|
الصين : القوة الآسيوية الاولى
ماجدة تامر
الحوار المتمدن-العدد: 1169 - 2005 / 4 / 16 - 11:34
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
على الرغم من أن البرنامج النووي لكوريا الشمالية ، يمثل اختبارا صعبا للإدارة الأمريكية ، إلا أننا إذا ما نظرنا إليه بقدر اكبر من الإمعان ، فإننا سوف نكتشف ، أنه يخفي وراءه تحديا أوسع نطاقا ، واشد خطورة بما لا يقاس بالنسبة للإدارة الأمريكية والعالم بأسره .
هذا التحدي في جوهره يعكس حقيقة تتجلى في بزوغ الصين كقوة ذات نفوذ وتأثير كبيرين على باقي القوى بالمنطقة ، ويمكن لإدارة بوش أن تعبر عن طبيعة الدور الجديد للصين بأي لغة سياسية منمقة تريدها ، ولكن المسألة في النهاية تتلخص في أن نفوذ الصين اليوم في حالة تصاعد سريع وأن نفوذ الولايات المتحدة بالمقابل في حالة اضمحلال سريع .
وعلى الرغم من أن تلك الحقيقة قد لا تروق للمسؤولين في الإدارة الأمريكية ، فانه يجب أن يعرفوا أنهم كلما أسرعوا في تقبل هذه الحقيقة ، كلما أتيح لهم أن يتعاملوا معها بشكل أسرع . ومما يؤسف له أنهم قد تجاهلوا شرق آسيا إلى حد كبير، وذلك بعد أن انغمسوا في الأوضاع المتردية في كل من أفغانستان والعراق .
إن أرقام التجارة تساعدنا على شرح التحول الذي حدث في آسيا ، فخلال ست سنوات تقريبا سوف يصبح اقتصاد الصين أكبر بمرتين من اقتصاد ألمانيا الذي يعتبر في الوقت الراهن ، ثالث أكبر اقتصاد في العالم .
وبحلول عام 2020 ، يتوقع أن يتجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الياباني الذي يعتبر ثاني اكبر اقتصاد في العالم ، علما بأن اليابان تستورد حاليا من الصين أكثر مما تستورده من الولايات المتحدة . كما أصبحت الصين اليوم أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية التي تحتل المرتبة الثانية عشرة في قائمة أكبر الاقتصاديات العالمية .
ولكن ماذا تعني تلك الإحصائيات ؟ تعني أن الزعماء الصينيين يدركون حاليا بأن النفوذ ينبع من التجارة وليس من براميل البارود ، كما كان يعتقد " ماوتسي تونغ " في الماضي . كما تعني أيضا أن طوكيو وسيؤول تعرفان تلك الحقيقة ، وأنهما غير راغبتين في وضع نفسيهما في مواجهة مع بكين ، حتى لو أدى ذلك إلى معارضة واشنطن ذاتها. وبمعنى آخر إذا كانت إدارة بوش لا تزال تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة الوحيدة في عالم أحادي القطبية ، فإن طوكيو وسيؤول لا تشاركانها هذا الرأي وإنما تنظران إلى الولايات المتحدة و الصين كقوتين يجب أن يحسب حسابهما في آسيا التي يجب أن تمثل الثنائية القطبية في هذا العالم .
والدليل على هذا التحول الجوهري في الأوضاع هو ذلك الصعود السريع للصين ، كلاعب دولي مهم ومشارك في حل أزمة كوريا الشمالية النووية .
منذ خمس سنوات تقريبا كان من غير المتصور التفكير في قيام كوريا الجنوبية واليابان بالتخلي عن واشنطن في موضوع أمني على هذا القدر من الأهمية .
أما اليوم ، فيعتقد أن ذلك يرجع في جزء كبير منه إلى العلاقات التجارية المتنامية مع الصين ، حيث ذهبت اليابان إلى حد الحديث عن تطبيع العلاقات مع " بيونغ يانغ " هذا العام . كما قامت سيؤول من جانبها بزيادة التجارة والاتصالات العسكرية معها أيضا .
وهكذا وجدت الولايات المتحدة نفسها تقف وحيدة وغير قادرة على معرفة الطريقة التي تمكنها من التواؤم مع حقيقة تضاؤل مكانتها في المنطقة التي هيمنت عليها لما يقرب من ستين عاما .
وصعود الصين الاقتصادي جلب معه نفوذا جيوبوليتيكيا ، أسهم في زيادته إلى حد كبير ما اتبعته واشنطن من سياسات سلبية غير مبررة . وإذا ما نظرنا إلى تلك الحقيقة من منظور أوسع ، فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن تنامي النفوذ السياسي الصيني في الفترة الأخيرة على وازدياد قوتها الاقتصادية أيضا ، أصبحت تعني أن قيام كل من طوكيو وسيؤول بالخروج عن الصف الأمريكي لن يكلفهما كثيرا في الوقت الراهن.
كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتصرف حيال ذلك ؟ الأمر الذي قد يدعو إلى الدهشة هنا ، هو أن كوريا الشمالية التي تنظر إليها إدارة بوش كدولة مارقة وخارجة عن الشرعية الدولية ، هي التي يمكن أن تقدم لها المساعدة ، وذلك من خلال قيامها بدور العامل المساعد في تكوين منظمة أمنية إقليمية ، سيتم إنشاؤها مستقبلا .
وهذه المنظمة التي ستكون على شكل منتدى أمني لشمال شرق آسيا ، سوف تتكون من اللاعبين الأساسيين المنخرطين في حل الأزمة الكورية حاليا ، أي الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية ، ويمكن لها أن تضم مع مرور الوقت دولا أخرى ككوريا الشمالية على سبيل المثال .
وهذا المنتدى سوف يتعامل بشكل رئيسي مع المسائل ذات العلاقة بالأمن ، بما في ذلك الرقابة على الأسلحة ومنع الصراعات وبالتالي حلها وإدارة الأزمات وإجراءات من أجل بناء الثقة بين الأطراف المتعددة . وسوف يسمح تركيز المنتدى على منطقة شمال شرق آسيا ، بمعالجة المسائل التي أخفق المنتدى الإقليمي الأوسع نطاقا ، والقائم حاليا في حلها حتى الآن . إن الشيء الأكثر أهمية هو أنه إذا ما تمت هيكلة المنظمة الاقليمية الأمنية تلك بالشكل الصحيح ، فانه يمكن أن يتيح الفرصة للولايات المتحدة للقيام بإعادة تأكيد قيادتها بشرط أن تقوم بالاستماع إلى الأعضاء المشاركين فيه .
إن الحقيقة التي أمامنا اليوم هي أن الصين تشكل عنصرا أساسيا لقاعدة إنتاج آسيوية كبيرة ، حيث أن المستهلك النهائي يكون بصورة خاصة في الولايات المتحدة ذاتها وأن دول آسيا وبعد عقود من السلبية ، بدأت تعود مرة أخرى إلى طبيعتها كدول ذات توجهات قومية ، سئمت من تلقي التوجهات والاملاءات من الولايات المتحدة الأمريكية .
#ماجدة_تامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اوروبا أمام مشكلات الهجرة
-
لماذا تعتبر اوروبا مهد الحداثة ؟
-
- الادارة الامريكية الجديدة و- تأليه القوة
-
التحديات الجديدة للأوروبيين
-
آراء حول تعريف الامبراطورية الجديدة
-
أزمة المجتمعات الحديثة
-
تحديات المنتدى الاجتماعي العالمي
-
نحو عالم آخر ممكن
-
إشكاليات المجتمع المدني
المزيد.....
-
مصدر أمني لبناني لـ CNN: حزب الله اشترى أجهزة -البيجر- المتف
...
-
أجهزة الإعلام الروسية وأذرعها.. آليات صنع التضليل ونشره
-
بيان مصري بشأن انفجار أجهزة اتصال في لبنان
-
أنباء عن إحباط محاولة اغتيال أفيف كوشافي على يد حزب الله ا
...
-
9 قتلى ونحو 3000 جريح في سلسلة انفجارات أجهزة اتصال بلبنان
-
مصر تبدي استعدادها لتقديم المساعدات اللازمة لعلاج مصابي تفجي
...
-
واشنطن تنفي أي صلة لها بتفجير أجهزة الاتصالات في لبنان
-
سيمونيان تسخر من محاولات الولايات المتحدة تحريض الدول لفرض ع
...
-
الجهاد الإسلامي: واثقون أن المقاومة في لبنان وسوريا سترد على
...
-
إعلام إسرائيلي يحدد نوع المادة الحساسة المستخدمة لتفجير أجهز
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|