أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - جبران صالح على حرمل - ثورات الربيع العربي .. رؤية تحليلية في ضوء فروض نظرية الثورات ( الواقع وسيناريوهات المستقبل )















المزيد.....



ثورات الربيع العربي .. رؤية تحليلية في ضوء فروض نظرية الثورات ( الواقع وسيناريوهات المستقبل )


جبران صالح على حرمل

الحوار المتمدن-العدد: 4068 - 2013 / 4 / 20 - 09:09
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


ثورات الربيع العربي .. رؤية تحليلية في
ضوء فروض نظرية الثورات
( الواقع وسيناريوهات المستقبل )

مُقَدمة:
مع أواخر عام 2010م وبداية عام 2011م شهدت المنطقة العربية منعطف سـياسي خطـير متمثلاً بميلاد ما بات يُعـرف بالربيع العـربي ، وهو مصطلح أطلق على الأحداث التي أطيحـت بحكم زين العابدين بن علـي في تونس ، وحسني مبارك في مصر ، والعقيد معمر القذافي في ليبيا ، وعلى عبد الله صالح في اليمن . وهذا الحدث أدى إلى تغييرات مؤثرة على الساحة العربية لها تداعيات طويلة الأمد، كما تركت نتائجه حراكا ولغطا حول مكاسبه وخسائره، ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل الاقتصادي والاجتماعي والفكري والعقائدي والعسكري والأمني، فالبعض يراه أثمر وأينع، والبعض الآخر يراه حرك المياه في البحيرة العربية التي بدأت بمد وانتهت بجزر، وفريق ثالث يضع خسائر الثوار والأنظمة السابقة إضافة إلى مخاوف تيارات وطوائف بعينها في كفة واحدة، ومكاسب تيارات الإسلام السياسي التي صعدت وتولت السلطة في الكفة الأخرى، وما زالت المحصلة النهائية للمكاسب والخسائر لم تظهر بعد تحت وطأة الضجيج، الحشد السياسي، وتغليب أيديولوجية الشارع على منطق الدولة، إضافة إلى قصر المدة الزمنية التي مرت على نشوب هذه الثورات والتي لم تعد كافية لرصد النتائج النهائية كما قال الزعيم الصيني ماوتسي تونغ عام 1975 م، عندما سئل عن الثورة الفرنسية التي نشبت عام 1799م: «إنه من السابق لأوانه الحكم على هذه الثورة».
هذه النقاط وغيرها تستفزنا للبحث في مكنون ظاهرة الثورة ، والبحث عن أسبابها ومحاولة فهمها من خلال النظريات والمداخل المفسرة لها وموقع الثورات العربية منها.
وبالتالي الدراسة تناقش بالتحليل هذا الحدث - ثورات الربيع العربي – انطلاقاً من نظريات الثورات المتعددة وأفكارها المتنوعة ، بجانب محاولتها الإجابة على أسباب اندلاع هذه الثورة ، علاوة على إمكانية وضع رؤية استشرافية لمستقبل النظام السياسي العربي .
وتكتسب هذه الدراسة أهميتها مما تتناوله - ثورات الربيع العربي – الحدث الأعظم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار سور برلين، وأهم حدث تشهده المنطقة العربية مُنذ خروج المستعمر منها وقيام دول مستقلة فيها . حيث صار هذا الحدث يفصل بين مرحلتين : ما قبل وما بعد وهو ما ترك أثراً كبيراً في مواقع القوى والنفوذ في المنطقة .
- كونها تتحدث عن النظريات العامة للثورات واتجاهاتها ومضامينها وموقع وواقع الثورات العربية منها، ومن ثم تسليط الضوء لهذه الأفكار على الموضوع( ثورات الربيع العربي ) دون الغوص العميق في المقارنة .
وتتمثل الأهداف المرجوة من وراء سطور هذه الدراسة في الآتي :
- التعرف على بعض الأفكار والفروض للنظريات العامة لعلم الثورة (( بشكل عام)) .
- التعرف على ثورة الربيع العربي ، وبعض الأفكار المُفسرة لاندلاعها (( بشكل خاص)) .
- محاولة تقديم تصور لسيناريوهات مستقبلية للنظام العربي (( بشكل عام )) ودول ثورات الربيع العربي (( بشكل خاص )) وتحليل هذه السيناريوهات المستقبلية لاتجاهات الثورات العربية والنظام العربي ككل ،أي محاولة استشراف مابعد تلك التطورات والأحداث .
- كذا فإن هذه الدراسة تسعى إلى تقديم مقارنة عامة بين ثورات الربيع العربي بعضها ببعض، علاوة على محاولتها رسم مشاهد ومسار التغيير الثورى لهذه الثورات .
- وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل " نظرية الثورات المعاصرة " من خلال الأدبيات التي تناولت المفهوم لعرض رؤية بانوراميه أوليه للاتجاهات الفكرية الرئيسية التي سادت مُنذ اندلاع الثورات العربية أواخر عام 2010م ، وتشخيص واقع اتجاهات هذه النظريات على الأحداث والثورات العربية في صورتها الراهنة .
ويتمحور نطاق الدراسة الزمني بين عامين 2010م- 2013م حيث يعتبر عام 2010م بداية الحقبة الزمنية وذلك باعتباره هو تاريخ انفجار الإحداث الاحتجاجية العربية وبالتحديد يوم الجمعة17ديسمبر من عام2010 م بإضرام الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه، أما نهاية الحقبة الزمنية للدراسة فتتمثل في -/3/2013م كونه تاريخ أعدادي لها كموضوع للدراسة.أي أن الفترة الزمنية للدراسة تتحدد بسنتين وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوم.
أما النطاق المكاني والموضوعي فإن الدراسة لا تخرج سطورها عن المواضيع التي تم ذكره – سابقاً – فلا تتناول العوامل الإقليمية والخارجية – العامل الخارجي – أو تتعرض لنماذج تاريخية لتجارب الغيير، أولما بعد الثورة، أو تناقش أوجه الاختلاف والتداخل بين الثورة وبعض المفاهيم الأخرى كـ( التغييرChange، الانقلاب ، التحول Transition) أو أي موضوع آخر مرتبط بعملية التغيير وله أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جاءت متضمنة في الكثير من المفاهيم الشائعة مثل: التنمية السياسية Political Development، أو التحديث Modernization، أو التغيير السياسي، Political Change، وغيره .
وتنقسم الدراسة إلى خمسة مطالب يسبقها مقدمة وتعقبها خاتمة.
المقدمة : وتتضمن العناصر التالية : تمهيد، موضوع الدراسة، أهمية موضوع الدراسة ، أهداف الدراسة ، فترة الدراسة(حدودها ونطاقها) ، مشكلة الدراسة وتساؤلاتها، منهاجية الدراسة ، صعوبات الدراسة ، مصادر جمع البيانات وأسلوب تحليلها.
التقسيم المنهجي للدراسة : إجمالي الدراسة خمسة مطالب يختص كل جزء منها بمعالجة موضوع معين من موضوعات البحث وعلى النحو المبين فيما يلي :
المطلب الأول: تناول مدخل وتأصيل نظري لمفهومي : الثورة – الربيع العربي .
المطلب الثاني : يتناول ثورات الربيع العربي في ضوء النظريات المفسرة للثورات (مواقف وأراء ).
المطلب الثالث : يتحدث عن الثورات العربية مُقدما رؤية تحليلية لها في ضوء نظرية الحرمان النسبي .
المطلب الرابع: وتم تخصيصه للاتجاهات المستقبلية للثورات العربية والنظام السياسي العربي (بشكل عام وخاص) .
المطلب الخامس : وهو خاص بمشاهد التغيير الثورى لثورات الربيع العربي :( السمات والتمايز/الخاص والعام) .
وأخيراً الخاتمة: وتتضمن نتائج الدراسة وتوصياتها. ومن ثم قائمة تحمل أسماء المصادر والمراجع التي تم الرجوع إليها عند إعداد الدراسة.












المطلب الأول
التأصيل النظري لمفهومي : الثورة – الربيع العربي
السؤال الذي يطرح نفسه ويراود الذهن مباشرةٍ من الوهلة الأولى والنظرة الأولى في عنوان الدراسة قبل الولوج إلى صلب الموضوع ما هي الثورة ؟ وللإجابة سوف نبدأ دراستنا الماثلة بمدخل مفاهيمي بتعريف الثورة أولاً ، ومن ثم الربيع العربي أو ما بات يُعرف بثورة أو ثورات الربيع العربي ثانياً .
أولاً: مفهوم الثورة .
ونشير إلى المفهوم من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية وعلى النحو التالي :
1 – المفهوم اللغوي لمصطلح الثورة :
أ- مفهوم الثورة في اللغة العربية:
ورد في لسان العرب( ):
ثارَ الشيءُ ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً وتَثَوَّر:َ هاج .وثَوَّرْتهُ وثَورُ الغَضَب: حِدَّته . والثَّائر: الغضبان ويقال للغضبان أَهْيَجَ ما يكونُ :قد ثار ثائِرُه وفارَ فائِرُه إِذا غضب وهاج غضبه وثارَ إِليه ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً وثب . ويقال انْتَظِرْ حتى تسكن هذه الثَّوْرَةُ وهي الهَيْجُ .وثار الدُّخَانُ والغُبار : ظهر وسطع .رأَيت فلاناً ثائِرَ الرأْس : أَي انتشر وتفرق .وثورت الأمر:بحثته . وثورة من رجال وثروه : بمعنى عدد كثير . وثار الجراد ثوراً وانثار: ظهر.أرض مثوره : كثيرة الثيران .
والثور: الذكر من البقر والجمع أثوار وثورة على القياس . والثور: برج من بروج السماء . وثور القرآن بحث عن معانية وعن علمه .
وقال تعالى : في صفة بقرة بني إسرائيل ﮋ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ﮊ {سورة البقرة الآية:71} . أرض مثاره إذا أثيرت بالسن وهي الحديده التي تحرث بها الأرض . وأثار الأرض : قلبها على الحب بعد ما فتحت مره .
وورد بالمختار الصحاح باب الثاء( ):
ثارَ الغبار : سطع . و ثَوَّرَ فلان الشر تَثْويراً :هيجه وأظهره . و ثَوَّرَ القرآن أيضا :أي بحث عن علمه. و الثَّوْرُ من البقر والأنثى ثَوْرَةٌ والجمع ثِوَرَةٌ كعنبة . و الثَّوْرُ برج في السماء.


القاموس المحيط ( ):
وقد ورد في باب الراء فصل الثاء في معنى الثأر:الثائر من لايبقى على شئ حتى يدرك ثأره ، ولا ثارت فلان يداه لا نفعتاه .
وورد في المعجم العربي الأساسي ( ):
ثار يثور ثوره وثوراناً ثائر : الشيئ هاج وانتشر " ثار الغبار والدخان ". ثار ثائره/ ثارت ثائرته : بلغ به الغضب مبلغاً بعيداً " ثارت ثائرته عندما علم بالتهم الباطله التي وجهت إليه ". ثور يثور تثويراً : الشيئ هيجه وأثاره " لم يكن من اليسير تثوير الفلاحين بعد قرون من الحكم الإقطاعي".
ومما سبق يمكن الإشارة بأن:
1- ثورة : مصدر ثار . 2 - ثورة : ضجة . 3 – ثورة هيجان . 4 - ثورة : كثرة . 5 – ثورة : تعمير .
وبالتالي الثورة لغةٍ هي : الهيجان والوثوب والظهور والانتشار والقلب( ) والتعمير والكثرة . قال تعالى:ﮋ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ ﮊ {سورة البقرة الآية:71} . اى لا تقلبها بالحرث القلب الذي يغيرها فيجعل عاليها سافلها)، و ﮋ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ﮊ {سورة الروم: الآية:9} . اى قلبوها وبلغوا عمقها( ) ، مستخرجين منها بركاتها معمرين الأرض. حيث يُقال أثار الفلاح الأرض : حرثها وقلبها للزراعة ولذا فالثورة ما عمرت الأرض.
وعليه:
يجب أن تكون ثورتنا – وأي ثورة في العالم - ثورة إيجابية نستقيها من الآية السابقة فعندما يجعل الأرض تثور لا تتركها بل علينا الزرع وتتبعه.
ب – مفهوم الثورة في اللغة اللاتينية :
اما الاصطلاح اللاتيني Revolution المقابل للكلمة ثورة باللغة العربية فهو تعبير فلكي الأصل شاع استعماله بعد أن أطلقه العالم كوبر تيكوس 1473م-1543م على الحركة الدائرة المنتظمة للنجوم حول الشمس ولما كانت هذه الحركة لا تخضع لسيطرة الإنسان ولتحكمه فقد تضمنت الثورة معنى الحتمية ( ).
ومما سبق يُمكن وضع الملاحظة التالية:
يمكن الإشارة بالعودة إلى اللحظة الأولى التي استخدمت فيه كلمة "ثورة" بهذا الاسم بأنه:
لم‮ ‬يكن هناك تحديد علمي‮ ‬واضح لمفهوم‮ ‬الثورة هذا من ناحية، كما أن كلمة ثورة تعني في الأصل أمراً مختلفاً باللغتين العربية واللاتينية مصدراً واستخداماً من ناحية ثانية .
فمصدر كلمة "ثورة" في اللغة العربية هو فعل (ثار– يثور) ومعناه غضب وهاج ومنها اشتقاق اسم الثور، ذكر البقرة. فقد استخدم العرب إذاً كلمة ثورة بمعنى الغضب والهياج، ولم تستخدم الكلمة كمصطلح سياسي واجتماعي بمعنى التغيير الجذري والانقلاب والتمرد وتغيير النظام إلا في العصر الحديث. واستخدم العرب كلمة الخروج للتعبير عن التمرد أو الثورة على الحاكم والنظام القائم ( ) – أي لم يستخدموا كلمة " ثورة " - بل استخدموا كلمات مثل " خروج " و "فتنة".
أما استخدام كلمة ثورة باللغة اللاتينية Revolution كمصطلح سياسي واجتماعي وعلمي بمعنى التغيير الجذري والتحوّل فهو حديث أيضاً. أصل الكلمة نشأ في علم الفلك واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة. وكانت كلمة ثورة Revolution في الأصل مصطلحاً فلكياً اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي نيكولاس كوبرنيكوس. المصطلح يظهر بوضوح الحركة الدائرية للنجوم، وبما أن ذلك هو خارج تأثير الإنسان، وبالنتيجة فهو لا يقاوم. الكلمة لا تشير إلى العنف، بل تشير إلى حركة دائرية متكررة. وعندما نقلت الكلمة إلى المجال السياسي، كان معناها تعاقب الحكومات والدول في دورة لا يمكن للبشر تبديلها وتغييرها ( ).
ومن هذا .. وذاك نستطيع القول بأنه على الرغم من وجود صيغة كلمة " ثورة " في المعجم العربي وجذرها – كما سبق توضيح ذلك – إلا أنها تخلو من الإشارة إلى أي مضمون سياسيّ، وإنما ظلت تدور في دائرة معنى: الثأر في الغالب. ولذلك استعار العرب مفهوم الثورة بمضامينه السياسية كغيره من المفاهيم من الغرب، ومن الخطاب السياسيّ الفرنسيّ على وجه الدقة ( ) .

2 – المفهوم الاصطلاحي للثورة :
إذا كان لغوياً تنوع مفهوم الثورة ، فإنه كذلك يغدو ضبط مفهوم للثورة أمر صعب جدا اصطلاحاً، بسبب تنوع الفهم للمصطلح وتنوع إقترابات المفكرين منه ، كل حسب إيديولوجيته وحسب اختصاصه ، كما الجدير بالذكر أن بعض التعريفات الاصطلاحية لمفهوم الثورة تتجاوز دلالاتها اللغوية المباشرة سواء في العربية أو الانكليزية أو الفرنسية وسنسعى في هذا الاتجاه إلى عرض أغلب وأهم وجهات النظر لتعريف المفهوم.
حيث أشار مُعظم المفكرين المعاصرين بأن المصطلح – أي الثورة – يُستخدم للدلالة على( ):
(1) تغيرات فجائية وجذرية ، تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية ، أي عندما يتم تغير حكم قائم بصورة فجائية ، وأحياناً عنيفة بحكم آخر .
(2) تغيرات ذات طابع جذري(راديكالي) غير سياسية ، حتى وان نمت هذه التغييرات ببطء ، ودون عنف كما هو الحال عندما نقول ثورة علمية ، ثورة فنية ، ثورة ثقافية .
وتعرفها موسوعة علم الاجتماع بأنها:"التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع ، تلك التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريا وجوهريا من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وإيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية "( ) .
ويعرف كرين برنتون الثورة في كتابه الموسوم "تشريح الثورة" بقوله "إنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى بنيان اجتماعي آخر" ( ).
أما "يوري كرازين" فينظر لها – أي الثورة – بإنها "شكل من أشكال الانتقال من تشكيل إلى آخر ،كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدما، تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية " ( ).
وعرفها البعض بأنها " حدث مفاجئ يؤدي إلى تغيير راديكالي يقطع الصلة بالماضي ويؤسس لنظام يلبي مطالب الثوار والذين هم الشعب وليست نخب متصارعة في بنية النظام" ( )
وورد في معنى الثورة في الفرنسية Révolution)) وفي الانكليزية( (Revolutionبأنها تغيير جوهري في أوضاع المجتمع لاتتبع فيه ظروف دستورية ، وهدفها تغيير النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وبالتالي كل حركه تؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع دون عنف أو قهر فهي بمعنى ما ثورة ، نقول الثورة الصناعية ، والثورة الثقافية ، والثورة الاشتراكية ، والثوري ( (Revolutionnaire هو المنسوب إلى الثورة ( ).
والثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو اسوأ
من الوضع القائم وللثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين( ):
الأول : التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماهم البروليتاريا.
الثاني : أما الثاني فهو التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته "كالقوات المسلحة" أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم.و قد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004 أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات الستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية) 1962م- 1954م)). اما الانقلاب العسكري فهو قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم, بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم.
فالثورات تغييرات سياسية أساسية غالباً ما تجري بصورة دراماتيكية - - ووفق سيرورة معقدة دائماً، ولا تعود الحكومة المركزية ، لدى الثورة تستطيع فرض قانونها على قسم هام من الأرض أو السكان . وتتصارع عدة مجموعات ، بما فيها الحكومة القائمة ، للاستيلاء على السلطة المركزية . وهذا الصراع على السلطة يُمكن أن يتحول إلى حرب أهلية وأن يؤدي إلى انقلابات سريعة أو حروب عصابات مستمرة ، وتحاول كل مجموعة إنشاء بُنى سياسية واقتصادية غالباً ، لتحل محل البُنى السابقة ( ) .
وبالتالي فإن للثورة عناصر ثلاثة ( ):
الأول : انهيار الدولة . الثاني : الصراع على السلطة . الثالث : قيام مؤسسات جديدة .
وهذه العناصر تتبادل التأثير، فسقوط الدولة الناجم عن إفلاس أو هزيمة عسكرية يولد، أحياناً صراعات على السلطة بين المجموعات المختلفة التي تطالب بها ، وبالمقابل فإن الصراع على السلطة وإنشاء مؤسسات جديدة يؤديان أحياناً إلى انهيار الدولة ، وقد يبدأ الذين يناضلون من أجل السلطة المركزية بتنظيم أنصارهم وإقامة مؤسسات جديدة على نطاق ضيق.
ومن هذا يُشير ماكيافيلي في مقاربة براجماتية أن الثورة خطر يتعرض له الملوك عندما يكونون ضعافاً وطغاة في الوقت نفسه ، وهو ينصح الملوك من أجل المحافظة على السلطة ، بتجنب هذا التركيب القاتل بين العيبين( ) .
من السابق يتضح بأن :
كل التعريفات التي حاولت الاقتراب من مفهوم الثورة اتفقت على أنها نوع من التغيير الجذري والعميق يستهدف اكتشاف الأخطاء وبناء علاقات سليمة مكانها، تشيع العدل وتصنع التقدم.
وأما سبب الاختلاف في فهم المصطلح فيكون إما للاختلاف العقائدي أو لتباين التخصص العلمي ، وبعد أن سقنا مجموعة من التعاريف نرى " أن الثورة أداة تطور تاريخي للمجتمعات الإنسانية ، فهي حد فاصل بين النظام القديم والجديد ، تحدث تغييرا جذريا للبناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي ، ويستهدف هذا التغيير إفراز منظومة تجسد مطالب الثوار وتحققها"( ).

 ثانياً : مفهوم الربيع العربي .

أما الربيع العربي : أو ما بات يُعرف بالثورات العربية ، أو الربيع العربي أو الاثنان معاً ثورات الربيع العربي فهو مفهوم يُطلق على الأحداث التي جرت في المنطقة العربية وفجرها الشباب بدءَاً بتونس خلال أواخر عام 2010م ومطلع 2011م ، رافعه شعار " أرحل " و
" الشعب يريد إسقاط النظام " ، ونهجها " ثورتنا ثورة سلمية " .
وأشار البعض بأن المقصود بالربيع العربي هو الثورات السلمية – متمثلة في الأحداث الواردة بالتعريف السابق - التي حملت الزهور في وجه الأنظمة لتثمر في النهاية حرية وديمقراطية ( ).

وعرفتها موسوعة ويكيبيديا بأنها( ):
الثورات العربية، أو الربيع العربي أو ثورات الربيع العربي هي حركة احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في كُلِّ البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، ولا زالت هذه الحركة مستمرة حتى هذه اللحظة – تاريخ كتابة هذه الدراسة - وقد نجحت هذه الثورات بالإطاحة بأربعة أنظمة حتى الآن، فبعدَ الثورة التونسية نجحت ثورة 25 يناير المصرية بإسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ثم ثورة 17 فبراير الليبية بقتل معمر القذافي وإسقاط نظامه، فالثورة اليمنية التي أجبرت علي عبد الله صالح على التنحي والتنازل عن صلاحياته لنائبه بموجب المبادرة الخليجية. وأما الحركات الاحتجاجية فقد بلغت جميع أنحاء الوطن العربي، وكانت أكبرها هي حركة الاحتجاجات في سوريا. وتميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربيّ أصبح شهيرًا في كل الدول العربية وهو: "الشعب يريد إسقاط النظام".
والسؤال الذي يطرح نفسه – هنا - لماذا سُمّيت الثورات في الشرق الأوسط بِـ«الربيع العربي»؟! أو لماذا أُطلق مصطلح الربيع العربي على هذه الأحداث ؟!
يقول البروفسور ساسر( ) إن مصطلح "الربيع" له أصل أوروبي، يستحضر روابط بينه وبين " ربيع الأوطان" 1848، " ربيع براغ" 1968، أو ربيع أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات بعد سقوط الشيوعية، عندما سعت الثورات الشعبية باسم الديمقراطية العلمانية إلى الإطاحة بأنظمة مستبدة حكمت لعقود. إن " الربيع العربي"، وفقاً لهذا التفكير، مماثل للتجربة الأوروبية.
فالغرب هو من أطلق مصطلح الربيع العربي على الأحداث التي جرت
في المنطقة العربية بدءَاً بتونس ،حيث كانت صحيفة الاندبندنت البريطانية أول من استخدم هذا المصطلح. وقد يكون لذلك علاقة بثورات الغرب عبر تاريخه التي تعرف هي أيضاً بثورات الربيع الأوروبي( ).
وقيل بأنه تم استخدام مصطلح «الربيع» لأول مرة في مصطلح «ربيع الأمم» أو «ربيع الشعوب» للإشارة إلى الثورات الأوروبية في ١٨٤٨، فإنّ لمصطلح «الربيع» كإشارة لأنظمة ديكتاتورية تقوم بلبرلة نظامها تاريخاً أميركياً إبان الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي؛ وقد استخدم لوصف سلسلة من الإصلاحات التي اتخذت في الفترة ١٩٦٦ ــ ١٩٦٨ في تشيكوسلوفاكيا التي ألغاها في وقت لاحق الغزو السوفيتي للبلاد في آب/ أغسطس ١٩٦٨. وكان «ربيع براغ» (ويقال إنّ أول من صاغ اسمه كانت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية) قد تكشف في نهاية المطاف بأنّه لم يطل سوى الطبقات المهنية والإدارية والتكنوقراطية (بمن فيهم مديرو المصانع وبيروقراطيو الدولة) التي انبثقت عن النظام الشيوعي التشيكوسلوفاكي بعد الحرب العالمية الثانية، على حساب الطبقة العاملة، التي عارضت هذا «الربيع» بالمطلق منذ لحظة اعتماد هذه الإصلاحات الاقتصادية. في الواقع، كان معدل النمو الحقيقي لأجور العمال التشيكوسلوفاكيين هو أبطأ معدل في أوروبا الاشتراكية والرأسمالية على حد سواء في الفترة 1961 م– 1966م . ولم يكن هذا هو واقع الحال بالنسبة إلى الموظفين التقنيين والإداريين الذين ارتفعت أجورهم في الفترة نفسها بنسبة ٤٢ في المائة أكثر من أجور العمال. في حقيقة الأمر، لم يكن ما سمي «ربيع براغ» في معظمه سوى عملية لتحرير الاقتصاد، وهو على وجه التحديد ما دعا الغرب إلى الدفاع عنه ومواصلة استخدامه إيديولوجياً حتى الآن على أنّه الربيع السياسي التدشيني الذي سعى إلى خدمة المصالح الغربية في فترة الحرب الباردة. وعلى هذا النحو، فقد كان بحق ربيعاً أميركياً أكثر منه ربيعاً تشيكوسلوفاكياً. وفضلاً عن ذلك، كان «ربيع براغ» عملية قامت من أعلى إلى أسفل، إذ بدأ من داخل النظام نفسه وقاده أعضاء وقادة الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا، وأبرزهم الكسندر دوبتشيك، ولم يصل بالضرورة إلى الأسفل إلا إلى الطبقات الإدارية والمهنية وللمثقفين، ولكن ليس لغالبية الشعب ( ).
كما يُنسب مصطلح «الربيع» بمفهوم التحرّر من قيود حياة غير محبوبة أو عمل غير مرغوب فيه إلى الفيلسوف الأمريكي والأستاذ الجامعي « جورج سنتيانا « الذي توفي1952م ، وكان يحمل الجنسية الإسبانية لكنه لا يعترف بها، ويعتبر نفسه أمريكياً، لذلك اعتبر من الأدباء الأمريكيين! ، حيث كان يلقي محاضرته على تلاميذه كعادته، والوقت ربيع. نظر فجأة إلى نافذة الحديقة ،ثم سرح بذهنه!وقال لتلاميذه: عفوا لن أستطيع استكمال المحاضرة، لأنني على موعد مع الربيع!ثم جمع أوراقه وكتبه وحمل حقيبته وغادر القاعة مسرعا، ولم يرجع إليها بعد ذلك مرة أخرى بقية حياته! وأصبحت عبارة الفيلسوف الأمريكي تُطلق على من يمتلك الشجاعة التي تُمكّنه من الإقدام على التغيير،ومن لا ترضيه حياته سيقول لها :عفوا إنّني على موعد مع الربيع!( ) .
وبعد هذا العرض السابق ( الثورة – الربيع العربي/ ثورات الربيع العربي)
يمكن وضع تعريف للمفهومين ممزوجين معاً مفسراً لما حدث في المنطقة العربية .
الثورة كظاهرة اجتماعية وسياسية هي انتفاضة الشعب والفطرة والضمير ضد الظلم الذي تجاوز كل حدود تحمل الطاقة البشرية.
والثورة من منظور التحليل النفسي هي انتصار عامل الغضب في النفوس على عامل الخوف من قوة وإرهاب السلطان.
والثورة كفعل إنساني عبارة عن عملية هدم تليها عملية بناء.
لذا فللثورة مرحلتان رئيسيتان:
الأولى: هدم الوضع الظالم والفاسد والفاشل القائم وشعار هذه المرحلة هنا (الشعب يريد إسقاط النظام!). والذي يمكن فهمه بشكل آخر ( الشعب يريد نظاماً ) ينسق توزيع الموارد، ويمنع تحول المجتمع إلى صراع الكل ضد الكل .
والمرحلة الثانية: بناء وضع جديد يلبي حاجات وتطلعات الأمة وشعارها (الشعب يريد حياة كريمة).
وأما المفهوم العام للحياة الكريمة فيقوم على شقين أساسيين:
- شق سياسي يتعلق بالتخلص من القهر السياسي والأمني والبوليسي أي التحرر من الديكتاتورية البوليسية والقبضة الأمنية من خلال تحقيق الديمقراطية.
- وشق اقتصادي يتعلق بالتخلص من القهر المادي أي التحرر من الفقر والحرمان بتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة دولة الرفاهية الاجتماعية.
أما أدواتها وفئاتها المشاركه :
فهي ثورات شعبيه شاركت فيها كل شرائح المجتمع وأدواتها ليست عسكرية وإنما الكترونية معرفية تحررية (الانترنت والفيس بوك والتوتير والتكنولوجيا الثورية والمعرفة الرقمية)، هدفها بناء نظام سياسي متحرر من التبعية، ولكنها لم تخلو من الدماء.
ومن هذا..وذاك نستطيع القول بأن( ):
" لكل شعب من شعوب الأرض ثورتان: ثورة سياسية ، يسترد بها حقه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه ، أومن جيش معتد أقام في أرضه دون رضاه .
وثورة اجتماعية ، تتصارع فيها طبقاتها ثم يستقر الأمر فيها على ما يحقق العدالة لأبناء الوطن الواحد " ، وتتطلب الأولى لنجاحها وحدة جميع عناصر الأمة وترابطها وتساندها ونكرانها لذاتها في سبيل الوطن كله .

المطلب الثاني
ثورات الربيع العربي في ضوء النظريات المفسرة للثورات (مواقف وأراء ).

برزت آراء مختلفة ومتعددة لدى علماء السياسة والاجتماع المهتمين بدراسة مايطلق عليه اليوم علم الثورة Revolutionology لتفسير الدوافع المؤدية للثورة وتحديدها ، وأهم هذه التفسيرات وأكثرها شيوعاً التفسيرات التالية:

 أولاً - التفسير النقدي الارتقائي المتفائل :
وجوهر هذا التفسير يذهب بالقول بأن الثورات السياسية والاجتماعية الكبرى هي في الأول والأخير أدوات التقدم الحتمي للبشرية نحو مجتمع تسوده الحرية والاستقلال الذاتي في الحكم والتناغم الاجتماعي والمساواة ( ) .
وطبقاً لهذه الرؤية والتفسير فإن ثورات ما بات يُعرف بثورات الربيع العربي التي اندلعت وفجرها الشباب في كل البلدان العربية خلال أواخر عام 2010م ومطلع 2011م تعبر عن الأمل لدى الشعوب العربية في مسار تغيير حياتهم وأنها قادرة على أخراج بلدانهم مما هي فيه من تدهور في شتى المجالات ، حيث تتوق في مُجملها إلى إيجاد عدالة اجتماعية وتحقيق مجتمع تسوده قيم الحرية والمساواة والمواطنة .وبالتالي هذا التيار مناهض وناقد للنظم الاجتماعية والسياسية القائمة في البلاد ، ومن أبرز الحركات والجماعات التي تمثل هذا الجانب مايلي :
حركة " الإخوان المسلمين " بمصر واليمن وهي أقدم الحركات والجماعات السياسية وتطالب بتطبيق مبادئ وأسس الشريعة الإسلامية في إدارة شئون الدولة .
الحركة المصرية من أجل التغيير " كفاية " وأخواتها بمصر والتي رفعت شعار " لا للتوريث.. لا للتمديد " . وحركة " الحرية الآن " أوما عرف بالحملة الشعبية من أجل التغيير ، والتي ظهرت في نفس الفترة التي تأسست فيها حركة "كفاية" لتحمل شعار " لا لتوريث .. لا للتجديد .. لا لحكم العسكر ". وحركة " القضاة الإصلاحيين " . وحركات : " أوقفوا مبارك " المناهضة للرئيس ، و" شايفينكو" المناهضة للتزوير والفساد السياسي ، وحركة " الجبهة الشعبية " السلمية لإنقاذ مصر" ، وحركة " مايحكمش " المناهضة للتوريث ، و" الحركة الشعبية لمقاومة العلمانية " التي أسسها نواب مستقلون عام 2007م وتهدف إلى مقاومة العلمانية ، وغيرها .
على كلاً ووفق هذا الاتجاه فإن :
الأمة ، ممثلة بجماهيرها وحركاتها الوطنية وقواها الحرة ، قد مارست حقها في الثورة والانتفاضة والتمرد على الديكتاتورية والظلم والقهر ، بعد أن عانت الكثير ، فكانت ثورتها استجابة واعية لمخاض عسير وطويل بدأ مع النهضة العربية التي ، شهدها القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، وهي مازالت مستمرة وان خبَت لبعض الحين بفعل مؤثرات داخلية وخارجية ، وان هذه النهضة عبّرت ، خلال هذه المرحلة ، عن نفسها بانتفاضات أو ثورات وسمها ما شئت ( ) .
وينظر أنصار هذا التفسير على أن الحدث – ثورات الربيع العربي - أثمر وأينع ، والتغيير بشير خير لجميع الشعوب العربية، و يحمل معه هذا التغيير حلول للمشاكل والقضايا العربية المصيرية كتحرير العراق وفلسطين. وأن تترك الأنظمة العربية دورها كقاصر وتنتقل من التبعية والتخلف والفساد إلى الاستقلال والتحديث والشفافية والنهوض بالمجتمعات العربية على أساس الديمقراطية الحقيقة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع. والأهم أن يكون هذا التغيير – حسب هذا الاتجاه – بالتدريج، فلا يمكن أن تحقق الثورة كل شيء بين ليله وضحاها، فالتغيير المفاجئ في المجتمعات العربية غير مناسب، ولا يخدم مصالح الشعوب العربية، لأن أي بلد عاش أهله لعقود طويلة تحت الاستبداد والقمع والفساد، في ظل حكم نظام شمولي، لا يمكن أن يستوعب تغييرا مفاجئا عنيفاً وسريعاً، وقد أشار علم الاجتماع إلى هكذا مجتمعات عاشت الهوامش المتاحة، فأنها بحاجة إلى تغيير هادئ علمي مدروس، بحيث يستفاد من كل عملية لتوسيع هذه الهوامش. وبالتالي فالوضع العربي بحاجة إلى إصلاح النظام الاجتماعي، وبناءه على أساس المساواة والعدالة وتحقيق الرفاهية الاجتماعية( ).
هذا وتوجد ثمة اتجاهات فرعية داخل أنصار هذا الاتجاه والتيار ، فهناك من يركز على الجوانب الايجابية للثورات العربية التي قامت والأنظمة السياسية التي حلت محل المنهار ، وهناك من يقر بوجود ثورة حاصلة ونظام عربي جديد إلا إنه ينتقد الأسس التي تستند إليها هذة الأنظمة باعتبارها تسعى لتحقيق مصالح قوى معينة وهنا – التيارات الإسلامية بمختلف مسمياتها وأنواعها- واستبعادها مفجريها ومحركيها الأصل وهم الشباب من رسم سياسات بلدانهم الداخلية والخارجية .
ويبقى وفق هذا التفسير والاتجاه شيء مهم وهو أن :
الثورات العربية لدى أنصاره ثورات وطنية (صناعة محلية) قبل كل شيء ولدت من رحم ظروفها الاجتماعية، ومحركها ووقودها داخلي. وهذا لا ينفي إمكانية تدخل الأجنبي في سياق محاولة حرف الثورة عن مسارها أو محاولة إحتوائها.

 ثانياً – التفسير المحافظ التشاؤمي :
وهذا التفسير يذهب أنصاره على ان الثورات هي انفجارات شبه بربرية خارجه عن السيطرة ، وانفعالات جماهيرية مُدمرة ، وهي تعبير عن سيكولوجية الحشد ويقارنوها مع مع «الارتدادات» التي تُعبِّر عن عقلية بدائية يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي العام( ).
وهذا الاتجاه نقيض الأول حيث يحذر من خطورة هذه الثورات وإنها تأمر ضد الوطن و يُمثله ما هو شائع في الثقافة العربية في عصرها الراهن وأفرزته ثورات الربيع العربي بشكل واضح في الجبهة المدافعة عن النظم والأوضاع القائمة ، وهو تيار عكس السابق موالي للسلطة القائمة يؤيد ويدافع عن قيادتها السياسية ويرى بأن الحل هو تقوية الدولة الموجودة والنظام القائم والحرص عليها وعليه – أي الحاكم – فما هو موجود خير من هدم يصعب إعادة بنائه فيما بعد بإسم الحلول البديلة ، متمثلاً في رحيل نظام وحلول آخر مكانه ، أي نظام جديد وحكومة جديدة محل ما هو كائن حكومة ونظام قديم موجود ، فالثبات فضيلة والتغيير رذيلة والقادم ليس أفضل مما هو راحل وموجود ، وبالتالي فإن هذا الاتجاه يُفسر فيما يُفسر – أيضا – أزمة العقل العربي والإسلامي وتوقفه في عالم اليوم عن الابتكار والحرية ،والاكتفاء بالرواية عن الدراية ، وبالسماع عن الإبداع ، وبالتقليد عن الاجتهاد والتجديد . وبالتالي ينظر هذا الاتجاه إلى التجديد وكل فكر سياسي تنويري ينتقد الاعوجاج الموجود في النظام القائم على انه " بدعه وكل بدعة ضلالة " ، ويهتف بها كذلك علماء السلطة أو ما يُسمى بعلماء الدين في حين بدعة التوريث أو مشاريع التوريث في نظام الحكم ليست بدعة .
وكأن قول المولى عزوجل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [ سورة: المائدة -الآية:104] شعار هذا الاتجاه يترجم موقفهم من قضايا التقدم والتجديد بشكل عام ومن الثورة بشكل خاص .
ووفق لهذا الاتجاه – أيضا – فإن الثورات الشعبية العربية ولدت من فراغ وهي ثورة غير مخطط لها أولا ، بلا رأس ثانيا ، وبلا إيديولوجيا ثالثا.
وبالتالي فهي نبتاً شيطانياً أو مؤامرة ، وفسرها أنصار هذا التيار بتفسير تآمري(نظرية المؤامرة ) لمستفيد خارجي وهي في الأساس صنيعة قوى خارجية غربية (أمريكية أو أوروبية أو صهيونية) وليست نتيجة محضة لفشل الأنظمة الفاسدة المستبدة (المفارقة أنها استمدت تماسكها من الدعم الغربي لها) وأن هناك مصالح (ربما تكون اقتصادية وربما سياسية أو جيوإستراتيجية) لن تتحقق إلا بالثورات العربية وتغيير الأنظمة (وهذا يخالف منطق الثورات التي تعتبر مشروع تحرري لمواجهة تبعية الأنظمة وارتهانها بالخارج, وتعديل النظام الاقتصادي ليحقق العدالة الاجتماعية للمواطنين مما يمس بالمنظومة الاقتصادية الحاكمة, وتقويم السياسة الخارجية لتعبر عن المصالح الوطنية والقومية وتتسق مع الهوية ودوائر الانتماء بما في ذلك إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كمركز الصراع وإعادة تعريف الأمن القومي وخريطة الحلفاء والأعداء) وهذا بالضرورة يضر المصالح الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية (معلوم أن الإرادة الشعبية المصرية الحرة ترفض إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وقد تلغي المعاهدة وترفض تصدير الغاز ولا تؤيد السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تضر بالأغلبية الفقيرة وترفض الهيمنة الأمريكية وتؤيد سياسات الاستقلال وتولي أولوية للامتداد العربي والإسلامي) مما دفع مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار وواضعي السياسة الخارجية لمحاولة الاستفادة من الثورات (وليس صناعتها) وتوجيهها وتوظيفها والحد من جذريتها واحتوائها بالدمقرطة الداخلية وتوسيع هامش الحريات واحتواء الغضب والسخط المتراكم شريطة ألا ينعكس في سياسة خارجية أو نظام اقتصادي مختلف عن سابقه! ( ) .
وفي هذا الإطار نجد مثلا الرئيس معمر القذافي والرئيس على عبد الله صالح يوجهون الاتهام إلى (إسرائيل) والولايات المتحدة بإدارة موجة الاحتجاجات الجماهيرية التي تعم العالم العربي. حيث قال صالح "هناك غرفة عمليات لزعزعة الوطن العربي في (تل أبيب) وهؤلاء المتظاهرون ما هم إلا منفذين ومقلدين`. كما قال أن غرفة العمليات موجودة في `تل أبيب` وتدار من قبل البيت الأبيض!! واتهم صالح المتظاهرين بأنهم `يدارون من الخارج`، وأن الإنفاق

عليهم يأتي من أموال صهيونية!!"( )
ومن هذا .. وذاك وبشكل عام فإن أنصار هذا التفسير يرون بأن ثورات الربيع العربي لها اتجاهات متعددة، حيث يُمكن بلورة هذه الأفكار والرؤى والتصورات والانتقادات التي طرحها – ويطرحها – أنصار هذا الاتجاه في النقاط التالية حيث يرونها :
أولأً :
تخدم مشروع إعادة تقسيم المنطقة العربية من جديد، وبأشكال مستحدثة قد تبهر الشعوب وتحظى برضاها ودعمها بعد أن ضاقت ذرعا بحكم الطغاة ، وأصحاب هذه المخاوف لهم مسوغاتهم الفكرية أيضا، وقد يكون لتخوفاتهم أساس يبنون عليه ، ويجــب التنبيه إلى ثقافة ( الخوف من التجديد ) المترسخة، فمثل هذه الثقافة – حسب بعض المحللين - لها جذورها التاريخية والسياسية على أرض الواقع ، فالذين سعوا بعد الحرب العالمية الأولى إلى التخلص من الحكم العثماني لم يتمكنوا من تحقيق طموحهم في الاستقلال وبناء الدولة العربية، فساعدوا على هدم الحكم العثماني لكنهم حصدوا اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا الوطن العربي فتم تجزئته إلى دويلات متناثرة ضعيفة هزيلة لا حول لها ولا قوة ، واستأثرت ايطاليا بليبيا، وعندما سعى العرب للتخلص من سيطرة الاستعمار وهيمنته ، قامت إسرائيل كدولة على ارض فلسطين لتشكل قاعدة عسكرية استعمارية عدوانية متقدمة في المنطقة لقهر شعوبها ودولها ، ومع أن أي بديل لحكم الديكتاتورية هو أفضل مما كان، إلا أن ذلك لا يمنع الشعوب الثائرة أن تبقى يقظة متحسبة من الالتفاف عليها وعلى منجزاتها( ) .
ثانياً :
وتتمثل هذه النقطة في أقوال الأستاذ عبد الحميد الأنصاري التالية ( ): لقد أمل الكثيرون في ديمقراطية حقيقية بعد نصف قرن من تجارب متعثرة في الديمقراطية على أيدي الثوريين الانقلابيين على الأنظمة الملكية السابقة، تعهدوا للجماهير بتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة والحرية وانتهى بهم الأمر إلى تركيز الثورة والسلطة في أيدي قلة فاسدة ومتسلطة أرادت استدامة الوضع عبر نظام التوريث، لتأتي ثورات الربيع وتزيل هذه الأنظمة أملاً في بديل ديمقراطي حقيقي أراه حلماً بعيداً، هناك المتفائل الذي يقول: لم أنت متشائم؟ لماذا تكون سلبياً؟، لماذا لا تعطي الحكام الجدد الإسلاميين الفرصة الكافية كما أعطيت الحكام السابقين؟، لماذا التسرع في الحكم عليهم؟ وهي حجج تبريرية قالها السابقون من المدافعين عن الأنظمة العسكرية السابقة فما أجدت نفعاً. إن الكتاب يقرأ من عنوانه، والبدايات الخاطئة لا تنبئ بنهايات واعدة، والإرهاصات الأولية لا تبشر بإنجازات تنموية أو ديمقراطية، وسلوكيات الحكام الجدد لا تترك مجالاً للتفاؤل وما نحن بمتسرعين بإطلاق الأحكام ولا نحن بمتعسفين، فالحقائق على الأرض هي التي تتكلم وتتحدى من يجيدون معسول الكلام ويحسنون التزلف ويبرعون في لعبة الخداع ويبيعون الأوهام للجماهير، كيف أكون متفائلاً وحزب سياسي استعلائي وإقصائي يتحكم في مقدرات وأقدار بلد عظيم كمصر؟ كيف لا أكون متشائماً وأرى قصر العدل محاصراً من أتباع حزب سياسي يخاصم القضاة ويتهمهم ويرهبهم ويشكك في أحكامهم ويسعى لتطهير القضاء بحسب زعمه ممن ليسوا على هواه بل ويتدخل في أحكامهم وشؤونهم؟ .
ثالثاً :
إن هذه التسمية : بالربيع هي: اتجاه معاكس لحقيقتها ، وما هي إلا هُزءٌ و سخرية و استخفاف ؛ لأن الربيع معناه الصحيح: تدفق الخيرات وهطول الأمطار و نبات الكلأ و الإنماء ، و الحياة الرغد السعيدة ، كما ورد في الآية الكريمة في رؤيا ملك مصر و هو العام الذي (فيه يُغاث الناس و فيه يعصرون) أما السوريون - على سبيل المثال - فإن هذا الربيع لهم : يعني الدمار والإبادة و سفك الدماء و الهدم ، و هل هذا النزوح و اللجوء و الهرب الى البلدان المجاورة ؛ هل هذا إلا نذير سوء و مكروه ، لكن هذا السوء و المكروه : لاحقهم اينما حلوا و حيثما ارتحلوا ، فقد هربوا من سيء الى أسوأ منه ، كمن فر من حر الجراح الى القتل . أليس من العقل أنهم لو بقوا في منازلهم و قراهم و تناصحوا فيما بينهم : لو فعلوا ذلك لكان أولى لهم لكن فرارهم هذا :( كالمستجير من الرمضاء بالنار)( ) .
ومما سبق اتجه ببعض المختصين إلى وصف ما تعانيه الشعوب العربية بعد الثورات التي قامت فيها وفي بلد كمصر بأنه حالة اكتئاب نفسي قومي، وهذا كما يشير الدكتور/ جابر عصفور أن له أساسا من الحقيقة التي نلمسها في الواقع ( ): " تزايدت معدلات البطالة وأزمات الخبز والوقود ، وتزايدت الأسعار على نحو لا ضابط له ، وأصبح الاقتصاد القومي في حالة أنهيار ، وتتزايد معدلات الدين العام ، مقابل تقلص الدخل القوم نتيجة استمرار الاحتجاجات في الشارع المصري ، وفي الوقت نفسه تزايدت معدلات العنف والخروج على القانون ، فضلاً عن تكاثر التشكيلات العصابية مقترنة بحوادث الاختطاف ، والتحرش بالنساء الذي وصفه البعض بأنه أصبح ممنهجاً " وقال : " فالشعب الذي حلم بتحقيق العدل وجد اختفاء العدل، وتحولت كل الأحلام إلى كوابيس ، فلا رغيف متاح، ولا وقود ميسور، ولا سقف لمن لا سقف له . والتعليم على ما هو عليه ، وساكنو العشوائيات تزايدت معاناتهم، ولم يبق أمام المحرومين سوى الانفجار الذي تتزايد معدلاته يوما بعد يوم " وذكر بإن ألفا وخمسمائة وأربعة وستين (1564) احتجاجا لأربع وثلاثين(34) فئه اجتماعية طالبت برحيل الرئيس محمد مرسي في شهر يناير من هذا العام (2013م) وأن جماعة الإخوان المسلمين وضعت ثلاثة عشر ألف (13000) إخواني في كوادر الدولة . ولذا كما يقول : " تتابع الإحباطات من الوعود والعهود التي نقضت ، وانتقالنا من أزمة إلى أزمة ، اصبح واضحاً للقوى الوطنية أنها تواجه عهداً من المغالبة لا المشاركة ، وان الرئيس – أي محمد مرسي – اقرب إلى حزبه من بقية القوى الوطنية الأخرى . وبدأ الانقسام يحل محل الوئام ، والصدام ينفى آمال الائتلاف..... ولم يعد خافياً على أحد أن الاخوان تناسوا كل ماقالو عن المشاركة التي تحولت إلى مغالبة وسيطرة متزايدة على كل مقدرات الدولة لتصبح مصر دولة إخوانية بكل معنى الكلمة ....." وهذا مما يجعله يقول : " أتصور أن كل هذا الذي نحن فيه لايبعث على التفاؤل "
وبناء على ما سبق يُمكن إعادة بلورة أفكار هذا التيار في الخلاصة التالية:
أصحاب وأنصار التفسير المحافظ التشاؤمي ينكرون ويشككون بوجود ثورة ، ويؤكدون على أن هذه الأحداث – لا يطلقون عليها اسم ثورة – والأنظمة التي قامت معها وحلت محل الأنظمة السابقة والتي رحلت من السلطة ، ورغم كل ماجرى في الساحة العربية من تحولات ملحوظه فإن الحديث عن مثل هذه الأنظمة والثورات هو مجرد وهم وخدعه .
وثمة اتجاهين فرعيين داخل هذا الاتجاه :
أولها: ينكر وجود ثورة وقيام أنظمة ، استناداً إلى حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي انتابت العالم العربي في أعقاب اندلاع الثورات ورحيل الأنظمة السابقة .
وثانيهما: يُشكك متسائل ياترى هل هذه الثورات هي ثورات تغيير تقوم بها الشعوب المحرومة من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية نتيجة الفقر والبطالة والتسلط وسوء التوزيع واتساع الفوارق الطبقية، أم هي مشاريع تقسيم بأيادي خارجية من أجل إعادة تقسيم أكثر ملائمة وبمقاييس تماشي وتلاءم روح العصر؟ وهل يا ترى لهذه الثورات علاقة بوثائق ويكلكس WikiLeaks، أم أنها صدفة القدر ونهاية لسمات الحكم العربي المتمثلة في التمليك والتوريث والحكم مدى الحياة . أي يرى أنه على الرغم من وجود ثورة ومتغيرات عربية حاصلة ، إلا أن مايعرف بالنظام العربي الجديد الذي خرج من رحم الثورات ليس جديد – حتى الوقت الراهن – في مضمونه أو أهدافه ، وإنما هو اقرب إلى الترتيبات الجديدة يستحدثها الإنظمة العربية القديمة يعيد بها تأكيد دوره في ظروف متغيره .
ويبقى وفق هذا التفسير وأنصاره ثورات الربيع العربي لديه عكس اتجاه وأنصار التفسير النقدي المتفائل كانت بفعل مخططات أجنبية أو تنفيذا لأجندة دولية (صناعة خارجية)!.

 ثالثاً – التفسير العلموي الاجتماعي ( السوسيولوجي) أو الوضعي :
ويذهب إلى أن لاصطلاح الثورة معنى وصفياً ولا يحمل مضمون قيمة ، وطبقاً لهذا التفسير فإن كل تغيير فجائي جذري وعنيف في نظام الحكم والمجتمع يشكل ثورة حقيقية طالما أمكن إثبات أن الحركة السياسية التي قامت بهذا التغيير كانت تتمتع بتأييد قطاع عريض من الشعب ( ) .
وطبقاً لهذا التفسير فإن الحركة السياسية أو الفئات الاجتماعية التي قامت بالثورة طالما تمتعت بتأييد قطاع واسع من الشعب فهي تشكل ثورة ، وهو ما برهن فعلياً على أرض الواقع في ميادين وساحات التحرير في المدن والعواصم العربية مصر، ليبيا ، تونس ، اليمن وأيام الثورات وفعالياتها المختلفة بشكل عام ويوم الجمعة منها يشكل خاص .
وكما جسده شعارها " الشعب يريد إسقاط النظام " حيث يعبر عن تصور الرأي العام لأطراف الصراع ، فهو يتعلق بالشعب والنظام ، والحاكم والمحكوم قبل كل شيء ، وهذه أطراف الصراع ، كما عبرت عنه الجماهير المحتجة التي رفضت تعريف الصراع بأنه بين أقليات، أو قبائل ، أو عائلات ، أو طوائف ، كما سعت قوى وأنظمة حاكمة لتصويرها( ) .
وهنا قامت قوى الثورة المضادة على تفجير التناقضات داخل المجتمع ، لتحطيم شبكة التحالفات التي تؤلف القوى الثورية ، بما يثبت للداخل والخارج أن النظام السابق حتى وإن كان قد شابه استبداد أو فساد فقد كان ضرورياً لحماية البلاد من الفوضى ، هادفة إلى إعادة القيادة السياسية السابقة لدفة الحكم ،أو إعادة إنتاجها نمط الحكم السابق في قوالب جديدة ، من أجل استعادة النظام ، والقضاء على الفوضى، ومن هذه التناقضات التي سعت الثورة المضادة لتفجيرها العلاقة بين المسلمين والأقباط أو الفتنة الطائفية – مصر – ( ) وبالمركب الطائفي – كما في البحرين سنه / شيعة – أو العلاقة بين المركبات القبلية والعقائدية والحزبية في وقت واحد – اليمن –بين القبائل ببعضها البعض ، وبين المذاهب السنة الشيعة من ناحية والأحزاب كذلك كالتجمع اليمني للإصلاح والحوثيين ، والأخير والسلفيين . علاوة على فك الارتباط بين شطري اليمن والعودة به إلى ما قبل 1990م عهد التشطير(يمن شمالي – يمن جنوبي ) .
وبعض آخر يرى أن الثورات العربية بدأت كنزاع اجتماعي سياسي في إطاره العام، وهو على حق من وجهة نظر الجماهير وتمرد وعصيان من وجهة نظر الأنظمة الحاكمة ، وبما أن أي نزاع سياسي ينطلق من منظور عقلاني ، فقد كان من الأولى أن تدور الحلول التي يُحتكم إليها لحل مسالة ذلك النزاع في إطار العقل والمنطق والحكم الرشيد المستنير، ولكن المؤسف حقا أن ردود الأفعال على تلك النزاعات كانت متفاوتة ، ولم يتم فيها الاحتكام سوى للعاطفة والمصلحة الفردية ، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى ما وصلت إليه بعض تلك الزعامات، وتسبب بمذابح بشرية وخسائر مادية لم يكن لها من داع.
ويرى أصحاب هذا الرأي انه بعد مرور أكثر من سنة على تلك التجربة التاريخية الاستثنائية ، إلا أنها لم تبلغ بعد مرحلة النضج الثقافي والسياسي ، حيث ما زالت مسالة التسلط الأيديولوجي قائمة ، فهناك العديد من الأنظمة السياسية لم تستفد منها سوى في مسالة استخلاص وسائل قمع وقتل واستبداد جديدة ، وأنها مستمرة في استخدام منهج الاستعلاء والاستكبار .. في نفس الوقت ، لم تتعلم بعض جماعات الثورة والمعارضة كيف تستفيد من وضعها الراهن لتقوية مكانتها الاجتماعية والسياسية الوطنية. فقد خرجت من بين تلك الجماعات التي قادت الثورات جماعات أخرى معارضة لها ، وهي اليوم تحمل السلاح في وجه من كانت تقف معهم بالأمس ، وليس هذا سوى نتيجة واضحة لطغيان الفكر الفردي التسلطي والمصالح الشخصية والتعصب والأهواء والغرائز البشرية السيئة على مصلحة الجماعة والوطن ، لذا فان الأجواء التي تخيم اليوم على بعض دول ما أطلق عليه بدول الربيع العربي باتت ملبدة بغبار التجاذبات السياسية الفردية والمشاققات الثقافية اللامسؤولة ( ) .

 رابعاً – التفسير الحديث :
وهو يعارض التفسيرات السابقة ويرى أن الثورة هي دائماً شأن متناقض مشحون بالفجائية ، ينفجر فيه اللاشعور الجمعي لشعب من الشعور، بكل ما ينطوي عليه من عوامل تقدميه ورجعيه ويرى هذا التفسير أن كل ما في الثورة فوضى( ) .
فثورات الربيع العربي ثورات كاشفة للحقائق كشفت العلاقة الحقيقية بين الحاكم والمحكوم ، بين الراعي والرعية في البلدان العربية ، حيث قامت كل الفئات أو معظم الفئات الاجتماعية في البلدان العربية وبشكل أخص مصر، اليمن ، ليبيا ، تونس بإضرابات وأعتصامات ومظاهرات تحولت إلى صدامات دامية مع الأمن في بعض الأحوال بحثاً عن العدل وتعدت المطالب الاقتصادية التي قد تكون مشروعة إلى مطالبات أخرى مثل تطهير المؤسسات من الفساد بما في ذلك الشرطة والقضاء وإدارات الحكومة والشركات العامة ، إلى المطالبة بإسقاط النظام ورحيل من يتربع قيادته رافعين شعار " أرحل " و " الشعب يريد إسقاط النظام " كل هذه الأحداث وغيرها خلقت حالة فوضى غير مسبوقة يصعب السيطرة عليها في الأجل القصير أو في المتوسط .
وهنا لا نبالغ فقد تحولت الثورة في مصر واليمن إلى فوضى عارمة وانهارت قيم التراتيبة الاجتماعية والوظيفية والإدارية وتدهور القيم وعدم الاستقرار السياسي .
عموما ًفقد كانت الثورات العربية كاشفة للحقائق الصادمة وناقضة للمسلمات عن الأنظمة والمعارضة والشعوب. أسقطت الأقنعة والأعذار، ونسفت منظومة استقرت في الأذهان طويلا مفادها أن مأزق البلاد العربية سببه نظام لا يقهر وشعب مستكين. أما المعارضة الضحية فتمتلك البرامج والحلول والكوادر ولا تنقصها إلا الفرصة ولا يحرّكها إلا الحرص على الوطن والشعب( ).
وفي تقدير هذا التفسير فإن ماحدث ويحدث – في الوقت الراهن – بعد الثورات العربية هي في تقديره هي أقرب إلى حالة من " الفوضى العربية الجديدة " والتي سوف تستمر حتى يتم التوصل إلى ترتيبات عربية جديدة ومن مختلف القوى الاجتماعية لترسيخها في صيغة أنظمة وطنية عربية جديدة تنهي حالة الفوضى الحاصلة أو على الأقل تخفف من حالة الاضطراب ومظاهر عدم الاستقرار في هذه البلدان .
وبناء على ما سبق يمكن وضع ملاحظتين هامتين:
الملاحظة الأولى ( ):
ربط الكثير من الساسة والسياسيين بأن ما يحدث اليوم في وطننا العربي مرتبط بنظرية “الفوضى الخلاقة” أو “البناءة” وهي مصطلح أطلقه نظرياً بعض أهل اليمين السياسي الأميركي تجاه مسارات التغيير في الشرق الأوسط، و تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية كإستراتيجية جديدة للعمل في الدول العربية ومفاده أن هذه المجتمعات، وتلك القريبة منها في المنطقة، هي مجتمعات راكدة سياسياً. ولكي يتحرك ركودها، لا بد من إحداث شيء من الفوضى والخلخلة حتى يحصل التغيير، وفي ظنهم، أنه تغيير نحو الأفضل، أو ربما كان تغييراً من أجل التغيير فحسب ". لتبدو االيوم أكثر إصرارًا على الاستمرار بتنفيذها، بدافع أن تلك الفوضى بدأت تؤتي ثمارها الخلاقة . وبالتالي كما يعتقد أصحاب وأنصار الفوضى الخلاقة بأن دعم حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، سوف يؤدي حتماً إلى بناء نظام سياسي جديد، يوفر الأمن والازدهار والحرية. وهو ما يشبه العلاج بالصدمة الكهربائية لعودة الحياة من جديد. غير أن ثمة أهدافاً متوارية تهدف الولايات المتحدة إلى تحقيقها .
لهذا فأميركا والغرب لديهما الرغبة في تغيير سريع من داخل الأنظمة العربية المستقرة عقوداً، قبل أن تأتي الجهات الاسلامية المتشددة للسيطرة على الحكم في الدول العربية، وقد أوضحت هذا وزيرة الخارجية الأميركية صراحةً قبل يوم من سقوط بن علي في تونس وهي تحاضر في منتدى عُقد في الدوحة . حيث قالت: " على حكومات الدول العربية الصديقة أن تغير من جلدها القديم، وأن تعطي بعض الآمال لشعوبها حتى لا تتفاجأ أميركا والعالم وهذه الدول بالتطرف يداهم بيوتها، وأن أميركا ستعمل مع "الخيرين" لتحقيق هذا".

الملاحظة الثانية ( ):
من خلال العرض السابق، وتفسير أسباب ثورة شباب التغيير، وتحليل مفهوم نظرية "ألفوضى الخلاقة أو الفوضى البناءة"، نستنتج أن البعض خلط –سواء عن خبث كما هو حال الأنظمة أو عن جهل كأغلب الشعوب- بين ثورة الشباب العربي ضد الأنظمة الفاسدة، وبين نظرية الفوضى الخلاقة التي انتهجتها الولايات المتحدة للتغيير ونشر الفوضى في المنطقة، فالولايات المتحدة كانت تعتمد الوسيلة العسكرية لنشر "الفوضى الخلاقة" وما كان يتبادر لذهنها أن الشعوب العربية قد تملك زمام المبادرة وتقوم بالتغيير، ولو كان لديها ادني فكرة بذلك لما أنفقت مئات المليارات لاحتلال العراق وأفغانستان، ولشجعت الحركات الشعبية والشبابية في الوطن العربي لقيادة حركة الشارع العربي وفق منهج "الفوضى الخلاقة"، لكن مع كل هذا فان ثمة تقاطع يجري حاليا –دون تنسيق بالطبع أو دعم غربي- بين مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق فكرة "الفوضى الخلاقة" وبين ثورة الشباب والشارع العربي تجاه مقصد التغيير والانقلاب على الواقع، وهو تقاطع يلبي مصلحة الشعوب العربية بالدرجة الأولى وبيدها أن تقطع الطريق على الولايات المتحدة وإسرائيل لجني ثمار التغيير ونفض غبار الاستبداد والظلم والفساد، لذا فالكلمة العليا ستكون للشعوب ولجيل الشباب العربي، لان خاتمة مطاف الثورة هي الانقلاب على تحالفات الأنظمة الفاسدة أيضا، بما فيها التدخل العنكبوتي الأمريكي في حياة الشعوب العربية.

المطلب الثالث
الثورات العربية رؤية تحليلية في ضوء نظرية الحرمان النسبي .

مما سبق يمكن القول بأن المداخل والنظريات السابقة المفسرة لنشوء الثورات قد تباينت فروضها العلمية المُفسرة لنشوء الثورات حيث قدمت خطوط عريضة لماذا حدثت الثورات في هذا المكان أو ذاك ، في هذا العصر أو ذاك وهي تحاول شرح مختلف صور الصراع والتطور التي تعقبها، وهنا نقف بالبحث في تفسير نشوء الثورات العربية ، وتوقيت نشوئها ، وأسباب انضمام الجماعات إلى تيار ما دون غيره ، في ضوء نظرية الحرمان النسبي ، ويقصد بالحرمان النسبي كما يشير تيد جير( ): الحالة التي يحرم فيها شخص أو جماعة من أمور يعتقدون أنهم أحق بها ، في حين أن شخصاً آخر أو مجموعة أخرى تمتلك هذه الأمور.
وبالتالي تقوم نظرية الحرمان على فرضين رئيسيين( ):
أولهما:فرض الشعور بالحرمان نظراً لوجود حاجات لم يتم إشباعها حسب ماهو متوقع .
وثانيهما: فرض اهتزاز بناء القوة القائم في المجتمع .
إذاً، فالحرمان هو نسبي بين طرفين يمكن استشعاره عبر آليتين هما: التوقعات والإمكانيات. فعادة ما تمر المجتمعات بمراحل ترتفع فيها مستويات التوقعات بعد أي تغيير اجتماعي كالثورات ، كما يمكن أن تنخفض التطلعات بعد المرور بكارثة في الوقت نفسه ، فإن كل مجتمع لديه إمكانيات لتحقيق تلك التوقعات ، وهي تتفاوت بناء على عوامل كثيرة من مرحلة إلى أخرى ( ) .
وطبقاً لهذه النظرية ، فمادام مستوى الإمكانيات المتاحة للأفراد والجماعات يسمح لهم بتحقيق التطلعات المناسبة ، فإن مستوى الإحساس بالحرمان يكون منخفضاً ، بدرجة لا يتوقع معها حدوث صراعات داخل المجتمع . ولكن عندما تتزايد الهوة بين الأمرين تتزايد الصراعات

ويتضح مما سبق التالي( ) :
إن نظرية الحرمان النسبي تعد من أنسب النظريات لتفسير الظواهر- موضوع الدراسة - حيث تُفسر إلى حد بعيد التظاهرات الفئوية ومطالبات المهمشين في مصر، وتونس – كذا اليمن وباقي الدول العربي – . إذ توقع الكثيرون أن سقوط أنظمة تسلطية يعني رفع سقف التطلعات ، بينما ماهو متاح من إمكانيات محدودة لا يمكن معها إشباع تلك المطالب الفئوية. واللافت أن الحرمان النسبي كظاهرة ترتبط بالتغيير الاجتماعي ، قد يتحول إلى " حرمان معاكس " أي منع الآخرين من الحصول على ماسبق أن حصلوا عليه مثال : ( حرمان رموز الأنظمة التسلطية من المشاركة في العملية السياسية كما في مصر وليبيا وتونس ) .
وأمثلة أخرى يمكن تفسيرها في ظل مدخل الحرمان فمثلاً( ) :
الحركات الاجتماعية والسياسية كحركتا " الإخوان المسلمين " و " كفاية " بمصر تعانيان من حظر ممارسة أنشطتهما السياسية بشكل مشروع .
وحركة " العمال " تعاني من متاعب اقتصادية عدة في ظل سياسات السوق الحرة التي تنتهجها الدولة ، وفي ظل الفجوة الهائلة بين دخول أصحاب العمل والعمال ، الذين يرون أنهم لا يحصلون على نفس المكاسب والأرباح بنسبة واحدة .
علاوة على شعور المواطن العربي وفئات الشباب بشكل خاص (سياسياً) بالاغتراب السياسي وما ارتبط به من ظلم وجور واستبداد وقهر واستعباد، و(اقتصادياً) سوء توزيع ثروة، وتمازج السلطة السياسية الحاكمة بالثروة الفاحشة، في الوقت الذي ترزح فيه ملايين الشعوب العربية تحت وطأة الفقر والجوع والذل والبطالة . وكما توضحه النقطة التالية .
 مصادر الحرمان النسبي لدى الشباب والشعوب العربية
يُمكن حصر هذه المصادر في مصادر الحرمان الثلاثة التالية :
1- الحرمان السياسي : استبداد النظام الحاكم واحتكار سلطة الحكم لثلاثة عقود او عقدين، واستمراره لتطبيق نظام الطوارئ – مصر- والتضييق على الحريات العامة ، وعدم السماح بالتعبير عن الرأي الآ خر المعارض، وانعدم مظاهر التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والإعلام وحرمان كثير من قوى المعارضة في العالم العربي من الوصول إلى مناصب في السلطة الحاكمة ،
2- الحرمان الاقتصادي : تردي الأوضاع الحياتية للشعب العربي بشكل عام وفئة الشباب بشكل خاص في مختلف مجالات التعليم والعمل والصحة، وارتفاع معدلات البطالة ، والغلاء، وانخفاض مستوى المرتبات والأجور، وعدم توافر شقق سكنية بأجور معقولة لفئات الشباب ومحدودي الدخل ، وتفشي ظواهر العنوسة وتأخر سن الزواج والهجرة غير الشرعية والانتحار بإحراق الذات ، وما عمله الشاب التونسي محمد البوعزيزي أو ما بات يعرف " بظاهرة البوعزيزية " - خير شاهد - حيث قام بإضرام النار في نفسه احتجاجاً على مصادرة السلطات الرسمية عربيته التي يبيع عليها الفاكهة والخضار بجملة واحدة مصادرة مصدر رزقه، وهذا الحدث كان بمثابة الصاعق للقنبلة لثورات الربيع العربي .
3- الحرمان الاجتماعي : تراجع رأس المال الاجتماعي وتفكك الأسر، وارتفاع معدلات العنوسة ، وارتفاع سن الزواج ومعدلات الطلاق ،واقتصار النخبة العربية على كبار السن من رجالات المؤسسة الرئاسية والحكومية والأمنية والعسكرية...الخ ، وانتشار العنف والحوادث الشاذة والمروعة ، والمرتبطة مباشرة بالبطالة وتزايد معدلات الفقر والهجرة ، وتزايد حالات التعصب والثأر والاحتقان الطائفي ، وتزايد نزعة المحسوبية والقرابة ، والتمييز بين أبناء الوطن حسب أصوله الاجتماعية وعلاقات ذويهم بالمؤسسات العامة وأصحاب النفوذ .
ومن السابق وما تخلله من طرح يمكن ان يشكل في مُجمله إجابة على تساءل :
لماذا حدثت الثورات العربية أو ما بات يُعرف بثورات الربيع العربي ؟

المطلب الرابع
الاتجاهات المستقبلية للثورات العربية والنظام السياسي العربي (بشكل عام/ وخاص)

يمكن وضع تصورات مستقبلية للنظام العربي و للثورات العربية – بشكل عام - والأنظمة الحاكمة الجديدة – بشكل خاص – التي أوصلتهم للحكم تلك الإحداث التي انطلقت في كُلِّ البلدان العربية وخاصةٍ في بلدانهم خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، و التي أطيحـت بحكم زين العابدين بن علـي في تونس ، وحسني مبارك في مصر ، والعقيد معمر القذافي في ليبيا ، وعلى عبد الله صالح في اليمن . وذلك في اتجاهين وتصورين( عام وخاص ) لكل منهما فروعه واتجاهات ووجهات نظر مختلفة حيناً ومتداخلة حيناً آخر حول الرؤى
والاتجاهات الحاصلة والمستقبلية وعلى النحو التالي :



أولاً – الاتجاهات المستقبلية للنظام العربي بشكل عام : التصور الأول .
وهنا يُمكن وضع ثلاث سيناريوهات وتصورات مستقبلية ( إحياء وإصلاح وتغيير)
 الأول – سيناريو الاتجاه الخطي ( إحياء القديم ):
ووفق هذا التصور فإن استمرار الاتجاه العامة للأنظمة العربية السابقة والتي سادت في الماضي قبل انفجار الحركات احتجاجية السلمية الضخمة التي انطلقت في كُلِّ البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، سوف تستمر في المستقبل بمعنى آخر استمرار التدهور السابق:
الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والثقافي والسياسي ... الخ ، وغياب الحرية ، وتأرجح العدل والعدالة ، وتقهقر في القيم والمبادئ ، وتفشي الظلم والاستبداد ، واستعباد " الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً " . أي تتغير الأسماء وتتناوب المناصب ويظل النهج والنظام أي تغير الشكل واستمر المضمون ، وكما يقول الدكتور يوسف القرضاوي ( ): " لقد تغير الأسم والعنوان ، وبقى الجوهر كما كان : ملوك من غير تيجان ! وصدق شوقي حين قال : البلشفية ( الشيوعية ) قيصرية : لها من القيصر جبروته وسرفه ، وليس لها جلاله وشرفه .! " وكما يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابة الإسلام والاستبداد السياسي ( ) " أن الإسلام لم يقتل كسرى ليستبدل به كسرى آخر، لكنه دك أطواد الاستبداد ليمهد الطريق أمام الشعوب العانية كي تعبد رب العالمين في أمان وحرية وسكينة "
يقول الشاعر اليمني عبد الله البر دوني :
أي نفع يجتني الشعب إذا ‍
نفس ذاك الطبل أضحى ستة ‍
وقال: مات فرعون لتبقى الفرعنة؟
إنما أخوى وأعلى طنطنة

لماذا أبو لهب لم يمت ‍
لماذا الذي كان مازال يأتي ‍
لأن الذي مات ضوء اللهب
لأن الذي سوف يأتي ذهب

والإجابة كما يقول :
لأن أبا لهب لم يمت ‍
وكل الذي مات ضوء اللهب
فقام الدخان مكان الضياء ‍
له ألف رأس وألف ذنب.

وهذا المشهد وان كان قريب في تصوره من التفسير المحافظ التشاؤمي للثورات العربية
ومبرر هذا التشاؤم من المستقبل وفق هذا المشهد يتضح من الصور والأسس التالية( ):
- تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية فى بلدان الربيع العربي بعد الثورات التي قامت فيها.
- أن القوى السياسية التقليدية وأبرزها القوى الدينية، سواء كانت حزب النهضة بـ(تونس) أو الإخوان المسلمين والسلفيين في (مصر) أو الإخوان المسلمين في (اليمن) – وكذلك أحزاب اللقاء المشترك بما فيهم الإخوان المسلمين باليمن - ممن لم يكن لهم دور أساسي في هذه الثورات وإنما انضموا إليها بعد أيام من اندلاعها، هي التي حصدت الثمار السياسية لهذه الثورات، وسيطرت من خلال الانتخابات خاصة في تونس وفى مصر على المجالس المنتخبة، سواء كانت مجالس انتقالية أو مجالس شعب وشورى، وعلى تقاسم المناصب في الدولة بالمناصفة مع النظام السابق كما هو الحال باليمن باستحواذ أحزاب اللقاء المشترك نصف الحقائب الوزارية وتقاسم السلطة مع النظام السابق حزب المؤتمر الشعبي العام .
فهذه القوى مع مرور الوقت اتضح نفاذها إلى مفاصل الدولة بوضع كوادرها فى مراكزها القيادية، مستبعدين الآخرين وفي مقدمتهم مفجريها الشباب وباقي الشرائح والقوى الاجتماعية في أوطانهم.
- ومن ناحية ثانية( ):
هذه الديمقراطية الوليدة – والتي جاءت بأنظمة منتخبة بأدوات الديمقراطية وصعدت إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات – ظهرت فور توليها زمام السلطة وكأنها ديكتاتورية أشد خطرا من الديكتاتوريات السابقة، حيث اعتمدت على إستراتيجية العداء للماضي لتسيطر على الحاضر والمستقبل، واستخدمت أدوات ولجأت إلى مسميات لإزاحة قوي المعارضة من طريقها مثل لفظ الفلول في مصر الذي أطلقه تيار الإسلام السياسي على أنصار النظام القديم أو حتى على كل من يخالفه الرأي، فقد اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق الذي حصل على 48.5 في المائة من إجمالي الأصوات أمام الرئيس محمد مرسي من الفلول، وكذلك الحال بالنسبة لقوانين حماية الثورة التي أصدرها الرئيس مرسي في مصر بهدف محاكمة أو معاقبة كل من يعترض على الإخوان المسلمين بتهم جاهزة تضمن تفرد «الجماعة» بحكم مصر، وفي تونس تكرر السيناريو نفسه، حيث تعرض اجتماع «نداء الثورة» الذي يتزعمه السياسي التونسي الكبير الباجي قائد السبسي إلى هجوم من ميليشيات «حماية الثورة» في جزيرة جربة، وفي حالة مشابهة تعرض حزب الوفد الليبرالي المصري صاحب التاريخ السياسي والحزبي الطويل لهجوم مماثل من أنصار المرشح الرئاسي السابق حازم أبو إسماعيل المقرب من جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، أما في ليبيا فالانقسامات والحركات الانفصالية تكاد تلغي ليبيا الدولة من على الخريطة السياسية التي نعرفها، أما في سوريا – حتى تاريخ كتابة سطور هذه الدراسة - فلا يعلم مستقبل هذا البلد العربي إلا الله وحده في ظل تعنت النظام الحاكم في دمشق والذي يقود عملية انتحار جماعي له وللشعب السوري معه.
- ومن ناحية ثالثة ( ): وعلى الصعيد السياسي، استهدفت ثورات “الربيع العربي” إزاحة ظاهرة “الحزب الواحد” الذي ظل جاثما منفرداً في حكم هذه الدول لسنوات طويلة تصل في أكثرها إلى أكثر من نصف قرن تقريبا، وجميعها كانت تحكم بآليات ديمقراطية شكلية ولافتات براقة تسبغ الشرعية على انقلابات عسكرية في ظاهرها الديمقراطية والتعددية الحزبية، ولكن في حقيقتها الشخصانية التي تصل إلى حد الديكتاتورية كما هو الحال في ليبيا القذافي أو سوريا الأسد على وجه الخصوص، لكن ثورات “الربيع العربي” أتت بحزب واحد أيضا وهو تيار الإسلام السياسي، الذي أعد نموذجاً سلطوياً للانفراد بالحكم واستبعد الآخر، بل يسعى لاستئصاله باسم الدين أو تحت شعار ديمقراطية صناديق الانتخابات، وهي ديمقراطية تسمح بالاختيار بين أعضاء الحزب الواحد على النموذج الديمقراطي الإيراني، وليس الانتخاب بمعناه المعروف الحر المباشر، في ظل منافسة تعتمد على البرامج لا على الاختيار بين تيار بعينه، وهذا النموذج يقطع الطريق على تداول السلطة باسم الشرعية الإسلامية، والإسلام بريء من هذه الشرعية براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وهذا أخطر تحد يواجه شعوب هذه الدول، حيث تختلط السياسة بالدين في محيط من الأمية التعليمية والثقافية، ناهيك عن الفقر، بل الفقر المدقع المخيف في كثير من دول “الربيع العربي”.

وفوق هذا .. وذاك ( ) :
إن معيار نجاح الثورات أن تضع الوطن والشعب على طريق التحرّر والنهوض واستعادة السيادة الوطنية الكاملة واستقلال القرار، وإقامة دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، وانتشار الوعي والحس الرسالي والحس الوطني وسمو الطموحات والاهتمامات ورقي الأخلاق والمعاملات، وكل ذلك يفضي إلى أن يعم العدل والأمن والرخاء، أي ثورة في العقول والنفوس والوعي والسلوك، وتلك هي الثورة الحقيقية التي لا يكون فيها إصلاح النظام أو إسقاطه سوى خطوة ومحطة ولا يمثل فيها الحكم إلا وسيلة. لكن حصيلة فترة ما بعد الثورات لا تنبئ بأن الثورة تسير بهذا الاتجاه .
ووفق هذا السيناريو فإننا لا نستبعد من احتمال سيطرة الجيش على النظام السياسي في دول الربيع العربي خاصة إذا لم تتفق التيارات والقوى الاجتماعية في البلدان العربية على كلمة سواء .

 الثاني – السيناريو الإصلاحي ( إصلاح القديم) :
وهذا السيناريو تتبلور ملامحه في إدخال بعض الإصلاحات في الأنظمة العربية بقصد الوصول بالاتجاهات الحالية نحو انسجام أكثر من اجل إنجاز حد أدني من الأهداف المتفائلة وله فروضه الاجتماعية والاقتصادية ظهرت في بعض الجوانب والحقائق التالية على سبيل المثال :
- تجربة الربيع العربي نجحت في إزاحة ديكتاتوريات وصلت إلى الحكم عبر موروث ثوري منذ منتصف القرن العشرين، أو عبر انقلابات عسكرية، أو تحت مظلة هيمنة حزبية أحادية. وجاءت بأنظمة منتخبة بأدوات الديمقراطية، صعدت إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات، وهذا في حد ذاته من أهم نتائج ثورات الربيع العربي على الطلاق( ) .
- إن الدكتور «محمد مرسى» مرشح حزب «الحرية والعدالة» الإخواني في مصر هو الذى نجح فى الانتخابات ليصبح أول رئيس مدني منتخب فى تاريخ البلاد.
- إنهاء قانون الطوارئ في مصر والمعمول به مُنذ مده طويلة إن لم تكن طيلة حكم الرئيس السابق .
- تحدث عن مواضيع وحقوق كانت منسية أو متناسية ، في ظل أنظمة الحكم السابقة لاندلاع الثورات ، وغير مرغوبة ولا معترف بها أصلاً من قبل الحكام العرب، كالحق في التغيير الذي يعد حق من حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً وتؤكدها المواثيق الدولية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان .
- إنهاء فكرة ان الدولة هي للحاكم العربي أو العائلة مدى الحياة .
وفي ظل هذا السيناريو تظهر الحاجة إلى قيادات وطلائع للإصلاح السياسي والنهضة العمرانية الشاملة ، أي مشكل قيادات ميدانية محورية – كاريزمية - في سياق الحركية المنشودة، قادرة على التعبئة والتأطير واقتراح سبل إجرائية وجريئة وتكون قيادات طلائعية تكسب ثقة الجماهير.
يكون مستقبل النظام السياسي في دول الربيع العربي غير واضح المعالم التي لم تتشكل بصورة نهائية ، ولكن هنالك بعض السيناريوهات المحتملة الحدوث حسب القوى التي من الممكن ان تسيطر على نظام الحكم في الدول التي قامت فيها ثورات الربيع العربي – والتي سنبينها لاحقاً –
 الثالث – السيناريو التحويلي ( التغيير الجذري) :
وينطوي هذا السيناريو على حدوث نقلة نوعية في حياة الشعوب والمجتمعات العربية ، بعد فترات انقطاع طويلة وحدوث فجوة عميقة عن ماضيها وحضارتها المزدهرة ، ومعاودة الإقلاع من جديد في مسار غير المسار وتصحيح انحرافها الحاصل الشاذ والاستثنائي عن تاريخها وردم فجوتها الموجودة في يومها وحاضرها الراهن، سواء كانت اقتصادية او تكنولوجية أو سياسية أو روحية ، وإقامة دولة المواطنة والقانون والمؤسسات ، ويعم البلاد والمجتمعات العربية ما كان غائب العدل والأمن والرخاء والتنمية وصيانة الحقوق والحريات العامة ، بجملة مختصرة تحقيق ثورة في العقول والنفوس والوعي والسلوك ، وتلك هي الثورة الحقيقية التي لا يكون فيها إصلاح النظام أو إسقاطه سوى خطوة ومحطة ولا يُمثل فيها الحكم إلا وسيلة. وهذا الاتجاه نابع من حقيقة مؤداها :بأن الأمة التي كان لها تاريخ مثل التاريخ العربي والإسلامي وحضارة كحضارتها وإنجاز كإنجازاتها ، وأنجبت قادة وعلماء عظماء ، ومفكرين ومبدعين متميزين في شتى المجالات ، هي أمة قادرة باستصحاب تجربتها الحضارية التاريخية ، لمعالجة قصور وخلل واقعها المعاصر وحاضرها الراهن ، وحسن صناعة مستقبلها ، هي أمة مؤهله لأن يكون لها حاضر ومستقبل إذا وعت قيمها وتاريخها ، وأحسنت التقدير لإمكانها الحضاري ، وأدركت كيفية التعامل معه. ﭧ ﭨ ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ {سورة الرعد الآية:11}


ثانياً – الاتجاهات المستقبلية للنظام السياسي العربي " بلدان الربيع العربي "
بشكل خاص : التصور الثاني
نجحت ثورات الربيع العربي في إسقاط أنظمة الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن ، هذا الوضع سيؤدي إلى خلق علاقات جديدة ستلقي بظلالها على العلاقات الدولية لهذه البلدان مع دول أخرى في المجال الإقليمي أو الدول الغربية .
فدول الربيع العربي كانت لها علاقات خاصة مع الغرب خاصة الولايات المتحدة ، إضافة إلى علاقة كل من مصر وتونس بإسرائيل ، فمصر كانت لها علاقات دبلوماسية ودية مع تل أبيب بسبب اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في مارس 1979 ، كما أن تونس أيضاً قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية على مستوى فتح مكاتب اتصال بين البلدين .
ووفقاً لهذه التغيرات التي أحدثتها ثورات الربيع العربي على المستوى الداخلي، سوف يكون هنالك تغيير للعلاقات الدولية التي تربط دول الربيع العربي، وبالتالي يكون هنالك سياسات خارجية جديدة تتماشي وتتوافق مع المصلحة الوطنية.
وسوف يكون مستقبل النظام السياسي في دول الربيع العربي غير واضح المعالم التي لم تتشكل بصورة نهائية ، ولكن هنالك بعض السيناريوهات المحتملة الحدوث حسب القوى التي من الممكن ان تسيطر على نظام الحكم في الدول التي قامت فيها ثورات الربيع العربي ( ):
 السيناريو الأول – سيطرة الإسلاميين :
حيث شهد الشرق الأوسط بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وانتهاء الحرب الباردة صحوة إسلامية عامة بشقيها المعتدل والمتطرف ، مما كان له كبير الأثر على مجرى العلاقات الدولية لدول المنطقة بما فيها الدول العربية ، وأدى إلى توتر العلاقات مع الغرب خاصة بعد التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها الحركات الإسلامية .
وفي هذا الصدد هنالك سيناريوهات ممكنة .
1- سيطرة القوى الإسلامية المعتدلة: جميع القوى الإسلامية في الشرق الأوسط والعالم العربي ليست من القوى المتطرفة وإنما هناك القوى المعتدلة أمثال جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حزب الحرية والعدالة في مصر، والمتمثلة في حزب النهضة الإسلامية في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن ، و البعض الأحزاب والحركات الأخرى في العالم العربي. فالكثير من هذه القوى المعتدلة لا تقوم سياساتهم على أساس الكراهية للغرب أو تقسيم العالم الى عالم الكفر و الإيمان، بل تقوم سياسات تلك الأحزاب المعتدلة على الأساس البراغماتي.
ويظهر ذلك في توضـيح محمد الكتاتني الأمين العـام لحزب الحرية والعـدالة بقوله :" أننا نرحب بأي نوع من العلاقات من الجميع بشرط إلا يتم التدخل في الأمور الداخلية" ، وهذه الحكومة سوف تنال رضى الغرب .
وكذلك حزب النهضة التونسي الذي تقوم سياساته على الأساس البراغماتي ليس على المستوى الدولي بل على المستوى الداخلي، الواقع هو أن ما يدعم رصيد حزب النهضة في الشارع التونسي هو تبنيه أفكار زعيمه ومؤسسه راشد الغنوشي، الذي لا يجد حرجاً في الجمع والتوفيق ما بين القيم والأحكام الإسلامية وبين قيم ومبادئ الدولة المدنية والتعددية السياسية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان وغيرها .
2- سيطرة حكومة إتلافئية إسلامية مع حكومة ليبرالية : في الشرق الأوسط والعالم العربي عدد كبير من أحزاب إسلامية متطرفة ، و الكثير من هذه الحركات والأحزاب مرتبطة بشكل أو بآخر بتنظيم القاعدة الإرهابية ، وبرزت الأحزاب الإسلامية المتطرفة بشكل قوي وأظهرت بعض الأحزاب الجديدة مثل حزب النور في مصر. وأصبح أحدى السيناريوهات حول مستقبل المنطقة هي سيطرة القوى الإسلامية المتطرفة على السلطة، ويتخوف المجتمع الدولي خاصة الدول الغربية من حدوث وتحقيق هذا السيناريو.
وهو أيضاً سيناريو يرضي الغرب بهدف الحصول على مزايا جديدة في العلاقات التجارية والاقتصادية .
3- حكومة إتلافئية إسلامية معتدلة مع حزب إسلامي متطرف : لا تنال رضا الغرب بسبب صعوبة التعامل مع ديموقراطية أعطت التيار الإسلامي الأغلبية الساحقة .
وبالتالي فان درجة تغيير العلاقات مع الغرب ستكون متفاوتة حسب التشكيلة الحكومية ومدى قوة وسيطرة الإسلاميين .
 السيناريو الثاني – سيطرة الجيش :
وهو احتمال يقوم على سيطرة الجيش على السلطة ، ولكنه لا يمكن حدوثه إلا في ظل توفر مناخ مناسب وذلك في حالة عدم أتفاق القوى السياسية على شكل النظام السياسي وإفشاء الفوضى وحدوث الحروب الأهلية ، أو يمكن الحدوث في حالة سيطرة الإسلاميين المتطرفين على السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية معادية للغرب وحليفة مع القوى الإرهابية .
وبالتالي في كل الحالتين سيكسب الجيش الرضا والقبول من الغرب لأن حدوث أي الاحتمالين سيعرض المنطقة إلى حالة فوضى وتهديد للسلم والأمن الدوليين ، وبالتالي يلحق الضرر بالمصالح الغربية ، وفي حالة سيطرة الجيش على الحكم لا يمكن تصور تغيير جذري في سياسات الدول وإنما تساير سياسات الأنظمة .

المطلب الخامس
مشاهد التغيير الثورى لثورات الربيع العربي :
( السمات والتمايز/الخاص والعام) .

يمكن تقسيم الدول العربية المتأثرة بالأحداث الثورية الحاصلة إلى ثلاثة مجموعات وهي دول الثورات السلمية (تونس ومصر)، والثانية دول الثورات غير السلمية (ليبيا واليمن وسوريا)، والثالثة دول الإصلاح الذاتي (الأردن والمغرب ودول مجلس التعاون الخليجي)، وهي الدول التي تجاوبت مع الرؤية الأمريكية، واستخدمت الفكر ألاستباقي في التعامل مع الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح والتغيير.إضافة الى مجموعة رابعة لم يطلها الربيع العربي بشئ مهم بعد، وتضم الدول الضعيفة، وهي دول شبه فاشلة عملياً ولا زالت كما هي وتضم كلاً من (لبنان وجيبوتي والصومال وفلسطين "في ظل الاحتلال" ) ( ).
أولاً – مسار وسمات التحول في دول الثورات .
فبالنسبة للأولى دول الثورات بشقيها ( السلمي والغير السلمي ) يُمكن رسم مشاهد التغيير الثوري والربيع العربي فيها في ثلاثة مشاهد متمايزة( ) :
الأول : مشهد الانتقال السلمى الناجح (التجربة التونسية والمصرية).
الثاني : مشهد الاحتجاج المدعوم خارجياً (التجربة الليبية).
الثالث : مشهد الاحتجاج المفضي إلى تسويات توافقية (التجربة اليمنية).
فالأول طرد واستقالة وإجبار رئيسهما على التنحي بعد حشد شعبي متوال ، والثاني قتل ، والثالث توافق وتنحي بعد حريق الجسد .
فهذه المشاهد الثلاثة ترنحت ما بين الحسم المدني السياسي وبين الحسم العسكري الدموي الشامل وكالتالي( ):
الحالة التونسية : حسم سياسي مدني سريع .
الحالة المصرية : تجاذب العسكري والمدني .
فقد كان التحول سلسا في الحالة التونسية وطغى عليه البعد المدني السلمي، في حين تميزت الحالة المصرية بتجاذب بين الطرف السياسي المدني والطرف العسكري. وكلاهما تشابها من حيث الانهيار السريع للنظام السياسي في مدى زمني محدود نسبياً تمثل في 28 يوم من الاحتجاجات المتتالية في تونس و 18 يوماً من الاعتصام الشعبي المتتالي في مصر .
أما الحالات الأخرى فحكمها الحل العسكري الشامل، لكن اليمن اقلها عسكريا وقد تميزت بأشياء كثيرة افتقدت إليها تلك الثورات ، في تونس ومصر وليبيا وسوريا لا يوجد معارضة سياسية قوية كما هو موجود في اليمن ، وان وجدت في بعض تلك الدول فهي تعاني من الملاحقة والكبت ، معارضة اليمن انفردت وانتصرت لصالحها أولاً من خلال إعلان تكتل اللقاء المشترك وهذه خطوة تاريخية وهامة في علاقة الأحزاب السياسية المعارضة فيما بينها ، وهذه الخطوة هي التي مثلت ضربة قوية في جسد النظام وكانت خطوة سابقة للثورة ، إضافة الى ان ثورة اليمن أسندت من قوى ذات نفوذ كبير سواء نفوذ مالي او اجتماعي وأسندت بقوى عسكرية ساهمت هذه القوى بالعمل على خلخلة القوات العسكرية التي كانت تحت سيطرة النظام آنذاك ( ) .
أما البعد الذي كان له تأثير واضح في مسار الثورة اليمنية فهو البعد القبلي ، إذ أعلن الشيخ صادق الأحمر شيخ قبيلة حاشد في 13 مارس 2011م – التي منها رئيس الجمهورية أي شيخ الرئيس - انضمامه للثورة ، كما أعلن على محسن الأحمر، أهم القادة العسكريين بالجيش اليمني – ومن أقرباء الرئيس - وله امتدادات وعلاقات على طول البلاد وعرضها ، انضمامه للثورة وحمايته الثوار، وبانضمامه للثورة اختصر الوقت وحجب مخططات الرئيس السابق التي كان يحيكها للثورة والقضاء عليها وهذا يعد منجزا للثورة اليمنية ، في باقي دول الربيع العربي لم تحظى بجنرال قوي بحجم القائد اللواء علي محسن الأحمر ،وقبيلة كحاشد وشيخ كشيخها وحاله قرابة كحالها الذي وفر بانضمامهما للثورة اليمنية عامل التوازن والردع ( ) ،الأمر الذي رآه الرئيس صالح انقلاباً عسكريا عليه ، هذا الأمر إذن كان أشبه بانقلاب داخل القبيلة ، حيث إن صالح نفسه ينتمى إلى بيت الأحمر الذي ينتهي إلى قبيلة حاشد . لقد اتحد أعداء صالح المدنيون ، والقبليون ، والدينيون لإسقاطه ، ولم يكن البعد الديني هو العامل الأكثر أهمية في فرز وتصنيف أطراف الصراع أو حشدهم( ) .
وسمه وتفرد آخر للثورة اليمنية جسدت الحراك السلمي المدني، الرافض للعنف والقوة كأداة للتغيير، وأفصحت بما يجري عربيًّا بما يمكن توصيفه بأنه ثورة ذهنيَّة شاملة، لم يكن المطلب السياسي إلا أحد أوجهها، ويكفي دليلا على ذلك أن هذه الاحتجاجات السلمية " ثورتنا .. ثورة سلمية " ما هي إلا النتيجة الأخيرة لتحولات فكريَّة في التصور والرؤى وان كان شتى الثورات هتفت بالسلمية ،إلا ان التحول المذهل ما حصل في اليمن الذي رفضت قبائله السلاح لمواجهة سلاح الحاكم، مع أن العنف والسلاح والثأر هي ثقافة اليمنيين، التي فجأة رفضوها مفضلين أن تظلَّ ثورتهم سلميَّة حتى النهاية رغم كل ما واجهوه من قمعٍ وبطش وقتل وإحراق لمعتصمات بكاملها كما حصل في مدينة تعز، التي انطلقت منها هذه الثورة.
وهذه حقائق تقودنا إلى أن ثورة ما في التفكير هي من أحدث هذه الثورة بصيغتها السياسيَّة المطالبة بإسقاط الأنظمة الحاكمة، كمقدمة ضروريَّة، للإصلاح الوطني الشامل في هذه البلدان( ) .
أما سوريا فإنها وان كانت لم تشذّ عن قاعدة سلميةِ الحركات الاحتجاجية، وهي سمة الانتفاضات العربية بشكل عام، إلا أنّ الوضع السوري تميّز بقسوة المواجهة القمعية التي جرى إتباعها في بداية الأحداث، وساهمت في تأجيجها وانتشارها، وما زالت تستخدم الرصاص الحيّ في قمع المظاهرات وتفريق التجمّعات والحشود. لقد كان الطابع السلمي الشعبي ماثلاً للعيان تماما مع بداية انتفاضة درعا شعبية الطابع، ثم عاد هذا الطابع السلمي والناضج للمظاهرات، وتجلى ـ من دون التباس ـ حين خفّفت السلطات من دموية قمعها للمحتجّين يوم "جمعة الإصرار" في 15 نيسان/ أبريل( ). لكن عاد بعد ذلك أكثر وحشية وضراوةٍ من أي ثورة عربية .
عموماً كان استنتاج النظام السوري العلني من ثورتي مصر وتونس أن موقف النظام من المقاومة يميزه عن النظامين في تونس ومصر ويجعله أقرب إلى الجماهير والرأي العام. ويبدو أنه بعد اندلاع الانتفاضة في درعا تبين أن استنتاج النظام السوري الرئيس هو أن النظامين الآفلين لم يستخدما ما يكفي من القوة في بداية الأحداث لوأدها( ).
علاوة على ماسبق يمكن الإشارة إلى أن :
هناك فرق بين ديكتاتورية بن علي ومبارك وعلي عبد الله صالح من جهة، وبين ديكتاتورية القذافي والأسد من جهة أخرى، فليس عدد الضحايا في كل دول الربيع العربي متساويا، وكذلك عمليات القمع، والتعذيب، والاعتقالات غير متطابقة، كما أن رغبة البقاء في الحكم وإبادة أعداد كبيرة من الشعب ليست متكررة، ونتائج الثورات أيضا ليست متماثلة، بل لم تكن كما كانت متوقعة حتى عند حدها الأدنى( ).
فمثلاً القذافي اختلف في طبيعة التعامل السياسي عن بن علي ومبارك ، فانتهج على لسان نجله خطاباً تهديدياَ شديد اللهجة ، حاول فيه تهديد العالم أجمع ، وأبرز فيه تداعيات انهيار نظامه السلبية على الشعب الليبي أولاً ، وعلى دول الجوار ثانياً ، ثم على المجتمع الدولي ككل ثالثاً . ولم يغير القذافي من لهجته ، عندما وقف أمام عدسات التليفزيون مخاطباً شعبه ، ولم يبد أي استعداد لتفهم مطالب المتظاهرين ، بل لم يعترف بهم كمواطنين لهم الحق في التعبير ، هو فقط وجه لهم الاتهامات والوعيد ( ) .
ومثلاً آخر للمقارنة بين الثورات( الثورة اليمنية – المصرية):
لعب نجاح الثورة المصرية دورًا كبيرًا في اندلاع الحراك الثوري في اليمن، فكما كان الحال في مصر كان اليمن يرزح لعقود تحت حكم رئيس واحد هو على عبد الله صالح في ظل ظروف مجتمعية واقتصادية وسياسية متردية مثلت دوافع قوية للثورة.
وتما يزت الثورة اليمنية عن نظيرتها المصرية في نقطتي خلاف رئيسيتين هما( ):
• وضع الأحزاب السياسية في اليمن يختلف كثيرا عن الأحزاب في مصر حيث تعد المعارضة اليمنية لاعب مهم في الحياة السياسية هناك وخاصة أحزاب اللقاء المشترك وعلى رأسها حزب "التجمع من أجل الإصلاح " ـ الذي يمثل حركة الإخوان المسلمين في اليمن ـ حيث تحظى هذه الأحزاب بنسبة مرتفعة من الحضور المجتمعي الذي يمكنها من تحريك الشارع.
• استخدام الشباب اليمني لمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أقل بكثير من معدل استخدام الشباب المصري ومن ثم بداية الثورة اليمنية لم تكن كبداية سابقتها المصرية إذ سبق فيها الحراك الواقعي في الساحات الحراك الافتراضي والذي أتى دوره مع الوقت.
هذا وكما قال الكاتب المغربي الدكتور/ عبد العزيز بلقزيز في مقال له تحت عنوان(رأس مال النظافة في الثورة اليمنية)( ) " تقتضي الأمانة اعترافاً بأن الثورتين التونسية والمصرية تشبهان رفيقتهما اليمنية في النظافة والروح المدنية السلمية . غير أن الفارق، الذي يلقي الضوء على مثالية الحالة اليمنية، أن الحظ الطيّب ساق للثورتين التونسية والمصرية نهاية سريعة من مسلسل المواجهة مع الطغاة وأجهزتهم، وفرت عليهما احتمال أن تسلكا دروباً أخرى متعرجة، بينما كان قدر الثورة في اليمن أن تنتظر مثل تلك الخاتمة الطيبة، وأن يمتد انتظارها في الزمان لما يزيد على نصف العام، من دون أن يدهمها يأس من حضارية أسلوبها السلمي، أو نزق يأخذها إلى ركوب العنف أو تأييد من يركبه ."
وقال : " نجحت الثورة اليمنية قبل أن تنجح . نجاحها الأخير.... نجحت - ابتداءً - في أن تحقق تحقيقاً مادياً معنى الثورة، الثورة تكثيف للإرادة العامة، والإرادة هذه - في التجربة اليمنية - إرادة شعب بفئاته وقواه كافة في التغيير . لم يكن مفاجئاً، إذاً، أن توفر هذه الثورة كل هذا النصاب الشعبي الملاييني في مسيراتها واعتصاماتها في المحافظات والمدن كافة، وأن تلقى التأييد والمساندة من اليمنيين جميعاً: في الداخل والخارج، وأن تصل صيحتها ورسالتها إلى داخل النظام نفسه فتستصرخ الضمائر الحية فيه وفي أجهزته ومؤسساته (جيشاً وبرلماناً وجهازاً دبلوماسياً) فتحملها على فك الارتباط مع عهد أجمع الشعب على طيّ ذكراه." وقال : " نجحت الثورة اليمنية قبل أن تنجح، نجحت في أن تعيد إلى وعينا المعنى الحقيقي للثورة: موارد الثورة تصنع ولا تستورد، وفعل الثورة فعل بالأصالة لا بالنيابة ولا بالشراكة . ونجحت في أن تكون ثورة نظيفة: نظيفة في الشكل بحيث لا يستدرجها القمع إلى تلويث صورتها المدنية بالعنف، ونظيفة في الهوية والمضمون بحيث لا لبس ولا شَوْبَ في وطنيتها وقرارها المستقل . وهي - وإن أصابها من العالم تجاهل وإنكار ومن العرب والمسلمين إجحاف - تبقى دُرة التاج في هذا الربيع العربي والترمومتر الذي يقاس به معنى الثورة في دم الحراك الاحتجاجي ."
– المسار التحولي في دول الثورات والمشهد السياسي .
وما يجدر الإشارة إلية في ظل هذا المسار التحولي بإنه أفرز للمشهد السياسي ثلاثة لاعبين رئيسيين ( ):
أولاً : الإسلاميون الراغبون في تنفيذ تصورهم الإسلامي للدولة ، لكنهم تائهون إذ يصطدم مشروعهم الذي سهروا طويلاً لإعداده ، لايجد صدى لدى جموع الناس الذين لايرون أي تغيير للأفضل ن بل تسوء أو ضاعهم كل يوم أكثر ، فيفقدون الثقة في هذا المشروع ، ومن تم تتأكل شعبية التيار الإسلامي كل نصف ساعة .
وثانياً : القوى الثورية الليبرالية ، التي أشعلت جذوة الثورة ، ثم فشلت في إكمالها ، وبالتالي فقدوا القدره على الفعل ولجأوا إلى التنظير، وكما هو معلوم فإن الكلام لايسد جوعاً ولايوفر أمنا للخائفين .
ثم ثالثاً : حشود الجائعين من الشباب العاطل ، الذي تركه لنا النظام البائد بلاعمل ولاأمل ، فخرجوا يقذفون الناس بالطوب حى الشباب الإسلامي يعانون من المشكلات نفسها ، وأن أطلقو لحاهم ، وارتدو سراويل من الماضي .
وعليه فإن الشعوب والمشهد السياسي الحالي لدول التحول في دول الثورات أمام إسلاميين ، بينهم تناقضات لانهائية ، وليبراليين فاقدين للرؤية ، وبينهم – ايضاً – اختلافات لها أول وليس لها أخر ، ثم شباب تائه لن يجد غضاضه في هدم المعبد بكامله على من فيه ( وهل كان لهم مكان في المعبد أصلاً ؟) .
 ثانياً - مسار وسمات التحول في دول الإصلاح الذاتي .
حكومات الإصلاح المحدود والتي تمكنت من احتواء حركة الاحتجاج بإجراءات إصلاحية محدودة، وتضم مجموعة الدول المحافظة، التي قامت بإصلاحات وقد تجري إصلاحات أخرى وهي (الأردن والمغرب ودول مجلس التعاون الخليجي)، إضافة إلى الجزائر والعراق والسودان فهذه الدول التي استخدمت – كما أسلفت سابقاً - الفكر ألاستباقي في التعامل مع الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح والتغيير،و تجاوبت مع الرؤى الخارجية للإصلاح ومن ملامحه ( ):
(رفع حالة الطوارئ في الجزائر- إقالة الحكومة الأردنية "حكومة سمير الرفاعي في بداية فبراير/ شباط 2011م " وتشكيل حكومة جديدة - توزيع مبلغ قدرة 1000 دينار لكل كويتي لرفع المستوى المعيشي- زيادة رواتب الموظفين الأردنيين عشرين دينار وتخفيض أسعار المشتقات النفطية وتقليل الضرائب- إعلان رئيس وزراء العراق نوري المالكي عدم ترشيح نفسه للدورة الانتخابية القادمة- إقالة وزير الطاقة القطري لتقصيره في عمله - مظاهرات في العراق لتحسين الخدمات- قوانين إصلاحية في السعودية وقطر والبحرين وسلطنة عمان والكويت - قبول الواقع السوداني الجديد والاستفتاء مهما تكن النتيجة- توزيع مبلغ 15000 دينار لكل فرد عراقي تعويضاً عن نقص في مواد غذائية .) علاوة على هذا قيام الرئيس السوداني عمر البشير بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وذلك في خطابه يوم لإثنين1/4/2013م أمام البرلمان السوداني في بدء دورته السابعة حيث قال ( ): " كفلنا مناخ الحريات وتأمين حرية التعبير للأفراد والجماعات، وتأكيداً لذلك فإننا نعلن قرارنا بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ونجدد التزامنا بتهيئة المناخ لكافة القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار". وقال: " سنمضي في الاتصالات مع القوى السياسية والاجتماعية كافة، دون عزلٍ أو استثناء لأحد، بما في ذلك المجموعات التي تحمل السلاح " وقال: " نريد حوارا للجميع في السودان , وأن الوطن يسع الجميع بثقافاته وتنوعه وتاريخه ومستقبله. " وإعلانه أنه لن يترشح مجددا لرئاسة السودان( ).
من كل ما سبق وكخلاصه له يمكن القول بأنه وعلى الرغم من التباين والفروق بين الثورات العربية ومسار الحسم في بلدانها ، لكن هدفها في الأخير واحد إزالة الظلم والبحث عن الحرية والرخاء والحياة الكريمة ، هذا ومن ناحية لا يزال مبكرًا الحكم على مصير ثورات الربيع العربي، فشلا أو نجاحًا، لأنها لا زالت أجنة مخبريَّة تحت المراقبة، صحيح أن الثورات يمكن استلهامها لكن استنساخ تجاربها من مكان إلى آخر غير وارد، فلكل ثورة بيئتها وظروفها الخاصة التي تحكمها وتتحكم بمسارها ومآلاتها المستقبليَّة.
ويبقى التأكيد مرةٍ ثانية بأنه :لا يمكن استنساخ أي ثورة ،، فالثورة هي وليدة مناخها ، وليدة تربتها، وليدة ظروفها، وليدة أهلها، وليدة لحظتها.
أي :الثورة ليست قابلة للاستنساخ، فلا الظروف الموضوعية متماثلة، ولا المناخ واحد، ولا التربة جاهزة هنا أو هناك، ولا مقدار الوعي على نفس المستوى.

الـــخــاتـمـــــــــــــــة
أولاً- الـنتـائـج :
من خلال السابق وماتم التطرق إليه في هذا البحث من عناوين ومواضيع مُتفرقه تم تحليلها لما يعرف بالربيع العربي أو ثورات الربيع العربي فإننا نتوج سطوره ببعض النقاط التالية :
- كلمة ثورة تعني في الأصل أمراً مختلفاً باللغتين العربية واللاتينية ، فقد استخدم العرب كلمة ثورة بمعنى الغضب والهياج، ولم تستخدم الكلمة كمصطلح سياسي واجتماعي بمعنى التغيير الجذري والانقلاب والتمرد وتغيير النظام إلا في العصر الحديث، حيث كان العرب تستخدم كلمات مثل " خروج " و " فتنة " للتعبير عن التمرد أو الثورة على الحاكم والنظام القائم ولم يستخدموا كلمة " ثورة " . وفي المقابل – ايضاً – استخدام كلمة ثورة باللغة اللاتينية Revolution كمصطلح سياسي واجتماعي وعلمي بمعنى التغيير الجذري والتحوّل فهو حديث أيضاً. حيث كانت كلمة ثورة Revolution في الأصل مصطلحاً فلكياً اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي نيكولاس كوبرنيكوس. وعندما نقلت الكلمة إلى المجال السياسي، كان معناها تعاقب الحكومات والدول في دورة لا يمكن للبشر تبديلها وتغييرها.
- على الرغم من وجود صيغة كلمة " ثورة " في المعجم العربي وجذرها – كما سبق توضيح ذلك – إلا أنها تخلو من الإشارة إلى أي مضمون سياسيّ، وإنما ظلت تدور في دائرة معنى: الثأر في الغالب. ولذلك استعار العرب مفهوم الثورة بمضامينه السياسية كغيره من المفاهيم من الغرب، ومن الخطاب السياسيّ الفرنسيّ على وجه الدقة.
- نجحت الثورات بالإطاحة بأربعة أنظمة – حتى الآن – فبعد الثورة التونسية ، نجحت ثورة 25 يناير المصرية بإسقاط الرئيس حسني مبارك ، ثم ثورة 17 فبراير الليبية بقتل معمر القذافي وإسقاط نظامه ، فالثورة اليمنية التي أجبرت على عبد الله صالح على التنحي .اما التغيير في الواقع وفي النهج وتحسين أحوال الشعب فلم تستطيع أي ثورة عربية تحقيقة إلى الآن فيبدوا المشوار لازال طويلاً . ومن ناحية ثانية تم تغيير الحاكم وبقة فلسفة حكمه (فلسفة النظام) حيث لم يمس التغيير الجوهر، ولم تغادر البلاد مربع المناكفات الإعلامية والمزايدات الحزبية والأعمال الاستعراضية والإنجازات الوهمية التي يسمع عنها المواطن ولا يلمسها، واستمر الإنكار والتبرير والتسويف والترقيع والتنصل من المسؤولية واستجداء القروض والمساعدات.
- رغم التباين والفروق بين الثورات العربية ومسار الحسم في بلدانها ، لكن هدفها في الأخير واحد إزالة الظلم والبحث عن الحرية والرخاء والحياة الكريمة ، هذا ومن ناحية لا يزال مبكرًا الحكم على مصير ثورات الربيع العربي، فشلا أو نجاحًا، لأنها لا زالت أجنة مخبريَّة تحت المراقبة، صحيح أن الثورات يمكن استلهامها لكن استنساخ تجاربها من مكان إلى آخر غير وارد، فلكل ثورة بيئتها وظروفها الخاصة التي تحكمها وتتحكم بمسارها ومآلاتها المستقبليَّة.
- المؤكد أن الربيع العربي فجر ثورات نجحت في إقصاء أنظمة – كما أسلفت – وصفت بأنها ديكتاتورية على أيدي ثوار شباب ممن لا انتماءات سياسية أو آيديولوجية لهم، بل جمعتهم حالة من «الهياج الشعبي» كانت نتاج الفقر والبطالة والإحباط والفساد، وغير ذلك من المشكلات، لكن هؤلاء لم يجنوا ثمار ثوراتهم، ولم يتسلموا السلطة التي ولدت على أيديهم، وذهبت إلى فئات لم تكن في المشهد الثوري الأولي وهي تيار الإسلام السياسي، لأن شباب الثورة لم يكن لديهم التخطيط لما بعد إسقاط الأنظمة الحاكمة، بل لم يتوقعوا أن تسقط بهذه الطريقة الدراماتيكية، وأيضا لم تكن لديهم هيكلية، أو قيادة ثورية ذات تفويض شعبي أو لها كاريزما تستطيع تحقيق الإجماع الشعبي. وهذا ماعبر عنه بالقول وينطبق على ثورة الربيع العربي الكاتب النمساوي ستيفان زويغ بقوله "الثورة لا تنتمي أبدا لمن يفجر شرارتها وإنما دائما لآخر من يأتي ويسحبها إليه كالغنيمة".
- انتصرت الثورة في الجولات الأولى ثم واجهت مرحلة لم تكن بنفس الوضوح في أهدافها ووسائلها ومخاطرها، حيث غاب العدو الظاهر الموحِّد والمستفِز فانقسمت القوى الثورية وفترت حماسة الشعب، وتقزّمت الثورة إلى صراع حول من يحكم وإلى متى؟ وضاعت أوقات ثمينة وتمّ التفريط في المصلحة الوطنية بأشكال مختلفة، وحادت الثورة عن مسارها.
وبالتالي فإن :الخطر الأكبر على الثورة بعد انتصارها ليس عودة النظام القديم، بل إعادة إنتاج المنظومة السياسية والاقتصادية القديمة من خلال الإعاقة والاحتواء والتمييع، ذلك أن عودة النظام بعد سقوطه كعودة الاحتلال المباشر بعد الاستقلال تحدّ سافر دونه فيتو شعبي والتصدي له لا يحتاج إلى كثير من الوعي والحشد.
- أفرزت الثورات العربية هيمنة للقوى الإسلامية على السلطة وذلك بعد نتائج الانتخابات التي أعقبت التغيير السياسي للأنظمة العربية التي سقطت ، ما كان له كبير الأثر في تنشيط التيارات الإسلامية بمختلف أنواعها مما يعني تنشيط لإيديولوجية الإسلام السياسي في المنطقة العربية .
- غيرت ثورات الربيع العربي الرؤية السياسية للدول الغربية حول منطقة الشرق الأوسط عموماً ومستقبلها السياسي ، وبالتالي ستفرز هذه الثورات علاقات دولية جديدة مع الغرب تعمل على تغيير شكل التحالفات التي كانت موجودة بالمنطقة .
ثانياً– الــتــوصـــــــيــــات :
تضع الدراسة ستة توصيات أولها للشعوب الثائرة بشكل عام ، وثانيها للمتفائلين والمتشائمين من الثورة والحدث بشكل خاص، وثالثها ورابعها لأصحاب الأقلام والمثقفين من أبنائها ، والخامسة والسادسة لحُكامها :
الأولى :
الثورة والاحتجاجات يجب ألا تستمر للأبد ، فاستمرارية الحالة الثورية يعني عدم الاستقرار وعدم البناء ، فالثورات تتفجر لهدم القديم الفاسد الظالم ، ثم تهدأ هذه الثورات لتبني نظاماً جديداً يرفع رايات العدل والشفافية .
الثانية :
يمكن القول للمتفائلين حد الرومانسيَّة: ينبغي أدراك حجم التعقيدات لواقعنا السياسي، والاجتماعي وحجم موروثات الفساد الذي تركته هذه الأنظمة ليس فقط في أجهزة الدولة ودوائرها بل حتى ضمائر الناس وأخلاقهم، وأن التغيير هو عملية تدريجيَّة وتربويَّة مع المدى تثمر نتائجها، وليست عمليَّة فجائيَّة.
وبالنسبة للمتشائمين نقول لهم: لم يحدث في تاريخ هذه الشعوب ما ترونه أمامكم من إجماع شعبي واسع، ووحدة وطنيَّة لم يسبقْ لها مثيل، ووعي سياسي يقض، كل هذا هو الضامن الكبير لنجاح هذه الثورات وإتيان ثمرتها المؤمَّلة في موعدها، ولن يكون لتشاؤمكم مكان في مستقبل هذه الأوطان التي حرَّرت نفسها وهي الضامن لاستمرار هذا التحرُّر.
الثالثة :
تدعوا الباحثين والمفكرين والاكاديميين لدراسة ثورات الربيع العربي والخروج برؤية فكرية ونظرية عامة لهذه الثورات ، حيث وان ملامحها تختلف عن نظريات علم الثورات المتعارف عليها .
الرابعة :
تحث الشعوب العربية ومفكريها وأصحاب الأقلام بأن ألا يدخلو وينجرون في انتقادات ومهادرات لا فائدة منها فيما يتعلق بما حدث سواء كان ربيع عربي أم صيف أم شتاء فالحالة حدثت وبالتالي يجب الحديث لما يجب أن يكون عليه الحال بعد هذه الظاهرة العربية والثورات العربية بدلاً في الدخول فيما لا يشبع من جوع ولا يؤمنهم من خوف .
لأن الذي يقرر في الأول والأخير لماهيتها كما يقرر أيضاَ نجاحها أو فشلها هو حجم الإصلاحات الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، والتأسيس لمناخ من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتوفير الأمن والطمأنينة، إلى جانب توفير الخبز على صحن الكرامة والعيش الكريم للمواطن. فهل تتمكن حكومات الربيع العربي من تحقيق ذلك؟ هذا ما أرى أن يجب بحثه ومناقشته وبعمق .
الخامسة :
تدعو النخبة الحاكمة الحالية في بلدان الربيع العربي – التيار الإسلامي ألإخواني – بأن تكون حكومتهم والتي انتظرتها الشعوب العربية لعقود من الزمان كيسوع مخلص يُخرجهم وبلدانهم مماهم فيه من أوضاع ، أن تكون حريصة على إقامة حكم ديمقراطي يجسد أحلام شعوبهم أولاً ، ويترجم ثانياً صدق انتقاداتهم المتكررة لأنظمة الحكم السابقة ، بأن تكون حريصة على إقامة حكم ديمقراطي يجسد هذا الانتظار ويكون عند مستوى هذا الانتقاد يقوم على المشاركة لا المغالبة ، خصوصاً وإن ملامح سلوكها يقوم على النزعة الأخيرة ، وان الحاكم أقرب إلى حزبه من بقية القوى الوطنية الأخرى، مما أدى إلى انقسام القوى الوطنية
وإعلان رغبة عدد لايُستهان به من المواطنين(فالشعب الذي حلم بتحقيق العدل وجد اختفاء العدل، وتحولت كل الأحلام إلى كوابيس ) في عودة الجيش إلى الإمساك بزمام السلطة مرة أُخرى . وهو موقف أشبه بمن يستجير من الرمضاء بالنار. دفعهم أياه شواهد وسلوكيات تنتهجها هذه الحكومات في الواقع. ْ
السادسة :
- يجب أن يكون لهذه الثورات رؤية إستراتيجية مستقبلية للتعامل مع المتغيرات أو حل للمشكلات التي تفاقمت، فهي تتعامل مع الملفات الشائكة بطريقة الترقيع، أو سياسة «اليوم بيومه» مع عدم المساس بالأطر الاقتصادية التي تردت في عهدها مما أدى إلى تراجع المداخيل الوطنية وتهاوت معها الاحتياطيات النقدية، بل لجأت إلى سياسة رفع الأسعار والاقتراض الخارجي، وفعلت ما كانت تلوم عليه الأنظمة السابقة، وقد تكون تجاوزتها بكثير.












قائمة المراجع
• الــكــــتــــــب:
أ/ الكتب العربية :
- د/ إيمان محمد حسنى عبد الله ، الشباب والحركات الاجتماعية والسياسية ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ،{د.ط} ،2012م ) .
- جمال عبد الناصر، فلسفة الثورة ، ( القاهرة: بيت العرب للتوثيق العصري ،{د.ط}، 1996م ) .
- شعبان الطاهر الأسود، علم الاجتماع السياسي قضايا العنف السياسي والثورة ، ( القاهرة : الدار المصرية اللبنانية ،2003) .
- محمد الغزالي ، الإسلام والاستبداد السياسي ، ( القاهرة : نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة السادسة ،أكتوبر2005م ).
- دكتور يوسف القرضاوي ، الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا ، ( القاهرة : مكتبة وهبه ، الطبعة الخامسة ، 1413هـ/1993م ) .
ب/ الكتب المترجمة :
- يوري كرازين ، علم الثورة في النظرية الماركسية ،ترجمة :سمير كرم ، ( بيروت: دار الطليعة ، الطبعة الأولى ،1975م) ,
• الدوريات :
- مجلة السياسية الدولية ، ( القاهرة : مؤسسة الأهرام ، العدد (184) أبريل 2011م) .
- مجلة السياسة الدولية ، ( القاهرة : مؤسسة الأهرام ، العدد (190)، أكتوبر2012م ).
- ملحق مجلة السياسة الدولية {اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية}( القاهرة : مؤسسة الأهرام ، العدد (190)، أكتوبر2012م ).
- مجلة الشرق الأوسط ،( العدد"12466" ، الاثنيـن 3 ربيـع الأول 1434 هـ/ 14 يناير 2013م ) .
- مجلة كلية الآداب العراقية ، العدد الرابع والعشرين ،1979.
- المجلة، مجلة العرب الدولية شهرية سياسية ،(الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" المملكة المتحدة " للتسويق ، العدد "1581"، مارس- آذار2013م )
• التقارير :
- ملامح النظام العربي ما بعد الثورات، تقرير صادر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بعمان الأردن أعداد: الأستاذ/ جواد الحمد ، الأردن : عمان : http://www.mesc.com.jo
• القواميس والموسوعات:
- العلامة ابن منظور ، أعداد وتصنيف يوسف خياط ، لسان العرب المحيط ، المجلد الأول ، ( بيروت : دار لسان العرب {د.ط} ، {د.ت}) .
- الشيخ الإمام محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الرازي ، عني بترتيبه : محمود خاطر، مراجعة : لجنة من مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية ، مختار الصحاح ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، {د.ط} ، {د.ت} ) .
- العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز ابادى الشيرازي ، القاموس المحيط ، الجزء الأول ، نسخة مصورة عن الطبعة الثالثة للمطبعة الأميرية سنة 1301ه ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، {د.ت} ) .
- الأستاذ/ أحمد العابد ، الأستاذ الدكتور/ أحمد مختار عمر ، (وآخرون ) ، تحرير الأستاذ الدكتور أحمد مختار عمر، حرف الثاء ، المعجم العربي الأساسي ، ( بيروت : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،{د.ط}، 1991م ) .
- د/ عبد الوهاب الكيالي ، د/ محمد عمارة ، ماجد نعمة ، ( وآخرون ) ، موسوعة السياسة ، الجزء الأول ( لبنان : بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979م )
- الدكتور/ جميل صليبا ، المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانكليزية واللاتينية ،الجزء الأول (1) ، ( بيروت ، القاهرة : دار الكتاب اللبناني ، دار الكتاب المصري ،{د.ط} ، 1978م ) .
- جان بيتك الشتين، ج . بورو، جو ليا آنا س ( وآخرون) ، قاموس الفكر السياسي ، ترجمة د/ انطون حمصي، الجزء الأول من حرف الألف حتى نهاية حرف العين ، (دمشق:منشورات وزارة الثقافة،}د.ط{، 1994م ) .
- موسوعة ويكيبيديا :. http://www..wikipedia.org
• الدراسات والبحوث :
- د/ ريـم محمـد مـوسى ، ثورات الربيع العربي ومسـتقبل التغـيير السـياسي ،صحيفة سودانايل ، صحيفة إلكترونية تصدر من الخرطوم : http://www.sudanile.com
- عبد الغني سلامه ، الثورات العربية بين الإرادة الشعبية ونظرية الفوضى الخلاقة ، محور مواضيع وأبحاث سياسية، الموقع الرئيسي لمؤسسة الحوار المتمدن يسارية ، علمانية ، ديمقراطية : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=288067
- بشير ناظر الجحيشي ، التحليل السوسيولوجي لثورات الربيع العربي ، محور مواضيع وابحاث سياسية ، الموقع الرئيسي لمؤسسة الحوار المتمدن يسارية ، علمانية ، ديمقراطية : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=288067
- ياسر قطيشات ، ثورة شباب التغيير في مصر ونظرية -الفوضى الخلاقة ، محور حقوق الانسان ، الموقع الرئيسي لمؤسسة الحوار المتمدن يسارية ، علمانية ، ديمقراطية : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=288067
- سمية قادري ، محمد المهدي شنين ، سيسيولوجيا الثورة ، مكتبة الشعب الكريم ، المكتبة الالكترونية للعلوم الإنسانية والاجتماعية : http://maktabat-ach3b-alkarim.blogspot.com/2011/10/blog-post_20.html
- الخاص والعام في الانتفاضة الشعبية السورية الراهنة ،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، وحدة تحليل السياسات بالمركز: http://www.dohainstitute.org
- الربيـــع العربــــي ( المفهوم – الأسباب - التداعيات ) ، المملكة الأردنية الهاشمية ، مديرية الدراسات والمعلومات : http://www.dpp.gov.jo/2012/15.htm

• ورش العمل :
- بنية الثورة اليمنية.. (الواقع - الأزمة - المستقبل) ، ورشة عمل عقدها المركز العربي للدراسات الإنسانية ، بالقاهرة لمناقشة بنية الثورة اليمنية تحت هذا العنوان، ينظر الموقع الإلكتروني للمركز : http://www.arab-center.org/index.php
• صحف ومقالات :
- السيد ياسين ، مستقبل الثورات العربية ، الوطن بوابه إلكترونية شاملة: http://www.elwatannews.com/editor/60
- جابر السكران، الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها ، (جريده الجريدة ، تصدر عن الحركة الاشتراكية العربية): http://www.aljaredah.com/paper.php?source=akbar&page=1
- د/ جابر عصفور ، حالة اكتئاب قومي ، ( القاهرة : جريدة الأهرام ، الأربعاء 15 جماد الأولى 1434هـ/27مارس "آذار" 2013م ، السنة 137 العدد " 46132") .
- جوزيف مسعد ، «الربيع العربي» وفصول أميركية أخرى : http://www.al-akhbar.com
- سمير الشحات ، حل الأزمة ... ليس مستحيلاً!، ( القاهرة : جريدة الأهرام ، الأربعاء 15 جماد الأولى 1434هـ/27مارس "آذار" 2013م ، السنة 137 العدد " 46132") .
- سهيل الغنوشي ، مستقبل الثورات بين مخاطر الاحتواء وشروط النجاح ، الجزيرة نت : http://www.aljazeera.net.
- د/ شذى ظافر الجندي ، الفوضى الخلاقة وثورة الشباب العربي ، محور حقوق الانسان ، الموقع الرئيسي لمؤسسة الحوار المتمدن يسارية ، علمانية ، ديمقراطية : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=288067
- صلاح شبل المحامى، معنى كلمة ثورة ، محامون بلا قيود منبر المحامين الحر : http://www.bilakoyod.net
- د.صبري محمد خليل ، مفهوم الثورة بين العلم والفلسفة والدين ، منتديات لفكر القومي العربي : http://www.alfikralarabi.net/v
- عبد الوهاب محمد الجبوري ، الثورات العربية بعين ثالثة ، المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية : http://www.airss.net/site/
- عمار البلتاجي ،هل الثورات العربية مؤامرة؟، موقع يقظة فكر : http://feker.net/ar/
- عبدالله بن تركي البكر ، تسمية الربيع العربي : و بضدها تتميز الأشياءُ ، صحيفة حائل ألالكترونية : http://www.hail2h.net/inf/articles-action-show-id-1296.htm
- عادل لطيفي ، الربيع العربي بين التحول السلمي والحسم الدموي الشامل ، الجزيرة نت : http://www.aljazeera.net
- عباس الضالعي ، ثورة اليمن .. انضج ثورات الربيع العربي ، يمن برس :http://yemen-press.com/
- ثورات "الربيع العربي" بين المتشائمين والمتفائلين ، المختصر للأخبار : http://www.almokhtsar.com/node/18708
- " أجمل وأروع ما كتب حول ثورة الشباب في اليمن " ، موقع مأرب برس : http://marebpress.net/articles.php?lng=arabic&aid=11585
- البروفسور ساسر:مقال (بدون عنوان ) منشورات مركز دايان. أنظر: http://www.dayan.org/tel-aviv-notes
- عبدالحميد الأنصاري ، ثورات الربيع العربي والديمقراطية ، الموقع الرئيسي لمؤسسة الحوار المتمدن يسارية ، علمانية ، ديمقراطية : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=288067
- ناظم عودة، متى تعرّف الفكر العربي على مفهوم الثورة؟ ، موقع "ساحات التحرير" :
- http://www.altahreernews.com/inp/category_view.asp?CID=9
- د/هيثم مزاحم ، في معنى الثورة ، نصوص معاصرة ، مركز البحوث المعاصرة في بيروت: http://www.nosos.net/main/index.php


• أُخرى :
- البشير يعلن إطلاق جميع المعتقلين السياسيين، الجزيرة نت : http://www.aljazeera.net/
- حوار الرئيس السوداني مع صحيفة " الشرق القطرية" صحيفة عربية يومية تصدر في قطر، : http://www.al-sharq.com/searchResults.aspx?keywords
- إعلان الرئيس عمر البشير الإفراج عن كل السجناء السياسيين :
- الزمن الجريدة الإليكترونية : http://www.azamn.com/?p=21259
جريدة الحياة : http://alhayat.com/Details/499172
- من أين جاءت تسمية الربيع العربي؟!، موقع : http://uaesm.maktoob.com/vb/forum.php
- مفهوم الثورة و تعريفات معجمية و ثورات عبر التاريخ، ،منتديات أهل الصحراء ،http://www.ahlsahra.com/vb/showthread.php?t=9
- ثقافة أون لاين ، ماهو الربيع العربي ، http://www.thaqafaonline.com/p/blog-page.html



#جبران_صالح_على_حرمل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - جبران صالح على حرمل - ثورات الربيع العربي .. رؤية تحليلية في ضوء فروض نظرية الثورات ( الواقع وسيناريوهات المستقبل )