أحمد الصغير
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 01:39
المحور:
الادب والفن
تلك الشرفة العالية مازلت أذكرها ... وتلك الزيتونة الهارمة مررت بها ذات يوم ... الكلب الابيض الرابض تحتها لاحقني مرات عديدة و مازال هناك ...حاوية الفضلات على مكانها لم تتزحزح، و تلك البقعة المحفّرة على الرصيف تجاوزتها مجريات التاريخ فاذا هي على حالها ... بائعة التين الشوكي تقف على نفس العربة السوداء تردد نفس الكلمات ، و بائع الشاي الأحمر لم يبتعد عنها كثيرا ...المشهد غير قابل للتجديد ... فالمكان هو الكمان ، بنفس الطلاء ... الابواب و الشبابيك على هيئتها ... و بعض القطط الشريدة تموء جوعا أو ربما رغبة في التجانس ... عند منتصف النهار تنبعث من المنازل رائحة أطعمة الغداء قبل عودة الأطفال من المدرسة ...
هناك في ركن الشرفة الأيمن وقفت كعادتها كل مساء ... وقفت تمسك فنجان قهوتها الشهية ... ترتشف فاذا على وجه القهوة رغبة في ملامسة شفتيها الشهيتين ... ثوبها الوردي الشفاف يتماوج مع هبات النسيم الشرقي ، فيلتصق بجسدها حينا ليكشف عن ادق أسراره و تموجاته ، و يحكي قصة تماهيه اليومي في هذا الجسد الانثوي الرقيق .. و يبتعد حينا لتهدأ أنفاسه اللاهثة ...
على صور شرفتها وضعت أواني مشكلة زرعت فيها قرنفلا و نعناعا عربيا ... في الزاوية الأخرى وضعت كرسيا و طاولة صغيرة عليها مجلة فيها ارقى أنواع المكياج و أدوات الزينة .... و مطفأة سجائر
في تلك الشرفة كانت تقف مساء فتتمهل حركة المارة على رصيف الشارع ... و يتفق جميع العرب على رفع رؤوسهم نحو الشرفة .... نحوها .
في مقهى المغرب العربي الكبير ، قبالة الشرفة ... اتخذت لي مكانا و قهوة مساء يومية ... كنت أرقب لحظة خروجها و فنجان القهوة في يمناها ... كانت علامة التسليم بيننا أن يمسك كل منا فنجانه بكلتا يديه ... و علامة مغادرة أحدنا ، أن يمسك قهوته بيده اليسرى ... لم نكن نتحادث الا أننا قلنا جميع كلام الحب و أكثر .... في صمت عميق كانت قهوتنا تروي مشاعرنا ...
اشتقت لقهوة المساء ، فلم أعد أشربها ... فهي لم تعد تجلس في شرفتها ... كل مساء
#أحمد_الصغير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟