أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فالح عبدالجبار - خوف الإسلاميين من الضحك















المزيد.....


خوف الإسلاميين من الضحك


فالح عبدالجبار

الحوار المتمدن-العدد: 4069 - 2013 / 4 / 21 - 08:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هوس الديكتاتوريات بالنياشين والرتب جليّ لكل من له عينان. القائد الضرورة، بطل التحرير، باني الوطن، الى آخر القائمة الحديثة، التي تقابلها قائمة مدائح تراثية: من الواثق والمعتضد بالله الى سيف الدولة وحسام الأمة، وما بينهما ووراءهما من عظيم الألقاب والأسماء. هذا الافتتان بالأسماء والرتب الرنانة الوجه الآخر لوضاعة زعماء وصغارهم، وكلما صغر الزعيم كبرت الأوسمة عدداً ووزناً. مشكلة الوضاعة العارفة بنفسها أو اللاواعية بحقيقتها، أنها تكشف هشاشتها بمجرد ان تلامسها الفكاهة. من هنا تجد الديكتاتوريات متجهمة، عبوساً، على رغم ان سيماء الجد آخر ما يناسب سحنتها الكالحة.

يهجس المرء بقوة الحدس ان الديكتاتوريات تخاف الضحك، من دون برهان طبعاً، لكنها في عجلتها وخوفها الدائمين تسعفنا بالبراهين. لعل مقتل فنان الكاريكاتير ناجي العلي والعدوان الأخير على مبدع كاريكاتير آخر، هو علي فرزات، مجرد مثال.

إسلاميو اليوم الحاكمون في مصر يثيرون مجدداً الأسئلة عن الصلة بين السلطان والفكاهة (الكوميديا)، فن الضحك، بعد الحادثة الشهيرة للجراح والفكاهي باسم يوسف، مقدم وصلة «البرنامج».

هو الآن مطلق السراح بكفالة ويواجه قضاء مصرياً زج في التحزب.

وهو يذكّرني بأقدم حادثة عقاب سلطوي ضد الضحك. ثمة نص مصري قديم يهدد فيه الفرعون فلاحي مصر بحرمانهم حق «الخلود» إن واصلوا قضاء سحابة نهاراتهم بالسخرية من الكهنة والنبلاء والفرعون. فحق «الخلود» مقتصر على الفرعون وخدمه. وبعد تمردات وسّع الفرعون هذا الحق ليشمل النبلاء، ثم جاء دور الفلاحين لانتزاع المساواة في «الخلود». وها هم مهددون بسلبها إن واصلوا الفكاهة والتندر على أولي الأمر.

ولعل الرئيس الجديد، شأن أسلافه الفراعنة، يعتقد بأنه «مقدس» ولربما «مخلّد». والمقدس لا يدنس. كان الفراعنة يؤمنون إيماناً راسخاً بأنهم يملكون حق الخلود، أما فراعنة اليوم، «إخوانيون» أو غير «إخوانيين»، فيساورهم التوهم ذاته، على نحو خفي، في صورة امتلاك مفاتيح الجنان، واحتكار الوسائط الموصلة الى أبواب الجحيم. هؤلاء السادة، يظنون ان الأقفال بأياديهم، وهم ينظرون الى الجموع على أنها محض قطعان تائهة، لا خلاص لها من دونهم. اكثر من ذلك، إذا تجرأت هذه الدهماء على العصيان، فإن الغضب الإسلامي، اللابس لبوس العصمة الإلهية، يسارع الى إعلان كفر العاصي، وإشهار الكفر بمثابة قرار بغلق أبواب الفردوس، أو فتح أبواب السعير.

بوسع المرء ان يرى الى أدعياء سدانة النعيم والجحيم هؤلاء ليدرك اجتماع هلع الديكتاتوريات وقداسة «الإخواني» في عقولهم وأبدانهم اجتماعاً يولّد مثل هذا المزيج الغريب: الهلع من الضحك، والخوف من النكتة، وسط شعب عرفت مدنه بسماحة الرضا التي تجسدها كلمة «معليش» ورقّة التعامل ووقاره بكلمة «يا بيه» التي تقابل «مستر» و «مسيو» في الإنكليزية والفرنسية.

الأدب السياسي والاجتماعي الساخر يرجع الى تاريخ مديد قبل الميلاد، مدوّن في أدب الكوميديا الإغريقي، وفلسفة أرسطو. لذا جهدت الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى لإخفاء كل ما يتعلق بالضحك والكوميديا (أرّخ لها أدبياً في رواية «اسم الوردة») وفشلت الكنيسة في إعلان التجهم مبدأ أعلى.

الأدب السياسي الساخر والنكتة السياسية سلاح جبار في تفتيت الديكتاتوريات. قديماً قال شكسبير ان السخرية من الحاكم بداية الثورة عليه.

وحقق الكاريكاتير هذه المقولة في الثورتين الإنكليزية (١٦٩٤) والفرنسية (١٧٨٩)، وساهم فن الكاريكاتير في إسقاط لويس السادس عشر عن العرش هو ومليكته ماري انطوانيت. وكادت رسوم الفنان الإسباني غويا تهدد سلطة الكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا، لولا ارتداده عنها طوعاً بعد وعيد كنسي صارم.

واليوم لا دولة تخلو من فن الكاريكاتير السياسي أو خلافه، ويتوسع هذا الفن ببرامج تلفزيونية خاصة، ما يسميه الأميركيّون «توك شو». وأول نصح يقدمه خبراء العلاقات العامة للسياسي المستجد هو ان يكون جلده ثخيناً، يحتمل الوخزات والقرصات. ويكاد جلّ السياسيين في الغرب ان يبتسم حيال ما يصدر عنهم من كاريكاتيرات كلامية وبصرية، ويرون في ذلك نوعاً من دعاية تبقي أسماءهم قيد التداول ولو خلت من طرافة ممتعة.

لكنّ للمزاج الإسلامي المصري ماضياً آخر، ومثله الأعلى من عالم آخر، اندرس.

باسم يوسف هو العلاج الوحيد لتجهم الديكتاتوريات «المقدسة». طبيب مختص بجراحة القلب، مهنةً، ومبدع البرنامج الفكاهي الساخر «البرنامج»، وبلا مراء شخصية مميزة على المستوى الفردي. انه ينتمي الى الطبقة الوسطى الجديدة، فقد ولد عام ١٩٧٤، بعد رحيل عبدالناصر والناصرية، وبعد مقتل السادات واستمرار انفتاحه في عهد التفسخ والركود المباركي. ويوم اندلعت حمم الثورة المصرية مطلع ٢٠١١ كان المبادر الى تأسيس واحة للإعلام الحر بأدوات الحداثة: الإنترنت، فايسبوك، ويوتيوب. هذه الوسائط حطمت احتكار الديكتاتوريات للمعلومات، وفتحت بوابات المعرفة. فتحت كل المنافذ المغلقة أمام دفق الأفكار والآمال لدى الملايين. انه ابن الثورة وأحد بُناتها، شأنه شأن البوعزيزي ورفاق خالد سعيد. وهو على تماس كامل مع العلم الحديث، طب الجراحة وزرع القلب، منغمر تماماً في قلب الروح المصري، متلبساً واحداً من ابدع التقاليد التي حملت بعض الأطباء الى عالم الأدب الرفيع، من يوسف إدريس الى الأسواني.

ولهذا الطبيب الممتلئ مرحاً، روح نقدية تجسد أحلى ما في تقاليد التقاط المفارقات وكشف الزيف وهتك عورة الادعاء الفارغ. لا عجب في ان يحظى موقعه بمليوني زائر (وفق ويكيبيديا) بجهده الفردي وحده. هذا وحده حزب كبير، في مصر القارئة، حزب الضحك على السياسيين المزينين، يمد يده الى عمق التاريخ المصري، الى فكاهة الفلاح الساخر من الكهنة والفرعون، غير عابئ بادعاء الآخرين امتلاك حقوق منح «الخلود» وحجبه.

الادعاء عليه في قضية جنائية وإيداعه المحبس إعلان إفلاس فكري، محاولة بائسة لحماية رداء «القداسة» المزيف، ريش الطاووس المسروق، لزعيم فانٍ يرتعد هلعاً من طرفة.

وهو إعلان إفلاس سياسي أيضاً: الخوف من أي صوت مخالف. لكن المعركة خاسرة. لسنا في عصر الحمام الزاجل، بل في عصر الفضاء الإلكتروني. الإسلاميون بحاجة الى ستارة من حديد بحجم الكرة الأرضية لإخفاء ما يريدون إخفاءه.

الإسلامي الساعي الى الحجب والتستر، يخوض معركة دون كيشوت الخاسرة. فلا هو بفارس ولا الأشباح التي تطارد خياله تعني شيئاً لبقية النظارة.



#فالح_عبدالجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الدنيا والجنة


المزيد.....




- “في خمس خطوات”.. حدّث الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 ...
- الوزير المتطرف بن غفير يقتحم المسجد الأقصى في أول أيام عيد - ...
- خارجية الأردن: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى خطوة استفزازية م ...
- بن غفير يقتحم الأقصى احتفالا بعيد -الأنوار- اليهودي ومكتب نت ...
- حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
- الرئيس الايراني: لو كان المسلمون متحدين لما تجرأت -اسرائيل- ...
- حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
- وجهاء الطائفة العلوية في حمص يصدرون بيانا إلى أهالي المحافظة ...
- وزير الامن المتطرف بن غفير يقتحم الاقصى بأول ايام -عيد الانو ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فالح عبدالجبار - خوف الإسلاميين من الضحك