالف الإرشادية هي بالفعل بني أولية ليس للقرابة وإنما للتصنيف " (2 ) وبالمثل فقد أخذ المؤلف جديا بالفعل فقط كإسهام في دراسة نسقيه نوعية تصنيفية لأنظمة القرابة ، وهو ما انتهى نيدهام إلى تسميته " أنظمة إرشادية " . وهكذا فإن النظرية العامة للتبادلية بالنسبة إلى الأنثروبولوجيين والدعاوى ذات النزعة الشاملة للتحليل قد جرى تجاهلها إلى حد بعيد . إن أهمية البني الأولية للأنثروبولوجيين لم تكن في أنه أعاد تأسيس الأنثروبولوجيا وإنما في أنه تحدى التفسير التقليدى لأنظمة القرابة . رأى التفسير السائد لأنظمة القرابة مصطلحات القرابة كتعبيرات عن علاقات الوضع الشرعي بين الفرد وأعضاء مجتمعه أو مجتمعها . وأعتبر أن نسبة نفس المصطلح لأناس مختلفين يتضمن أن وضع هؤلاء الناس بالنسبة للذات كان نفس الشيء ، رؤيت هذه الأوضاع بصفة عامة باعتبارها متولدة في العلاقات داخل العائلة النووية وبين الأقرباء القريبين وعندئذ جرى توسيعها بطريقة ما ماوراء هؤلاء الأقارب القريبين الى أقارب أكثر بعدا . جادل راد كليف براون على سبيل المثال بأن مصطلحات القرابة كانت تستخدم لتصنيف الناس طبقا لحقوقهم وواجباتهم فى العلاقة بالفرد ، متولدة فى العائلة النووية وجرى توسيعها على أساس افتراض وحدة نسب . أسس البعض الآخر تصنيفهم على الاعتبارات العاطفية أو على الحقوق الشرعية أو الأخلاقية ، وقدموا مبادئ أخرى بالإضافة إلى تلك التي تخص وحدة النسب . عكست هذه المقاربة لأنظمة القرابة نظرة إلى البنية الاجتماعية تكون فيها المجموعة السلالية المشتركة أولية والعلاقات بين الفرد والمجموعة السلالة متوسطة من خلال العلاقات داخل العائلة النووية . يعكس نظام القرابة ، علاقات اللاقرابة ، وهكذا فإن النظرية ( نظرية ) اختزالية ، وهي تتوافق مع مفهوم معين للبنية الاجتماعية . كان التفسير قد أشتغل جيدا تماما في أفريقيا ، حيث تلعب المجموعات السلالية المشتركة بالفعل دورا أساسيا في التنظيم الاجتماعي ، ولكن في مكان آخر فقد واجهت بالفعل صعوبات أدت إلى اصطناع تفسيرات على حسب الموضع. هذه المقاربة لأنظمة القرابة لها أوجه ضعف عديدة . لقد مالت اختزاليتها إلى أن تكون شديدة الفجاجة لتلائم تعقد أنظمة القرابة ، الأولوية التي عزتها للمجموعات السلالية المادية المشتركة كانت غاية في الارتجال ، وتنضح الفرضية الإنتشارية التي ميزت سلاليا أقرب الأقارب بالإثنية المركزية . تعرضت هذه المظاهر جميعا للهجوم في الجدال الذي أعقب البني الأولية ، ولكنها لم تكن موضع تركيز تحدى ليفي شتراوس ، لقد كان ما فعله ليفي شتراوس هو أنه استبدل اختزالية بأخرى وتحدى الأولوية التي أعطيت لمبدأ السلالة . بينما نقطة إنطلاق نظرية السلالة هي العائلة النووية ، أصر ليفي شتراوس على أن المجتمع قد بدأ فقط عند النقطة التي دخلت فيها العائلات النووية في علاقات الواحدة مع الأخرى ، وهكذا فإن الوحدة الأساسية " ذرة القرابة " ليست العائلة النووية ، وإنما الترابط الداخلي للعائلات النووية من خلال الزواج : " لقد أسس أنه كان من المستحيل إشتقاق القرابة ، حتى حين كانت تُرصد على أكثر مستوياتها أولية ، من مجرد إعتبار النظام البيولوجي فحسب : لا يمكن أن تولد القرابة ببساطة من إتحاد الجنسين ، وتربية الأطفال ، انها تتضمن منذ البداية شيئا آخر ، وهو التحالف الإجتماعي للعائلات البيولوجية التي يتخلى فيها المرء على الأقل عن أخت أو إبنة لعائلة بيولوجية أخرى . ذلك ، وذلك فقط ، هو المبدأ الشامل الذي صرح به نص 1945 ( 1945 م ) والذي سعى البني الأولية للقرابة لإظهاره . ( 3 ) يبدو هذا التغير في موضع التركيز بسيطاً للغاية ، ولكن تضميناته ذات وزن كبير ، مادام يغير معنى علاقة الزواج . وبالنسبة لنظرية السلالة فإن علاقة الزواج اشتقاقية من علاقة السلالة وقرابة العصب . ومن ثم ليس لها دور مستقل لتلعبه . وهذا ممكن بسبب أن أنظمة القرابة التى نحن معنيون بها وهي أنظمة مغلقة يمكن دائما أن نتتبع فيها إرتباطات نظرية بمفهوم السلالة ( إذا أردنا الدقة البنوة ) وقرابة العصب ، دون أي إحالة إلى الزواج . وهكذا فإن المرأة التي ستكون زوجة الفرد هي ايضا نظريا أم ابنة أخية . بالنسبة إلى ليفي شتراوس على أية حال فإن الزواج علاقة أصلية ، في مركز تفسيرات ظواهر القرابة . وهكذا فبالنسبة إلى ليفي شتراوس فإن ماهو دال ليس أن المرأة موضع البحث هي أم ابنة أخ وإنما زوجة محتمله .وعليه تتوصل علاقة الزواج إلى أن تلعب دورا في تكوين أنظمة القرابة مماثلا في مركزيته لعلاقات النسب والسلالة . ان القيمة الإيجابية للبني الأولية بالنسبة لمعظم الأنثروبولوجيين تتقوم في جذبة الإنتباه لدور الزواج كعلاقة اجتماعية تضامنية وكمبدأ للتصنيف الاجتماعي كان قد اهمل بلا مبرر من نظريي السلالـة . لم يكن ليفي شتراوس بالتأكيد هو الوحيد ، أو أول أنثروبولوجي يفعل ذلك . ولكن كتابة كان بالتأكيد التحدي الأكثر نفوذا لنظرية السلالة لأنه وضع دعاويه عن أولوية علاقات الزواج في مثل هذه اللغة الراديكالية الاستفزازية زاعما ليس ببساطة أن المبدأ يمكن أن يساعد في تمييز بعض أوجه الشدوذ فى نظرية السلالة ، وإنما أنه كان أساس كل أنظمة القرابة . لا يعتمد إدراك الأهمية المستقلة لعلاقة الزواج ، على أية حال على قبول نظرية ليفي شتراوس عن التبادل ، إذا تجاوزنا عن الطموحات الشمولية لهذه النظرية . وهكذا فإن الدرس يمكن أن يستوعب تماما من قبل تقاليد أنثروبولوجية أخرى ، وهذا هو ما فعله إدمون ليش بصفة أساسية . لقد ظهر ليش من التقليد الخاص بالوظيفية المالينوفسكية ، وتبقى وجهته النظرية وظيفية بصفة أساسية ، آتيا للوظيفية بإهتمام جديد بالعلاقات . ويحتفظ ليش بالإهتمام الوظيفي بالمجتمع كنظام يربط ما بين أنظمة ثانوية متنوعة خاصة بكل واحد . يجب أن تفهم من ثم ظواهر القرابة عند ليش بلغة الظواهر الاقتصادية والسياسية ، وليس في العلاقة بالعقل . يرى ليش فى بول اليجا Pul Elije الملكية العقارية كأساس للبنية الإجتماعية ، مع نظام القرابة بإعتباره ظاهرة تنتمي للبناء الفوقي . في تحليله لمصطلح القرابة تابو يفسر المصطلح ككلمة فئة يشتق معناها الأولي من خارج سياق القرابة . ويحللل المصطلح بواسطة معاملة المصطلحات الفنية بإعتبارها تعكس أيديولوجيا مظاهر معينة من التنظيم الاجتماعي . ويرى ليش علاقات التبادل بإعتبارها علاقات إجتماعية وليست علاقات بين مقولات مفهومية . إنه يشارك الوظيفية اهتمامها بالعلاقات الاجتماعية كوسائل لتأمين التضامن ، ويتمثل تجديده في إدراك علاقة الزواج كوسيلة لتأمين التحالف على الأقل في موازاة مع علاقة السلالة . من ثم فقد أتبع ليفي شتراوس في تحليل العلاقة بأخ الأم كعلاقة متضمنه بواسطة الزواج وليست علاقة مؤسسة على مبدأ فورتيس عن " البنوة التكميلية " . بالرغم من أن كثيرين قد عدوا ليش مفسرا لمؤلف ليفي شتراوس فإن ليش قد أستوعب بعض دعاوى ليفي شتراوس في تقليد غريب كلية على نوايا ليفي شتراوس . لقد رفض ليفي شتراوس ، من ثم ، وبدأب تفسير ليش لمؤلفه بأشد المصطلحات عنفا ورفض بصفة خاصة محاولة ليش في أن يحول نظرية ليفي شتراوس إلى اختزالية سوسيولوجية . وبالنسبة إلى ليفي شتراوس لا يعكس نظام القرابة علاقات الزواج إنه أداة صممت لتخلق وتنظم هذه العلاقة . وهكذا فإن " الوظيفة الأولية لنظام القرابة هي تحديد الفئات التى يعين منها نموذجا معينا لتنظيم الزواج " وعلى ذلك " فإن نظام القرابة هو نظام إعتباطي للتمثيلات ، وليس التطور العفوي لوضع واقعي . " ( 4 ) يرفض ليفي شتراوس أي تفسير سوسيولوجي اختزالي يعبر فيه نظام القرابة عن العلاقات الاجتماعية . بالنسبة إلى ليفي شتراوس فإن العلاقات الاجتماعية هي التي تعبر عن نظم القرابة ، ونظام القرابة أساسي لأنه أسس من أجل خلق العلاقات الاجتماعية التي تلحم المجتمع ، تبادل النساء . إن نظام القرابة هو مفترض عقلي ، خلق ( بلا وعي ) بواسطة العقل ويعبر فقط عن مبادئ القرابة . يرى ليفي شتراوس أن نظريته عقلية أكثر منها نظرية سوسيولوجية ، حيث أن أنظمة القرابة بمثابة تصنيف ذهني خلق بواسطة العقل ، مقيدة فقط بالخصائص الموروثة للعقل . بالنسبة إلى ليفي شتراوس ليست أهمية نظريته في أنها تعدل التفسيرات القائمة لأنظمة القرابة ، ولكن في أنها تقدم مقاربة مختلفة تماما للإجتماعي . لم يوضح ليفي شتراوس بسبب قلقة للدفاع عن موقفه الأصلي الموضوعات في اسهاماته اللاحقة . وكانت النتيجة أنه وقع بين محظورين ، مغضبا " السوسيولوجيين " بـ " نزعته العقلية " الميتافيزيقية " ولكن مخفقا في ارضاء " العقليين " الأشد صرامة بسبب رغبته في الإحتفاظ بنقاط المرجعية السوسيولوجية . هجر ليفي شتراوس نفسه بحكمه دراسة ظواهر القرابة بعد طبع البني الأولية وترك مؤلفه يُطور ويُوضح من قبل آخرين . ليس هناك شك على أية حال في أن وجهة مؤلف ليفي شتراوس عقلية ، كما أدركها دافي ، عميد المدرسة الدوركايمية ، في مراجعة مبكرة ، الذي رأى أن تقديم البرهان السوسيولوجي " غـير فطن " وإضافـة خطرة للبرهان العقلي ( 5 ) أُوضحت هذه المقاربة العقلية وطُورت من قبل أنثروبولوجيين ظهروا من تقليد أكسفورد ، ألهمُوا أصلا ، على الأقل جزئيا ، بواسطة ليفي شتراوس ، ولكن طوروا لا حقا مقاربتهم البنيوية في معارضة لمحاولة ليفي شتراوس الملحة لتعزيز نظريته الاختزالية عن التبادل . 2 – النسويـة وتبـادل النسـاء : قبل بحث التطور البنيوي لنظرية ليفي شتراوس في القرابة يجدر بنا النظر بإيجاز إلى إستعمال آخر جرى لنظرية ليفي شتراوس . لقد أشرت سلفا إلى أن نظرية ليفي شتراوس كان لها جاذبية مباشرة عند سيمون دى بوفوار ، التي فسرت نظرية التبادل بمصطلحات وجودية . وعلى أية حال ، لم يكن تعليلها الوجودى وحده هو الذي صدم سيمون دى بوفوار . الأكثر أهمية أن ليفي شتراوس كان يقدم نظرية عامة عن خضوع النساء ، عن اختزال المرأة إلى موضوع للتبادل بين الرجال ، الذي استوعبته دي بوافوار مباشرة في عملها الكلاسيكي الجنس الثاني . تكمن أصالة هذه النظرية في أن خضوع النساء ليس مفسراً للوهلة الأولى بمصطلحات تقليدية بواسطة الضرورة البيولوجية المفترضة للاختلافات الوظيفية بين الدورين ضمن العائلة النووية الشاملة : خضوع النساء له أساس اجتماعي ، في العلاقات بين العائلات ، وليس أساساً بيولوجياً ، في تقسيم طبيعي مفترض للعمل داخل العائلة . إن خضوع النساء من ثم مرتبط بنمط معين للمجتمع ، مجتمع مؤسس على حل التعارض بين الذات والآخر بواسطة التبادل . تفسر سيمون دى بوفوار بهذه الطريقة خضوع النساء كإنعكاس لحل معين للمعضلة الوجودية الأساسية للعلاقة بين الذات والموضوع ، بين الذات والآخر . إن تحرير النساء يتطلب أن تقوم النساء بالاختيار الوجودى ورفض قبول وصفهن كأخريات ، كموضوعات ، وأن يدركن بدلا من ذلك أنهن أيضا ذوات . الخضوع إذن من ثم ليس مدرجا في البيولوجيا ، إنه نتيجة " سوء الطوية " لإنكار الذات الوجودية . أخذت نظرية ليفي شتراوس في زمن أحدث في سياق مختلف نظريا الى حد ما كتكملة للنظرية التحليلية النفسية الجنسية ، وخاصة لتفسير لاكان لفرويد ، الذي يعتمد بشدة على ليفي شتراوس . المناصرة الأساسية لهذا التفسير هي جولييت ميتشل ، في كتابها ذى النفوذ التحليل النفسيى والنسوية ( 1974 ) . تعتبر ميتشل تحليل ليفي شتراوس مهما لسببين : أولاً ، لأن نظرية التبادلية تقدم نظرية للمجتمع يمكن أن تكمل نظرية التحليل النفسي للفرد ، الرابطة التى تقدم من خلال حظر إتيان المحارم وهي أساسا عقدة أوديب . ثانياً ، لأن النظرية تؤكد أنها ليست العائلة النووية ، وإنما الأشكال الكثيرة والمتعددة من علاقات التبادل بين العائلات هي التى تخلق المجتمع . وهكذا فإن عقدة أوديب ليست تعبيرا عن العائلة الأبوية البورجوازية ، كما أتهم النقاد فرويد ، ولكنها تعبير عن التبادل الذي يجعل الثقافة ممكنة في كل مجتمع ، تعبيرا يتخذ شكلا مختلفا داخل بنى عائلية مختلفة . في مجتمعنا ، حيث تبادل القريب ذو مغزى محدود ، فإن العائلة توجد في عزلة وتتخذ عقدة أوديب شكلا مكثفا ، ومتناقضا . في مجتمعات أخرى فإن عقدة أوديب واللاوعي الفرويدى يوجدان أيضا ، ولكنهما يوجدان في شكل مختلف . إستنتاج ميتشل هو أن التمييز بين الجنسين أمر شامل ، ولكنه ليس مـؤسسا على البيولوجيا ، انه تعبير عن الشمول الثقافي للتبادل ، جرى توسطه من خلال عقدة أوديب وأيديولوجية " النظام الأبوى " . النساء لسن ، من ثم ، مضطهدات من الرجال انهن مضطهدات من " النظام الأبوى " . والنتيجة هي أن تحرير النساء يعتمد على الاطاحة بالنظام الأبوى، وفي مجتمعنا توجد شروط هذه الاطاحة في التناقض بين النظام الأبوى الداخل في شكل عقدة أوديب ، والعائلة النووية التى إنتظم فيها . بالرغم من أنه ليس واضحا تماما ما هو هذا التناقض ، أو لماذا يظهر بصفة خاصة في مجتمع رأسمالي ، يبدو أن جدال ميتشل هو لسبب ما يتعلق بقانون التبادل ، وهكذا فإن النظام الأبوى قد جاوز نفعه والآن يلح كأيديولوجية يعاد إنتاجها عبر إدخالها من خلال عقدة أوديب وربما عززت بوسائل أخرى . وعلى ذلك ، فمن الممكن الآن بالنسبة للنساء أن ينخرطن في نضال سياسي للإطاحة بالنظام الأبوى ومن ثم يخلقن مجتمعا جديدا يتحرر فيه النساء . وبالنسبة إلى ميتشل فإن هذا الصراع مميز تماما عن ، ويبدو ، غير مرتبط مع ، صراع مشابه يضع طبقة ضد طبقة وسوف يتمخض عن الاطاحة بالمجتمع الرأسمالي . إن تقويم ميتشل شديد الانتقائية ، ملهم من قبل كل من دى بوفوار ولاكان والحجة ليست واضحة بالمرة . خاصة في نقاطها الأشد أهمية : فليس واضحا لماذا أصبح النظام الأبوى باليا ، الى الحد الذي يلح فيه فقط باعتباره أيديولوجية ، ولا من الواضح لماذا ، إذا كانت هذه هي الحالة ، يعيش بإعتباره أيديولوجية . ليس واضحا ماهو التناقض بين النظام الأبوى والعائلة النووية . ليس واضحا عما إذا كان النظام الأبوى هو مجرد ايديولوجية في مجتمعنا ، حتى يتطلب تحرير النساء فقط أن يتبرأن من وصمات عارهن ، أو عما إذا كان يستمر في التعبير عن علاقات إجتماعية معينة ، فيكون تغييرا اجتماعيا جوهريا أمرا مطلوبا . ليس واضحا أي شكل من الصراع ضد السيطرة الأبوية سوف يتخذ ، عما إذا كان سيكون صراعا ضد ايديولوجية السلطة الأبوية ، أو ضد حظر إتيان المحارم الذي يكمن خلف عقدة أوديب . أو ضد إخضاع النساء إقتصاديا أو سياسيا ، أو عما إذا كان سيتخذ شكل تحليل نفسي جماعي . على أية حال فإن التباسات كهذه لا تدهش مادام تقويم ميتشل متردد على نحو لا يمكن إنكاره . وقد إعتمدت التطورات اللاحقة لهذه المقاربة على لاكان مباشرة ليطور نظرية تحليل نفسي للسيطرة الأبوية . هذه التطورات ، و كذلك عمل لاكان ذاته بالفعل ، يعتمد بشدة على نظرية ليفي شتراوس عن التبادل لتبريرالدعاوى الشاملة غير المتحيزة جنسيا للتحليل النفسي ، بتقديم رابطة بين المجتمع والنفسية وباعطاء التمايز الجنسي ، أساسا ، ثقافياً ، ومن ثم متغيراً . لسوء الحظ ، أيا ما كانت جاذبية هذه الصياغة ، فليس هناك من تبرير لاستخدام نظرية ليفي شتراوس بهذه الطريقة . لا بد وأن الأقسام السابقة أسست قصور نظرية التبادلية للأغراض الراهنة . أولاً ، لقد بينت أنه ليس هناك من تبرير لدعوى أن التبادل كلي الوجود ، دع عنك أولويته ، حتى في المجتمعات التى لا تعرف الكتابة ، وليس هناك أى تبرير للافتراض المسبق بأنه حيث يجرى التبادل بالفعل فإن تبادل النساء هو الأولى . إن تبادل النساء في الزواج ، حيث يقدم الزواج باعتباره كذلك ، هو ببساطة تبادل واحد في شبكة معقدة من التفاعلات الداخلية الواقعية والرمزية التى تصادق على تحالف له على الأغلب ابعاد مهمة ، أن لم تكن أساسية من الناحية السياسية والاقتصادية والقانونية : الزواج يصادق على التحالف ، أنه لا يدفع نحوه أو يخلقه . ثانياً : ليس هناك من تبرير للزعم بأن التبادل ، أو الزواج الخارجي ( الذي يختزل التبادل إليه ) ، له أساس نفسى . التبادل هو مؤسسة اجتماعية ، حيث توجد ، تربط المجموعات الاجتماعية الواحدة بالأخرى . العائلات ، البيوت، المجموعات المحلية ، السلالات ، العشائر ، القطاعات ، الأفخاذ ، أو أيا ما كانت . ليس التبادل علاقة بين الأفراد ، بالرغم من أن عددا من الأفراد سوف تكون لهم أدوار يلعبونها في شبكة خاصة للتبادل . ليس هناك ، من ثم ، تبرير لربط مؤسسة الزواج الخارجي أو التبادل بتشكيل نفسية الفرد .
إن سلطة الرجال على النساء بصفة خاصة التي تثوى خلف حقيقة أن النساء هن اللائي يقدمن في الزواج ليست سلطة شخصية ، لها أساس سيكولوجي أو ايديولوجي ، إنها سلطة عامة تعبر عن حقيقة أن الرجال هم الذين يهيمنون على المجموعة الإجتماعية المعنية ، وهذه المجموعة هي مجموعة أكثر إتساعاً على الأغلب من العائلة النووية. ومن ثم فإننا معنيون بسلطة عامة وسياسية ، لا يمكن أن تعطى أساسا سيكولوجيا أو ايديولوجيا . ليس هناك من تبرير لاستخدام نظرية التبادل ( الزواج الخارجي ) لتأسيس رابطة بين البني الإجتماعية الأبوية والنظرية الفرويدية حول عقدة أوديب . ثالثاً ، تترتب النتيجة الأخيرة حينما نتذكرأن حظر إتيان المحارم متميز تماما عن تنظيم الزواج . ليست هذه مسألة متحذلقة ، لأن مجموعات القواعد المختلفة تؤثر على فئات مختلفة من الناس ، فئات إجتماعية مختلفة ، وسلطات مختلفة . إن هذا الانقطاع للرابطة بين الإثنتين يكسر أي رابطة شاملة ممكنة بين عقدة أوديب وتنظيم الزواج ( بالرغم ، بالطبع ، من ان ارتباطات معينة يمكن ان تفترض في مجتمعات خاصة ) . ويجب ان نستنتج ان التضمينات الأكثر عمومية التي استخرجت من هذا النوع من التحليل هي بنفس القدر بدون أساس : ليس هناك من سبب لاعتباره عقدة أوديب نقطة تقاطع النفسي والاجتماعي ، النقطة التى يكون فيها الفرد خاضعا للثقافة بينما هو مميز عنها ، ومن ثم فلا يوجد أساس للنظر إلى اللاوعي الفرويدى كنقطة الالتقاء بين نفسية الفرد والأنظمة الرمزية الجماعية للثقافة والأيديولوجيا ، وترتيبا على ذلك ، ليس هناك أساس لاستخدام نظرية ليفي شتراوس للتبادل كوسيلة لتوسيع تطبيق نظريات التحليل النفسي الفرويدى من النفسية الى الثقافة والأيديولوجيا ، كما حاول مؤخرا هؤلاء الذين طوروا هذه المقاربة متابعين إلهام ميتشل ولاكان وأخيرا ليس هناك تبرير لا ستخدام نظرية ليفي شتراوس عن التبادل لإنقاذ نظرية فرويد عن النفسية من شحنات التعصب للذكور والإثنية المركزية . بإختصار لا يمكن لليفي شتراوس أن يزود فرويد بطوق نجاة . إذا عدنا في الواقع الى نظرية ليفي شتراوس الخاصة عن التبادلية ، يمكن أن نرى بعيدا عن إنقاذ فرويد من التعصب للذكور فإن نظرية ليفي شتراوس متعصبه للذكور بكل ما في الكلمة من معنى . لا يؤكد ليفي شتراوس بالمعنى المبتذل أن الرجال دائما هم الذين يتبادلون النساء ( إذا كان التبادل تفسيرا محرفا ) بشكل لا واع في الأنظمة فليس هناك من سبب يدعو ألا نفسرها كأنظمة تتبادل فيها النساء الرجال بلا وعي : ان خضوع النساء للرجال ليس كامنا في بني الأنظمة ، التي تتماثل تماما وإنما في تطبيقها . ان نظرية ليفي شتراوس متعصبة للذكور حتى ان تفسيره لشمولية التبادل تفرض مسبقا خضوع النساء في العائلة الأبوية كظاهرة سابقة على التبادل ، ومن ثم سابقة على الثقافة . وهكذا ، على النقيض من تفسير ميتشل ، يفسر ليفي شتراوس حقيقة أن الرجال هم من يتبادلون النساء بالمعنى البيولوجي ، وهو يعتبر بالفعل ان النساء كائنات ماقبل اجتماعية . تتشكل الحاجة إلى التبادل عند ليفي شتراوس من التوترات التى يحدثها الميل التعددي عند كل الرجال ، وحقيقة أن كل منهم يشتهي نساء جيرانه . التبادل ضرورى لأن النساء هن ذخر رمزى ومادى للرجال . ومن ثم فإن ضرورة التبادل ، وكذلك امكاناته تعتمد على حقيقة أن الرجال لهم بالفعل سلطة على النساء ، ويُكمل ذلك ان حاجات النساء يجرى تجاهلها تماما : فالنساء لا يشعرن بميل تعددى قوى . ولا هن يشتهين رجال جيرانهن ، وهن لسن في حاجة الى تبادل الرجال لتحقيق الاندماج الاجتماعي . وهكذا بينما يندمج الرجال في المجتمع من خلال التبادل ، الذي تظهر فيه النساء فقط باعتبارهن موضوعات تبادل . فإن النساء يندمجن في المجتمع من خلال إسهامهن في العائلة النووية المكونة طبيعيا . تتطلب حاجات الرجال السيكولوجية تأسيس المجتمع ، بينما يمكن للنساء ان يرضين داخل العائلة البيولوجية . أضف الى ذلك أنه لا يمكن أن يزعم ان هذه الحاجات السيكولوجية هي نتاج المجتمع الأبوي ، لأن شمولية السيطرة الأبوية إذن لن تكون مفسرة . انها تلك الحاجات السيكولوجية الكامنة التي تفسر شمولية السيطرة الأبوية . التضمين هو أنه إذا كانت السيطرة الأبوية تستجيب لحاجات سيكولوجية شاملة فإنها من ثم ضرورية . بالنسبة الى ليفي شتراوس ، من ثم ، الحجة بأنها العلاقات بين العائلات وليست العائلة ، هي أساس المجتمع ليست حجة تحرر النساء ، انه يرد خضوعهن لما قبل الاجتماعي . توجد العائلة النووية قبل المجتمع ، وتؤسس في العائلة العلاقات بين الجنسين إرتكازا على التقسيم الطبيعي للعمل . ينبثق المجتمع فقط من خلق العلاقات بين العائلات ، وهي العلاقات التى لا تسهم فيها النساء ولكن التى يخضعن لها . من ثم فإن العلاقة بين الرجال والرجال اجتماعية و العلاقة بين النساء والرجال طبيعية ، والعلاقة بين النساء والنساء متجاهلة . ليفي شتراوس واضح وغير مشوش . " تماما بنفس الطريقة التى يؤسس بها مبدأ التقسيم الجنسي للعمل اعتمادا متبادلا بين الجنسين، مضطرا إياهم بذلك إلى أن يخُلدوا أنفسهم وأن يؤسسوا عائلة ، فإن حظر إتيان المحارم يؤسس اعتمادا متبادلا بين العائلات ، مضطرا إياهم حتى يخلدوا انفسهم ، ان ينشئوا عائلات جديدة " . ينتمي المجتمع الى مجال الثقافة بينما العائلة هي صدور ، على المستوى الاجتماعي ،عن تلك المتطلبات الاجتماعية التى بدونها لن يكون هناك مجتمع ، وبالفعل لن تكون هناك بشرية . (6) 3 – مـن البنـي إلـى البنيـويــة : إن البني الأولية للقرابة مؤلف مشوش للغاية ومضطرب بعمق ، ويرجع هذا ، على الأقل جزئيا ، لأنه موسوم بالتعايش غير السهل بين كل من التفسير السوسيولوجي والعقلي لأنظمة القرابة . ونستطيع بشكل إستعادى فقط على ضوء التطور اللاحق لفكر ليفي شتراوس والحركة البنيوية ، أن نرى هيمنة التفسير العقلى ، ومن ثم ننظر إلى البني الأولية كمؤلف انتقالي . إن البنيوية مؤسسة على رفض أي نوع من " الاختزالية " يفسر معنى الأنظمة الرمزية بالاحالة إلى أي شئ وراء هذه الأنظمة ، سواء كان بواسطة الاحالة إلى أساس ما طبيعي أو اجتماعي أو الى معنى ما سابق واع أو غير واع . تحاول البنيوية ان تطور تحليلا موضوعيا للمعنى يرفض ان يذهب ماوراء المعطيات المباشرة . انه يبحث من ثم معنى الأنظمة الرمزية من خلال تحليل محايث تماما يعتبر فقط العلاقات الداخلية المؤسسة بواسطة النظام ، والذى يستبعد من الاعتبار أي محتوى محدد خارجيا . وحتى نرى كيف تؤدى بنا النزعة العقلية التي قدمها ليفي شتراوس في البني الأولية إلى البنيوية فإنه من الضرورى ان نعود الى مفهومه عن المجتمع وعن طبيعة علم الإجتماع ، لأن هذا قد تغير عبر التطور من التحليلات المبكرة للتبادلية الى المقاربة التالية في البني الأولية . كانت التحليلات الأولى للتبادلية ، والفصول القليلة الأولى من البني الأولية ، معنية بإكمال المورفولوجيا الإجتماعية الدوركايمية : لقد كانت معنية بإكتشاف الأسس السيكولوجية لآليات التوزيع وإعادة التوزيع التى جعلت من الممكن للبني الإجتماعية المستقرة ان توجد . إن بني التبادلية هي شبكات العلاقات الاجتماعية بين المجموعات التأسيسية المشتركة بالمجتمع . وهكذا ، بالربط بين ( مؤلف ) دوركايم التقسيم الاجتماعي للعمل . و ( مؤلف ) موس الهدية يستطيع ليفي شتراوس أن يموضع الدعامات السيكولوجية للتضامن الآلى عند دوركايم ، فلم يعد هذا مؤسسا على الرهبة اللاعقلانية التي يلهمها المجتمع للعقل البدائي ، وإنما يرتكز على تقدير عقلي تماما للمنافع المادية والسيكولوجية للعيش في مجتمع مؤسس على التبادلية . على أية حال فإن كتلة البني الأولية ليست عن مثل هذه البني الواقعية للتبادلية على الإطلاق . إنها عن أنظمة تمثيلات القرابة المتجسدة ، قبل كل شئ ، في نظام المصطلحات التى يتخاطب بها القريب وقريبة . وهذا بسبب تحول إهتمام ليفي شتراوس من الوظيفة السوسيولوجية للتوزيع الى الأساس السيكولوجي لأنظمة القرابة الذي ، يفترض ، ان يشبع حاجة سيكولوجية للأمان بواسطة تمثيل الزواج رمزيا كتبادل . وفور أن تحول الإنتباه الى الرمزى يصبح غير ذى موضوع ما إذا كان التبادل يجرى بالفعل أم لا . مايهم بالنسبة للتضامن الاجتماعي هو ان اعضاء المجتمع يظنون ان علاقاتهم تبادلية . ومن وجهة النظر هذه فإن المهم ليس الحقيقة الموضوعية للتبادل ، ولكن معنى فعل التبادل بالنسبة للفرد الذى إنخرط فيه . وما يعطى الفعل معناه كتبادل ليس الحقيقة الموضوعية للتبادل ، ولا قرار فردى واع لمعاملة الفعل كتبادل وإنما نظام التمثيلات الاجتماعية الذي أُدخل ضمنه . إن دراسة نظام التمثيلات تكشف من ثم المعنى الحقيقي والموضوعي للأفعال الاجتماعية . معنى ربما يهرب من وعي الذين انخرطوا في النظام . وفي تحويل انتباهه الى الأنظمة الرمزية للتمثيلات فإن ليفي شتراوس يتبع الطريق الذى خطاه سابقا دوركايم ، الذى أظهر مؤلفه ايضا اهتماما متزايدا بالأخلاق ، باعتبارها معارضة للبعد المادى للمجتمع . يرفض ليفي شتراوس نزعة سيكولوجية يمكن تفسير البني الاجتماعية وفقا لها كنتاج للتفاعل الداخلي للأفراد ماقبل الاجتماعيين . فالأفراد يوجدون بالفعل ضمن المجتمع وأعمالهم لها دلالة اجتماعية فحسب الى المدى الذي تكون قد تكاملت فيه مع النظام الاجتماعي . هذا النظام الاجتماعي هو نظام رمزى ، والمجتمع فقط هو الذي يمكن ان يقدم الموارد الرمزية التى تجعل من الممكن لفعل الفرد أن يكتسب معنى . وهكذا فإن الفعل الفردي يعبر عن النظام المفهومي الذي يعطيه معنى ، وهو منظم بقواعد صيغت بمفهوم هذا النظام : إن الزواج مفروض مع فئات معينة من الأقارب . يصبح الفرد فردااجتماعيا فقط بواسطة جعلة اجتماعيا داخل الاطار ، والفعل الفردى اجتماعي الى المدى الذى يتكيف فيه بواسطة هذا الاطار . من ثم فإن الفعل الفردى له دلالة اجتماعية فقط الى المدى الذي يعبر فيه عن نظام التصنيف وقواعد السلوك المرتبطة الجارية في المجتمع . ليس لإنحرافات السلوك الفردى عن قيود النظام أية دلالة سوسيولوجية ولكنها مجرد أعراض مرضية لإقحام الاعتبارات العرضية غير الاجتماعية . إن نظرية ليفي شتراوس في هذه الجوانب دوركايمية تماما : الفعل الاجتماعي هو نتاج قواعد مقيدة خارجيا تتحرك ضمن نظام جماعي من التمثيلات تفرض نفسها على الفرد . ومهمة السوسيولوجيا دراسة الأنظمة الجماعية التى تتوسط بين الفرد والعالم بتكييف وإعطاء معنى لأفعال الفرد . هذا المعنى عند كل من دوركايم وليفي شتراوس ، هو معنى موضوعي ، كامن في أنظمة التمثيلات ، ومختلف تماما عن الادراك الواعي للفرد لمعنى الأفعال موضع البحث . يفترق ليفي شتراوس عن دوركايم فقط حين يصل الى مسألة وضع أنظمة التمثيلات . تتضمن هذه الأنظمة عند دوركايم واقعا منقطع النظير يقف خارج الفرد ويفرض نفسه على الفرد بسلطة لا عقلانية . إن على أنظمة التمثيلات أن تُفسر ليس بوصفها إنبثاق نفسية فرد تجريبي أو تكويني ، ولكن كمظاهر " للعقل الجمعى" ، الذى يفسر بالاحالة الى البنية الاجتماعية التى تقدم مادة طبقتها التحتية والتى يخدم حفظها في تأكيدها . وهكذا فإن البنية الاجتماعية والتمثيلات الرمزية عند الدوركايمين يجب أن تبحث في علاقة الواحدة بالأخرى ، كما في جملة بوجلي . جسم وروح المجتمع . ان نظام التمثيلات عند ليفي شتراوس بالرغم من أنه جماعي ، موضوعي ، ووراء الوعي ، يمكن أن يوجد فقط داخل عقل الفرد ، وخاصة في اللاوعي ويمكن أن ينال فقط السلطة ( العقلية ) للاوعي . وهذا يعنى ان البنية الاجتماعية بالمعنى الدوركايمي لنظام العلاقات الاجتماعية بين المجموعات المشتركة ينتمي الى نظام مختلف تماما من الواقع عن أنظمة التمثيلات والإثنان لا يمكن أن يربطا مباشرة الواحد بالآخر . العلاقة بين البنية الاجتماعية ونظام التمثيلات يجب بالنسبة لليفي شتراوس أن يجرى توسطها بواسطة عقل الفرد . والتضمين هو ان البنية الاجتماعية تعبير فحسب عن نظم التمثيلات لأن البنية الإجتماعية هي ببساطة نتاج سلسلة من الأفعال الفردية التى كُيفت وأعُطيت معنى بواسطة أنظمة التمثيلات . البنية الاجتماعية من ثم هي اسقاط للأنظمة الرمزية المتضمنة في نفسية الفرد وليس لها واقع منقطع النظير Sui generis . إنه من ثم من المستحيل أن نجرب سيكولوجيا للتمثيلات الرمزية مادام لا يوجد مجتمع خارج تمثيلات كهذه . وهكذا يصبح علم الاجتماع دراسة أنظمة التمثيلات وتختفي المورفولوجيا الاجتماعية الدوركايمية من المشهد . إذا كان المجتمع نظاما رمزيا فلا يمكن عندئذ ان يكون هناك واقعا اجتماعيا وراء الأنظمة الرمزية التى تعطى معنى للوجود الاجتماعي . هذا المعنى يجب من ثم أن يكون كامنا في مثل هذه الأنظمة الرمزية ، معنى موضوعي لا يمكن أن يختزل الى أي شئ خارجي بالنسبة لهذه الأنظمة ، سواء كانت طبيعية خارجية أو بنية اجتماعية خارجية ، من جانب ، أو الى إدراك واع لهذه الأنظمة من جانب آخر . إن معنى النظام الرمزى غير قابل للإختزال .وهكذا على سبيل المثال ، لا يمكن أن تختزل ظواهر القرابة الى علاقات القرابة البيولوجيـة ، ولا الى علاقات حقوقية أوعاطفية . انها ظواهر ثقافية تحل فيها العلاقات الرمزية ، التى هي محتواه فقط فيها ، ومن خلال نظام قرابة ، محل العلاقات الطبيعية . وهكذا توجد القرابة فقط ضمن نظام قرابة يؤسس الاختلاف الثقافي ذا المعنى للأقرباء ، انه فقط على أساس هذا النظام الرمزى يمكن أن يكون للقرابة أى واقع موضوعي ، من ناحية ، أو معنى ذاتي ، من ناحية اخرى . الاعتقاد بأن الظواهر الاجتماعية والثقافية لها معنى موضوعي ، مستقل عن أي تفسير ذاتي أو عن أي سياق بيئى خارجي ، اجتماعي أو ثقافي له تضمينات أساسية . إذا كانت الأنظمة الرمزية توجد وتكتسب معنى مستقلا عن سياقها أو عن تطبيقها ، نكون عندئذ قد عزلنا نظاما موضوعيا من الواقع ليتعالى على الفرد ، ولكنه غير قابل للاختزال الى الطبيعه . تتوسط هذه الأنظمة الرمزية بين الأفراد ، وبين الفرد والطبيعة ، وهكذا يمكن فقط من خلال هذه الأنظمة أن يرتبط الفرد بالآخرين أو بالطبيعة . بإختصار تحتوى هذه الأنظمة الرمزية المجتمع ، المجتمع السابق على ، والمستقل عن الأفراد الذين يكونونه وهي وحدها التى يمكن أن تعطى معنى وإرشادا لفعل الأفراد البيولوجيين . الاعتقاد بأن من الممكن عزل الأنظمة الثقافية التى لها معنى موضوعي يؤدى مباشرة الى مفهوم المجتمع الذى تتبناه البنيوية ، كسلسلة لأنظمة التمثيلات التى توجد باستقلال عن ، وسابقة على أفعال وإعتقادات الفرد . أي مجتمع خاص هو ببساطة نتيجة لتطبيق هذه الأنظمة وقواعد السلوك المرتبطة فى وقت وزمان معينين . إنه تعبير كامل لهذا الحد أو ذاك لأنظمة التمثيلات ،وتتمخض النواقص عن الاخفاقات العرضية لتطبيق النظام بصواب لسبب أو لآخر . توجد أنظمة التمثيلات المستقلة ذاتيا هذه بإستقلال تام عن تطبيقها، وهى يمكن ان تدرس حتى إذا لم تكن قد طبقت أبدا ، وهي تستمر في الوجود حتى إذا كانت المجتمعات التى مارستها قد اضمحلت . من ثم يمكن للأنثروبولوجي أن يدرس المجتمعات حتى بعد ان تكون قد اندرست ، أو يمكن ان يدرس المجتمعات من بعيد على اساس تقارير الناس الآخرين الإثنوجرافية ( تلك السمة الدوركايمية للامبالاة بالعمل الميداني هي التى تصدم للغاية الأنثروبولوجيين الأنجلو ساكسون ) . إنها أنظمة التمثيلات التي تحدد الاجتماعي ، انها الواقع الاجتماعي الحقيقي الوحيد وفي دراستها يمكن ان ندرس الاجتماعي غير المشوش بفعل التأثير العرضي للتشوهات الناجمة عن عوامل جغرافية ، وديموغرافية ، وسيكولوجية ، أو التاريخية العرضية ، فنظام التمثيلات يقدم نظاما ثابتا لا زمانيا يكمن وراء مختلف تعبيرات هذا النظام في مجتمعات معينة في أزمنة معينة ، وهكذا فإن المجتمع في التحليل الأخير ، حيث ينظر إليه مجردا بمعزل عن التأثيرات التى لا علاقة لها ، مركب من سلسة من الأنظمة المفهومية ، الأكثر أساسية من بينها في المجتمعات التى لا تعرف الكتابة تصنيف الأقرباء ، وسلسلة مرتبطة من قواعد السلوك أكثرها أساسية قاعدة التبادلية . إن تماسك هذا المفهوم للمجتمع ، والميزة التي تمنحها دراسة الأنظمة المفهومية ، تعتمد كلية على الإعتقاد بأن مثل هذه الأنظمة المفهومية ، يمكن ان تعزل وان معناها الموضوعي يمكن أن يؤسس علميا . حين تُقَّوم صلاحية المشروع البنيوي فهذه العقيدة هي التي يجب أن نضعها موضع الإختبار . إن أنظمة التمثيلات التي تكون المجتمع هي أنظمة مثالية بمعنى مزدوج ، أولاً فإن لها واقعا سيكولوجيا خالصا ، يوجد في لاوعى كل فرد موجها سلوك الفرد بقوة قيد لا واع . إنها يجب من ثم أن تفسر كتعبير عن خصائص معينة للعقل الإنساني ، وبالنسبة إلى ليفي شتراوس ، تقدم دراسة هذه الأنظمة طريقا لدراسة العقل الإنساني ، ثانياً توجد أنظمة التمثيلات بإستقلال عن أى تظاهره خاصة في وعي أفراد معينين أو ممارسة مجتمعات معينة . كل مثل نوعي للنظام سوف يفسد في الحقيقة ويشوه بمختلف عوامل العرضية التي ينبغي ان يتجاهلها المحلل . هذا له تضمينات منهجية هامة لأنه يعنى ان المحلل لا يدرس أمثلة خاصة للأنظمة موضع البحث وإنما المثل النموذجي ، الشكل الخالص ، أو " النموذج " في مصطلح ليفي شتراوس للنظام . وهكذا فإن الدعوى المعادة للبنيويين هي أنهم لا يدرسون الواقع ، أنهم يدرسون النماذج التي هي نوع من موضوع منقى . ويقوم هذا سندا للإبيستمولوجيا المميزة للبنيوية التى جودل فيها بأن موضوع أى علم هو موضوع نموذجي ، لايجب أن يخلط بأى موضوع خاص تجريبي . وهكذا ، على سبيل المثال ، لاتشغل نظرية القرابة نفسها بتمثيلات أنظمة القرابة التي أخبر عنها أفراد معينون ، لأن هذه التمثيلات الواعية ربما تخفق في ان تتوافق مع واقع النظام الأعمق اللاواعي . ولا تشغل النظرية نفسها بتطبيق الأنظمة في مجتمعات معينة ، حيث سيكون على العوامل الجغرافية ، والديموغرافية ، أو السيكولوجية أو التاريخية ان تشوه الأنظمة العاملة . هذا النوع من الجدال له مكانة محترمة تماما داخل فلسفة العلم . بالفعل فإن فكرة أن النظريات مؤسسة تماما على التطوير الاستنباطي للدعاوى الفرضية هو قانون إيمان CREDO للوضعية الحديثة . لم يدرس نيوتن على سبيل المثال التفاحات الساقطة . لقد درس نيوتن سلوك الكتل النقطية للأجسام ذات الإمتدادات المقتربة من الصفر . ليس فقط الكتلة النقطية هي موضوع نموذجي ، إنها موضوع ليس من المحتمل أن يوجد ، لأن المفهوم ذاته متناقض ذاتيا ، ان نظرية نيوتن ، مثل أى نظرية بالنسبة للوضعية الحديثة ، هي من ثم نظرية مثالية تستنبط خصائص الكتل النقطية وهي موضوع نموذجي من مسلمات بديهية أساسية معينة . ليست هذه نظرية تعتمد صلاحياتها على وجود الكتل النقطية ، انها نظرية صالحة عالميا ولا شك فيها لأنها نظرية إستنباطية توجد بإستقلال عن أى إحالة إلى الواقع . إن تطبيق النظرية ، وكذلك فائدتها العلمية ، هي مسألة مختلفة تماما بالنسبة للوضعية . يمكن لأى أحد أن يطور نظريات موضوعات نموذجية الى ما لا نهاية . ولكن يمكن له ان يزعم ان لهذه النظريات قيمة علمية إذا كانت تقول لنا شيئا عن العالم الذى لن نعرفه بدونها . وعلى ذلك تخص المشكلة بالنسبة للوضعية ترجمة لغة النظرية الى لغة الملاحظة التي يمكن ان تؤسس الروابط بين النظريات الاستنباطية والعالم الخارجي . أثبتت المشاكل التى إثيرت بهذه المحاولة انها لا تذلل ولم توفق الوضعية في صياغة أية معايير مُرضية يمكن بها تقييم النظريات البديلة . المشكلة المركزية هي تلك التى تخص تأسيس معايير يمكن ان تكون قوية بما يكفي لرفض نظريات تعتبر أنه لاتطبيق لها ، وحيثما لا تكون قوية بما يكفى هناك نظريات تعتبر ذات قيمة علمية ترفض . الخلاصة أن كثيرين قد أستخلصوا من إخفاق الوضعية في إنجاز هذا أنه من المستحيل الحكم بين النظريات على أسس تجريبية . إن تقييم النظريات يصبح شيئا لا عقليا تماما ( فايرباند ) وقرارا إعتباطيا لمجموعة من العلماء ( كون ) أو النتيجة الموضوعية للمنطق العقلاني للتطور ( بوبر ) . البديل الذى تبنته البنيوية هو رفض نسبي لتقييم النظريات بالاحالة الى الواقع ، وهكذا مالت البنيوية الى تبنى الشعار العقلاني " إنقذوا النظرية " كمعارضة للشعار التجريبي القديم " إنقذوا المظاهر " : إن مهمة العالم هي تنقية منطق النظرية ، صياغتها وتبديهها ، لخلق نظرية منطقية مغلقة لموضوع نموذجي لا يهتم بالتطابق بين هذا الموضوع وواقع أسطورى . إن نظرية ملائمة هي التي يمكن ان تقدم اطارا متماسكا ومنطقيا للخطاب ، ان مهمة العلم ليست ان يخلق نظرة للعالم حقيقية ، وإنما أن يخلق نظرة للعالم تكون بلا تناقض . وهكذا فإن الوضعية محفوظة بتحولها الى شكل من العقلانية . من وجهة النظر هذه فإن نظرية ليفي شتراوس عن القرابة تضع العلوم الإنسانية على أساس علمي وحقيقي بتزويدها بموضوع غير فاسد بتلوث تحيز الأيديولوجيا ، أو الحس العام ، أو التمثيلات الواعية ، التى تفسد حتما الموضوعات التجريبية الخالصة للحياة اليومية . على أية حال ، فإن الفصل البنيوي المنهجي للموضوع المثالى ، رغم أن له قابلية سطحية للتصديق حين يرى في سياق إخفاقات الوضعية الأقدم ، له مخاطر شديدة كامنة فيه ., إن فصل النموذج عن الواقع يمكن أن يقدم في هيئة مبدأ منهجي أداة تخدم في حفظ سلامة نظرية تبدو قابلة للدحض الى حد بعيد بالشواهد التجريبية . يمكن لليفي شتراوس بالتأكيد أن يطور نماذج لأنظمة القرابة التى يمكن أن يرى فيها الزواج كتبادل منتظم . على أية حال بالنسبة الى معظم الناس فإن مثل هذه النماذج سوف توصف بأنها معرفة إذا كانت تتوافق على نحو مامع واقع خارجي . ولا تتمتع نماذج ليفي شتراوس بمثل هذا الوضع ، لأنها ليست ، بصفة عامة ، متسقه مع الواقع المتضمن فى التقارير الإثنوغرافية التي يعتمد عليها ( التي هي قريبة بقدر ما يمكن أن نصل إلى الواقع ) . لحماية النماذج من مثل هذا التلوث فإنه يزعم أنها توجد غير مختبرة وغير قابلة للإختبار في اللاوعي . إن قراءة التوسير ، الاعراضية ، لماركس ،تحظى بنفس الوضع : لم يزعم التوسير أن ما كتبه ماركس يتوافق مع قراءة التوسير لماركس ، لأن التوسير كان يصف " إشكالية " كان ماركس فى مرحلة تطويرها ، حيث تمكن فقط من التعبيرعنها بقصور والتى لم تفته تماما . وبمقدار ما تطور التوسير أصبح لإشكالية ماركس صلة أقل فأقل مع عمل ماركس : في البداية عبرت عن نفسها في كتابات ماركس بعد منتصف 1840 ، ولكن فيما بعد توصل التوسير الى الزعم بأنها لم توجد حتى في رأس المال وهي تظهر بإيجاز في أعمال 1880 . إن " إبيستمات " فوكو لا تختلف : إن فوكو لا يدعي مناقشة فكر أناس معينين أو مجموعات إجتماعية معينة ، إنه يناقش نظاما للفكر هو موضوع نموذجي ، جرى التعبير عنه بقصور وبشكل ناقص في عمل مفكر معين . ومن ثم فإن جدالات فوكو لا يمكن أن تعارض بالزعم بأن فكر مفكرمعين لا يتوافق مع الموضوع النموذجى مع: " الابستمى " ، لأن هذا لا يظهرأن فوكو قد شخص الابستمى بقصور ، إنه يبين أن المفكر موضع البحث هو الذى عبر عنه بقصور . وفي أيدى بنيوية فإن التطور العقلاني للوضعية هو الأساس الذى جعلت عليه النظرية الحكم على البرهان وليس العكس . بالفعل بالنسبة الى ليفي شتراوس هذه فضيلة كبرى للبنيوية ، لأن البنيوية قادرة على إنتاج حقائق جديدة وتصحيح البرهان القديم ، بدون المغامرة بالدراسة . ( 7 ) هذه المنهجية البنيوية غاية في القوة لأنها تجعل أي نظرية مقترحة غير قابلة للدحض بصراحة لسبب بسيط هو أن النظرية لا تدعي كونها عن أي واقع معين قابل للتعرف عليه ، وإنما أنها نظرية للأنظمة اللاواعية التي تكمن خلف الواقع وأن هذا الواقع يعبر عنه فقط بقصور وبشكل ناقص . المشكلة التي تواجهنا بها مثل هذه المنهجية دائما بسيطة : ما هي قيمة نظرية علمية تعطينا معرفة غير مشكوك فيها بموضوع لايوجد على وجوده وخصائصه ، ولا يمكن أن يوجد أي دليل مستقل أيا كان ؟ يمكن أن نذهب أبعد من هذا ونسأل الى أي مدى من الممكن اكتشاف أي معنى موضوعي كامن في أي نظام رمزى ، واقعيا كان أم مثاليا . يقودنا السؤال الى بحث الميزة التى تعزوها البنيوية الى البنية الشكلية للأنظمة الرمزية ، التي يشتق منها المذهب إسمه وبلغة يبرر بها منهجه الخاص في التحليل . إذا كانت الأنظمة التى تفحصها البنيوية هي أنظمة موضوعية للمعنى ، عندئذ يجب أن يوجد هذا المعنى بإستقلال عن أي إدراك ذاتي لهذا المعنى ، ويجب أن يكون كامنا في هذه الأنظمة . لا يمكن للمعنى ، من ثم ، أن يشتق من أي محتوى خاص قد يكون لدى النظام . والتضمين هو اننا حين نتجرد من كل المحتويات الخاصة ، فإننا نترك مع العلاقات الشكلية الداخلية للنظام . وهكذا فإن محاولة إكتشاف معنى موضوعي ، إذا جرت مواصلتها منطقيا تُحلل الأنظمة اللي بنيتها الشكلية . يتأتى هذا في نظرية ليفي شتراوس للقرابة من نظرية التبادلية ، لأن التبادلية بصفة أساسية مبدأ بنيوى ، وهذا يعنى فورا أن ليفي شتراوس معنى بخصائص أنظمة القرابة أيا ما كان محتواها الظاهر ، هذا المعنى موضوعي لأنه من المفترض ، أنه كامن في النظام ومستقل عن أي تفسير خاص أو تطبيق للنظام . يقود البحث عن معنى موضوعى بشكل يتعذر إجتنابه الى البنية الشكلية للنظام . السؤال الأساس الذى ينبغى علينا أن نسأله للتحليلات الموضوعية المفترضة للبنية هو ما إذا كان يمكن فصل الشكل بهذه الطريقة عن محتوى النظام ، وأفترض كأساس لمعنى موضوعى ، أو بدلا عن ذلك ما إذا كان الشكل والمحتوى غير قابلين للفصل ، حتى أنه لا توجد بنية شكلية بمعزل عن محتوى النظام . بالرغم من غلافة السوسيولوجي فإن البني الأولية يحتوى بالفعل على كل " موتيفات " البنيوية . يؤسس ليفي شتراوس في البني الأولية عددا من " البني الأولية للقرابة " ، التي تمثل ترتيبات بنيوية مختلفة لمصطلحات القرابة ، بواسطة الاستنباط من مبدأ التبادلية وهو ينطلق بعدئذ في محاولة توفيق نماذجه مع المعطيات التجريبية ، وبالفعل يستخدم نماذجه في تقييم المعطيات ، مفسرا الاختلاف بين نموذجه وبين المعطيات بالإحالة الى العوامل التاريخية والديموغرافية والسيكولوجية العارضة . إن أنظمة القرابة والزواج التى درسها ليفي شتراوس في البني الأولية لا تقدم فقط موضوعا يختبر به المنهج البنيوى ،بل إنها تقدم أيضا وسائل النفاذ الى الحقيقة المطلقة للإنسانية ، ومن ثم أساس الفلسفة البنيوية . إنها أنظمة القرابة والزواج ، التى تمثل في المجتمعات التى لا تعرف الكتابة على الأقل ، مفتاح الشرط المتوسط بين الفرد والمجتمع ، التي تمكن دراستها في نفس وذات الوقت من أن تكشف لنا المعنى الأعمق والأصدق للوجود الإنساني . وتقدم المفتاح لتفسير الظواهر الإجتماعية بكشف الخصائص الأساسية للعقل الإنساني الذى يجعل المجتمع ممكنا . وهكذا فمن خلال دراسة القرابة والزواج يحاول ليفي شتراوس أن يؤسس فلسفته على أساس علمي ، ليكتشف من خلال الأنثروبولوجيا المعنى الحقيقي للوجود الإنساني . الأفكار الأساسية للفلسفة التي تنبثق وتؤخذ وتطور ليس في عمل ليفي شتراوس التالى فحسب ، ولكن من خلال الحركة البنيوية ايضا . وبالنسبة الى ليفي شتراوس فإن نظام التصنيف هو الذى يوحد الذات مع الواقع الموضوعي . على أية حال الذات والواقع ليس لهما وجود ذو معنى بإستقلال عن الإطار التصنيفي الذى يمكن له وحده أن يعطى للعالم معنى بالنسبة للذات ، ويعين مكانا للذات في العالم . وقبل المخططات المفهومية هناك مجرد طبيعة غير متميزة فيها الأفراد البيولوجيون جزء غير متميز . وهكذا لايتوسط المخطط المفهومي بين ذات ماقبل موجودة وواقع خارجي بالفعل .ويقدم المخطط المفهومي وحدة التمييز بين الذات والموضوع بين الثقافة والطبيعة . إن ميلاد الثقافة هو إنبثاق أنظمة التصنيف التى تعارض الذات بالموضوع وتخلق مكانا للفرد الإجتماعي في عالم من التمثيلات الرمزية . التعارض بين الذات والموضوع ، الفرد والمجتمع ، الثقافة والطبيعة التي بليت بها الفلسفة الغربية والعلوم الانسانية المنبثقة هو تعارض تخيلى خلق بواسطة المخطط المفهومى ، " الإشكالية " أو "الابستمية" التى تسود أنظمة الفكر لدينا . بالرغم من أن المخطط المفهومى ، له أساس سيكولوجى ، فإنه يوجد مستقلا عن ، وسابقاً على ، الذات أو الواعى الذاتى : توجد الذات الإجتماعية فقط فى المكان المعين له أو لها بواسطة المخطط المفهومى ، الذات من ثم ، ووعى الذاتية ، هما نتاج المخطط المفهومى " أثر للبنية " وليس بأى معنى خالقها . الذات ليست ، من ثم، واقع يوجد سابقا على المخطط المفهومى : كل ما يوجد قبل المخطط المفهومى هو الفرد البيولوجى . الذات هي مفترض رمزى وبإعتبارها كذلك يمكن أن تكون فقط تعبيرا عن نظام موضوعى للمعنى سابق على الذات . هذا هو لب " موت الذات " عند البنيويين . إنه أساس إعادة تفسير لاكان لفرويد وبحث فوكو والتوسيرعن إشكالية الذات ، التى تسود الفلسفة الغربية أو البورجوازية . إنها تشتق مباشرة من تحليل ليفى شتراوس للقرابة ، ولكن خلف ليفى شتراوس يقف كما هو الحال دائما دوركايم ، الذى إتخذ كتابه تقسيم العمل فى المجتمع فكرته الرئيسية ظهور الفردية كمفترض إجتماعى. لا يفترض المخطط المفهومى الذات فحسب وإنما واقعا ، حُدد بإعتباره خارجيا بالنسبة للذات . المخطط المفهومى هو من ثم ليس مفترض الذات الخالقة ، ولا يمكن له بأى معنى أن يعبر عن واقع مستقل ، لأن واقعا مستقلا يوجد فقط داخل المخطط المفهومى . المخطط المفهومى إعتباطى بصفة أساسية ، لا يعبر عن شئ سوى نفسه والقيود العقلية التى تكمن تحته فقط . التضمين هو أن المفهوم التخيلى ، الأيديولوجى للذات الذى يسود فكرنا ليس تعبيرا عن واقع الذاتية ، عن حرية وإستقلالية الفرد فى المجتمع البورجوازى . هذه الحرية والإستقلال هى تعبير رمزى ، وأسطورى خالص عن ذاتية زائفة . هذه الأسطورة خطرة بصفة خاصة وطريقة مضللة للحياة فى العالم لأنها تعكس العلاقة الحقيقية بين الذات والبنية . يمكن أن يوجد كل من المفهوم البنيوى للمجتمع بإعتباره سلسله من الأنظمة الرمزية ،ومنهج التحليل البنيوى للموضوعات النموذجية وللبحث الذى يقتصر على العلاقات الداخلية لمثل هذه الموضوعات ، والفلسفة البنيوية التى ترى الأنظمة الرمزية بإعتبارها سابقة على كل من الذات والموضوع ، ومن ثم الأنظمة الرمزية بإعتبارها الواقع الحقيقى الوحيد ،بشكل جنيني فى البنى الأولية للقرابة . بهذا المعنى فإن البنى الأولية هو العمل الذى يؤسس أسس البنيوية . حيث طور فيه المفهوم البنيوى للمجتمع ، المنهج البنيوى ، والفلسفة الإنسانية البنيوية ، جميعها للمرة الأولى . من ناحية أخرى فإن كلا من أصالة وإنجازات البنى الأولية محدودة للغاية . تشتق " بنيوية" البنى الأولية فى النهاية من محاولة تحقيق تجذير عقلانى لسوسيولوجيا دوركايم الوضعية ، إن محاولة كشف الأنظمة الموضوعية للتمثيلات وتعيين معناها اللاواعى هو فشل ذريع . تعتمد البنيوية فى جذورها كلية على الإدعاء بإن أنظمة التمثيلات التى تدرس هى أنظمة متميزة من الواقع يمكن أن يكتشف معناها موضوعيا . يرى المجتمع كنظام من التمثيلات الرمزية لأن هذه تعتبر أنها سابقة على ، وأكثر أساسية للغاية من، الموضوع الذى تمثله أو الذات التى يمثل لها. هذه الميزة المعزوه الى أنظمة التمثيلات فوق وعى الفرد والواقع الخارجى تعتمد على أنها قادرة على عزل المعنى الموضوعى لهذه الأنظمة بإستقلال عن أية إحالة للذات أو الموضوع، على أساس من تحليل محايث . وقد حاول ليفى شتراوس فى البنى الأولية للقرابة أن يفعل هذا . لقد سعى لتأسيس أن أنظمة القرابة والزواج لها معنى موضوعى ، كأنظمة للتبادل ، التى هى أكثر أساسية من المعنى الذى لها بالنسبة لهؤلاء الذين يمارسونها ،معنى لا واع يمكن أن يؤسس موضوعيا دون أية إحالة للمفاهيم المحلية للنظام . لقد برهنت فى الحقيقة ، على أن ليفى شتراوس لا يفعل شيئا كهذا ، فإلى المدى الذى يؤسس فيه ان مبدأ التبادلية محايث فى الأنظمة موضع المراجعة فإن الإستنتاج مبتذل لأن المبدأ عار من اى محتوى دال . والى الحد الذى يغطى فيه مبدأ التبادلية أى محتوى لا يقدم ليفى شتراوس دليلا مقبولا لمساندة إدعاءه . وهكذا فإن مبدأ التبادلية ليس معنى موضوعيا يكتشفه ليفى شتراوس فى المعطيات ،إنه معنى مفروض على المعطيات وبعدئذ ينسب الى لاوعى غير قابل للوصول اليه ، هكذا تسقط دعواه بأنه يقدم تحليلا موضوعيا علميا لمعنى هذه الأنظمة . بالنسبة الى بنيوى فإن فشل تقويم ليفى شتراوس هو نتيجة للنزعة السوسيولوجية الكامنة فى البنى الأولية ، لأن ليفى شتراوس ينظر وراء العلاقات الداخلية للأنظمة ليجد معناها . إن تقويما موضوعيا ملائما يجب أن يفصل الأنظمة كلها عن أى محتوى عارض مفروض خارجيا ويجب أن يجد المعنى الحقيقى الموضوعى فى العلاقات البنيوية الداخلية المؤسسة بواسطة النظام . علاقات توجد بإستقلال عن السياق أو عن التفسير الذاتى للمواطن المحلى أو المحلل . أى تقويم آخر سوف يقدم معايير عرضية ، ومن ثم سوف يكون إعتباطيا . هذا هو الإتجاه الذى تطور فيه التحليل البنيوى لأنظمة القرابة .ومادام للبنيوية فى هذا النطاق التاريخ الأطول ، وأن تحليلاتها قد جرت بأعظم درجة من الصرامة فانه لمن المنور للغاية أن ننظر الى النتائج التى تحققت . 4-الأنثروبولوجيا البنيوية: التضمينات البنيوية لنظرية القرابة قد طورت تماما من قبل لوى دومون ورودنى نيد هام، وهما انثروبولوجيان إجتماعيان تدربا على تقليد إكسفورد الذى أسسه إيفانز برتشارد، وقد أدمجا تحليل ليفى شتراوس للقرابة فى هذا التقليد . طور إيفانز برتشارد مثالية عقلية ثقافية كانت أكثر راديكالية من تلك التى تخص ليفى شتراوس فى رفضها لملامح أى نوع من الإختزالية ، إن مهمة الأنثروبولوجيا هى أن تصف أكثر من أن تسعى للتفسير .فى مؤلفه عن النوير (1940) كان إيفانز برتشارد قد أنتج تفسيرا بنيويا لمجتمع النوير رأى فيه الاطار البنيوى للتصنيف بإعتباره سابقا على أى محتوى خاص حازه التصنيف فى الإستعمال ، سواء كان دينيا ، سياسيا أو اقتصاديا : قاد البحث عن وصف موضوعى لنظام مستقل للتصنيف إيفانز برتشارد بتصلب الى وصف بنيوى فصل شكل النظام عن محتواه . ولم يقوم كتاب النوير تقويما كاملا علاقات الزواج كمبدأ بنيوى مكمل لذلك الخاص بالقرابة . لعب عمل ليفى شتراوس من ثم دورا فى تطوير بنيوية أكسفورد بجذب الإنتباه الى علاقة بنيوية جديدة. لقد كانت مبادئ البنيوية قد أرسيت سلفا بواسطة إيفانز برتشارد :"الأطروحة بأننى عرضت أمامكم أن الأنثروبولوجيا الإجتماعية هى نوع من التاريخ ، ومن ثم فى النهاية للفلسفة أو الفن تتضمن أنها تدرس المجتمعات كأنظمة أخلاقية وليس كأنظمة طبيعية ، تهتم بالتصميم أكثر منها بالسيرورة، وأنها من ثم تسعى الى النماذج وليس القوانين العلمية، وتفسر أكثر منها تشرح ، هذه إختلافات مفهومية ، وليست مجرد ( إختلافات ) لفظية" (8). دومون بالرغم من أنه فرنسى ، قضى بعض الوقت فى اكسفورد ، فقد كان هو الذى طور التحليل البنيوي للقرابة . متبعا إيفانز برتشارد ، جادل دومون بقوة ضد كل اشكال الإختزالية ، بما فيها محاولة ليفى شتراوس لتفسير أنظمة القرابة بمفهوم تنظيم الزواج . هكذا أظهر دومون فى سلسلة من التحليلات ، أنه ليست هناك إرتباطات ضرورية بين شكل نظام القرابة ولا تنظيم الزواج أو تنظيم جماعات القرابة فى المجتمع ، ومن ثم مقوضا أى إختزالية تبسيطية . يجادل دومون من ثم أن التنظيم الإجتماعى ونظام القرابة يجب أن يحللا بإستقلال تام الواحد عن الآخر ، نظام القرابة يحلل بإعتباره تصنيفا عقليا مبادؤه مفهومية . إن نظام القرابة هو مفترض عقلى خالص يستفيد من مبادئ تصنيفية من أجل أن يعرف الأفراد الآخرين فى العلاقة بالفرد . ومن ثم فهو يعبر عن أفكار عن طبيعة أنواع مختلفة من العلاقة بالمجتمع موضوع البحث. لقد أعاد دومون تفسير أنظمة القرابة الإرشادية التى حللها ليفى شتراوس بحجة أن هذه الأنظمة لا تنظم الزواج وإنما بالأحرى تعبر عن أفكار معينة يتبناها مجتمعا معينا عن الإختلاف بين أقرباء العصب والمصاهرة ، إن أنظمة كهذه مؤسسة على إختلاف منهجى بين أقارب العصب والمصاهرة تعبر عن فكرة أن هناك إختلافا أساسياً بين :أقارب"الدم" و"أقارب الزواج" والفئتان ذاتهما مفهوميتان ولا تعكسان أية إرتباطات نوعية بيولوجية أونَسَبية . لا يقول التصنيف ذاته شيئا عن ماهية هذا الإختلاف ، ولا لماذا تختلف هاتان الفئتان ، ولا عن كيف يدخل الناس فى هاتين الفئتين. يقدم دومون تمييزا أساسيا ، غاية فى الجذرية بين البنية الشكلية لنظام التصنيف والمحتوى الذى يمكن أن يحوزه التصنيف فى أى مجتمع معين . إن نظام التصنيف يمكن ، ويجب أن يُدرس بإستقلال عن تطبيقة. وهكذا ففى مجتمع ما يمكن أن يستخدم النظام لتنظيم الزواج ، وفى (مجتمع) آخر يمكن أن يعتبر إطارا للعلاقات الإقتصادية ، فى غيره ربما يعبر عن روابط عاطفية . لا يمكن أن يفسر النظام بأى من هذه الوظائف المعينة ، لأن النظام سابق على أى من هذه الإستخدامات. فمعنى النظام يجب أن يوجد فى التمييز المفهومى الذى ينشئ النظام ، وهذا المعنى مستقل عن ، وسابق على ، اى محتوى يمكن أن يحوزه فى مجتمع معين . لقد إتبع قيادة دومون أنثروبولوجيين آخرين من أكسفورد الأكثر شهرة بينهم رودنى نيدهام الذى سعى الى أن يطور ، وأن يدافع عن المقاربة العقلية ، البنيوية لأنظمة القرابة . كان نيدهام فى الأصل قريبا من ليفى شتراوس ، بالرغم من أنه لم يقبل نظرية التبادلية وفى ذلك كان معنيا بأن يرى نظام القرابة فى علاقته بالمظاهر الأخرى للتصنيف الرمزى للمجتمع . على أية حال فقد ترك بشكل متعاقب محاولة صنع إرتباطات جوهرية من هذا النوع وتبنى بشكل متزايد نزعة عقلية صارمة وشكلية . وقد تجاوز فى مجرى عمله عزل دومون لنظام القرابة ، ليرفض تفسير النظام بلغة مبادئ أى قرابة ، سواء كانت تتعلق بالنسب أم بالتحالف ، بقرابة العصب أو المصاهرة ، وأن يختزلها الى شكل خالص . هذا التطور مثير للإهتمام لأن نيدهام قد إتبع منطق البنيوية بإتساق حتى نهايته ، وفى متابعته لمعنى موضوعى ، وجد الأرض تختفى بشكل متلاحق من تحت قدمية حتى لم يعد للبنيوية فى النهاية من شئ لشرحه . أن محاولة تأمين تحليل علمى للمعنى تعتمد على فصل نظام التصنيف عن تطبيقة فى مجتمع معين وعزلة عن أى تفسير ذاتى خاص لمعناه . يعتمد تطبيق المنهج البنيوى على عزل مثل هذا الموضوع المستقل ذاتيا . السؤال الحرج الذى يجب علينا أن نضعه أمام البنيوية هو ذلك الخاص بإمكانية عزل مثل هذا النظام الموضوعى للدراسة ، عزل نظام التصنيف عن تطبيقاته الخاصة وتفسيراته . لقد رأينا أن محاولة ليفى شتراوس أن يفعل ذلك كانت إخفاقا . يرفض دومون من ثم كل إختزالية ويصر على أن تحلل الأنظمة فقط بمفهوم مبادئ القرابة . ولكن هل هذه الأنظمة موضوعية ، هل هى داخلية بالنسبة للنظام ؟ يرفض دومون إختزالية ليفى شتراوس ويؤسس إستنباطيا نماذج على أساس مبادئ قرابة العصب ، (قرابة الدم) والمصاهرة (علاقات الزواج) . إنه ينشئ نظاما بواسطة ترتيب الفئات حول الفرد فى بنية علاقاتها محددة بتلك المبادئ . علاقة الأنا بأى فرد فى البنية يجرى تتبعها بوساطة واحد أو آخر من هذه الإرتباطات أو تركيب منها .ويميز بين الفئات فى البنية الواحدة من الأخرى فقط على أساس هذين المبدأين البنيوين. وأبسط تصنيف من بينها سوف يفصل ، قرابة الدم، عن "القرابة بواسطة الزواج" ومن ثم سوف يحدد فئتين طبقا للعلاقة المعنية .ويمكن للنموذج أن يطور ، على أية حال، بوساطة تقديم سمات أكثر تمييزا ، مثل الجنس، أو الجيل أو بواسطة تطبيق التمييزات بشكل متكرر. وهكذا فإن أى نظام قرابة يمكن أن يحدد بإعتباره بنية يمكن أن تنجم عن تطبيق هذه السمات المميزة . السؤال الذى علينا أن نسأله هو : ما هو وضع هذا النموذج . ليس هناك شك فى أنه مستقل عن أى تطبيق ، لأنه قد أنشئ إستنباطيا بواسطة المحلل ، بدون الإحالة إلى المعطيات الإثنوغرافية ، تماما مثل البنى الأولية لليفى شتراوس . إنه من ثم موضوع مثالى أنشئ بواسطة المحلل. السؤال الحرج هو ما إذا كان يمكن الزعم بإتساق بأن هذا الموضوع النموذجى يتوافق مع واقع ما أكثر أساسية من تطبيق النظام أو المفهوم المحلى له . إذا تبين أن المفاهيم المحلية لا تتوافق بالضرورة مع النموذج أو أنه ليس مطبقا بالضرورة فى الشكل الذى أنشئ فيه ، فأى تبرير هناك لإدعاء أنه أكثر من إختلاق لخيال دومون ؟ تنشأ مشكلة وضع النموذج لأن دومون لا يقدم معنى كامنا فى النظام ، وإنما تفسيرا للنظام . يعين دومون علاقات معينة بين فئات النظام ، والتضمين هو ، أن هذه ، وليس علاقات أخرى توجد بالفعل . يعين دومون العلاقات المتميزة بالنسبة للنظام كعلاقات قرابة عصب وقرابة مصاهرة . على أية حال ليس هذا التمييز : كامنا فى النظام ، ولكنه يمثل تفسيرا خاصا . المشكلة هى أن التمييز بين قريب ( نظرى بيولوجيا ) وحلفاء ( نظريين إجتماعيا) ليس موضوعيا ولا واضحا . من ناحية ، كل العلاقات ضمن أنظمة القرابة المغلقة يمكن ان تتبع خلال كل من الزواج وقرابة العصب التى بسببها يمكن لنظرية القرابة أن تعرض تفسيرا مختلفا تماما كتصنيف للقربى ، دون أى إحالة الى الزواج ، وهذا متسق تماما مع المعطيات . لا توجد على مستوى النموذج طريقة للحسم بين تفسير دومون وذلك الخاص بنظرية النسب . يمكن للإحالة الى تطبيق النظام فقط أن تقرر بين تفسير نظرية النسب وتلك الخاصة بدومون ، لأن كل تفسير يمكن أن يقدم نموذجا متسقا تماما يربط الفئات طبقا لمبادئ مختلفة تماما .تعتمد صلاحية نموذج دومون من ثم على المدى الذى تتوافق فيه مع الواقع الإثنوجرافى .وبالرغم من أنه أُنشئ إستنباطيا فيمكن أن تكون له فقط صلاحية التعميم من المعطيات، سواء من نموذج محلى للنظام أو تطبيق عملى للنظام . إذا لم يتوافق نموذج دومون بطريقة ما مع الواقع المحلى للنظام فليس هناك تبرير للإدعاء بأن النموذج له أى دلالة خاصة . وهكذا لا يمكن الزعم بأن نموذج دومون لنظام القرابة سابق على تطبيقاته الخاصة أو تفسيراته ، لأنه يعتمد على تحديد معين ثقافيا للإختلاف بين الأقرباء والأصهار . بمجرد أن نقدر أنه ليس للنموذج صلاحية بإستقلال عن وجوده فى الواقع الإثنوجرافى فإننا ندرك أيضا أن وضعه هو ببساطة ذلك الخاص بتجريد من نظام يقوم بوظائفه ، إذا ما أدرك هذا ، لم يعد هناك أى تبرير لتفسير النظام فقط بمصطلحات القرابة ، لأن الواقع الوظيفى للنظام شديد التعقيد . فهو ليس فى الممارسة ببساطة نظام قرابة ، إنه تصنيف ينظم نطاقا واسعا من العلاقات الإجتماعية التى تختلف من مجتمع الى مجتمع . ليس هناك سبب قبلى Apriori يدعو لأن تكون علاقات القرابة مجردة بشكل اعتباطى من المظاهر الأخرى للنظام الإجتماعى وأن تعتبر" جوهرا" للنظام ومعناه الموضوعى معارضة لتطبيقه العرضى . ليس هناك تمييز فى الواقع بين نظام التصنيف وتطبيقة . فى الواقع هناك أناس يعيشون ويعملون معا ويشيرون الواحد للآخر بإستخدام مصطلحات مختلفة تعبرعن علاقاتهم المتبادلة الواحد مع الآخر .هذه العلاقات الإجتماعية العينية متعددة الأبعاد ، وبالتأكيد لا يمكن أن تختزل إلى علاقات القرابة أو المصاهرة . إن تطبيق المصطلحات لا يعتمد على أى إرتباطات نَسَبية يمكن تتبعها ، وسوف تعتمد مرارا على مبادئ لا علاقة لها بالقرابة . تقدم مفاهيم القرابة لغة شديدة القوة والمرونة يمفصل ضمنها مجالا ضخما من العلاقات الإجتماعية . التمييز بين " نوعنا الخاص" ونوعهم " الذى جرى التعبير عنه فى تمييز دومون بين قرابة العصب والمصاهرة أو فى بنية النسب الخاصة بإيفانز برتشارد ، أو فى تمييز ليفى شتراوس بين مجموعات الزواج الخارجى التى تتبادل النساء أو فى تمييز الكوميديين بين الأم والحماة ، يقدم طريقة قوية للغاية لتصور مفهومات العلاقات الإجتماعية فى مجتمع بسيط نسبيا . لا ينبغى أن يثير الدهشة ، من ثم، أن نجد أن هذه التمييزات المفهومية ، فى أشكال مختلفة ، تُستخدم فى تصور مفهومات شديدة الإختلاف فى مجتمعات مختلفة . ليس هناك من تبرير لعزل لغة القرابة عن العلاقات الإجتماعية التى تعبر عنها . وهكذا لن يكون مبررا أكثر الزعم بأن نظام القرابة يقدم إطار مستقلا يمكن داخله التعبير عن علاقات الإجتماعية الأخرى ، من الجدال بأن نظام القرابة تعبير بسيط عن علاقات عدم القرابة . بالرغم من أنه من الحقيقى بالتأكيد أنه فى المجتمعات التى لا تعرف الكتابة فإن تحديد وتنظيم العلاقات الإجتماعية يجرى بمفهوم القرابة ، حتى أن العلاقات الإقتصادية ، أو السياسية أو الحقوقية لا يمكن أن تفحص بشكل مستقل عن مقولات القرابة ، فأنه من الحقيقى أيضا أن مقولات القرابة لا يمكن أن تحدد بإستقلال عن العلاقات الإجتماعية التى تنظمها هذه المقولات ، لأنه حتى بالرغم من أن مصطلحات القرابة لها شوائب مفهومية لعلاقات نسبية نوعية للقرابة أو المصاهرة فإن تطبيق هذه المصطلحات لا يمكن أن يحدد فقط بالإحالة الى المبادئ الَنسبَية . وهكذا فإنه من غير الممكن تحديد إما نظام القرابة أو العلاقات الإجتماعية التى يعبر عنها بإستقلال الواحد عن الآخر على ( أساس) منطقى أو على أى أساس آخر ، لإيلاء أولية مطلقة للواحد أو الآخر . إن مسألة العلاقة بين مبادئ القرابة والسمات الأخرى للتنظيم الإجتماعى والوعى الإجتماعى يمكن أن توضع فقط كسؤال عن الإعتماد المتبادل لاجزاء كل معقد. إن لغة القرابة ليست لغة كلية ( عالمية ) .فمفاهيم القرابة تختلف من مجتمع الى آخر ، وأنواع العلاقات التى يعبر عنها بمصطلحات القرابة تتنوع أيضا بشكل واسع . وهكذا يبدو أنه ليست هناك إمكانية لتطوير نظرية عامة للقرابة ، لأننا إذا ما تجردنا عن الخاص فلن يبقى هناك شئ جوهرى لتفسيره . لهذا السبب جادل نيدهام حديثا بأنه ليس هناك حقا شئ كالقرابة، وأن أنظمة القرابة هى أنظمة شكلية خالصة ترتب المقولات فى بنية خاصة علاقاتها شكلية خالصة . ويبدو أنه بالإرتداد الى شكلية بنية خالصة يمكن للبنيوية فى النهاية أن تعين معنى موضوعيا ومطلقا ، معنى مستقلا عن أى محتوى وكذلك عن أى تطبيق خاص أو تفسير . ولكن المشكلة مع هذا الإرتداد النهائى هى أننا إذا تجردنا كلية من محتوى النظام ، فإن البنية تختفى أيضا ، لأن البنية هى بشكل يتعذر إستئصالة بنية نظام قرابة ، وهى تتوافق مع تفسير خاص . إن تفسيرا مختلفا للنظام على سبيل المثال بلغة نظرية النسب سوف يتضمن علاقات بنيوية مختلفة . هكذا إذا تجردنا من كل المحتوى تختفى البنية أيضا ولا يبقى شئ لتفسيره . ويصبح الموضوع النموذجى شكلا متحررا من المعنى . ويبدو أن نيدهام مؤخرا ، وذلك يحسب له ، قد أدرك هذا فأخفى إبحاره فى خواء فيتجنشتاينى. تكشف هذه التطورات فى التحليل البنيوى للقرابة معضلة البنيوية بحيوية شديدة . تهدف البنيوية لعزل نظام ثقافى يمكن لمعناه الموضوعى أن يكون خاضعا للتحليل العلمى . ومن أجل أن تنجز هذا فإنه من الضرورى تأسيس الموضوعية الخالصة للنظام ، ولكن لتأسيس الموضوعية الخالصة للنظام فإنه من الضرورى التجرد من كل محتوى خاص يمكن أن يكون للنظام ومن أى تفسير خاص يمكن أن يكون موضوعا فيه . وفى كل مرحلة تكون موضوعية التحليل قد قبلت بتسوية غير مبدئية . يصبح واضحا أن التفسير المقترح ليس له أية صلاحية مطلقة ،وليس كامنا فى الموضوعية المطلقة للنظام النموذجى ، ولكنه مفترض للمحلل يجب أن تعتمد صلاحيته على تقويمة التجريبى . وتقود محاولة فصل النظام عن سياقه الى إرتداد منتظم نحو الشكلية وفى النهاية الى الهزيمة الكاملة . والاستنتاج الذى سوف نجده مكررا هو أن محاولة تعيين أنظمة ثقافية مستقلة ذاتيا ، سواء كانت لسانية ، مفهومية أو رمزية ، ذات معنى موضوعى مستقل وسابق على التطبيق هى ( محاولة ) عابثة . ولا ينبغى للإستنتاج أن يثير الدهشة لأن المشروع البنيوى يتضمن أن هناك عالما من المعانى وراء الإدراك الإنسانى لمعانى خاصة ، هذا المعنى يمكن أن يوجد دون أن يمثل معنى لأحد ما. لقد جرى الإعتياد على أن يعتقد أن مثل هذا العالم الموضوعى للمعنى قد وجد، والتناقض الظاهر المتضمن فى هذا الزعم قد حل بإختراع كائن مطلق كان العالم بالنسبة له ذو معنى ، الله . كانت دراسة هذه المعانى تسمى اللاهوت ، وأنه نحو المسائل اللاهوتية والحلول اللاهوتية ، تؤدى البنيوية ، لأنها أيضا تخترع إلها ، العالم العظيم فى السماوات ، الذى يستطيع أن يضمن موضوعية أنظمة معانيه بالنسبة لهؤلاء الذين هم مثل ليفى شتراوس الذى لا يمثل الله معنى بالنسبة لهم ، يثمر الإرتداد الى الشكلية فى النهاية الإستنتاج الذى يحكم قدر المشروع : يعلن أن العالم بلا معنى بشكل كامن ، كل معنى هو من ثم ذاتى ، إعتباطي عبثى .
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار
...
-
الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار
...
-
الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار
...
-
الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار
...
-
سلطة الشعب أو - ثورة إدسا - بين التوظيف الليبرالى ومرض الشيخ
...
-
الواقع السياسى بين النص القانونى والصراع الطبقى
-
السياسة والمضمون الطبقى
-
أزمة الثورة ومأزقها
-
حزب العمال الشيوعى المصرى - إنتفاضة يناير ( كانون الثانى ) 1
...
-
الماركسية والتفكيكية : الغرب ضد الآخر - بعض الأفكار حول كتاب
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى - ممهدات وحدود حرب اكتوب
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى -- ممهدات وحدود حرب أكتو
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى 1972 -- 1973 - القسم الث
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى 1971 -- 1973 القسم الأول
-
الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى - القس
...
-
الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى -- الق
...
-
الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو -- الحواش
...
-
الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا
...
-
الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا
...
-
الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|