نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 4069 - 2013 / 4 / 21 - 22:59
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد غياب لخمس دورات متتالية ، تلقيت دعوة كريمة من اللجنة المنظمة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة ، للمشاركة في دورته الثامنة والعشرين ، نقلها لي مشكورا الأستاذ حسن أل خليل ، رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني . أشتملت أنشطة المهرجان على فعالياته التقليدية ، التي تضمنت سباق الهجن الكبير ، وعرض الصناعات الحرفية واليدوية المتنوعة لمناطق المملكة المختلفة . وقد افتتح صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني والثقافة جناح الصين ضيف شرف " الجنادرية 28 " وذلك بحضور وزير الثقافة الصيني ومعالي نائب رئيس الحرس الوطني المساعد الأستاذ عبد المحسن بن عبد العزيز التويجري . غير أن الحفل الخطابي المعتاد في أفتتاح المهرجان وما يتخلله من أوبريت فني جرى إلغائه بسبب وفاة الأمير بدر بن عبد العزيز . هذا وقد شارك في المناشط الثقافية الغنية و المتنوعة "للجنادرية 28 " حوالي 300 ضيف من داخل المملكة وخارجها ومن شتى الإتجاهات السياسية والأطياف الفكرية والثقافية التي يزخر بها العالم العربي . اشتملت ندوات المهرجات على العديد من المحاور الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية المهمة والتي شارك فيها أكاديميون و متخصصون ومثقفون من داخل السعودية وخارجها ، ومن بينها ندوة السعودية والتوازن الدولي ( الإسلام .. الطاقة .. السلام ) وندوة القضايا العربية في البرامج الحوارية ، السياسية ..الموضوعية .. المصداقية .. المهنية . وندوة حركات الإسلام السياسي : ( الثابت والمتحول في الرؤية والخطاب ) وندوة حركة التنوير في الوطن العربي .. وإخفاق النهضة وكذلك ندوة الفساد المالي والإداري .. والتنمية المستدامة . بعض الندوات جرى أختصارها إلى حلقة نقاشية واحدة بدلا من حلقتين ، كما جرى إلغاء بعض الندوات في اللحظة الأخيرة وبدون إبداء الأسباب مثل ندوة رأس المال الوطني والادخار والتنمية المستدامة . خصصت ندوة لضيف الشرف ( الصين ) من خلال محاضرة الصين .. وأفاق العلاقة مع العالم العربي . الشعر كان حاضرا بقوة في الأمسيات والقراءات الشعرية والتي توزعت بين الرياض والمدينة المنورة والباحة . الجديد المهم في " جنادرية 28 " تمثل في تكريم أول أمرأة سعودية كشخصية العام الثقافية و هي الدكتورة ثريا عبيد – عضو مجلس الشورى - التي تمثل بحق صورة مشرقة ومشرفة للمرأة ككل ، المكافحة والمصابرة والمعطاء على المستويات كافة في بلادنا الحبيبة . مهرجان الجنادرية يقدم فرصة سانحة قل أن تتكرر ، للقاء مع الأصدقاء القدامي ، وللتعرف على مثقفين سعوديين وعرب جدد وكذلك تلمس طبيعة الحراك الثقافي ، وهموم المثقفين على تنوعهم واختلافاتهم ، وخصوصا في هذه المرحلة المفصلية من التاريخ العربي المعاصر . نظرا لضيق الحيز المتاح سأكتفي بالتعليق على ندوة حركة التنوير في الوطن العربي .. وإخفاق النهضة ، وهو بمثابة مداخلة لي على ما طرح في تلك الندوة . بداية يمكن القول بأن العنوان جانبه الصواب في تحديده لحركة التنوير في الوطن العربي باعتباره حالة تاريخية (موضوعية وذاتية ) قائمة ومعترف بها ، غير أن الواقع التاريخي والفعلي يدحض هذه المقولة ، فالتنوير الأوربي على سبيل المثال ، جاء في أعقاب رسوخ مقومات النهضة الأوربية منذ مطلع القرن السادس عشر ، نذكر من بينها الكشوفات الجغرافية ، الإصلاح الديني والصدام مع الكنيسة البابوية ، تطور العلم و العلوم ، وصعود البرجوازية بعلاقتها الاجتماعية وقواها الانتاجية الثورية المتصادمة مع الإقطاع والحكم المطلق ، الأمر الذي مهد لفكر التنوير الأوربي منذ أواسط القرن السابع عشر .
إجهاض المشروع النهضوي الذي حلم وعمل من اجله الرواد الأوائل ، وقدمت الشعوب العربية في سبيله أغلى التضحيات , قطع الطريق أمام تبلور مرحلة التنوير بمفاهيمها الحديثة ، الدستور ، العقلانية ، العلمانية ، الدولة المدنية ، المواطنة ، مؤسسات المجتمع المدني ، حقوق الإنسان .. وهو ما يستدعي إعادة النظر بالمفاهيم والممارسات والايدولوجيات المختلفة التي سادت .
الأزمة البنيوية ( المركبة ) الممتدة والعميقة تشمل الواقع ( انظمه ومجتمعات عربية ) والبديل أو البدائل في الآن معا . وهي ليست وفقا على مشروع أو رؤية أو تصور معين , إذ تتساوى في ذلك المشاريع الليبرالية والقومية والاشتراكية والمحافظة والإسلاموية على حد سواء , وهذه المشاريع معنية بإعادة التقييم والتقويم والتحليل والنقد ، وتدقيق المفاهيم ، وقراءة الواقع وفهمه ، ليس من منطلق التضاد والخصومة والاحتراب الذي ساد بينهم على مدى عقود ، وأدى إلى نتائج وكوارث مفجعة ، لا نزال نعيش تداعياتها حتى الآن . نحن بحاجة إلى مقاربة جديدة للواقع في ظل الحراك الشعبي غير المسبوق ، وللمستجدات النوعية في الواقع العربي منذ مطلع العام 2011 ، و بالتالي ضرورة تحديد رؤيا وبرنامج عمل ، يشكل رافعة لانتشال الواقع العربي من حالة التردي والضياع والإحباط الذي يسوده . من المهم تحديد العوامل الموضوعية والذاتية ( الداخلية ) وكذلك معرفة العوامل الخارجية لأسباب فشل المشروع النهضوي الأول ، و التي من بينها ضعف وتخلف وتشوه البني الاقتصادية والاجتماعية ، وغياب العلاقات الإنتاجية والاجتماعية ( الأفقية ) الحديثة ، التي تشكل البنية التحتية لأي تغير وتطور . بنية المجتمع العربي الذي لا تزال تسوده العلاقات الأبوية ، وعلاقات إنتاجية واجتماعية متخلفة ، ظل عاملا معرقلا للتغير الاجتماعي . وهناك عامل مهم آخر يتمثل في تعثر مشروع الإصلاح الديني في غرس مفاهيمه في تربة اجتماعية متخلفة ، تسودها ثقافة دينية شعبية ، تتسم بالمشافهة والخرافة والأساطير , وبالتالي فان المجتمعات العربية فشلت في تحقيق الثورة المعرفية والثقافية ( التنوير والعقلانية والعلمانية ) وهو ما أنجزته أوربا والغرب عموما ، كمقدمة ضرورية لولوجها عصر الإنتاج الحديث ، والثورة الصناعية ، وبلورة مفهوم ( الدولة – الأمة ) المستند إلى المبادئ الدستورية – القانونية , والمتواكب مع نشوء وتبلور منظمات ومؤسسات المجتمع المدني السياسية ، الثقافية ،المهنية ، والاجتماعية . لقد عجز المشروع النهضوي من توليد واستنبات نسق من المفاهيم والمقولات الحديثة التي تتجاوز المورث ( التقليدي ) التاريخي ، وتمثل ذلك في الارتكاس عن مشروع الإصلاح والتجديد الديني ، و استعادة وترسيخ التقابل والتعارض ، أو التلفيق المفتعل ما بين القديم ( الأصالة ) والجديد ( المعاصرة ) , الخصوصية والكونية , النقل والعقل , النص والاجتهاد ، و ذلك من خلال الهروب والانسحاب إلى الماضي ، وإسقاطه على الحاضر بصورة تعسفية , أو الهروب إلى الآخر ( الغرب ) والتماهي معه . يضاف إلى ذلك إن صورة المستعمر الأوربي كانت الأكثر حضورا لدى الشعوب العربية , الأمر الذي حفز المزاج الشعبي الرافض لا للحالة الاستعمارية فحسب , بل لنظمه وقيمه , خاصة إن الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي تشكلت من خلالها البرجوازية والفئات الوسطى في المجتمع العربي ، طبعتها بطابع المحافظة والازدواجية والانتقائية ، حيث يعود تشكلها بدرجة رئيسية إلى تأثير العلاقات الرأسمالية الكولونيالية في البلدان العربية الخاضعة للاحتلال والانتداب والمعاهدات الاستعمارية , فهي أذا برجوازية ( هجينة ) محافظة ، تداخلت في تكوينها علاقات وأنماط اقتصادية – اجتماعية إقطاعية ، وما قبلها من جهة ، كما إنها تتسم بكونها تابعة ( كمبرادور ) للسوق والشركا الرأسمالية الغربية من جهة ثانية ، وبالتالي غير معنية ( ما عدا استثناءات قليلة ) بتمثل الدور التاريخي التقدمي الذي لعبته البرجوازية الأوربية في بلدانها , وهو ما يفسر غياب التنوير و سهولة إجهاض المشروع العربي النهضوي ، وإسقاط التجربة الليبرالية العربية الوليدة على يد النخب العسكرية التي طرحت نفسها البديل " المنقذ " في العديد من البلدان العربية . البروز والصعود اللافت للإسلام الحركي وتصدره للمشهد السياسي ، و كذلك انتعاش القوى والمجاميع الأصولية المتشددة هو النتاج الحتمي لإجهاض النهضة وغياب التنوير وفشل الإصلاح الجذري والشامل وفي مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، كما أنه تمظهرا حادا للأزمة العميقة والمركبة التي تعيشها النظم والمجتمعات العربية في الآن معا . جل النظم و المجتمعات العربية باتت في عين العاصفة ، وإزاء التحديات الحضارية والتنموية بل والوجودية ، هي في أمس الحاجة إلى مقاربة جديدة لفكر النهضة في موضوعاته و مفاصله الرئيسية ، مع الأخذ بعين الاعتبار المستجدات الموضوعية والذاتية في الواقع العربي والعالم ككل .
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟