أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حاتم الجوهرى - مراحل الثورة وسيناريوهات ما بعد الإخوان















المزيد.....


مراحل الثورة وسيناريوهات ما بعد الإخوان


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 4069 - 2013 / 4 / 21 - 14:31
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


مراحل الثورة وسيناريوهات ما بعد الإخوان


حمدين صباحي والمؤسسة العسكرية
(فخ النظام القديم وحلم إصلاح التجربة الناصرية)


مدخل:
في كتابي: "المصريون بين التكيف والثورة: بحثا عن نظرية للثورة" الذي صدر في سبتمبر أو أكتوبر2012 والذي أنهيته في مارس من نفس العام، أتحدث عن ست مراحل سياسية لانتصار الثورة المصرية – وذلك قبل تشكل النظام الحالي ووصول الإخوان للسلطة-، ولم أكن أضرب الودع حتى أضع هذا التصور النظري المفترض لنجاح الثورة عبر ستة أنظمة متعاقبة، ولكن تصوري هذا بنيته انطلاقا من واقع الثورة المصرية التي وقفت محلك سر في يوم 28/1/2011م.

مراحل الثورة المصرية الست:
بنية النظام القديم ممثلة في قيادة المؤسسة العسكرية، وشبكة مصالحها المتداخلة والممتدة داخل الجهاز الإداري والبيروقراطي، ستحاول الحفاظ على مصالحها حتى اللحظة الأخيرة ساعية للسيطرة على المشهد والهروب من براثن الثوار، وذلك عبر تكتيك استخدام وتوظيف وإغواء فصائل سياسية بمقعد السلطة كمراحل انتقالية كل فترة، للالتفاف حول الثورة والفكاك من مطالبها التي تريد أن تستأصل النظام القديم بكامله، وهذه المراحل الست كما صغتها في كتابي قبل تشكل النظام الحالي – حتى لا يتهمني أحد بالعداء المسبق له- ووضعتها تحت عنوان "المراحل السياسية لاستقرار الثورة القيمية، ومنظومتها في مصر" (ص218) هي:
- سقوط الرأس أو الرمز الفاسد.
- محاولة تغيير الرأس ( لمنظومة قيم التكيف والتنميط ).
- تقديم وتوظيف الحلفاء، أو المتعاونين من مجموعات المصالح (تعمد تصعيد نخبة زائفة، خائنة تبحث عن دور ومصالح ذاتية).
- محاولة احتواء البديل السياسي للثوار.
- عزل الرأس الجديد للنظام القديم، وإسقاطه.
- فرض منظومة القيم الجديدة،وحالة المجتمع الفعال.

مستويات الثورة الثلاثة والحالة المصرية:
استطاع المصريون في يوم 28 يناير 2011 تحقيق المستحيل وذلك عبر إسقاط النظام فعليا في هذا اليوم من خلال أهم مستويين له: المستوى السياسي، والمستوى الأمني. المستوى السياسي: عندما أسقط الثوار الرمز السياسي للنظام الحاكم حين تم إحراق مقرات الحزب الوطني في جميع ربوع مصر، المستوى الأمني: عندما قام الثوار بمحاصرة مقرات الشرطة التي هي الذراع الأمني الباطش للنظام التي دهست الناس وأطلقت عليهم الرصاص والخرطوش في الشوارع.. وكان للثورة مستوى واحد فقط حتى تكتمل وتصبح لحظة تغيير كلى في مصر، وهو: المستوى الاجتماعي، وإحداث التغيير البيروقراطي والقيمى ليشعر الناس بعائد الثورة وثمارها، هنا تم قطع الطريق على ثوار مصر وأعاد النظام إنتاج نفسه من خلال المؤسسة العسكرية، حينما قدم حسنى مبارك لنا نائب رئيس عسكري ورئيس وزراء عسكري، ليجد الثوار أنفسهم في المأزق: نظام قديم بوجه جديد يلاعب الفصائل السياسية ويستخدمها للخروج من مأزق الثورة وبراثنها.

المرحلة الثالثة للثورة المصرية وغرضها:
إذا اعتبرنا أن إسقاط النظام (في مستوييه) في 28 يناير كان هو المرحلة الأولى للثورة، وإذا اعتبرنا إن إعادة إنتاجه وتقديم رأس جديدة له ممثلة في المجلس العسكري كان المرحلة الثانية، فإن المرحلة الثالثة كانت ستكون بالضرورة هي تقديم نظام عميل أو متفاهم مع المجلس العسكري ويتحرك داخل نطاق السيطرة.. بحثت نخبة المؤسسة العسكرية في الفصائل السياسية عن تنظيم قوى تستطيع أن تتعامل معه، ووجدت في عقلية التنظيم الإخوانى الذي قضى الكثير من عمره تحت الأرض وفى السجون ضالتها، فتفكيره الطبيعي سيجعله يعتقد أن مجرد جلوسه مع جلاده على مائدة واحدة هزيمة لذلك الجلاد! وسوف يرى في خطوة الحرية البسيطة انتصارا ضخما في حين سيراها الثوار وهما وخيانة، أغوى المجلس العسكري قيادة تنظيم الإخوان بالشرعية وبالظهور على المسرح السياسي، ثم تطور الأمر لتفاهم واضح في المعادلة السياسية: الإخوان سيأخذون الدستور ويكتبون فيه "إسلامية.. إسلامية"، ليظنوا أنهم فرضوا شروطهم على المجلس العسكري وانتصروا على الفصائل السياسية، والمجلس سيحظى باستقلالية للمؤسسة في الدستور تحافظ على مصالحه ووجوده السياسي كمؤسسة منفصلة عن الدولة، كذلك سيحظى المجلس العسكري بخروج آمن بعد مذابحه في حق الثوار..
وكان الملف الرئاسي هو المفترض أن يكون الضامن للتفاهم بين المجلس العسكري وقيادة تنظيم الإخوان، كان المفترض أن يأتي الرئيس للنظام الجديد (في المرحلة الثالثة للثورة المصرية) ليحافظ على التفاهم بينهما، لكن تطور ظرفيات الأحداث جعل الصراع بينهما يحتدم، ويطمع كل منهما في الملف الرئاسي لمشكلة غياب هذه الشخصية الضامنة للتفاهم، لنصل لمحطة نجاح مرشح الإخوان ثم تنحية القيادة القديمة للمجلس العسكري وتقديم وجه جديد للمؤسسة العسكرية ولكن في ظل نفس الشروط للاتفاقية القديمة، التي حققت للنظام القديم ممثلا في نخبة وقيادة المؤسسة العسكرية كافة مصالحه المتداخلة كل التداخل مع الجهاز البيروقراطي، مع الوضع في الاعتبار أن أداة الاستبداد والتنميط والتكييف التاريخية في مصر كانت هي "الجهاز الإداري والأمني" للدولة عبر الأزمان.

انتهاء الغرض السياسي من المرحلة الثالثة وحرقها:
بعدما حققت قيادة المجلس العسكري القديمة غرضها، بالخروج الآمن من المحاكمة على جرائمها في حق الثوار –مدعية هي الأخرى أن ما تفعله كان في سبيل الوطن- ، وبعدما أخذت الاستقلالية الكاملة في الدستور، وبعدما تحقق للنظام القديم هدف وقف زحف الثورة على مؤسسات الدولة البيروقراطية والأمنية – بما فيها قيادة الجيش نفسه-؛ يكون الهدف السياسي من المرحلة الثالثة ووجود النظام العميل أو المتفاهم (الذي يعتقد انه ليس كذلك وأنه من وجهة نظره أنقذ الثوار والبلاد من صراع دموي مع المجلس العسكري) قد انتهى. ويكون النظام القديم ممثلا في قيادة المؤسسة العسكرية في حالة بحث عن نظام جديد يناسب المرحلة الرابعة للثورة المصرية..
ولكن حرق المرحلة الثالثة التي نحن فيها (وتوقيت ذلك يرتبط بالظروف قد يكون خلال عام أو عامين ربما حسب تطور الأحداث) سيكون له عدة سيناريوهات مفادها: عجز النظام الحالي عن التفاهم مع الفصائل السياسية عن طريق طمعه –الذي أغواه به المجلس العسكري قديما- في الاستبداد والاستفراد بالسلطة وكأننا لسنا في مرحلة ثورية انتقالية، عجز النظام الحالي إداريا واقتصاديا لأن استقلالية المؤسسة العسكرية تجعلها تحافظ على بنية شبكة المصالح الممتدة داخل الجهاز البيروقراطي بما لن يمكن النظام الحالي من إدارة البلاد، توريط النظام الحالي في تركة علاقات النظام القديم والمؤسسة العسكرية على المستوى الدولي والإقليمي، وأخيرا ستكون لحظة النهاية: عندما يتفجر غضب الجمهور لأي سبب كان، وعندما يعود الثوار للشوارع بقوة، ساعتها سيبحث النظام القديم ممثلا في قيادة المؤسسة العسكرية عن النظام الجديد، الذي سينصبه على رأس البلاد ليحميه ويقف بين قيادات العسكر وبين الثوار من جديد..

حمدين صباحي وناصرية جيل السبعينيات:
ينتمي حمدين صباحي للتيار الناصري الذي ظهر في سبعينيات القرن الماضي داخل الحركة الطلابية، وهى الحركة التي اختلفت – لحد ما- عن التركيبة السياسية لرجال دولة عبد الناصر ومؤسساته، فهؤلاء بعضهم كان أميل لفكرة البيروقراطية والمواقف المرتبطة بحالة السلطة العامة، وأولئك كان بعضهم أميل لفكرة الحراك داخل الشارع من موقع المعارضة.. وسرعان ما تمثل هذا الاختلاف في الظرف التاريخي بين الاتجاهين: حينما حاول حمدين وجيله تقديم مشروع سياسي خاص بهم تحت اسم "الكرامة"، ولكن ظلت المشكلة داخل هذا التيار حاضرة ولم تحل! هل "الكرامة" مشروع جديد للعمل من أجل مبادئ ناصرية من موقع المعارضة والانطلاق من نقطة الصفر لتشكيل تجربة ومشروع سياسي جديد! أم أن "الكرامة" هي تنظيم ناصري يحمل مجرد ممارسة مختلفة ترتبط أساسا بأفراد بعينهم!
وما تزال نقطة تداخل المرجعيات ونقاط الانطلاق والتقاطع هي: مشكلة جيل حمدين صباحي ومن يؤيدهم؛ فتجد حمدين حاضرا على رأس مؤتمر لتوحيد التيار الناصري (دون فعاليات تنظيمية لتفعيل هذا التوحيد)، وتجده حاضرا في حزب "الكرامة" بوصفه القائد الروحي للتنظيم، وتجده حاضرا في التيار الشعبي بوصفه الزعيم المؤسس له! ليظل تداخل المرجعيات وتشابكها أضعف حلقة في مشروع جيل حمدين، والتي تبقى إلى الآن العقبة الأساسية في سبيل الانتشار التنظيمي والفكري لطرح حمدين الناصري ومشروعه السياسي، والتي تجعل من مشروع هذا التيار مشروع للالتفاف حول شخص أكثر منه التفاف حول فكرة واضحة؛ بسبب تداخل وتضارب المرجعيات الفكرية ما بين: الأيديولوجي والحركي والتنظيمي، وهى المستويات الثلاثة لأي جماعة تطرح نفسها كتيار سياسي واضح السمات والمعالم.

موقف حمدين إزاء الثورة:
أما عن موقف حمدين صباحي إزاء الثورة؛ فنستطيع أن نضع له عنوان: الصراع ما بين فن الممكن وحلم المستحيل، السياسة هي فن الممكن والثورة هي حلم المستحيل، كان لحمدين صباحي وتياره حضورا بارزا في معظم فعاليات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحاول بجدية التواصل مع جيل الحركة الطلابية التي خرجت في عام 2000 لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وأصبح له بعض الامتداد داخل الشارع بل وأصبح أفراد الكرامة من القواسم المشتركة في معظم فعاليات الحركات الاحتجاجية الجديدة في الشارع المصري (مع بعض المجموعات السياسية الأخرى إلى جوار تمثلات الحركة الطلابية المستقلة ووجودها الشعبي)، ولكن في نفس الوقت كانت الكرامة تناضل من أجل أن تؤسس لنفسها حزبا في ظل النظام القديم وهذا حقها المشروع ، إنما ترك ذلك أثره على السلوك السياسي لحمدين منذ انطلاق الثورة..
كان أول تمثلات الصراع بين فن الممكن وحلم المستحيل؛ هو الاختبار الأول الذي كان اللبنة الأولى التي نجح في زرعها النظام القديم، عندما دعا المجلس العسكري الممثل للنظام القديم للترشح للانتخابات الرئاسية، حيث كان حمدين ممن أعلنوا نيتهم الترشح تحت حكم ومظلة المجلس العسكري، في سلوك يحسب على فن الممكن والمتاح لدى فصيل سياسي عجز عن الحصول على حقه الشرعي بالعمل تحت مظلة القانون في النظام السابق، ثم استمر المنطق السياسي وفن الممكن عندما ترشح بعض أفراد حزب الكرامة في انتخابات مجلس الشعب 2011 على قوائم الحرية والعدالة، ثم كان الملف الرئاسي وترشح حمدين وأبو الفتوح معا اختبارا لكل منهما، وأيا كان السبب وراء عدم نجاح ترشحهما معا وتنازل أحدهما للآخر عن موقع الرجل الأول؛ فإنه يدل على الطموح السياسي المنفرد لكل منهما، ويبتعد عن الغرض الثوري من وراء ترشحهما معا، الذي كان له هدف استراتيجي هام جدا يتمثل في التخلص بضربة واحدة من: المجلس العسكري وحليفه الإخوان، وهدف مرحلي أو انتقالي يضمن عدم انفراد فصيل بعينه بالسلطة تمهيدا لعمل مرحلة انتقالية تقدم دولة المؤسسات لا دولة التنظيمات..
وفى المرحلة الأخيرة حاول حمدين الاقتراب من حلم المستحيل والحراك الثوري، فحاول التواصل مع فعاليات الميدان وتوجهات الثوار، ويبقى الضعف التنظيمي وعدم القدرة على الحشد المنظم المستقل أحد مشاكل الحراك الثوري لتيار وجماعة حمدين، بما يؤدى لعدم قدرته على المشاركة بفاعلية في المشهد أو توجيهه كما كان يفعل الإخوان بوجودهم في الميدان، ليصبح التمثل الأكثر بروزا لحمدين في هذا الصدد هو جبهة الإنقاذ التي حاولت أن تمثل المعارضة والثوار، لكن قدرتها على الحشد المحدودة واعتمادها على دعوات الثوار جعل ثقلها السياسي يتراجع شيئا فشئيا، ، ليتحرك حمدين بصفته الفردية مؤخرا وكذلك البرادعى بصفته الفردية بعض الشئ.. ومع تعقد المشهد السياسي تلوح في الأفق سيناريوهات ما بعد الإخوان ورهان الفصائل القديمة على المؤسسة العسكرية وعودتها مرة أخرى للمشهد مقدمة نفسها في دور المنقذ الشهم للشعب المصري من غياهب الثورة!

أهداف المؤسسة العسكرية من نظام المرحلة الرابعة للثورة:
المؤسسة العسكرية سوف تبحث عن بديل سياسي يستطيع أن يحقق لها مطلبين، أولا: أن يقف في مواجهة الثوار مجددا لأنهم سيرفضون الدور السياسي لوجود قيادة المؤسسة العسكرية الممثلة للنظام القديم، ثانيا: أن يفهم اللعبة ويأتي وفق معادلة وجود وتفاهمات جديدة.. وسيكون أمام قيادة المؤسسة العسكرية إما حمدين أو البرادعى، أو احتمال ثالث يفتقد للزخم الثوري والسياسي، بما يجعل الدفاع عنه وتقديمه مشكلة تتطلب الكثير من العمل، ولكنها ليست مستحيلة سواء كان وجها ليبراليا من المعارضة القديمة أو عسكريا أو بيروقراطيا؛ طالما سيؤدى الدور المطلوب منه من وجهة نظر المؤسسة العسكرية، ويحافظ على محدداتها السياسية وشبكة مصالحها وعلاقاتها الداخلية والإقليمية والدولية.

حلم تصحيح التجربة الناصرية والفخ:
ربما يكون من ضمن السيناريوهات الأكثر ترجيحا –على عكس ما يعتقد الكثيرون- هو رهان القيادة العسكرية على حمدين صباحي، وذلك انطلاقا من نقطة أساسية في بناء العلاقة والتفاهم الجديد بين المؤسسة العسكرية وبينه؛ ألا وهى: التجربة الناصرية، حيث يراود كل الناصريين حلم تصحيح الانحراف الذي يقولون أن السادات وبعده مبارك – بوصفهما امتداد لنظام يوليو- قد أحدثاه بها، وعلى هذا الأساس سيلعب العسكر على نقطة التفاهم بينهم وبين حمدين، التي ستكون الخلفية السياسية لدور المؤسسة العسكرية في تاريخ مصر الحديث! حيث قامت ثورة 52 بانقلاب عسكري من داخل المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية، لكنها سرعان ما عادت –على نحو ما- لإطار قيم البيروقراطية والتكيف والتنميط بعد ذلك، وسرعان ما تفككت إنجازات العهد الناصري السياسية في فترة حكم السادات، ثم سرعان ما تفككت الإنجازات الاجتماعية والصناعية في فترة حكم حسنى مبارك.. بما يجعل حلم تصحيح انحراف التجربة الناصرية، يراود أهلها عن طريق العودة للخط السياسي والاجتماعي الذي ابتعد عنه – من وجهة نظرهم- كل من السادات ومن بعده مبارك.
يحمل خطاب عبد الحليم قنديل و عبد الله السيناوى والعديد من رجال التيار الناصري رهانا على المؤسسة العسكرية، ولكن مشكلة هذا الرهان وهذا التحليل السياسي الخاص بهم للمشهد، أنه يعود لمنطق فن الممكن وحلم المستحيل! عجز تيار الكرامة عن حسم أمره تجاه الأيديولوجي والحركي والتنظيمي؛ جعل قدرته التنظيمية ضعيفة لحد بعيد، بما يجعل الممكن بالنسبة له: أن يحاول الوصول للسلطة – كطبيعة أي فصيل سياسي- وفق المعادلة القائمة بالفعل! وهذه النقطة المحورية ستكون مقتل البديل الناصري – إن جاء بهذا الشكل - في تجربة مراحل الثورة المصرية؛ معادلة وصوله للسلطة ستأتي تحت كما أسميه في كتابي:"نطاق السيطرة"، سوف تتكرر مأساة النظام الحالي ولكن بشكل أقل حدة، لأن التفاهمات ستكون أكثر وضوحا بين العسكر والنظام الجديد..
سوف تقف كاريزما حمدين بين الثوار وبين المؤسسة العسكرية؛ حيث يؤمن الثوار أن نجاح الثورة يبدأ بتحويل المؤسسة العسكرية والجهاز الإداري (أداة الاستبداد التاريخية) للدور الوظيفي المؤسسي؛ الذي ينزع قدرتهما على الدمج والتسكين الاختياري: يعطيا من تكيف ويمنعا عمن ثار وتمرد! وكذلك لن تعطل المؤسسة العسكرية مفاصل الدولة كما هو الواقع حاليا، ولكنها لن تسمح أيضا لحمدين بفترة انتخابات ثانية! ففي نهاية فترة حكمه الأولى سوف تجعل الأمور تنفلت لتحرق حمدين كبديل سياسي، لأنه لو ترشح لفترة رئاسة ثانية لامتلك المدد الشعبي للسيطرة على المشهد والمؤسسة العسكرية، وهو ما لن يسمح به النظام القديم، ليأتي حمدين صباحي في هذه المعادلة وفق سياسية الغواية التي جاءت بالإخوان، وحلم السيطرة على الدولة وفق معادلة الممكن والمتاح لتحقيق الحلم والمستحيل.

هل نتعلم من الخطأ:
إشكالية تيار الكرامة ومشروع حمدين هي تنازعه بين فن الممكن وحلم المستحيل، تنازعه بين مبادئ التجربة الناصرية التاريخية والمزايدات بينه وبين جيل دولة عبد الناصر، وبين متطلبات الواقع وضرورات العمل على الأرض وفى الشارع؛ المشكلة في السعي للوصول للسلطة –الطبيعي لدى أي فصيل سياسي- في ظل العجز والفقر التنظيمي، الذي يفرضه تداخل المرجعيات وعدم حسم ووضوح الاختيارات السياسية لهم كبديل سياسي واضح المعالم والقسمات..
الرهان والانتظام حول بنية النظام القديم المتمثلة في قيادات المؤسسة العسكرية؛ سوف يظل هو الحاجز بين حمدين وبين الثوار، المعادلة التي يتحدث من خلالها عبد الحليم قنديل وعبد الله السيناوى (مع كل التقدير لهما) وغيرهما هي المعادلة التي قامت ضدها الثورة، إذا جئت أنت للسلطة من خلالها فما أنت سوى وجه ورأس جديد للنظام القديم المستمر، ثورة 25 يناير ليست في صراع مع ثورة 52 ، وليس من الحكمة أن يعتقد البعض في صراع مرجعيات بينهما! لكن حلم إصلاح التجربة الناصرية وتصحيح انحرافها في ظل انتظام ذلك حول المؤسسة العسكرية؛ سيظل "كعب أخيل" ونقطة ضعف مشروع حمدين والتيار الناصري ككل، كل الأماني ألا يقع الأصدقاء في الكرامة في فخ النظام القديم ويبتلعوا الطعم، لأن ساعتها ربما ستحترق فرصتهم كبديل سياسي في مرحلة قد تأتى، وهم أكثر تمرينا وحسما لأمورهم.

الختام وإشكالية الثورة:
وتبقى الثورة المصرية في مأزقها منذ 28 يناير 2011، مرت حتى الآن بثلاث مراحل أو أنظمة سياسية، وفى تصوري ربما ما زال أمامها ثلاث أخرى، ولن تنتصر إلا في مراحلها الأخيرة عندما تنجح في تقديم أو تطوير بديل سياسي يعبر عن طبيعتها الثورية: تحويل الجهاز الإداري والأمني لبنية وظيفية مؤسسية ونزع قدرته على الدمج والتسكين؛ وبالتالي تفكيك آليات القهر والتكييف والتنميط التي كانت في يده عبر التاريخ، بما يمكن حضور قيم العدالة والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص. تبقى الضرورة أمام الثوار في الاجتهاد لتقديم بديل سياسي يعبر عن طموح الشعب المصري المقهور منذ آلاف السنين، تبقى هذه هي المعضلة والحل والأمل للثورة المصرية ومستقبل البلاد..
نجاح الثورة لن يكون إلا بتقديم بديل سياسي للثوار، الثورة المصرية نتيجتها ستكون في ختامها، في المراحل السياسية المتأخرة لها (الخامسة أو السادسة ربما)، ربما تنجح الثورة وتحقق المستحيل، وربما تنجح بنية النظام القديم سلطة ومعارضة في جرها لفن المتاح.. وبين المتاح والحلم يبقى مصير مصر والثورة معلقا حتى اللحظة الأخيرة، قدرة الثوار على تقديم البديل السياسي ودعم الشعب لهم هي ما سيحسم الأمر في النهاية؛ ما بين دعاة للتكييف والتنميط وفق فن المتاح والواقع والظروف، وبين دعاة للثورة والتمرد والحلم وتغيير المعادلة برمتها.



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة المصرية والنخب التاريخية
- معادلة الاغتراب في شعر المنجى سرحان
- ثالوث الصراع الثوري: المستبد- الثوار والمتكيفون
- جدلية الانسحاق والصمود فى أدب التسعينيات
- الثورة وصراع الأنماط البشرية: التصعيد والإزاحة
- انتصار الثورة القيمية ومجموعات المصالح
- حكايات غريب الثورة: عصام
- الدافع السياسي لأحداث بورسعيد الأولى والثانية
- الطريق إلى الاتحادية: دماء الثوار ومليشيا الوهم
- من ديوان: الطازجون مهما حدث
- طرق مطاردة الذات فى قصيدة النثر المصرية
- 25يناير2013 : سجال الأطراف الأربعة
- -الحوار المتمدن- و-أنا علماني-
- ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mu ...
- فى استراتيجية الثورة: الفرصة والفرصة المضادة
- الثورة وإرث العلمانية والدين
- الثورة والأيديولوجيا الشعبية والوعي الانتقائي
- المسارين الثوري والسياسي: بين التكيف والتمرد
- -محمد محمود- الماضى والمستقبل
- الفلسطينى بين: الأيديولوجيا والتاريخ.. حين يكون الموقف مأزقا ...


المزيد.....




- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حاتم الجوهرى - مراحل الثورة وسيناريوهات ما بعد الإخوان