|
تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الثالثة (3)
شوقي إبراهيم قسيس
الحوار المتمدن-العدد: 4072 - 2013 / 4 / 24 - 19:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حروف الهجاء العربية ومخارجها وكتابتها
كما ذكرتُ في الحلقة الأولى، عددُ الأحرف الهجائية في اللّغة العربيّة هو ثمانية وعشرون. تبدأُ أسماؤُها بالحرفِ المستعملِ لذلك الصّوت، وقلّما تجدُ ذلك في اللغة الإنجليزية مثلاً، وهي، بالتّرتيب الحديث: أَلِف، باء، تاء، ثاء، جيم، حاء، خاء، دال، ذال، راء، زاي، سين، شين، صاد، ضاد، طاء، ظاء، عين، غين، فاء، قاف، كاف، لام، ميم، نون، هاء، واو، ياء. ومتبّعٌ في أسماء الأحرف المنتهية بالهمزة أن تخفَّف، فنقول مثلاً: با، تا، ثا. سأستعرضُ في هذه الحلقةِ أمرين بالتّفصيل: ألأوّل، طُرُقُ الكتابةِ لبعضِ الحروفِ والعلاماتِ والحركات. بعدَ ذلك، سأتطرّقُ إلى بعضِ الاقتراحات القيّمة التي قدّمها بهذا الصدد د. فهد أبو خضرة في مقالٍ له نُشر قبل عدة سنوات في دورية "مدارات"[1]. أمّا طرُقُ وقوانينُ كتابةِ الهمزة فسأستعرضُها في الحلقةِ القادمة. والأمرُ الثّاني هو مخارجُ بعضِ الحروفِ وما تعرضتْ له من عملياتِ تشويهٍ في مناطقَ مختلفةٍ من وطننا العربيّ.
ألأَلِف: وهي الحرفُ الهجائيُّ الأوّلُ في كلِّ الأبجديات على الإطلاق. رغمَ أنّ اسمّ أوّلِ حرفٍ هو ألِف، إلاّ أنّ الحرفَ الهجائيَّ الأوّلَ في العربيةِ هو، في الواقعِ، الهمزةُ، ولا تأتي الألِفُ في المعاجمِ العربيةِ التّقليديّةِ إلاّ في النّهايةِ وقبلَ الحرف الأخير (الياء)، وتُذكرُ في هذا الموضع كمَدّةٍ طويلة (ا) لا كحرفٍ صوتيّ. ألألِف في أوّلِ الكلمة تكونُ دائماً حرفاً صوتيّاً (همزة في العربية)، فمنَ البديهيِّ أنّه لا نستطيعُ أنْ نبدأَ الكلامَ إلاّ بصوت. وهذه الألفُ الصّوتيّةُ يجبُ أنْ يكونَ عليها إحدى العلاماتِ الثّلاث: 1. همزة (أ): وهي الشّكلُ المعبِّرُ عن الصّوتِ في الألِف، وهو صوتٌ واحدٌ نُخرجه بآليّةٍ واحدةٍ وهي نخزُ الحنجرة، ولذا عُبِّر عنه بحرفٍ واحدٍ هو الهمزة. ومن المفيدِ أنْ نذكرَ أنّ هذا الصّوتَ الواحدَ استعملتِ اللغةُ الإنجليزيّةُ خمسةَ حروفٍ هجائيّةٍ لإخراجه، وهي ما اصطُلح في الإنجليزية على تسميتها (فاوِلز، Vowels)، وهي (A E I O U). على الهمزةِ أو تحتَها يكونُ، في نصٍّ مشكّلٍ: فتحة أو ضمّة أو كسرة للتّعبيرِ عن المَدّات القصيرة [أَسَدٌ، إذْهَبْ، أُكْتُبْ]. وقد تأتي الهمزةُ ساكنةً في أواسط أو أواخر الكلمات، وتشكَّلُ بالسّكون [رَأْسٌ، إقْرَأْ]. 2. وصلة أو همزة الوصل: وترمزُ إلى وجوبِ إهمالِ نطقِ صوتِ الهمزة. مثال: (في الْبَيْتِ). 3. مَدّة أو ألِف المَدّ [آ]: وتعبِّرُ عن همزة + ألِف غير صوتية: [آمين]. ولا تظهرُ الألِفُ عاريةً ألاّ إذا كانت غيرَ صوتيّةٍ أو مَدّةً طويلةً [باب، سؤال، لَعِبا]، أو كُتبتْ لهدفٍ آخَر كالألِف بعدَ واو الجماعة [كتبوا]، أو إذا أُهملَ لفظُ الهمزة فيها (أنظر لاحقاً). وعليه: كتابة الألِف الصوتية عاريةً في أيّ مكانٍ من الكلمة أعتبره خطأً إملائياً. ألألفُ غيرُ المتطرِّفةِ (كمَدّة طويلة) تُكتبُ دائماً قائمة (ا)، أما الألِفُ المتطرِّفةُ (في نهاية الكلمات) فتأتي على صورتين: قائمة، ومقصورة أو يائية، وتُكتبُ على شكلِ ياءٍ غيرِ منقوطةٍ [ى]، وهذه أحكامُها: ألألِف المقصورة: تقولُ المصادرُ اللّغويةُ إنّ الألِفَ المتطرّفةَ إذا كانتْ ثالثةً مقلوبةً عن الواوِ، في الأسماءِ والأفعالِ، كُتبتْ قائمةً، نحو [علا، دنا، العصا]. وفيما عدا ذلك كُتبتْ مقصورةً سواءَ كانتْ ثالثةً أو رابعةً أو خامسةً ليْسَ قبلَها ياء. أمّا إذا وقعت قبلَها ياء فتُكتبُ قائمةً حتى إن كانت رابعةً أو خامسة، قارنْ: [ألدنيا، ألعليا، يحيا (الفعل المضارع)، ألمنايا]. مقابل: [ألسُّفلى، ألأُخرى]. وتظهرُ الألِفُ مقصورةً في اسم العلم "يحيى" رغم أنّها مسبوقةٌ بياء، وذلك لتمييزه عن الفعل المضارع [وسمّيتُهُ يحيى ليحيا]. أمثلة على الألف المقصورة: ثالثة مقلوبة عن ياء: [بكى، رمى، سَعى، يرضى، ينسى، ألفتى]. تُقلب ألِف الماضي ياءً في المضارع [يَبْكي، يَرْمي] أو تبقى ألِفاً [يَسْعى]، وعند تصريف الماضي مع معظم ضمائر الرفع تقلب هذه الألف ياءً [بَكَيْتُ]. رابعة أو خامسة: [نادى، إهتدى، إستلقى، جرحى، قتلى، أسرى، ألمقهى، ألأُخرى، ألمُستشفى، ألسّفلى، سلمى، لُبنى، ليلى]. في المضارع تُقلبُ الألفُ المقصورة ياءً [يُنادي، يَهْتَدي]، وعند تصريف الماضي مع معظم ضمائر الرفع تقلب هذه الألف ياءً [نادَيْتُ]. بعض الأدوات: [إلى، على، متى، لدى]. وتُقلَبُ ياءً عند التّصريفِ في الأدواتِ الّتي تُصرَّفُ مع الضمائر: [إلَيْكَ، عَلَيْكَ، لَدَيْكَ]. لقد قدّم د. أبو خضرة [1] في المقال المذكور اقتراحاً (ص 13) لكتابةِ الألِف "يائية إذا كانت ثالثةً مقلوبةً عن الياء، أو كانت رابعةً فصاعداً. أمّا إذا كانت ثالثةً مقلوبةً عن الواو، أو كانت مجهولةَ الأصلِ، أو ذاتَ أصلٍ مزدوجٍ، فتُكتَبُ دائماً قائمة". لا شكَّ أنّه اقتراحٌ قيِّمٌ، وإن تمَّ تبنّيه، فعلى ذلك أنْ يكونَ بالكامل (بما في ذلك عدم كراهة توالي الأمثال)، وأنْ يُتَّفَقَ على آليةّ لتعميمِه ولفرضِ الالتزامِ به كضابطٍ وحيدٍ وثابتٍ وكهدفٍ أعلى ونهائيٍّ، لا كحلٍّ مرحليٍّ. على أنّ الدّكتورَ أبا خضرة يقولُ في مقالِه المذكور (ص 13): "ومن المعروف أنّ وجود حرفين يرمزان إلى صوت واحد، في أيّ لغة من لغات العالم، يُعتبر ترفاً لا لزوم له. فلماذا تكون العربية شاذّة في هذا الشأن؟". إتَّقِ اللهَ يا دكتور! هذا القولُ فيه تجنٍّ على لغتِنا لا يغفرُه إلاّ تقديمُ الاعتذارِ لها ومطالبةُ الجميعِ بالارتقاءِ إلى مستواها. فلا يوجدُ حرفان في لغتِنا يرمزان إلى صوتٍ واحدٍ، ومعظمُ الأصواتِ في الإنجليزيّةِ يعبَّرُ عن كلٌّ منها بحرفين أو حتى بأكثرَ من حرفين. وصوتُ الـ (V) في العبريّةِ يعبَّرُ عنه تارةً بحرفِ الباء [أَفيف، אביב] ومعناها (ربيع)، وتارةً بحرف الواو [عَخْشاف، עכשיו] ومعناها (الآن). وأقولُ للدكتور أبي خضرة: نعم، لغتُنا شاذّةٌ بهذا الشّأن عن بقيّةِ لغاتِ العالمِ التي أعرفُ عنها شيئاً؛ إذ لا يوجدُ في لغتِنا إطلاقاً حرفان يرمزان إلى صوتٍ واحد. وما الألِفُ المقصورةُ والألِفُ القائمةُ إلاّ شكلان لحرفٍ واحدٍ هو الألِف؛ وهذان الشّكلان هما لمَدّةٍ طويلةٍ لا لحرفٍ صوتيّ. وفي العبريّةِ، وكذلك في الإنجليزية، كلُّ الحروفِ لها شكلان. وقد أوضحتُ في الحلقةِ الأولى الفوضى الصّوتيّةَ الموجودةَ في اللّغةِ الإنجليزيّةِ. وأكرِّرُ هنا: تعبِّرُ الإنجليزيّةُ عن صوتِ الكاف تارةً بالحرف (C) وتارةً بالحرف (K)، وأحياناً أخرى بالحرف (Q) يتبعُه أو لا يتبعُه الحرف (U). ألحرفان (G) و (J) يرمزان إلى صوتِ الجيم مرةً، وإلى صوتِ (د + ج) مرةً أخرى. وصوتُ الجيم تشتركُ عدّةُ حروفٍ في التّعبيرِ عنه في كلماتٍ معينة، وتشتركُ عدّةُ حروفٍ أخرى للتعبيرِ عنه في كلماتٍ أخرى. ناهيكَ عن أصواتِ الشّين والذّال والثّاء والزّاي والفاء، وناهيك عن الـ (Vowels) التي تصطفُّ في الكلمةِ دونَ نظامٍ، وبمجموعاتٍ مختلفةٍ، إمّا لتعبّرَ عن لا شيء، أو لترمزَ بطرقٍ مختلفةٍ إلى نفسِ المَدّةِ الطّويلةِ أو القصيرة. لا يطالبُ البريطانيُّ أو الأمريكيُّ بتغييرِ وتبسيطِ لغته، بل يَدرُسُها ويُدَرِّسها كما هي، وينجحُ في ذلك. ولا يطالِبُ العبريُّ بتغييرِ وتبسيطِ لغته التي تعمُّ فيها الفوضى، حيثُ معظمُ قوانينِها اللّغويّةِ يتبعُه عددٌ قليلٌ من المفردات، والباقي شاذٌّ عن القاعدة. وتحتوي العبريةُ على ما لا يقلُّ عن ستّ عشرةَ حركةٍ (مَدّات قصيرة) أكثرُها لا لزومَ له ويعبِّر عن نفس المَدّة. ثمّ هل سمع أحدٌ بوجودِ "سكونٍ ساكنٍ" (شْفا نَحْ، שווא נח) و "سكونٍ متحرِّكٍ" (شْفا نَعْ، שווא נע) إلاّ في اللّغة العبرية؟! سأتطرَّقُ في حلقاتٍ قادمةٍ إلى ما أعتقدُ أنّه علينا أنْ نعملَه كي نَدرُسَ ونُدرِّسَ لغتَنا كما هي، وننجحَ في تخريج طلابٍ وطالباتٍ يمكنُهم أنْ يتعاملوا مع لغتِهم شفهياً وكتابياً دونَ أخطاء وتجاوزاتٍ لغوية. ألأَلِف الخِنجريّة: وهي علامةٌ توضعُ بينَ حرفَيْن صوتيّيْن للإشارةِ إلى وجودِ ألِفٍ غيرِ صوتيةٍ بينَهما حُذفتْ لأسبابٍ تاريخيةٍ، كمحاكاةِ النّصِّ القرآنيِّ في عددٍ قليل من الكلماتٍ مثل: (لله، هذا، ألرحمن). وهنا أقترحُ إلغاء الألف الخنجرية، وكتابة هذه الكلمات كما نلفظها (هاذا) و (ذالك) و (هاؤلاء). وقد نختار إبقاءها في حالتَيْ (لله) و (الرحمن) لمدلولهما الدّيني. ولأنّه صعبٌ جداً إدخال الألف الخنجرية في الحواسيب (يُدخلُها الحاسوب تلقائيّاً في كلمة ألله) فلا بدّ من إلغاء كتابتها. ألوصلةُ: وهي العلامةُ أو الشّكلُ الّذي يوضعُ على الألِفِ ليَشيرَ إلى امتناعِ لفظِ الهمزة، وذلكَ كي يتّصلَ لفظُ الكلماتِ مع بعضِه في الجُمل، وتُسمّى أيضاً ألِف الوصل أو همزة الوصل. لا يقبل موقع "مجلة الحوار المتمدن" شكل الوصلة في النّص ربّما لأنّه مستورَد ولا يوجد مفتاح خاصٌّ به، لذا فلن ترى، عزيزي القارئ، في هذه الحلقات شكلَ الوصلة. أكثرُ ما تكونُ الوصلةُ في ألِف أل التّعريف في وسطِ الجملةِ، نحوَ [ألسماء والأرض، عبد الرّحيم، ألجمهوريّةُ السّورية]. وتجدُها أيضاً في كلماتٍ تبدأُ بالألِف (الهمزة)، وعندَها يجوزُ إثباتُها أو إسقاطُها، نحوَ [ما اسمُكَ؟] أو [ما إسمُكَ؟]. وإذا دخلتْ همزةُ الاستفهام على همزةِ الوصلِ ثبتتْ همزةُ الاستفهام وسقطتْ همزةُ الوصل لفظاً وكتابةً، كقولِه تعالى [سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ...]. ولصعوبةِ إدخالِ رمزِ الوصلةِ في الحواسيب، أقترحُ أنْ نبقِيَ الألفَ في هذه الحالاتِ عاريةً. ألمَدّة أو ألِف المد: تُكتَبُ أيضاً على الأَلِفِ وعلامتُها (آ). وتعبِّرُ صوتياً عن همزة + ألِف غير صوتية، ووجودُها نابعٌ من قانونٍ أساسيٍّ في الكتابةِ العربيةِ ينصُّ على أنّه لا يجوزُ كتابةُ أَلِفَيْن متتاليتين في نفسِ الكلمة؛ لذلك نكتبُ [آنَ] بدلَ [أانَ]، [آكُلُ] بدلَ [أَأْكُلُ]، و [آسادٌ] بدلَ [أَأْسادٌ]. أما كلماتٌ مثل [أَأَنا؟، أَأُصالِحُكَ؟] فهي مركبةٌ من كلمتين لا من كلمةٍ واحدةٍ، همزة الاستفهام والكلمة نفسها؛ لذا يجوزُ فيها كتابةُ ألِفَيْن متتاليتين. وقد تأتي ألفُ المَدّ في أواسطِ الكلمات [أَلْقُرْآن، ظَمْآنٌ، أَلآن]. يوجد مفتاح في الحواسيب لكتابة ألف المد، لذا ممنوع كتابتها عارية. توالي الأمثال: منذُ القِدَم استثقلَ أو كرِهَ علماءُ اللغة كتابةَ ألفَيْن أو واوين أو يائين متتاليتين في نفسِ الكلمة، وسمّوا ذلك "توالي الأمثال". سأدخلُ في ذلك بتفصيلٍ أكثر في الكلام عن كتابة الهمزة. وأكتفي هنا بأنْ أقترحَ أنْ نُهملَ "كراهة توالي الأمثال" في حالة الياء والواو، والذي طرَحَه د. أبو خضرة في مقالِه (ص 15)، ونبقيه في حالة الألِف فقط، ليبقى منعُ كتابةِ ألِفَيْن متتاليتين قانوناً مميِّزاً للغة الضاد.
ألثّاء والذّال والقاف والضّاد: لقد شوَّه العرب في هذه الأيام لفظَ هذه الأحرف الأربعة، فالعديدُ من أبناءِ وبناتِ الوطنِ العربيِّ يلفظونَ الثّاء تاءً [تلاتة، تلاتين]، وفي مصرَ غالباً ما يلفظونها سيناً أو صاداً، وما أقبحَ محمدَ عبد الوهاب حين يقولُ في أغنيةِ "كليوباترة": [بُعِصَتْ! في زَوْرَقٍ مُسْتَلْهَمٍ مِنْ كُلِّ فَنِّ] (بدل "بُعِثَتْ"). والأمرُ نفسُه ينطبقُ على حرفِ الذّال، إذ غالباً ما يُلفَظُ دالاً أو زاياً. يحضرُني بهذه المناسبةِ ما حدثَ خلالَ درسٍ في اللّغةِ العربيّةِ ونحن على مقاعدِ الدّراسةِ الثّانويّةِ، حيثُ كان عددٌ من الطّلابِ والطّالباتِ يلفظون الثّاء تاءً، وكان أستاذُ العربيّةِ يرفضُ ذلك منهم، وغالباً ما يتهكّمُ عليهم. وفي إحدى الحصصِ سألَ الأستاذُ سؤالاً جوابُه "ألتوراة"، وحين طلبَ من أحدِهم – وكان يعاني من تهكُّمِ الأستاذِ عليه للفظِهِ الثّاء تاءً – الإجابةَ على السّؤالِ، أجابَهُ ذلك الطّالبُ بصوتٍ عالٍ وواضح: "ألثوراة"، ظانّاً أنّ عليه أنْ يقلبَ كلَّ تاءٍ ثاءً. لفظُ القاف هو أكثرُ لفظٍ شوَّهَهُ عربُ هذه الأيام. وأهمُّ تشويهٍ له هو استبدالُه بهمزة، ونجدُ ذلك متفشياً في أوسعِ قطاعاتِ المجتمعاتِ العربيّةِ: في مصرَ برمَّتِها وعندَ شرائحَ مجتمعيةٍ كثيرةٍ في بلادِ الشّام، والحالةُ القصوى في قلب كلِّ قافٍ همزة نجدُها في لبنان (خارج الطّائفة الدّرزية)، حيث يقلبون القاف همزة حتى في كلمات مثل "موسيقى، موسيئاه" و "مقال، مآل"؛ وما بقي عليهم إلا أن يقولوا "أُرْآن". حتّى عندَ من يلفظون القافَ قافاً نجدُ مخارجَها قد اختلفتْ بين شريحةٍ مجتمعية وأخرى، من أعمقِ مخرجٍ من الحلق إلى ما يقتربُ من لفظِ الكاف. وهنا تحضرني الطُّرفة الّتي طالما ردّدناها عن أحد المعزّين بوفاةِ رجلٍ اسمُه فؤاد، حيث قال: "اجتمعنا لنُقَبِّن الفَئيد فُقاد". كذلك أرسل إلي أحد الناشطين السّياسيّين في قريتي منشوراً ينوي توزيعه على أهالي البلدة، وذلك كي أدقِّقَ فيه لغويّاً قبل أن يوزِّعَه. ومن جملة ما قرأت قي منشوره هذا التعبير: [وليس لنا مقرب]، وهو يعني كلمة "مأرب" أو هدف. وليت المعلمين يبذلون مجهوداً إضافياً في مطالبةِ الأطفال منذُ صغرِهم إلى ضرورةِ لفظٍ سليمٍ لجميعِ حروفِ الأبجدية. إنّه لمؤسِفٌ حقّاً أنّ صوتَ الضّاد في كلامِ العربِ هذه الأيام هو في طريقِه إلى الانقراض. والصّوتُ موجودٌ في كلامِ النّاس في لغاتٍ أخرى، لكنّ العربيةَ هي اللغةُ الوحيدةُ التي تحتفظُ بحرفٍ مستقلٍّ له، ومن هنا لقبُها. وانقراضُ هذا الصّوتِ سببُه أنّ الكثيرين يستبدلونه بصوتِ الظّاء في كلامِهم، فيلفظون الكلمتين المختلفتين، [ضَلَّ] بمعنى تاهَ و [ظَلَّ] بمعنى بقيَ، كلمةً واحدة (ظَلَّ). ونرى قلبَ الضّاد ظاءً في مناطقَ واسعةٍ من وطنِنا العربيّ، خاصّةً في العراق والخليج، وعندَ شرائحَ مجتمعيةٍ مختلفةٍ في بلادِ الشّام، وقلّما نراه في مصر. قد نتغاضى عن هذا الاستبدالِ الشّنيعِ عندما يكونُ الكلامُ بالعاميّة، كما نفعلُ في حالاتِ استبدال القاف بهمزة والثّاء بتاء. لكنْ يجبُ ألاّ نسمحَ بذلك عندَ قراءة اللّغةِ الفصحى. وأبشعُ ما يكونُ هذا الاستبدالُ عندما يقرأُ أحدٌ شعراً أو يتلو آياتٍ قرآنيةً. وقد لاحظتُ ذلك مراراً، وصمّ أذنَي، وأنا أستمع إلى أشعار وإلى تلاوةٍ لآياتٍ قرآنية. وكما نطلبُ من الطّلابِ في المراحلِ الابتدائيةِ المبكِّرةِ أنْ يلفظوا القافَ قافاً والثّاءَ ثاءً والذّالَ ذالاً، علينا أن نصرَّ على لفظِ الضّادِ ضاداً لا ظاءً. ألشّدّة: تُكتَبُ فوقَ الحرفِ الصوتيِّ ونقاطِه، إن كان له نقاطٌ. وظيفةُ الشّدّةِ، وعلامتُها (ّ)، هي مضاعفةُ الحرفِ الصّوتيِّ، وعندَ ذلك تُغيِّرُ الشّدّةُ معنى الكلمةِ كما في: [دَرَسَ / دَرَّسَ (د ر ر س)]. [حاجَةٌ / حاجَّةٌ]. وتظهرُ الشّدّةُ، لفظاً وكتابةً، على الحرفِ الصوتيِّ بعدَ أل التعريف في حالةِ "الأحرف الشّمسية" التي لا نلفظُ لامَ أل التّعريف قبلَها، نحو [ألضّمير]. وأقترحُ أنْ نلتزمَ بكتابتِها في جميع الحالات بما في ذلك الحرف الشمسي بعد أل، وأن نُلزم الجميع بذلك.
ألتّاء المربوطة: وتأتي في أواخرِ الكلماتِ، وعلامتها هاء منقوطة (ـة، ة)، وهي علامةُ التّأنيثِ، وتضافُ إلى أواخرِ كلماتِ الهيئةِ والنّعوت لتأنيثها [جميلٌ / جميلةٌ]. وتوجدُ أيضاً في أواخرِ الكلماتِ المؤنّثةِ لفظيّاً [جزيرةٌ، صورةٌ]. لكَ - الأصحّ، عليكَ - أن تلفظَها هاءً عندَ الوقف، فتقولُ [جزيرهْ، صورهْ]، وعليك أنْ تلفظَها تاءً إذا شُكِّلَت وفي وسط الجملة وعند الإضافة حتّى إن سكَّنتَها، وفي جميع الحالات يجبُ أنْ تُكتبَ منقوطةً. هناك كلماتٌ قليلةٌ مذكّرةٌ ولكنّها تنتهي بالتّاءِ المربوطةِ، مثل (خليفةٌ، أساتذةٌ، أَئِمّةٌ، علاّمةٌ، عباقرةٌ). مهمٌّ جدّاً التّشديد على أنّ التّاء المربوطة يجب أنْ تُكتَبَ مع النّقطتين، وإلاّ كانت هاءً: [كتابةٌ] مقابل [كتابُهُ].
ألحركات: وهي الفتحةُ والضّمّةُ والكسرةُ، مع تنويناتِها الثّلاثةِ: تنوينُ الضّمِّ [هذا كتابٌ]، تنوين الفتح [جميلاً، جدّاً، سماءً، جزيرةً]، وتنوينُ الكسر [في يومٍ ما]. تُضاف ألِفٌ في تنوين الفتح في جميع الكلمات عدا المنتهيةِ بالتّاء المربوطة أو الهمزة [طويلاً] مقابل [وردةً، ماءً]. أمّا السّكونُ فتدلُّ على أنّ الحرفَ الصّوتيَّ ساكن [لا تَقْتُلْ]. وإنّه لأَمرٌ مثيرٌ حقاً حينَ ننظرُ إلى أسماءِ هذه الحركات - فتحة، ضمّة، كسرة -. فأسماؤها لم يأتِ بها علماءُ اللّغةِ اعتباطاً، بل هناك منطقٌ صوتيٌّ في التّسمية. فحين نُخرجُ المَدّةَ القصيرةَ المسماةَ فتحة يكونُ الفمُ مفتوحاً، وحين نُخرجُ الضّمّةَ تكونُ الشفتان مضمومتَيْن كدائرة، وحين نُخرجُ الكسرةَ (نكسر) الحنكَ إلى الأسفل، ونكتبُ الكسرةَ تحتَ الحرفِ الصوتيّ. وسأبحثُ في الحركاتِ عندَ الكلامِ عن اقتراحاتِ التّشكيلِ.
وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة، وموضوعها "ألهمزة وكتابتها".
#شوقي_إبراهيم_قسيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الثانية (2): في ال
...
-
تعلَّموا العربيّة وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)
-
تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|