|
الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلارك - الفصل الأول
سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 4072 - 2013 / 4 / 24 - 16:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ترجمة سعيد العليمى العنوان الاصلى للكتاب : أسس البنيوية - نقد ليفى شتراوس والحركة البنيوية -هارفستر برس 1981 تأليف سايمون كلارك -- ترجمة سعيد العليمى - مراجعة ابراهيم فتحى الفصل الأول مدخل . ليڤي شتراوس وأسس البنيوية يقدم هذا الكتاب نقداً جوهرياً لما يعرف بـ " البنيوية " من خلال تناول يعتمد أساساً على أعمال الأنثروبولوجي ، كلود ليفي شتراوس . وتتطلب مقاربة الموضوع على هذا النحو بعض التفسير . ترتبط " البنيوية " أكثر ما ترتبط بمجموعة مـن الأسماء : ليفي شتراوس ، ألتوسير ، فـوكـو ، لاكـان (وربما ، بارت ، ديريدا ، مجلةTel Quel ،) وبعدد من الشعارات المثيرة " موت الذات " "الهجوم على الواقعية " منها ببرنامج أو بمذهب محدد بوضوح . وواقع الحال بالفعل هو أن هناك عددا من الخلافات بين هؤلاء المفكرين ، حيث طور كل منهم الأفكار الأساسية للبنيوية بطريقته الخاصة . وكيفما كان الأمر فإن هناك فكرة رئيسية في قلب البنيوية ، وهذه الفكرة قد تولدت ولحد بعيد من أعمال ليفي شتراوس . وما يعنيني حال تطوير نقدي لأعمال ليفي شتراوس هو هذه الفكرة بصفة أساسية . لقد أبان ليفي شتراوس للبنيويين الطريق الذى يحل نهائيا وبشكل حاسم المعضلة التي ’بليت بها العلوم الإنسانية والإجتماعية منذ شروعها في تقديم تقويم علمي للعالم الإنساني الذى بمستطاعه أن يدرك تماما هذا العالم بإعتباره عالما للمعاني . ’يحدث عمل ليفي شتراوس ، بالنسبة للبنيويين القطيعة الأساسية مع المرحلة ما قبل البنيوية ، التي كانت موزعة بين محاولات وضعية بدائية لإختزال العلوم الإنسانية إلى فرع من العلوم الطبيعية ومحاولات رومانسية ( وعادة لاعقلانية ) لعرقلة العلوم بالإصرار على عدم قابلية الطابع الذاتي للتجربة الإنسانية للإختزال .لذا يجب أن ترتكز أي محاولة لفهم العالم الإنساني بالنسبة للبنيوية على معارضة ضارية لشرور " الوضعية " ( الطبيعية أو الواقعية ) و " النزعة الإنسانية " التي تتميز بالاعتقاد الساذج بوجود واقع مستقل عن الإدراك الإنساني أو بوجود إنسانية قادرة على خلق عالمها الخاص .وليفي شتراوس هو الذي يدل العلوم الإنسانية والإجتماعية على الطريق لتجاوز هذه الضلالات الطفولية . ويتيح ليفي شتراوس البدء فى تهيئة دراسة المؤسسات الإنسانية على أساس علمي حقيقي وذلك بإعادة تحديد موضوع العلوم الإنسانية . وتمثل إنجاز ليفي شتراوس في عزل نظام مستقل ذاتياً عن الواقع ، أى النظام الرمزي ، الذي يوجد مستقلاً عن الأشياء التي يرمز إليها ، وعن البشرالرامزين . فالمعاني الثقافية كامنة في الأنظمة الرمزية وهذه المعاني مستقلة عن ، وسابقة على العالم الخارجي من ناحية ، والذوات الإنسانية من ناحية أخرى . وهكذا فإن للعالم وجودا موضوعيا فقط في الأنظمة الرمزية التي تمثله . إن الأنظمة الرمزية هي التي تخلق وهم واقع خارجي للذوات الإنسانية ووهم الذوات الإنسانية التي يمثل العالم لها واقعاً . مادام ليس لنا إلا أن نحيا في إطار هذه الأنظمة الرمزية ، فلا يمكن أن تتوفر لنا معرفة بأي شئ وراءها .كما تعبر النزعتان الطبيعية والإنسانية عن الضلال المزدوج القائل بأننا نستطيع أن نعرف العالم بإستقلال عن أنظمته الرمزية وأننا نستطيع أن نعرف أنفسنا بمعزل عن الرمزية التي تتضمن مفهوما خاصا عن أنفسنا . ويعتمد إدعاء البنيوية بأنها عزلت الأنظمة الرمزية بوصفها واقعاً متميزاً يمكن أن تتيسر لنا معرفة مباشرة به على قدرتها على التعرف على المعاني المتضمنة في مثل هذه الأنظمة بمعزل عن أي تفسير ذاتي خاص لهذه المعاني . وتسعى البنيوية لاكتشاف المرتكز الموضوعي للمعنى الذي يبقى بعد تجريده من أمثال هذه التفسيرات الذاتية . لا يمكن مطابقة المعنى الموضوعي بأي معنى واع يمكن أن يحمله النظام الرمزي سواء لمشارك خاص في هذا النظام أو لمحلل خاص له . فهذا المعنى الموضوعي يمكن أن يكون فقط معنى غير واع . ومن ثم فإن البنيوية تبعد انتباهنا عن أوهام الوعي وتوجهنا نحو البنية التحتية اللاواعية للمعنى . فاللاوعي هــو الذي يتوسط بيننا وبين العالم ، خالقا الوهم المزدوج عن الواقع والذاتية . هذه هي الفكرة الرئيسية التي تتخلل البنيوية والتي تقدم الأساس لإدعاء البنيوية تقديم مقاربة علمية للإنسانية . إنها الفكرة الرئيسية التي طورت بالأحرى على نحو متباين في أعمال مختلف البنيويين . لقد طـور ألتوسير المحاجة البنيويـة على نطاق واسـع ( مستخدمـاً ) مصطلحات ابستمولوجية ، ملخصاً النقد الوضعي الجديد للمذهبين الطبيعي والإنساني . وقد طورها فوكو في نقد مدعم نسبيا للتظاهرات الأيديولوجية للمجتمع المعاصر . كما طورها لاكان من خلال إعادة تفسير لغوية مثالية لفرويد . ومن ثم فإن تقصياً نقدياً شاملاً للبنيوية ليتطلب عدة مجلدات . وكيفما كان الأمر فإن هذه التنويعات المختلفة هي تطويرات لفكرة رئيسية عامة ، وهى الفكرة التي قدمت ، على الأقل في صيغة بنيوية في أعمال ليفي شتراوس . وليس لتقصى أعمال ليفي شتراوس ميزة توجيه انتباهنا إلى أسس البنيوية بهذا المعنى فقط ، وإنما له ميزتان أخريان أيضا . أولاً ، إن أعمال التوسير ، ولاكان ، وفوكو هي على الأغلب غامضة للغاية إن لم تكن مبهمة ، وهى حافلة بأكثر التعميمات إطلاقية مما يجعل دعاواهم عسيرة على الإيقاع بها . وعلى الضد من ذلك ، فإن ليفي شتراوس قد طور المقاربة البنيوية حين تقصيه لأنظمة رمزية خاصة ، وقبل كل شئ تلك التي تتعلق بالقرابة ، والأسطورة ، والتي تجعل دعاوية عينية ونوعية ، ومن ثم قابلة للتقويم العقلي . من ثم نستطيع أن نتناول ببعض التفصيل محاولة ليفي شتراوس لتشخيص المعنى اللاواعي الموضوعي لأنظمة رمزية معينة حتى نكتشف إن كان المنهج البنيوي يقدم لنا مدخلاً إلى نظام متميز من الواقع ، وهذا يُتيح تطوير نقد للبنيوية لا يرتكز فقط على المحاجة الفلسفية ، وإنما يملك أيضاً رصيداً ما في إنجازات البنيوية المفترضة . ثانياً ،إنه من خلال بحث أعمال مؤسس البنيوية ، يكون ممكناً تقييم دعوى البنيوية في الأصالة بتقصي مصادر المقاربة البنيوية في أعمال ليفي شتراوس . وهذا التقصي سوف يبين أن البنيوية ليست أصيلة بالقدر الذي تعرض به نفسها . إن جذورها الفلسفية منغرسة بقوة في التقليد الوضعي ، الذي ارتبط به ليفي شتراوس من خلال عالم الاجتماع الفرنسي الوضعي إميل دوركايم ومن خلال اللسانيات الوضعية . إن المحاجة المركزية للبنيوية هي في الجوهر ترديد للمحاجة المشكوك فيها للوضعية اللغوية القائلة إن اللغة هي الواقع الوحيد مادامت المعرفة لا يمكن التعبير عنها وتوصيلها إلا في شكل لغوى . مرة أخرى فإن أعمال ليفي شتراوس تهدينا فرصة تقصي هذه المحاجات ليس فقط في لغتها الفلسفية ، والتي يمكن أن تقحمنا ببساطة في إعادة تلخيص تاريخ الوضعية الجديدة ، وإنما بلغة التضمينات الجوهرية لمحاولة اكتشاف الواقع المعبر عنه في اللغة . لقد اعتمد ليفي شتراوس لأقصى حد على نفوذ إنجازات اللسانيات الوضعية ، ومن ثم فعند تقصي أعماله من الملائم أن نوجه انتباهنا لهذه الإنجازات المفترضة . رغم أن غالبية البنيويين سوف يوافقون على اعتبار ليفي شتراوس مؤسساً للتقليد ، فإن قلة ترتبط بأعماله بشكل غير نقدي . إن محاولة تطوير نقد للبنيوية من خلال دراسة دقيقة لأعمال واحد من البنيويين قد تبدو من ثم وكأنه قد سووم عليها . ان تناولاً مفصلاً أكثرلأعمال ، ألتوسير ، فوكو ، ولاكان ، مثلاً ، هو وحده الذى يمكن أن يأمل في إقناع المتشكك بأن النقد الأساسي ينطبق بالفعل على أعمال الآخرين . أما بالنسبة للقارئ الأكثر تعاطفاً ، على أية حال ، فربما كان من الملائم أن نشير إلى الانتقادات الأساسية التي وجهت لأعمال ليفي شتراوس من قبل البنيويين المتأخرين حتى نبين أن هذه الانتقادات ليست أساسية . إن الأمر الأساسي الذي انتقد فيه البنيويون المتأخرون أعمال ليفي شتراوس له علاقة بنظريته في الأسس اللاواعية للمعنى . فعند ليفي شتراوس ، كما سنرى ، فإن أنظمة المعنى متضمنة في لاوعي ينبثق على أساس بيولوجي . وقد انتقد البنيويون المتأخرون تضمينين في هذه النظرية . أولاً ، اللاوعي هـو شــئ خارجـي ، وسابـق ، عـلـى أنظمة المعـنى . وعـلـى ذلك فـإن ليفي شتراوس في التحليل الأخير يلوذ بالمذهب الطبيعي . بالنسبة للبنيويين المتأخرين يمكن إزالة هذه الثغرة بتطوير لاكان لنظرية ليفي شتراوس حيث يصبح اللاوعي نفسه نتاجاً لأنظمة المعنى . وهذا التطور يجذر المثالية الثقافية المميزة للبنيوية ، وفي استبعاده لأي مفهوم عن الطبيعة الإنسانية يجذر النزعة البنيوية المناهضة للإنسانية ، ولكنة لا يؤثر على الموضوعات الأساسية . ثانياً ، إن لاوعي ليفي شتراوس ليس خارجياً بالنسبة لأنظمة المعنى فحسب ، انه أيضاً ثابت ومن ثم وراء التاريخ . وهذا يستبعد أي مصدر للتغير التاريخي ، لأن دوام اللاوعي لا يمكن أن يخلق سوى بنى ساكنة . إن إعادة صياغة لاكان لنظرية اللاوعي تحل هذه المعضلة أيضاً . فمادام اللاوعي مندمجا في أنظمة المعنى لا يبقى للأخيرة بنية ثابتة ولكن يمكن أن تفهم باعتبارها عددا من الأنظمة منخرطة في تفاعل داخلي معقد الواحد مع الآخر ومن ثم خاضعة للتغير .وقد طورت هذه الفكرة في محاولة التوسير لإدماج طبعة لا إنسانية من فكرة سارتر عن الممارسة في بنيوية ليفي شتراوس ، فكما أن البني تحدد الممارسة فإنها بدورها تغير البني . ورغم أن هذه الطبعات الأكثر صقلاً من البنيوية تثير موضوعات جديدة هى الأخرى، فإن التطور المتضمن فيها لا يمثل أكثر من تنويع على الفكرة الرئيسية الكامنة وراءها . وبصفة أساسية فإنها تمثل ببساطة تجذيراً أعمق لبنيوية ليفي شتراوس ، مقدمة الوسائل لأن تدمج في الإطار البنيوي عناصر بقيت خارجة عند ليفي شتراوس. ومن ثم ، ففي هذا الصدد ، تنطبق الانتقادات الأساسية التي وجهت إلى ليفي شتراوس في هذا الكتاب بقوة مساوية ، إن لم يكن أكثر على الطبعات الأكثر صقلاً المتداولة الآن بين الطليعة .
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلطة الشعب أو - ثورة إدسا - بين التوظيف الليبرالى ومرض الشيخ
...
-
الواقع السياسى بين النص القانونى والصراع الطبقى
-
السياسة والمضمون الطبقى
-
أزمة الثورة ومأزقها
-
حزب العمال الشيوعى المصرى - إنتفاضة يناير ( كانون الثانى ) 1
...
-
الماركسية والتفكيكية : الغرب ضد الآخر - بعض الأفكار حول كتاب
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى - ممهدات وحدود حرب اكتوب
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى -- ممهدات وحدود حرب أكتو
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى 1972 -- 1973 - القسم الث
...
-
من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى 1971 -- 1973 القسم الأول
-
الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى - القس
...
-
الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى -- الق
...
-
الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو -- الحواش
...
-
الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا
...
-
الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا
...
-
الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا
...
-
الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل
...
-
الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل
...
-
الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو -- الفصل
...
-
العبث القانونى وهل يحمى الرئيس الثورة ؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|