|
الأقصى والنصرة الموسمية
عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 1169 - 2005 / 4 / 16 - 11:31
المحور:
القضية الفلسطينية
ماذا لو لم يعلن المتطرفين اليهود يوم العاشر من نيسان موعدا للهجوم على المسجد الأقصى وتصرفوا بسرية مطلقة وقد سبق أن فعلوا بحريق منبر صلاح الدين، ترى هل كانت الأمور ستجري دون علمنا، هذا السؤال مرده إلى حالة الموسمية التي نعيشها دائما وفي كل شيء، وبالاحرى حالة الفعل ورد الفعل، منذ أن بدا ذلك تيودور هر تسل في بازل وبدأت الهجرة الصهيونية الأولى إلى فلسطين إلى أن جاء رد السلطان عبد الحميد بمنع تلك الهجرة ثم وعد بلفور فالانتداب فحادث البراق ثم سلسلة الكتب الملونة وهكذا، تخطو الحركة الصهيونية وإسرائيل خطوة لنأتي ونرد عليها إلى أن تهدأ خطوتها محققة أهدافها فنستكين بانتظار خطوة جديدة.
أقول محققة أهدافها لان الهدف الذي أراده شارون والمتطرفين اليهود من خطوة العاشر من نيسان لم يكن الدخول إلى الأقصى أبدا بل العكس من ذلك كليا، لقد أراد شارون أن يحمل معه إلى واشنطن رسالة مفادها انه يحارب في سبيل السلام وان لديه متطرفين وهو يخوض معركة شرسة ضدهم ولذلك فان على الولايات المتحدة والعالم والعرب والمسلمين في المقدمة أن يدفعوا ثمن حربه الوهمية تلك وان يقدموا له التنازلات في مواجهة متطرفيه، وهي عادة إسرائيلية في تقسيم الأدوار باتت مكشوفة لكل العالم إلا نحن، فشارون يعلن منذ أمد انه سينسحب من غزة وهو يغير السيناريو والوقت بين حين وآخر ويتحدث عن انسحاب قادم ويحاول تقديم ذلك على انه تنازلات مؤلمة، فما الذي فعلناه نحن بالمقابل، لقد اقتصر النشاط أولا على فلسطين وعلى القدس وعلى بضعة آلاف تذكروا الأقصى يوم العاشر من نيسان فهل كان الأمر دخول المتطرفين إلى باحات الحرم للصلاة فيه أم لهدمه، إنها التجربة التحضيرية أو التمرين أو المناورة التي تسبق التنفيذ، هم يسعون لتعويدنا مقدما على ما سيذهبون إليه وفي كل مرة يقيسون ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية ويقارنوها في المرات السابقة، بضعة متطرفين تجمعوا بشكل تظاهري ومع إعلان مسبق اتاح للفلسطينيين التحضير ثم لم يأتوا هم، والانكى من ذلك أنهم حاولوا استخدام ما حدث لصالحهم، زعيم حركة رفيفا سخر من فكرة هدم المسجد الأقصى وقال أن كل ما في الأمر أنهم أرادوا أن يصلوا في باحات الحرم، أكاديمي إسرائيلي آخر نصح الفلسطينيين باستقبال المتطرفين اليهود كضيوف وحاول المقارنة بين دخول المتطرفين اليهود ودخول السياح المسيحيين أو دخول المسلمين إلى الكنائس واعتبر رد الفلسطينيين بلا معنى بل ومضر بنا أكثر مما هو مفيد وشارون ذهب إلى واشنطن بطلا ضد التطرف ومحاربا في سبيل الحفاظ على السلم.
وقد يعتقد البعض ممن رحبوا بالموقف الأمريكي أنهم انتصروا على شارون وهم يستمعون لبوش يقول بملء فمه وأمام شارون علنا وعلى رؤوس الأشهاد أن على إسرائيل أن تزيل المستوطنان الغير شرعية، وتناسوا حجم السم الذي نتجرعه كالعادة في كل حديث أمريكي يتطرق لفتات حقوقنا، بوش تحدث عن المستوطنات الغير شرعية أو الغير قانونية وهذا اعتراف علني واضح أن هناك استيطان شرعي وقانوني وانه مادام ما يقره القانون الإسرائيلي على أرضنا شرعي فهذا يعني شرعنة الاحتلال بمجمله – كيف لا والاحتلال الأمريكي شرعن علنا ورغما عنا على ارض العراق، ثم أن بوش قال أيضا أن العودة إلى حدود عام 1967 غير عملي، وقد رغبنا أيضا بتجاهل هذه الإشارة، وكذا فان بوش لم يتطرق أبدا إلى موضوع الجدار أو القدس واحتلالها وكل ما تفوه به كان لصالح إسرائيل واحتلالها مائة بالمائة.
العراق محتل من قبل أمريكا وقطعا لن يأتينا- الترياق من واشنطن- بل ستأتينا المزيد من الانتقاص من حقوقنا والتأييد المطلق من قبل أمريكا وإدارتها لإسرائيل واحتلالها، فلم يحاول بوش وإدارته أن يقولوا لشارون إن كذبة الانسحاب من غزة الأحادي الجانب لا علاقة لها بخارطة الطريق، مع أن الخارطة نفسها وهمية ولا وجود لها، كل ما أراده بوش هو أن يدعو القيادة الفلسطينية إلى التعاون مع شارون في موضوع غزة الذي لا يعرف مضمونه إن كان له مضمون إلا شارون وحكومته.
احد من نحن الفلسطينيين لم يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والقدس كأصل المشكلة، احد لم يتحدث عن منع الفلسطينيين من زيارة القدس للصلاة في الأقصى أو في كنيسة القيامة بل وجعلوا القدس حاجزا حتى في وجه الوصول إلى كنيسة المهد في بيت لحم، هل انتصرنا لان بضعة مستوطنين دعونا لانتظارهم يوم العاشر من نيسان على أبواب الحرم القدسي ثم لم يأتوا، أم انتصروا لأنهم أوهمونا واكتشفوا حجم ردودنا، واستخدموا الحدث لصالحهم.
مئات المنظمات الشبابية والنسائية والمنظمات الأهلية والنقابية والجمعيات والنوادي والأحزاب والفصائل على الساحة الفلسطينية ناهيك عن العرب والمسلمين تتصرف مع الأقصى، بل ومع مجمل القضية الفلسطينية بشكل موسمي يقرره الإسرائيليون لا نحن، أيا من هذه المنظمات والأطر لم تحاول أن تجعل من فضح العنصرية والاحتلال الإسرائيلي مهمتها الأولى، كان تجعل عملها الدائم الدفع بعشرات ومئات المواطنين شبابا وشيوخا ونساءا يوميا لإضراب جلوس على الحواجز العسكرية الإسرائيلية العازلة للقدس عن الضفة الغربية، لم تحاول اتحادات المعلمين والطلبة ومنظمات الشبيبة إبراز حقيقة أن الأجيال الشابة الفلسطينية تحرم حتى من زيارة القدس والتعرف على المسجد الأقصى وقبة الصخرة والمقدسات المسيحية وبدلا من ذلك فنحن نبقى نيام أمام الهجمة الاستيطانية التهويدية على القدس ولا نتحرك إلا لنثير زوبعة عادة ما يحدد الإسرائيليون زمانها ومكانها بل وشكلها وحدودها أيضا فهل يكفي ذلك لنقول أن هذه هي معركتنا في سبيل إسلامية وعروبة القدس، وأي تحرك قمنا به في العالمين العربي والإسلامي لإقناع المسلمين والمسيحيين أن الحجيج إلى القدس ضرورة وان الاحتلال الإسرائيلي يمنع المسلم من إتمام الحج بزيارة القدس ولم نستفد أبدا من انتشار شعار أن الحج بدون التقديس ليس تاما أبدا مما يعني أن على ملايين الحجاج الذين يحجون في كل عام إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة أن يكملوا رحلتهم إلى القدس وكذلك الحال بالنسبة للمؤمنين من العرب المسيحيين فهم محرومون كليا من زيارة كنيسة المهد والقيامة والقيام بكل شعائر الحج المسيحي، إن ذلك اعتداء صارخ على حرية المؤمنين على الأرض في ممارسة شعائرهم الدينية وانتهاك فظ للحريات الدينية وقداسة ألاماكن المقدسة، ودون ذلك فستبقى إسرائيل قادرة على إغلاق بوابات الأرض المقدسة في وجه المؤمنين من العرب مسلميهم ومسيحييهم مما يؤكد حقيقة أن إسرائيل مغتصبة لهذه الأرض ولذا فهي تخشى حتى ممارسة الحج إليها من قبل المؤمنين العرب، وبذا فلا يكفي الجلوس في مقاعد المنتظرين ومن الضرورة العودة إلى الصبغة العربية للصراع مع إسرائيل وإيقاف حالة التفرد الدائرة من قبل إسرائيل وأمريكا بالعرب والفلسطينيين وما يجري دوما من تقديم إسرائيل على أنها الذبيح والعرب على أنهم حملة السكاكين والجلادين القتلة.
ومع ذلك نحن خلقنا نصرنا الوهمي كالعادة ومنعنا بضعة مستوطنين من دخول المسجد الأقصى وتلقينا بترحيب شرعنة الاستيطان والجدار وإلغاء فكرة حدود 1967 وتغييب القدس من خلال خطاب بوش المغلف بعظمة خبيثة عن إزالة بعض الكتل الاستيطانية التي ترغب إسرائيل أصلا بإزالتها لكونها تشكل عبء امني ومالي ثقيل عليها وليس لان بوش يرغب بذلك، بل قد يكون شارون هو من أشار على بوش بان يطلب ذلك منه علنا حتى يستجيب ويبدو أمام إدارة بوش وناخبيه وأصدقاءه العرب من أمثال حكومة الجعفري إن جاز عليهم تعبير العرب، حتى يبدو وانه يؤنب شارون ولا يؤيده بل ويسعى لسحب فتات العرب من بين أنيابه.
بهذه الطريقة فان انتصاراتنا الوهمية ستتواصل مرارا وتكرارا حتى نتمكن من إنجاز أعظم انتصاراتنا بتهويد القدس كليا وتحويل الجدار إلى مصدر حماية للغيتو الفلسطيني ومصدرا لتسهيل فكرة القضاء على اليهود من خلال محاربتهم من خلف جدار وستصبح حدود عام 1967 غير لازمة لنا من أصله لأنها تفتح لنا الطريق إلى بغداد التي تحكمها حكومة أمريكية وكون الغيتو الفلسطيني سيعلن الحرب على أمريكا وينتصر بمنعها من احتلاله وتحقيق الديمقراطية فيه، لأننا والحمد لله نملك اعرق برلمان في العالم بل والبرلمان الوحيد الذي انتصر أعضائه على شعبهم – ولزقوا – فوق كراسيهم وبمبرر ثوري انتفاضي تقدمي معادي للاحتلال وأمريكا الذين يريدون الانتخابات ونحن لا نريده فالأفضل لكم أيها الشعب أن تقبلوا بنا إلى الأبد نكاية بأمريكا وعلى أية حال فديمومة حكم 88 شخص بمن غادر الدنيا أو غادر المجلس أو غيبته إسرائيل في سجونها أفضل بمرات ومرات من ديمومة الحكم الفردية في العالم العربي، ولذا كان من الحكمة أن لا يذهب عضو تشريعي واحد إلى الأقصى يوم العاشر من نيسان ومن الحكمة أن لا يلتفتوا للجدار ولا للاستيطان ولا لكل الموبقات التي ترتكبها إسرائيل فالأفضل أن نسعى لتثبيت قانون مناسب للتقاعد وقانون انتخابي مناسب يتيح للجالسين فوق كراسيهم البقاء فيها حتى لا نتركها للخونة والجواسيس والأغبياء وعديمي الخبرة.
نحن انتصرنا كالعادة وكل انتصار ونحن في تراجع جديد سيقود بنا حتما إن نحن بقينا على نفس طريقتنا في التعاطي مع قضيتنا الكبرى إلى الكارثة ما دامت فصائلنا لا تتقن سوى السفر من والى القاهرة للتعرف على ارض الكنانة والتحاور حول عدد المقاعد في المجلس الوطني والمجلس التشريعي واللجنة التنفيذية وحجم التمثيل وشكله لهذا الفصيل أو ذاك متناسين أن جميع هذه الفصائل لا تمثل أكثر من عشرة بالمائة من شعبنا مجتمعه مهما انتفخت ونفخت.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفاح اللاعنف
-
فلسطين ارض لا تحتمل الحدود
-
بين الحقائق فوق الأرض
-
قديسات وعاهرين
-
في مواجهة الصلف الاسرائيلي
-
صواريخ غاندي
-
قوة الضعف الواعي
-
المرأة والحريات المنقوصة
-
خارج الأولويات
-
إلى الرئيس محمود عباس
-
حكماء لا أمناء
-
ايها الديمقراطيون اتحدوا
-
الإعـلام وحماية حقوق الانسان
-
بصدد أولويات الأعلام الفلسطيني
-
لكي لا تقولوا فرطوا
-
غاندي ومهمة فحص العتاد
-
مذبحة صالح بلالو
-
دولتان بلا حدود
المزيد.....
-
مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا
...
-
100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
-
رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح
...
-
مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في
...
-
-حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي
...
-
-أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور
...
-
رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر
...
-
CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع
...
-
-الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب
...
-
الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|