فواز قادري
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 10:18
المحور:
الادب والفن
بحنينها تنام الرسائل في بريد الشهداء
ينام الأصدقاء في قلبي المزدحم
واقفين على سطر واحد
تنام "الجبيلة" ملفوفة بذكرياتي
لا تنام مدينة مشغولة بالأشواق
وتسهر على غناء فراتها الشامخ.
الرسائل لا تصل، الوجوه خرائط أمكنة، الطائرات تغير وتغيّر ملامحها، الامّهات نذرن الكثير من الحليب مع البكاء، من أجل أن يتوازن الحنين.
الكثير من الرسائل تنام بشمع أشواقها، في بريد الشهداء، الكثير منها ضيّعت عناوين أحبابها، المدن لم تعد هي المدن، والرحيل لا يشبه أيّ رحيل، ولكن الإرادات تتفولذ والسواعد تقبض على عنق المستحيل بقفّازات من لحم ودم، الصمود رغيف المقاتلين، الصباح طفل ليالي يجتمع الشهداء على مائدة افطاره، ويبذرون ما يحملون من بذار نهارات جديدة.
لم تعد رسائلي كافية، وكيف لها أن تصل إلى الملايين الذين لا أعرفهم؟ وهم تحت رحمة موت يوميّ لا يرحم، كلّ واحد أريد أن أكتب له: إلى هذا اليوم، هل أنت بخير؟ وكيف لها أن تصل إلى الكثير من المعارف والأصدقاء؟ كيف سأعزّي صديقي "صفوان فرزات" بوالده الشيخ الذي مات ودُفن في أرض غريبة؟ وأنا لا أعرف عن أخباره شيئاً! كيف ستصل إلى: "نذير عاني" و"غرز الجازي" و"بسام رضا" وبقيّة الأصدقاء والمعارف في تلك المدينة المحاصر؟ كيف سأعرف أخبار أهل أصدقائي الشهداء؟ وعشرات الأسر التي تبخّرت أخبارها.
هل تستطيع رسائلي أن تدخل في غيب المعتقلات، وتصافح جميع المعتقلين، وتفتّش عن وجوه أصدقائي: " عبد الله الماضي" و"عبد العزيز الهايس" و"صبحي الجاسم" و"عبيدة بهاء الركّاض" وتقول لهم: طالت الغيبة يا أصدقاء، ولم يعد يحتمل غيابكم القلب!
أنتظر أن تأتيني رسالة منها، حبيبتي القديمة الجديدة، ولأنّها اعتادت أن تراسلني بالأحلام، وتكتب بخطّ قلبها، رسائلها الورقيّة.
سألتُ ساعية البريد، وهي امرأة لطيفة،
اعتماداً على الودّ القديم والتحايا والدردشات العابرة التي بيننا:
هل تحملين لي رسائل حبّ؟
صفنت برهة، ثمّ أجابت: لا، وهي تبتسم، ولكني غداً سأكتب لك رسالة حبّ لا تحزن.
قلتُ: لا تتعبي نفسكِ،
أنا أنتظر رسالة حبّ من أنثى اسمها سورية!
أوقفت دراجتها جانباً، عانقتني سريعاً، ثمّ انصرفت بلا أيّ كلام.
أين رسائلكِ التي أنتظر؟
أين رفوف الحمام وأين الفرح؟
طيّرتُ كلّ ما عندي من طيور
أين الخبز والزيتون والزعتر
لفائف شقاوتي التي أخفيتها
في جيوب قلبكِ الكثيرة
أين أجنحة فراخ العصافير
تلك التي مرّناها على هواكِ؟
أين دمعة عشقي ولهيب أشواقي؟
وعود لياليكِ التي ستكون
كحل أقمار في أعين الصبايا.
#فواز_قادري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟