|
! ومازالت صاحبة الجلالة فى بيت الطاعة
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1169 - 2005 / 4 / 16 - 09:24
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عندما يقدم الرئيس حسنى مبارك وعداً علنياً وصريحاً بأنه سيصدر تعليماته الفورية لاتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لإلغاء المواد القانونية التى تجيز حبس الصحفيين – وغير الصحفيين – فى قضايا النشر .. ثم يمر أكثر من عام دون أن يتم تنفيذ هذا الوعد.. فإننا نكون إزاء مسألة خطيرة، ربما أخطر من موضوع التعهد الرئاسى نفسه. فالشعب المصرى بأسره يتذكر أن نقيب الصحفيين، جلال عارف، قد أعلن فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الرابع للصحفيين فى 23 فبراير 2004 أن الرئيس مبارك اتصل به وأبلغه بأنه قرر إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر، وهو المطلب الذى ناضلت من أجله الجماعة الصحفية المصرية عقوداً متصلة. لذلك.. فان هذا الإعلان قوبل بترحيب حار من المعارضة قبل الموالاة – إذا استعرنا الأدبيات اللبنانية – كما حظى الإعلان ذاته بترحيب من جانب الدوائر المعنية بحرية التعبير فى الدول العربية والعالم بأسره. ودارت الأيام.. ومرت الاسابيع والشهور.. حتى زادت عن ثلاثة عشر شهرا حتى الآن، دون أن يحدث أى شىء. وظل التعديل التشريعى المنشود حبيس أدراج إدارة التشريع بوزارة العدل، بما فى ذلك المشروع الذى أعدته نقابة الصحفيين وشارك فى صياغته عدد كبير من الخبراء والفقهاء على رأسهم المستشار الراحل عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا. والأدهى والأمر .. ان العكس هو ما حدث، حيث أن عددا من الصحفيين، يمكن أن نذكرهم بالاسم، قد تعرضوا للحبس وتم الزج بهم فعلا إلى غياهب السجون.. بعد الوعد الرئاسى! ومازال السيف مسلطاً على رقاب العباد. فما الذى تعنيه هذه الوقائع المحددة؟ إنها تبين – أولا وقبل كل شىء – استمرار الحبس فى قضايا النشر للصحفيين وغير الصحفيين على حد سواء رغم التعهد بالتخلص من هذه الوصمة الموروثة منذ فترة الاحتلال الانجليزى لبلادنا. ونقول "وصمة" لأن كل بلاد العالم المتحضر قامت بالغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر واستبدلتها بالغرامة. ولذلك فان التلذذ بحبس الصحفيين اصبح أحد مؤشرات الاستبداد والتخلف. أضف الى ذلك أنه ثبت فى معظم الحالات التى تم فيها حبس الصحفيين المصريين أن الصحفيين كانوا على حق وأن المسئولين الذين سجنوهم كانوا هم الأحق بالمحاكمة والعقاب. وثبت كذلك أن المستفيدين الاساسيين من استمرار سيف الحبس فى قضايا النشر هم خفافيش الظلام ومافيا الفساد والافساد. ورغم خطورة استمرار هذه "الوصمة"، استنادا إلى ما سبق، فان الأخطر هو أن يحدث هذا الاستمرار فى ظل الوعد الرئاسى. لماذا؟ أولا – لأن التلكؤ فى تنفيذ وعد الرئيس، ووضع التعديلات التشريعية المطلوبة فى الثلاجة يعنى أن هناك "مراكز قوى" قادرة على المناورة والمداورة والالتفاف حول توجهات الرئيس. ثانيا – ان مراكز القوى هذه لا تعبر فقط عن سطوة البيروقراط، وجبروت البيروقراطية المصرية العتيدة، وإنما تعبر قبل ذلك عن قوة مافيا الفساد – العدو الأول لحرية الصحافة – كما تعبر عن التساند الوظيفى بين الطغمة الطفيلية فى الاقتصاد والحثالة البيروقراطية فى السياسة. ثالثا – أن نفوذ مراكز القوى هذه اكبر مما نتصور، بدليل قدتها على سلق أخطر القوانين التى تتمشى مع مصالحها ومصالح حلفائها بين عشية وضحاها، والعكس بالعكس، حيث يظهر فى حالتنا قدرتها على تعطيل تنفيذ وعد الرئيس مبارك ذاته لما يقرب من اربعمائة يوم. رابعاً – أنه إذا كان للرئيس مبارك "خصوم" علنيين – وهذا طبيعى – فأن هؤلاء القابعين فى دهاليز وكواليس الحزب الوطنى هم "الأعداء" الأخطر له رغم تزلفهم إليه. فالخصوم السياسيون لهم برامجهم المعلنة ومواقفهم المعروفة، وخلافاتهم الواضحة مع الرئيس والحكومة، أما "قوات التحالف" التى نتحدث عنها والتى تضم ترزية القوانين ومافيا الفساد ومارينز الاستبداد ومحترفى صناعة الأوهام وحملة مباخر النفاق، فهى ليس عدوة للشعب فقط، بل هى عدوة للرئيس أيضاً لأنها تتاجر باسمه، وتسئ إليه فى نهاية المطاف. وفى حالتنا التى نتحدث عنها فإنها بتعليقها لوعده بإلغاء حبس الصحفيين - كل هذه المدة – تفتح الباب أمام التشكك فى مصداقية الوعد الرئاسى ذاته. خامساً – ثم ان "تعليق" وعد الرئيس لاكثر من عام فيما يتعلق بجزئية صغيرة مثل مسألة حبس الصحفيين، تفتح الباب للتشكك أكثر وأكثر فى الخطاب الرسمى حول الإصلاح السياسى. فإذا كان إلغاء حبس الصحفيين استغرق أكثر من ثلاثة عشر شهراً ولم يتم إنجازه حتى الآن .. فكم سنة، بل وكم قرناً، يستلزمه تنفيذ برنامج الاصلاح السياسى والدستورى الذى يشتمل على ألف بند وبند ؟! سادساً – إذا كان التمسك بالقوانين العثمانلية البالية التى تجيز حبس الصحفيين فى قضايا النشر وصمة فى كل الأوقات وكل العصور فإنها تصبح قضية تفتح الباب لتساؤلات وشكوك لا حصر لها عندما يتم التلكؤ فى إلغائها فى عام الانتخابات بالذات. سابعاً – من الغريب بعد ذلك كله أن نفس أولئك الذين يطفئون أى بارقة أمل للإصلاح، مهما كانت محدوديتها، ويسدون كل الطرق المؤدية للتغيير ونهضة البلاد، هم الذين يجأرون بالشكوى من تدخل الدول الأجنبية، وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة توكيل الشرق الأوسط الكبير، فى حين أنهم هم الذين يعطونها – ببلادتهم وقصر نظرهم – الذريعة تلو الذريعة للتنطع على شئوننا الداخلية. باختصار شديد .. لقد نجحت "قوات تحالف الفساد والاستبداد" فى تعطيل الوعد الرئاسى بإلغاء حبس الصحفيين، وإثارة الشكوك حول حقيقة هذا الوعد، وتحويله – بالنتيجة – من مبادرة إيجابية إلى نقطة سلبية فى وقت بالغ الحرج، أى فى عام الانتخابات المشحونة بالإشكاليات والتحديات الداخلية. . وسنة المواجهة المفروضة مع مشروعات الإصلاح المستوردة والمحمولة جواً .. عبر الاطلنطى.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يحمل أخطبوط الإرهاب شهادة منشأ مصرية؟
-
حوار عراقي.. بدون سلاح.. في القاهرة
-
ثورة السوسن .. واللوز.. والليمون
-
»ولفويتز« يقتحم البنك الدولي بأسلحة الدمار الشامل
-
قاطرة مشروع الشرق الأوسط الكبير .. تدخل المحطة اللبنانية
-
الفشل التاسع والعشرون
-
يد تقود ثورة البرمجيات .. ويد تحمي الحرف التقليدية
-
إسرائيل تحتل الأرض التى ينسحب منها -التنابلة- العرب .. فى ال
...
-
الوطن اكبر من الاقتصاد .. والمواطن ليس مجرد مستهلك
-
أحوال أكبر ديمقراطية في العالم
-
باب الشمس ) اهم من المكاتب الاعلامية .. ومقررات التاريخ المي
...
-
»ملاسنة« بين أصحاب المعالي
-
-يد- أبو الغيط.. و-جيب- السادات
-
! شعار البنوك المصرية : حسنة وأنا سيدك
-
لمن تدق الأجراس فى بلاد الرافدين؟
-
اغرب انتخابات فى التاريخ
-
!عـــدلى .. ولينين
-
برلمان العرب .. كوميديا سوداء
-
ديمقراطية .. خلف القضبان !
-
رجل الأعمال يحاور.. ورئيس التحرير يحمل مقص الرقيب
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|