|
إشكالية المثقف في المجتمع
سماح عادل
الحوار المتمدن-العدد: 1170 - 2005 / 4 / 17 - 14:33
المحور:
الادب والفن
الثقافة هي علاقة التوتر المستمر بين الوعي والواقع من خلال ذهنية متفتحة قادرة على استيعاب أنماط الوعي والاستفادة منها في فهم ما يناسب هذا الواقع من حلول تتيح له مستقبل أفضل. هل المثقف في الوقت الراهن يقوم بدوره المنوط إزاء أزمات مجتمعه ؟ وهل يتواصل مع الجماهير؟ وما هي هويته ؟ وهل يحتاج المؤسسة لينجز دوره ؟ وما هي علاقته بالسلطة ؟ وهل يجب أن يحمل أيديولوجيا ما ؟ وهل هناك إمكانية حقيقة للتواصل الفعال والسوي مع الثقافات الأخرى ؟ كل هذه الأسئلة تلح على أذهان المهتمين حقا بمجتمعهم وبتقدمه. فريدة النقاش: ترى أن الفجوة لا تزداد بين المثقف والجماهير بفعل السلطة السياسية مباشرة ولكنه بفعل التيار الأصولي المحافظ والتقليدي وتقول لاشك أن مهمة المثقف كناشر للوعي وساعي لتقدم مجتمعه أصبحت حقيقة واضحة في مجتمعنا منذ كتابات الطهطاوي وطه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهم حتى كتابات الأجيال الحالية من المفكرين والمبدعين لذا فان سعي المثقفين في تنوير مجتمعهم أصبح تيارا أساسيا في الحياة الثقافية والفكرية للبلاد وله وجود فعال وقوي لكنه ليس التيار الرئيسي فهناك تيار مواز وهو الذي يمثله تيار الإسلام السياسي الذي يلتزم بالمحافظة والتقليدية ويقوم بربط السياسة بالدين ومازال هذا التيار يتمتع بتأييد السلطات بشكل أو بآخر حتى وان تصادمت معه في كثير من الأحيان وكان هناك مصالح وأهداف مشتركة بينهما لكن هذا كله لا يلغي وجود المثقف الفاعل الذي يسعى إلى إحداث التغيير الجذري في الأوضاع لكنه غالبا ما يجد ميلا من الجماهير ناحية التيار الديني ويبدو ذلك شيئا منطقيا لأننا نعيش في أزمة حقيقية بدأت بشكل خاص بعد نكسة 1967 ونكسة العرب وبعدها تفاقمت مع الانفتاح الاقتصادي الذي أدى لوجود أزمة اجتماعية عميقة والفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون ثراءا بالإضافة إلى القيود الشديدة على الديمقراطية وكلها عوامل تجعل اللجوء إلى الصرح الديني المبسط أسهل بكثير ومن ناحية أخرى توجد مسئولية كبيرة على المثقفين أنفسهم وأنا لا أستطيع تفسير هذه الصراعات الضارية التي تجري بينهم على قضايا مفتعلة وربما على علاقات ومواقف شخصية صراعا عنيفا يدور بين المثقفين وأنفسهم وكأنهم في حرب مع العدو الصهيوني لكن أعود واكرر أن المثقف أيضا جزء من المجتمع وما يحدث يمثل انعكاسا للازمة العامة التي يمر بها لكن يفترض أن يتجاوزها المثقف الحقيقي بما يمتلكه من وعي يسمح له بالرؤية الثاقبة ووضع الحلول وتنفيذها.. يقول أستاذ التاريخ عاصم الدسوقي: لن تتغير أوضاعنا قبل فترة طويلة ويؤكد أن الصلة تكاد تكون مقطوعة بين المثقفين والجماهير لان فكرة الثقافة في مجتمعاتنا ناقصة وغير مجدية ولا تعني أكثر من الكتب والنظريات والمعرفة الموسوعية في حين ينقصها أهم عنصر وهو الفعل والنضال من اجل تحقيق النهضة الثقافية التي هي في أصلها تجربة أوربية كانت تعني فصل مؤسسة الدين عن السلطة ولم يتم ذلك في أوروبا بعدة آلاف من الكتب فحسب لكنه تجاوز ذلك إلى صراع حقيقي وضحايا من المثقفين ومن الشعوب لكن لدينا يختلف الأمر تماما ونكتفي بان نردد أننا أقمنا عدة ندوات ومؤتمرات وأصدرنا آلاف الكتب ودعونا ضيوفا ومثقفين من أوروبا وأمريكا وغيرهما. نكتفي بان يكون لدينا مثقفين يحفظون الماركسية لكنهم لا يفهمون عنها شيء. وهناك من يتكلم عن الديمقراطية ولا يمارسها مطلقا في ابسط تفاصيل حياته لأننا نعاني من انفصال في الأقوال والأفعال ولو أردنا تجاوز هذه الأوضاع لابد من الدخول في صراع حقيقي مع الأزمة والصراع عبارة عن جدل بين نقيضين ينتج عنه مركب جديد يجب أن يكون لدينا جماعات ضاغطة ولابد من إصلاح التشريعات وهذا كله يستلزم وقتا طويلا وربما أجيالا وبصراحة ما نعانيه الآن من أزمات تعود إلى المثقفين أنفسهم لأنهم اكتفوا بتمثيل مظاهر الحياة الأوربية وغيروا من أشكالهم وطريقة كلامهم وتعبيراتهم المستخدمة في حين بقيت عقولهم كما هي وأفكارهم لم تتعد القيم الراسخة ولا حاولت تجاوزها هكذا تزداد الفجوة بين المثقف ومجتمعه أو هكذا يبدو حاله في واقع المتغيرات التي تعصف بأمواج العصر الحديث أن مثقفي اليوم ليسوا قادرين على المواجهة فقط بل أنهم فقدوا تماما القدرة على خلق حالة من حوار المواجهة فالثقافة في عالمها وكونها الجديد جعلت المثقفين يتحولون إلى سوبرمانات يطيرون عبر وسائل الاتصال الحديثة من عزلتهم إلى كل مكان في العالم وبالتالي فان هناك فضاءا آخر يمارس فيه المثقف حياته انه المكان الأثير ومكان اللامكان وهذا ما يجعلنا نشعر مع مرور الوقت انه لن يكون هناك أفضل مما كان وما سيأتي هو أثير لا يمكن القبض عليه. يقول د/ رفعت سيد احمد: أن قطاعا من مثقفي الأمة في عالمنا العربي و الاسلامى قد تخلى عن دوره متمثلا في التصدي للقضايا الإسلامية في حياه الأمة المجتمعي والمفترض أن يكون طليعتها عند المواجهة مع أعدائها وخصومها وهذا التخلي تمثل في تقديرنا في مظاهر عدة أبرزها انسحاب هؤلاء المثقفين من دائرة الفعل والقيادة إلى دائرة رد الفعل والتبعية وفى رفعهم لبرقع الحياء الفكري المفترض أن يكونوا مرتدينه خاصة عند التعامل مع المؤسسات الثقافية الأجنبية المشبوهة التي تعيث في مجتمعاتهم فسادا وتخريبا وتمثل أيضا في حالة الاستلاب الحضاري العام والانهزام التي يستشعرونها تجاه ثقافة وحضارة الأخر الغربي بل صاروا أدواته ووسائله داخل مجتمعاتهم. كل هذا قدم نفسه كمظاهر لحال المثقف العربي والاسلامى اليوم تجاه أمته وللأنصاف ( قطاع من المثقفين وليس كلهم ) ولهذا الخلل أسبابه ولتلك المظاهر دوافعها وأبرز هذه الدوافع الأسباب الاقتصادية المتردية التي يعيش في ظلها المثقف العربي والاسلامى منذ سنوات والتي بات معها مجرد التلويح بعائد مادي أفضل حتى ولو من خلال مؤسسات أجنبية مشبوهة دافعا إلى انسحاب وتراجع بل وانسحاق دور المثقف في مجتمعه ونحو أمته وتأتى الأسباب السياسية الخانقة في المجتمعات العربية والإسلامية وقهر السلطة للمثقف لتساعد على تحجيم دوره أكثر هذا فضلا عن عوامل التنشئة الاجتماعية والإنسانية التي كونت وبلورت أطر المثقف الأخلاقية والفكرية. هذه العوامل مجتمعة دفعت إلى مظاهر الانقطاع في دور المثقف العربي تجاه مجتمعه وفى لحظتنا التاريخية الراهنة وفى تقديري انه لا مستقبل حقيقي لهذا الدور ما بقيت هذه العوامل. ويقول الباحث السياسي عبد القادر ياسين: المثقفون ليسوا كلا واحدا فهم ابعد ما يكونوا عن التجانس هناك شعراء البلاط وهناك من يلوذ ببرجه العاجي وهناك المثقف المعبر عن شعبه وطموحاته الوطنية والاجتماعية وهناك المثقف اليميني والمثقف اليساري والمثقف الذي ينأى بنفسه عن شعبه ووطنه المثقفون ليسوا طبقة واحدة ومن الملاحظ انه يتم التعامل معهم من منظور خاص إذا إنحرف المثقف شن عليه الآخرون الهجوم على المثقفون جميعا. لنراجع سجلات السجون والمعتقلات السياسية سنجد أن جل من إعتقلوا من المثقفين وان اتهامهم بالتقصير تجاه شعبهم ووطنهم إتهام ظالم وإن كان ينطبق على البعض. المثقف غير المنظم لا ينزل للجماهير لأنه مثقف كل عمله مع الجرائد فلماذا ينزل للجماهير لكن المثقف المنظم لديه برنامج يتناسب مع طموحات شعبه لذا ينزل لهم لأنه حسب جرا مشى مثقف عضوي طبيعة النضال والعمل هي التي تجعله مهتم بالتواصل مع الجماهير كما قال الرسول (عالم بلا عمل كمن لا علم له). الثقافة إذا لم تغير المجتمع فما قيمتها. وفى رأيي المثقف له آليات مختلفة حسب طبيعته هناك من يحب أن ينعزل ويطلع علينا فقط من خلال الكتب ووسائل الإعلام وهناك من يحتاج إلى الاتصال بالناس ليعرف ما يدور في أذهانهم من تساؤلات مطروحة ويرد عليها ويعطى إجابات شافية ويعتبر هذا دوره في إعطاء حلول لحاجات الناس ومشكلاتهم وذلك من خلال أيديولوجيا يختارها لنفسه فلا يخلو اى عمل من الايدولوجيا. كذلك على المثقف أن يوثق علاقته بالجماهير ويدخل في مواجهة ما مع السلطة من اجل مشاكل الجماهير أما الدعوة إلى تجسير العلاقة بين المثقف والسلطة فهذه دعوة لتوسيع دائرة شعراء البلاط. المثقف شأن اى إنسان بعضهم ذاتي أناني يجرى وراء منافعه الخاصة وبعضهم يذوب في الحركة العامة للشعب ليعمل من اجل أهداف وطنية أو طبقية والذين دأبوا على تغيير جلودهم هم الذين يتكيفون سلبا مع المتغيرات الدراماتيكية المتصارعة في العالم وهى متغيرات سلبية، فعندما سقط الاتحاد السوفيتي تحول معظم اليساريين عن انتماءاتهم بسبب أنهم كانوا يجرون وراء الموضة في هذا الوقت.. أما بخصوص التيارات السلفية أرى أنها تمثل ظاهرة ثقافية لان المثقف الأصولي يملك رؤية ثقافية متماسكة بغض النظر عن اتفاقي معها أو إختلافى أما على مستوى الهوية يقول الغزالي (أنا مصري عربني الإسلام )وأنا لا أستطيع أن أنفى القومية العربية كمعنى حضاري وليس معنى عرقي هناك حضارة عربية إسلامية صهرت المنطقة كلها رغم الأصول المختلفة فرعونية وفينيقية وكنعانية. فهناك حضارة عربية جامعة وفى قلبها أنماط مختلفة. أما على مستوى عمل المثقف فيفضل لكي يكون فاعلا أن يكون داخل مؤسسة إما مؤسسات إصلاحية أو ثورية وهو يختار المؤسسة التي تناسبه فبدون عمل المؤسسة لا يستطيع المثقف التحرك لان العمل الفردي عمل غير مجدي كما أن المثقف الذي يخدم السلطة ليس بالضرورة يعمل داخل مؤسساتها.. وتقول الكاتبة فتحية العسال: دور المثقف تجاه أزمات مجتمعه أن يتخذ موقفا محددا لا علاقة له بموقف السلطة وهناك أشياء هامة لابد من طرح موقف إزائها مثل التمويل الأجنبي والوجود الصهيوني في المنطقة والهيمنة الأمريكية معاهدة كامب ديفيد لها علاقة بحسابات السلطة لكن المثقف يعبر عن موقف الشعب وهناك انفصال مابين الاثنين فمن حق السلطة أن تطبع طبقا لحساباتها وعلى المثقف أن يعبر عن موقفه إذا كان ضد التطبيع فالسلطة لا تستطيع أن توقف الممارسات التي نعترض عليها إلا إذا ألغت المعاهدة لكن لابد أن تكون مستعدة للحرب إذن ليس من الضروري أن يرتبط موقف المثقف بالموقف الرسمي وإنما بالموقف الشعبي. لا توجد ديمقراطية ما بين المثقفين وبعضهم البعض وفي رأيي يجب أن يجتمع المثقفون جميعا في لجنة وطنية يوحدوا فيها آرائهم ومواقفهم الوطنية وذلك مع الاحتفاظ بتمايزهم لكي يكون هدفهم العام مصلحة المجتمع. المثقف يسبق الجماهير بوعيه ورؤيته المستقبلية فبدلا من أن يجتمع المثقفون جميعا في غرف مغلقة يجب أن يصلوا للجماهير عن طريق قنوات شرعية من خلال ندوات ولقاءات ومؤتمرات تجتذب اكبر عدد من الجماهير ولا تقتصر فقط على المثقفين هذه القنوات مثل اتحاد الكتاب و الأتيليه والثقافة الجماهيرية وجمعيات ثقافية كثيرة وفي رأيي المثقف يحمل أيديولوجيا ما من خلال معرفته بالجماهير فهو يختار أن ينحاز لهم لان لديه دراية بالنفسية الشعبية فالمثقف الواعي هو الذي يتحدد وعيه من خلال الاتصال بهم ومعرفته بما يحتاجه الناس لذا يجب على المثقف أن يكون مرنا في طريقته للتواصل مع الجماهير قادرا على التعاطي معهم بسبب ذلك اخترت أن اكتب للتليفزيون والإذاعة كي أؤثر في الناس فمثلا عمل ( هي والمستحيل ) استطاع أن ينبه الناس لخطر الأمية وأثره على العلاقات الاجتماعية أما على مستوى هوية المثقف فأنها نابعة من كونه إنسان ومن قراءاته ووعيه وموقفه أنا مصرية وعربية ومسلمة لكن ما يحدد هويتي هو ثقافتي الخاصة بي إذن الهوية فردية خاصة بكل مثقف على حدة تحت إطار مجتمع مصري عربي إسلامي وهذا لا ينفي عالمية الثقافة. وأضافت المثقف الذي ينشغل بالقضايا الكبرى على حساب القضايا الحياتية مقسوم على نفسه لأنه لا يمكن الفصل بين القضايا الكبرى كفلسطين والعراق والقضايا الحياتية الأخرى لذا يجب الاهتمام بالاثنتين ولكن يجب أن نعي كيف نفعل ذلك فمثلا عندما نقوم بمظاهرات احتجاجية لموضوع ما يجب ألا نشتت هذا الموضوع بالحديث عن أشياء أخرى وأيضا على المثقف أن يعبر في إنتاجه الثقافي عن الفقراء وفقا لإيديولوجيته فيعبر عن الفقراء أو حتى عن الأغنياء لكن برؤية متماسكة وموقف واضح بالنسبة للسلطة فأن المثقف والسلطة على نقاش حاد بشكل مستمر لان المثقف هو الرؤية المستقبلية لذلك هو أول رافض لمن يقمع هذا المستقبل ولكي يعبر عن هذه الرؤية لابد من وجود حرية لذا فهو يصطدم دوما بقانون الطوارىء الذي يجب علينا جميعا مواجهته حفاظا على حقنا في ممارسة حرية الكلمة السلطة لا تريد أن يوقف احد جريان مخططاتها فلابد من خلافات بين القطبين القطب المعبر عن الناس والقطب الذي يطبق سياسته على هؤلاء الناس فمثلا إذا أردنا عمل اجتماع في إحدى ساحات الأحياء الشعبية يرفضون بسبب سياسة منع التجمهر ونحن رضينا أم لم نرضى مرتبطين بالسياسة ارتباط جذري. والمثقف له الاختيار أن يعيش وحده ويعبر مستقلا أو ينضم لمؤسسة ما ليوحد موقفه مع مواقف آخرين. أما على مستوى المرأة المثقفة فهي مواطن مثقف ليس من المفروض أن تنسى أنها أنثى في ظل مجتمع ذكوري ولكن لابد أن تبدع وتنتج وان تتخطى العوائق فالمثقف دوره إجتماعى بالضرورة ولكن لكي يصل إليه لابد أن يحرر نفسه أولا من قيوده وفى رايى أن المرأة المثقفة تواجه ضغطا مضاعفا خاصة مع تفشى الأفكار الأصولية وعليها إلا تفتعل معارك شكلية مع الآخرين لكن تلفت النظر دوما إلى القضايا التي تناصرها وان تناضل دوما من اجل التحرر الجمعي لا من اجل تحررها هي فقط لأنه لا يوجد إنفصال فالدعاوى التي تتحدث حول تحرر المرأة في علاقتها الخاصة بالرجل دعاوى واهمة لان التحرر الاقتصادي هو الأساس وهذا التحرر ليس مطلوبا فقط لامرأة ولكن للرجل أيضا. أنا لا أنفى خصوصية قضية المرأة وخصوصية وضعها الاجتماعي فحتى الآن لا زالت التشريعات والقوانين تظلم المرأة حتى قانون الخلع يخدم بالدرجة الأولى المرأة البرجوازية لكنى معه كخطوة أولية على طريق تحرير المرأة وأدعو دوما إلى ترسيخ تيار للتعبير عن المرأة بسلبياتها وإيجابياتها وليس للدفاع عنها.. قضية المرأة لابد أن تتشعب في المجتمع فأنا ضد النسوية أما عن التيارات السلفية فهي ليست ظاهرة ثقافية فهي بنت اللحظة السياسية العامة والظرف الاقتصادي يخلق ذلك التبعية وعدم التخطيط وهم في الحقيقة ليس لديهم اصل عقلاني ومنطقي في تفسير الأمور ومتخلفين أيضا. ويقول الدكتور عبد المنعم تليمة: المثقف في اى مجتمع طليعة عقلية لجماعته يعي تاريخها ووقائعها وهزائمها ومشاركتها في التقدم الانسانى وهو يريد لها البقاء والتقدم والمثقف العربي في العصر الحديث يقوم بهذا الدور في ظروف بالغة الصعوبة فقد اخفق السياسيون العرب في توحيد الأمة العربية وأخفق الاقتصاديون العرب في صنع سوق عربية مشتركة وأخفق العسكريون العرب في تحقيق انتصارات مرموقة للعالم العربي والمثقفون لم يخفقوا لكنهم متعثرون مقيدوا الحرية والمعارك كثيرة جدا بين العرب والهيمنة الغربية للعالم الجديد وعالم ما بعد الحرب ، واقول أن المثقف لم يتخل عن هذا الدور لكنه يقوم به في ظل شروط صعبة لا تجعل النتائج واضحة والامال واسعة في مستقبل قريب تزول فيه القيود والحدود وتطلق الثقافة العربية من عقالها وتقوم من عثرتها لتؤدى الدور في الحفاظ على الهوية وبالنسبة للهوية محال أن يقوم المثقفون العرب باستيعاب الملامح الكبرى في التاريخ ووضع رؤى لمستقبل مجتمعهم في تاريخ الانسان القادم إلا إذا قاموا بأمرين : اولا ـ إنشاء المنظمات الثقافية المستقلة من جمعيات وإتحادات ونقابات مستقلة عن الهوى الفردى والتحكم البيرقراطى وبالفعل إستطاع المثقفون العرب إنشاء هذه المنظمات ، الاتحاد العام للمحامين العرب ، والاطباء العرب والاتحاد العام للكتاب العرب وأنشأنا في كل دولة مثل إتحاد الكتاب المغاربة وإتحاد الكتاب المصريين لكن لا تزال امامنا العثرات كثيرة جدا منها المؤسسات البيروقراطية الحاكمة .. وبخصوص الاغتراب الثقافى قال تليمة أن الاغتراب الثقافى الذي نعيشه الان له جذور والجذور موجودة من بداية النضال ، والتساؤل الذي يقول اننا نستطيع في ظل الهيمنة صنع ثقافة عربية متميزة تستطيع أن تعكس العصر تتشوف إلى عصر قادم مؤسس على ثقافة عربية خالصة امر غير مقبول على الاطلاق ولابد أن تؤسس على الجديد الغربي انا في تقديرى أن هذا سؤالا غير دقيق فنحن العرب المحدثين لسنا وعاءا فارغا يصب فيه القديم العربي أو الغربي الوافد لكن لدينا ايضا حاجات ومتطلبات ومهام للمجتمع العربي الحديث مثل قضية تحرير المراة والتمثيل البرلمانى والتعليم المدنى الحديث أشياء كثيرة لم تكن في التراث القديم ولا يجيب عنها التراث الغربي الوافد . وحول مداخلة من المحاورة (هذه الاشكال أيضا نحن نقلناها عن الغرب فقبل تعرفنا على البرجوازية الانجليزية لم نكن نعرف تحرر المرأة بهذا الشكل أو البرلمان وإذا لم تنشأ البرجوازية المصرية تابعة للبرجوازيات الغربية خاصة الفرنسية والانجليزية وإتخذت مسارا اخر نابع من التطور الطبيعى لها لكانت ربما اصبحت لها متطلبات اخرى واشكال خاصة بها ) قال تليمة انا مختلف معكى في هذا القول بأن البرجوازية العربية نشأت تابعة وبالتالى خلقت ثقافة تابعة . التطور البشرى ليس هكذا وفكرة أنه لو كانت نشأت البرجوازية بشكل مختلف كانت إختارت لها مسارا مختلفا وهذا المسار الذي يصنف بالغربى هو مسار بالفعل انا شاركت في اقامتها والبرجوازية العربية نشأت لان هناك مشكلات نابعة من المجتمع العربي هي مشكلة التحرر الوطنى ، وأقول أن الغربي أعطانى النموذج الديكارتى وانا اعطيته النموذج الخلدونى إذن انا مشارك معه في ما انتج ولو كان هذا الطرح صحيحا فلماذا صعدت الصين والهند واليابان .العالم كله يأخذ ويعطى وشرط التقدم هو آلية الحيوية تعرف ماذا تأخذ وماذا تقدم . البرجوازية العربية نشأت بعد الغربية فلابد أن تستفيد بعملها لا أن نقلدها . ما اعطيته يوما تراث بشرى إنسانى أصبح في ضمير الانسانية عامة وما أخذه اليوم اصبح حضارة إنسانية واحدة وثقافة حديثة من يشارك فيها يتقدم ومن يتأخر يتأخر دون حساسية لشرق أو غرب أو شمال أو جنوب من قال أن الثقافة الحديثة غربية فقط فأين يذهب الصينيون واليابانيون والهنود ، الفيصل اليوم هو من القادر على المشاركة ولديه حيوية داخلية للعطاء واعود وأتحفظ على فكرة تبعية البرجوازية المصرية لانها في مسارها الذي إتخذته أرادت المسار الانسانى العام إنها تريد أن تستفيد من الانتاج البشرى جميعا قديمها العربي والاسلامى وحديثها الابداع الغربي والشرقى لحل مشكلات بالفعل جديدة كتحرير المرأة والتعليم المدنى والتمثيل البرلمانى وتلمس افاق وحلول. البعض يقول كان عندنا المشروع العربي الاسلامى والبعض يقول كان لدينا المشروع الوطنى المصرى واننا اجهضناه لاننا قلدنا المشروع الغربي لكن المشروع الحقيقى هو جدلية ونسيج مما ورثناه عن الفراعنة وحتى اليوم والاطروحات الغربية والعالمية ولدينا مشكلاتنا وفلاحنا أن نجتهد في حل مشكلاتنا مستهدين بالقديم والحديث الغربي والشرقى وبما نستطيع أن نضيفه نحن . وحول هل المثقفون يحكمهم مبادىء وقواعد واحدة أم أن الاختلاف اكثر من الاتفاق .. اجاب تليمة المثقفون في كل العالم تيارات وإتجاهات ومدارس متناحرة هناك فئة ترى رأيا على اقصى اليمين انه يمكن التطور من خلال المؤسسات الرسمية فيلوذ بالحكومة وفئة اخرى تراه رهن المؤسسة المعارضة وهم بشر متناثرين بين الطبقات وكذلك بين الاجهزة الرسمية وبين الجماعات المستقلة هم فئة تتميز لا تمتاز والمثقف صاحب موقف نقدى من الحياه عموما لا يرضى بالماضى كما هو ولا يرضى بالحاضر كما هو وأنما يعمل بالعقل ما بين الحاضر والماضى فالمثقف لا يجب أن يكون هادئا نائما لأنه متوتر لا يرفض الماضى ولا يقبله كما هو وكذلك الحاضر هو صاحب رؤية مختلفة عن الماضى والحاضر والمثقفون يمكن إعتبارهم جماعة عموما لكنهم مستويات في الدخول والمستويات الإقتصادية يختلفون فيما بينهم فهذا ماركسى وسلامى وكذا وكذا لكن تجمعهم سمة عامة تجمع صفة المثقف انه صاحب موقف نقدى .. وعن الدور الذي يلعبه المثقف مع الجماهير اجاب تليمة في الحقيقة المثقف ينفصل عن الجماهير لأنه رافض للاوضاع الراهنة ويشتبك معها . هو ليس مع الجماهير انه يريدها أن تخطو خطوة متقدمة عن ما هي عليه انه ليس زعيما سياسيا وإنما له موقف نقدى سواء مع السلطة او موقف نقدى مع الجماهير وهو في محنة انه ممتحن لأنه لا يوافق الجماهير ويعلو صخبه بشعاراتها ولا يوافق السلطة على سياساتها . هذا يجعلنا نتحدث عن المثقف الثورى هناك ثلاث انواع من المثقفين الاول: المثقف السلفى الذى يرى المستقبل الانسانى في الماضى لذا يبنى برنامجه ومنهاجه ورؤاه على نصوص السلف ومن يرجع ببرنامجه وخططه إلى شىء ماضى فهو سلفى . ثانيا :المثقف المحافظ الذى يضع منهاجه وخططه على ما هو قائم حفاظا على مصالح قائمة بمنطق ليس في الامكان ابدع مما كان يكتب الاغنية والقصيدة والرواية وايا كان دائر في فلك المالوف .ثالثا : المثقف الثورى الذى يرنو عينيه إلى مستقبل افضل فإذا كان إنشائيا كان كأنه يرجم بالغيب وإذا كان مؤسسا على اساس علمى دقيق يقيم رؤياه على حقائق الاشياء وأسانيد وقرائن موضوعية وعلمية كان ثوريا حقا والا يصبح طوباويا ورومانتيكى ..وعن العلاقة المفترضة بين المثقف والسلطة قال تليمة أما بالنسبة للسلطة إذا إستطاعت ان توظف المثقف أفقدته بذلك صفته لذا على المثقف بقدر الامكان ان يتخذ موقفا مستقلا لا يتعيش من السلطة ولا يرهن فكره لها فشرط وجود المثقف هو الاستقلال لان صفته الاساسية هو النقد فالسلطات والانظمة الديكتاتورية تلهى المثقف عن قضايا حقيقية موجودة بعدو وهمى حتى ينسى الاموال التي تنهب والهياكل التي تهدم والفساد وتأتى المعركة مع إسرائيل بخسائر فادحة لانها فرغت الامه من مضمونها وفى كل الاحوال هناك عدو خارجى هذا العدو الخارجى لن نستطيع معه سبيلا على الاطلاق إلا إذا رتبنا بيتنا من الداخل لكن كيف وانا ممنوع بقوة السلاح وقوة الامن المركزى والقوات المسلحة من ترتيب بيتى الداخلى المثقف في كل العالم تهمه هذه القضايا الكبرى مثل الصراع العربي الاسرائيلى لكن تأتى انظمة للحكم وتمنعه بالقوة القسرية تمنعه ايضا من رغيف الخبز والدواء باسم هذه القضية ومما يجعل المثقف يصاب بالعقم والعجز والصمت هل هو يتعمد الهروب ؟ لا أستطيع ان اقول ان المثقف لديه نزعة شريرة لان ينفصل ويهرب هو متهم بهذه القضايا العامة ليس هروبا من القضايا الخاصة ولكن ثمة ظروف عامة تاريخية وإجتماعية في مقدمتها الانظمة الديكتاتورية والعسكرية التي تحول بين المثقفين على إختلاف تياراتهم وقد يتعمد البعض الهروب لكن الغالب هو أنهم مطالبون بالولاء الشخصى لمقعد السلطان . وحول فكرة ان يحمل المثقف ايديولوجيا معينة اجاب تليمة كل شىء في العالم ايديولوجيا يجب ان يحمل كل إنسان ايديولوجيا وليس المثقف فقط لانها تعنى نظرة إلى الحياه يحملها بالضروره كل انسان أنثى او ذكر صغير او كبير امى او مثقف ونحن المثقفون نضعها فى شكل كتابى لكن الأمي لا يراها او يعيها والثقافة هي عمل جماعى بشرى يتضمن كل شىء حتى أساليبنا فى الزى والزواج والبناء والابداع وتربية الاطفال وحتى فى إشاراتنا فالثقافة هي محصلة لكل ما هو غير مادي الايديولوجيا هي الماوراء للانشطة الثقافية المختلفة كافة وهى القاعدة المكينة للاداء الثقافى وهى المفسر ايضا لهذه الانشطة الثقافية ... وأضاف تليمة ان شرط وجود المثقف هو الاستقلال لان صفته الاساسية هي النقد فدخوله حزب او مؤسسة يفقده هذا الموقف النقدى وبالتالى صفته كمثقف هو يحتاج فقط إلى الاستقلال كى يستطيع ان يمارس إبداعاته فانا عندما اكتب رواية احتاج إلى إستقلالى فى صنع موقف نقدى ....
ويقول الناقد محمود أمين العالم : الثقافة نفسها دور إنها كما يفهم في اغلب الأحيان مجرد معرفة والمعرفة وحدها لاتشكل ثقافة تكون معرفة متخصصة فى علم ما او وظيفة ما أو تفنية . اما الثقافة فهى المعرفة المرتبطة بالهم القومى او الانسانى العام والمشاركة معرفة وعمل فى تغيير الواقع السائد جزئيا او كليا ومرحليا او إستراتيجيا إلى واقع افضل واعدل واجمل واكثر حرية وتفتحا وإبداعا . الثقافة فى تقديرى هي الحاضر مسكونا بالمستقبل فاعلا من اجل مستقبل افضل . والثقافة أساسا هي ثقافة معبرة عن هوية محددة وإن تكن بالضرورة مفتوحة على مختلف الثقافات والهويات الاخرى تفاعلا سلبا او إيجابا والمثقف بما يجدد ثقافته الذاتية يجدد وينمى فى الوقت نفسه هويته الثقافية او الهوية الثقافية لوطنه وامته ويشارك كذلك فى تجديد وتنمية الخبرة الثقافية الانسانية عامة . فالهوية الثقافية تماما كالخصوصية القومية لا تعنى عزلة وإنقطاعا عن الهويات والخصوصيات الاخرى . وبلادنا العربية والمصرية تعانى بالفعل ازمة هوية ثقافية وبرغم وحدة الثقافة العربية فلاشك ان كل بلد عربى له بعض سماته الخاصة التى لا تناقض وحدة الهوية الثقافية العربية بل تغنيها على انه فى هذه المرحلة الراهنة من حياتنا التى تزداد فيها الفرقة بين البلاد العربية وتطغى فيها فيها التأثيرات الثقافية لدول اخرى ذات توجهات ثقافية مغرضة . وتسعى بها إلى طمس خصوصيتنا الثقافية الخاصة دعما لسيطرتها وهيمنتها على واقعنا السياسى والاقتصادى والنموذج الصارخ امامنا اليوم هو محاولة الولايات المتحدة فرض ثقافتها الخاصة على تعليمنا وثقافتنا العامة كسبيل للسيطرة علينا وهنا تبرز مهمة المثقفين لمقاومة الجوانب المغرضة فى التوجهات الثقافية الامريكية مقاومة بتدعيم خصوصيتنا الثقافية وتعميقها تدعيما وتعميقا إبداعيا . للاسف أصبحت الثقافة فى عصرنا الراهن وسيلة للتعمية والتضليل لا التنوير والتوعية لا تقوم بها الدول الرأسمالية الكبرى مثل الولايات المتحدة بل تمارسها بعض المشروعات العدوانية التوسعية مثل الحركة الصهيونية ولعل ما يجرى فى العراق وفلسطين اليوم دليل صارخ على ذلك .وبخصوص الحل الجذرى الذى سعى المثقفين للوصول اليه قال العالم القضية ليست قضية المثقفين وحدهم بل هي قضية القوى الاجتماعية عامة بمنظماتها وهيئاتها المدنية من محامين واطباء وعلماء وعمال وفلاحين ورجال اعمال وطنيين غير ذلك من مختلف القوى الاجتماعية الحية لاشك ان المثقفين الواعين هم الطليعة الواعية والناشرة والمعمقة للوعى فى كل هذه القوى الاجتماعية والقضية ليست قضية نشر الوعى فحسب بل لابد من تحويل الوعى إلى فاعلية مجتمعية شاملة من اجل التغيير ولا خروج من الاغتراب بغير هذه الفاعلية التغييرية الواعية وتجاوز الواقع المتدني السائد إلى واقع معبر بحق عن مصالح المواطنين . ولا اعتقد ان جذور الاغتراب ترجع إلى ما يسمى بالنهضة الحديثة منذ عهد محمد على بل لعلها ترجع فى تقديرى منذ الهيمنة العثمانية وإجهاض المحاولات الاولى لبداية تحول للواقع العربى عامة إلى نهضة جديدة لعلها كانت متواكبة بل سابقة للنهضة الاوروبية فى القرن الخامس عشر وهناك دراسات عديدة حول هذا الموضوع تتابع ما تعرضت له البلاد العربية ومصر خاصة من تدخلات خارجية منذ ذلك الحين إلى اليوم ورغم هذا لم يتوقف الشعب العربى بوجه خاص عن المقاومة . والمجال هنا لا يسمح بتفصيل .. وعن رايه فى عدم وجود هوية ثقافية موحدة للمجتمع المصرى قال العالم هذا كلام غير علمى فإن تعدد الطبقات وتنوعها فى وطن من الاوطان لا ينفى وجود ثقافة عامة معبرة عن هذا الوطن او ذاك وإن سيطرت على الثقافة العامة التوجهات المعبرة عن الطبقة السائدة فى هذه المرحلة او تلك .واضاف لكل طبقة اجتماعية مثقفوها ولكل سلطة سياسية حاكمة مثقفوها كذلك المعبون عن صمالحها التي هي مصالحهم أو الانتهازيون الذين يبررون السلطة السائدة ويسحون على حد التعبير القديم اجواخها سعيا وراء مكاسب ذاتية وبرغم هذا فهناك لكل طبقة مثقفوها الذين يعبرون تعبيرا موضوعيا مخلصا عن مصالحها ويدافعون عنها ويجاهدون أن يجعلوها الثقافة السائدة في المجتمع ولهذا ففي كل مجتمع ثقافة سائدة هي ثقافة السلطة وثقافة مجتمعية غير سائدة وان تكن تسعى إلى السيادة لارتباطها بمصالح الاغلبية الشعبية ولهذا هناك بشكل عام ما يمكن تسميته بثقافة السلط التي تسعى لتاييد السلطة وهناك الثقافة التي تسعى لتطوير الواقع المجتمعي وتجديده لمصلحة الاغلبية الشعبية .وحول مدى اقتراب المثقف من الجماهير وما هو دوره تجاههم هل القيادة أم التواصل والتفاعل قال العالم في واقعنا الراهن تسيطر الدولة على كل منابر الإعلام والتعليم والتثقيف عامة وتسعى لتوجيهها وفقا لسياستها ومصالحها العامة وهناك بغير شك حركة ثقافية واعية وفاعلة في بلادنا ولكنها ما تزال مقيدة بالعديد من القيود سواء من حيث الرقابة والاحكام العرفية وقوانين الطواريء ومنع التظاهرات الشعبية والقوانين المقيدة للنشر واستفادة السلطة من التكنولوجيا فضلا عن وسائلها الادارية لتحقيق سيطرتها وتدعيم سياستها ولكن هذا لا ينفي وجود العديد من ظواهر المقاومة الثقافية في العديد من التعابير الثقافية في مجال الرواية والقصة والشعر الفصيح والشعبيبل والفن التشكيلي والسينما احيانا بمستوى أو بآخر فضلا عن الفكر العقلاني والعلمي ولكن التوجه العام أو الرؤية الثقافية السائدة ما تزال مسيطرا عليها بسيطرة السلطة على مختلف الاجهزة والمنابر والساحات الثقافية بمستوياتها المختلفة على أن المعركة محتدمة اليوم خاصة بين سلطة الثقافة وثقافة السلطة في مختلف المجالات وخاصة السياسية والاجتماعية .وحول العلاقة المفترضة بين المثقف والسلطة اجاب العالم ينبغي للمثقف أن يكون قوة ناقدة لسياسات السلطة عامة بمعيار المصالح الأساسية للشعب في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية عامة والعمل على تنمية روح النقد جماهيريا أي توعية الجماهير بمصالحها في مختلف هذه المجالات ولكن ينبغي التفرقة بين ما يتعلق باجهزة الدولة كاجهزة ادارية وخدماتية عامة وبين اجهزتها كسلطة سياسية ذات توجه ايديولوجي وسياسي ومصلحة خاصة تسعى باستخدام هذه الاجهزة الادارية لفرضه على المجتمع ولهذا فالقضية هناك ليست أن تكون داخل جهاز الدولة أو خارج جهاز الدولة وإنما المهم ما هو موقفك من التوجه السلطوي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للدولة سواء كنت داخل اجهزتها أو خارجها فهناك من هو داخل اجهزة الدولة ويعارض سياستها الادارية بل السياسة الإيديولوجية العامة وهناك من هو خارجها ويؤيدها والمسالة تختلف باختلاف القضايا وطبيعتها ومدى حساسيتها بالنسبة للشان العام وطبيعة الخلاف معها والموقف منها في مراعاة مصلحة الشعب والحاجة المتصلة والواجبة للتغيير والتجويد إلى ما هو أفضل كما سبق أن ذكرت هناك امور تستدعي الاكتفاء بالحوار الديمقراطي بل المشاركة في بعض القضايا من اجل التصحيح والتطوير وهناك امور تستدعي النقد والاختلاف المبدئي الذي قد يفضي إلى الصدام الفكري الحاد بل العملي كذلك في شكل تظاهرات من اجل التغيير الجذري للسياسات السائدة وعلى هذا فالعلاقة بين المثقف والسلطة هي في جوهرها علاقة خلاف بين ارادة التطوير والتجاوز المتصل من اجل مزيد من العدل والحرية والتطوير والتقدم والابداع للمجتمع عامة وبين سياسات الاجراءات الجزئية ومحاولات التعمية عن النواقص أو تكريس الحكم لصالح فئة اقتصادية استغلالية على حساب مصالح المجتمع ولهذا كما ذكرت تختلف العلاقة بين المثقف والسلطة باختلاف طبيعة السلطة ومسلكها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحول تساؤل هل تعد الأصولية ثقافة قال الأصولية توجد في كل ثقافة هناك اصولية دينية واصولية قومية واصولية يسارية ولهذا فهي ثقافة كذلك أي توجه ثقافي أو سمة ثقافية وهي في جوهرها تعبر عن جمود ورجوع دائما ثابت إلى الجذور الأولى والأصول الأولى لمختلف هذه القضايا واتخاذها معايير ثابتة تحكم كل سلوك أو تصرف في الحاضر أو المستقبل وقد تعبر الأصولية عن جمود ونقص في الخبرة الاجتماعية والثقافية والفكرية وقد تعبر عن مصالح اقتصادية تجد في هذه الأصولية والتوجه الأصولي حماية فكرية لمصالحها . وحول وجوب تبني المثقف لإيديولوجية ما قال كل ثقافة فيها جانب إيديولوجي أي جانب يفتقد الموضوعية المطلقة لان كل ثقافة مرتبطة برؤية ومعرفة وكل رؤية ومعرفة ترتبط بعامل زمني محدد أو ملابسات مجتمعية محددة أو مصالح عامة محددة أو ثقافة محددة أو مرتبطة بموضوعات متشابكة تجمع بين عناصر موضوعية وعناصر ذاتية وعناصر اجتماعية وملابسات تاريخية حتى بعض النتائج التجريبية العلمية الطبيعية تخضع في تنفيذها واستخدامها إلى الجوانب المصلحية الفردية أو السلطوية ألا تستخدم أمريكا اليوم أرقى نتائج العلم التكنولوجي استخداما لمصالحها هي في السيطرة والهيمنة كذلك تفسر بعض النتائج العلمية في مجالات العلوم الاجتماعية وتوجه لخدمة أهداف توسعية ولهذا فان الايدولوجيا أي البعد المصلحي الذاتي في قلب كثير من الأهداف وأشكال السلوك والأعمال يحتاج دائما إلى الفرز والكشف والثقافة كل ثقافة تتضمن بالضرورة أيديولوجيا لأنها تعبر رغم أهدافها الموضوعية عن مواقف ومواقع ذاتية ولهذا فان بعدا أساسيا من أبعاد الثقافة هو البعد النقدي الذي يسعى أن يستبعد دائما الجانب الذاتي من كل حكم وموقف موضوعي عام ولهذا نجد في داخل المدرسة النقدية الواحدة أو المذهب الفلسفي الواحد أكثر من اتجاه أو تفسير أو اجتهاد وهنا تبرز روح النقد الموضوعي لفرز الاتجاهات وأشكال السلوك والمواقف لتغليب الجانب الموضوعي .وحول ظاهرة الارتداد الإيديولوجي قال قد يكون الارتداد عن اقتناع حقيقي وخبرة حية أوصلته إلى هذا الارتداد وقد يكون نتيجة لأخطار وعذابات تعرض لها في مناخ بالغ القسوة والعنف لم يستطع أن يقاومه على أن الارتداد قد لا يكون سعيا وراء مصلحة أو درءا للأخطار أو الخسارة بل يكون ثمرة تغير في الرأي وخبرة عملية حية ولهذا فالأمر يتعلق بكل حالة من هذه الحالات والقضية هنا يحكم عليها أو لها بحسب طبيعة هذا الارتداد أو التغيير وأسبابه ونتائجه الذاتية والموضوعية ولا ينبغي أن يحكم عليها حكما أخلاقيا سلبيا بدون التأني في التحليل والدراسة وبخصوص عمل المثقف من خلال المؤسسة قال لا استقلال للمثقف حتى لو كان مستقلا خارج كل حزب أو حكومة أو تيار لا استقلال في الثقافة لأنها موقف فكري وعملي والقضية ليست أن يكون المثقف داخل الحزب أو الحكومة أو خارجها وإنما القضية هي موقفه سواء كان في الداخل أو الخارج . ولهذا فالالتزام الفكري ليس بالضرورة التزام تنظيمي في حزب أو وظيفي في سلطة حكومية وان كان الانضواء في الحزب أو الجماعة أو التنظيم أو الهيئة التي يقتنع المثقف بمبادئها واتجاهتها هو اقرب إلى الجدية والاقتناع المسئول رغم ما في العلاقات الحزبية والتنظيمية عامة مما قد يحد من حرية المثقف احيانا على انه لا سبيل لتغيير جذري في مجتمع إلا في إطار اعمال ترتفع عن الحدود الفردية إلى الحدود التنظيمية وهنا يثار سؤال مهم وخاصة في مجال التنظيمات السياسية ذات التوجهات التغيرية الاجتماعية اليس من الضروري أن تكون هذه التنظيمات التي تسعى الحرية المجتمعية أن تكون تنظيماتها كذلك نموذجا لهذ الحرية في تكويناتها الداخلية أنها قضية إشكالية لان التنظيم السياسي يعني الالتزام بقرارات الجماعة حتى لو كان العضو مختلفا معها في تقديري أن الانضباط الحزبي ينبغي أن يقف عند حدود السلوك العملي دون الرأي الذي ينبغي أن يكون حرا و موضع حوار متصل دون أن يكون على حساب النضال والعمل على أنها قضية إشكالية تتفاقم في اللحظات الحاسمة من العمل السياسي ..
#سماح_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يتحسس
-
موت الاب الاخير
-
خليل عبد الكريم مفكر ثوري
-
الاخوان المسلمون البعد التاريخي
-
سيد قطب مفكر الاخوان وملهم الجماعات
-
بورتريه لالبير كامو
-
الرحيل-قصة قصيرة
-
قبض .... قصة قصيرة
-
حول حرية الصحافة
-
محمد جبريل ينتقد مكتبة الاسرة !!!
-
مرورمائة عام على مولد يحي حقي
-
مش عيب !! قصة قصيرة
-
هل التجمع حزب ثوري؟؟؟
-
سيدات في سجون عبد الناصر
-
طفل قصة قصيرة
-
العمال في عهد ستالين
-
دور المرأة في الحركة اليسارية المصرية والعمل العام
-
اشتراكية ناصر الزائفة إلى عصر الضياع ....رحلة البرجوازية الم
...
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|