|
حكايات زغلول (الحلقة - 1)
تقي الدين تاجي
الحوار المتمدن-العدد: 4069 - 2013 / 4 / 21 - 08:38
المحور:
كتابات ساخرة
زغلول و الشوماج !
لم تجلب عليه أناقته سوى الهم والتهم، فبالرغم من كونه كان عاطلاً عن العمل، إلا أن مظهره ظلّ يوحي بعكس ذلك تماما، وكان كلما تحدث إليه شخص، إلاّ ويبادره بسؤال : هل أنت من رجال التعليم أم رجال الأعمال؟. أمّا إن حدث وتكلم إلى فتاة، فالسؤال الكلاسيكي، كان دائما هو: " فين سطاسيونيتي الطوموبيل؟ " ذات يوم أعد زغلول حقيبة سفره، وعزم على التوجه، في رحلة طويلة صوب مدينة الناظور، لعله ينجح في إيجاد عمل، يكفيه حرج السؤال. قضى سبع ساعات على متن الحافلة، تزامن نزوله منها بعد وصوله، مع وقفة احتجاجية لمعطلي المدينة. انضمّ إليهم في احتشام. صفق قليلاً، وصاح بأعلى صوته شاتماً كل شيء. لولا أن مظهره الأنيق، جعلهم يرتابون في أمره. أيُعقل أن يكون هذا معطل مثلنا؟. - غمغم بعض المحتجين في سرّهم - قبل أن يطردوه من الوقفة، شرّ طردة، وسط سمفونية من الصفير المتعالي، وعلى أنغام شعار: "مخبرٌ جبان، مهمته قمع النضال، وذا همه، سليل البـ.. وذا أصله، حليف المخـ.. وذا شأنه .." ، ليعود مجبرا، ويستقل ذات الحافلة، لاعناً اليوم الذي تعرف فيه على العطر، و"جيل" الشعر ، والمرآة ! . اليوم هو الثامن من مارس، زغلول يستيقظ من نومه مذعورا، بينما تذكر فجأة، وهو يتقلب على جنبه الآخر، أن العالم يحتفل في هذا اليوم بالمرأة، وأنه مطالب بتقديم هدية رمزية لصديقته، بهذه المناسبة. وبينما كان مستغرقا في التفكير، فإذا به يتساءل مستغربا، كيف أن الجميع يوم عيد المولد النبوي، يتحول بقدرة قادر إلى مدقق لغوي بارع، حيث الكل ينفخ الأشداق ليصحح لك : " ماشي عيد، راه غير ذكرى "، بينما حين يتعلق الأمر بأعياد ميلادهم، أو عيد الحريم، أو أعياد وطنية، فإنها تتحول بقدرة قادر، إلى أعياد مجيدة، لا مجرد ذكرى فحسب ..! لم يكن زغلول، من نوع الرجال الذين يبرعون في اختيار وتقديم الهدايا للنساء، لاسيما و أن "الميزانية على قدّ الحال"، ولهذا لم يستطع الرّسو، بسهولة على اختيار الهدية المناسبة، خصوصا أنه كان يحتفظ بذكرى سيئة، تعود لذلك اليوم الذي قدم فيه هدية، كانت عبارة عن قارورة عطر"مدرّح" لصديقته السابقة، والتي ما إن فتحت العلبة المغلفة، لتكتشف نوع الهدية، حتى عادت لتخبط بها وجهه، فتجمدت لحظتها ركبتاه، والتصق بمكانه، قبل أن يبادرها : " وَ ياك قلت ليك تال لدار وفتحيها". كل هذا التفكير دارت مشاهده، وهو لم يبرح فراشه بعد، ويوم المرأة، كانت قد انقضت ثلاثة أرباع زمنه الافتراضي، ليقرر بالنهاية عدم تقديم أية هدايا، والاكتفاء فقط بفتح صفحته الفايسبوكية، ومشاركة أغنية الشاب بلال "رانا كاع ولاد حُرمة"، وإهدائها لجميع النساء بمناسبة عيدهن المجيد.. في المساء، عرج زغلول على مقهى اليانصيب، ليتابع عبر الشاشة الكبيرة، كلابه الصغيرة، التي رشحها للفوز بالسباق، تسمّر بمقعده مدخناً لسجائر"الكولواز". صائحاً كلما تراءى له "ريكي" الكلب، وقد أسلم لسانه للتعب: "وَلاّ اخويا، وعافاك، كابرْ كابرْ، أنا مزاوك ليك ف لميمة." انتهى السباق خلال دقائق وجيزة، لكن الفائز كان هو الكلب "جيمي"، زمجر زغلول غاضباً و متحسرا على تلك الثقة التي منحها لريكي : "الله ينعلك فهاد النهار يا لمجراب" ( قالها وهو يدسّ بتوتر عقب سيجارته في المطفئة)، قبل أن يستطرد، مخاطباً المقامر القاعد إلى جنبه : ولاد لحرام كيدكو ليهم السيلسيون ف الرجلين باش ما يدخلوش هما لوالى.لم يعلق مجاوره على كلامه، فقد بدا مذهولا هو الآخر نتيجة خسارته، والله وحده يعلم كيف تحصل على المال ليدفع قيمة المشاركة. فلعله كان يمني النفس بـ "ربحة" تنقله من حياة البؤس الى رفاه البذخ! أما هو فقد لملم ما تبقى من قواه، وقام مغادرا صوب بيته. وعند وصوله قام بتشغيل التلفاز. كانوا يذيعون حلقة من يوميات المهرجان الدولي للكتاب.. تابع بعض لقطاته باشمئزاز، قبل أن يصعد صوب غرفته بسطح البيت. ألقى بنفسه على السرير،..مدّ يده صوب كتاب كان موضوعا، على الجهة الأخرى..تأمل في عنوانه المغري باهتمام: كيف تمارس (..) من الألف إلى الياء " !. في اليوم الموالي، قصد زغلول حفلا بهيجاً. تبدأ موسيقى "السلو" على أنغام أغنية "السكيني لوف " Skinny love. اقترب منها، واضعا كلتا يديه أسفل ظهرها، بينما حطت هي، كلتا يديها على كتفيه، ليشرعا معا في رقصة مرتجلة، والصوت الشجي للمغنية "بيردي Birdy"، قد أضاف جمالية على اللحظة. لم تنفك الحسناء تداعب كتفيه، في شكل يشبه التدليك الذي تقوم به "نديمات المَساج"، قبل أن تزداد وتيرته حدة، اتخذ معها شكلا مقيتا ومزعجاً، تلاه صوت خشن : وَا زغلول..وَا زغلول، فيق أصاحبي، ياك دْرنا نمشيوْ ليوم ندفعو "السّفيات" ديالنا ف معمل لحليب." لم يكن الصوت الصادر، غير صوت صديقه فؤاد، الذي جاء ليوقظه من حلمه الجميل. نظر إليه، وعيناه نصف مغلقتين، ثم أردف قائلا: صبّحنا على الله. زغلول حين كان ما يزال يافعاً، كان مبلغ طموحه الأكبر امتلاك كل الاشياء التي تبتدئ بحرف "P" الفرنسي: .. Parasol،Parabole ،..Pikala..،Permis de conduire. أما اليوم وهو شاب في عقده الثالث، فقد أضحى مبلغ حلمه، التخلص من جميع الأوصاف والنعوت التي تبتدئ بحرف "العين " العرَبي: عازب، عانس، عابس، عاطل، عليل، عالة !.
#تقي_الدين_تاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باها، - لا بْواط نوار-
-
-شَارْلي شَابْلانْ- وْ بنكيرانْ !
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|