|
الرجل الذى أضحك العالم -قصة للشاعر الفرنسى جيوم ابولينير
جودت هوشيار
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 4067 - 2013 / 4 / 19 - 20:09
المحور:
الادب والفن
ترجمة : جودت هوشيار خلال زيارتى للندن ، نزلت فى أحد بنسيوناتها ، بناءاً على نصيحة بعض معارفى . كانت غرفتى مريحة، أتيح لى فيها أن أشبع نوما . و لكن فى ساعة مبكرة من صباح اليوم التالى أيقظنى حوار صاخب كان يجرى فى الغرفة المجاورة. كنت أفهم جيدا الموضوع الذى كان الحوار يدور حوله، فى أنجليزية تشوبها لهجة سكان الولايات الأميركية الغربية . كان هذا الحوار الساخن بين رجل و أمرأة . - لماذا سافرتِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ يا أولى دون أن تقولى لى شيئاً ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ - لماذا يا جيسلام ؟ لأن حبى لك كان سيحرمنى من الحرية ، و الحرية عندى أعز من الحب . - هكذا أذن يا أولى الشقراء! كنتِ تحبيننى و هذا الحب هو الذى جعلكِ تتخلين عنى . - أجل يا جيسلام ، لأننى كنت ُفى نهاية الأمر سأرضخ لألحاحك و أتزوجك و كنتُ سأضطر الى التخلى عن فنى . - يا أولى المتوحشة ، سوف أظل أنتظركِ الى الأبد . - و أستمر الحوار على هذا المنوال ، أولى المحبة للحرية ترفض عرض الزواج الذى تقدم به جيسلام العاشق . كنت على علم بالتزمت الأنجلو – سكسونى ، و لهذا فقد دهشت فى البداية ، لأن جارى يسمح له بأستقبال النساء فى غرفته ، و لكننى لم أعد أفكر فى ذلك بعدئذٍ . و لقد أزدادت دهشتى فى صباح اليوم التالى ، عندما أيقظنى حوار يدور بالفرنسية و باللهجة المتميزة لسكان الولايات الأميركية الغربية. كان جيسلام يتحدث مرة أخرى مع أمرأة . - أنت لم تعد تحبنى يا مسيو جيسلام ، لأنك تحوم حول أولى الصغيرة، أولى مروضة الكلاب ، بالرغم من أنها نحيلة كالعود . قبل شهر واحد فقط ، عندما كنتُ أغنى أحدى أغنياتى العاطفية ، كنتَ تستمع الى غنائى مبهورا . و كان واضحا أن هذا كان بتأثير الحب ، لأننى لا أمتلك أذنا ً موسيقية ! - لقد لاحظت ذلك أخيراً يا مدموزيل كريكيت ، و أضافة الى ذلك لم تكونى تحبيننى ، بل كنت تلعبين بعواطفى . - اذن فقد نسيت وعدك بالزواج منى ، نسيتَ البيت الأبيض على ساحل لوارا ، البيت الذى كنا سنقضى فيه شهر العسل . - لقد قررت يا مدموزيل كريكيت ، أننى اذا تزوجت فسوف أسافر الى مان ، الى مان فقط ، فى الولايات المتحدة الأميركية . حسناٍ تفعل يا جيسلام ، لأننى لم أكن لأقبل الزواج بك ، بأنسان له هذ الخلقة البشعة ، البشعة . و أستمر الحوار سجالاً بينهما . و عندما كنت أرتدى ملابسى ، قلت لنفسى : " يا لطرافة اللهجة التى تتحدث يها هذه الفرنسية ، لا بد أنها قد أمضت فترة طويلة من حياتها فى كاليفورنيا . يا الهى كم تعجبها كلمة ( البشعة ) و كم هو متقلب الأهواء هذا الرجل ! وعموما فأن هذا البنسيون ليس بـ" نزل محترم " فى صباح اليوم التالى – و كما حدث فى اليوم السابق – أيقظنى صوت جيسلام و هو يتحاور هذه المرة مع أمرأة أيطالية . كانا يتحاوران فى أيطالية تشوبها نفس اللهجة الخاصة بسكان الولايات الأميركية الغربية . - يا لك من أمرأة رائعة يا لوكاتيللى ، تقبلى حبى و تزوجينى ، سنتخلى عن فكرة القيام بأية رحلة و نخبىء سعادتنا فى كاليفورنيا ، فى سان- دياغو . أريد أن أطل من هناك على مشهد الخليج الرائع . سنزرع هناك أشجار البرتقال. - هذا أمر مستحيل يا سنيور جيسلام ، لأننى مخطوبة لضابط أيطالى ، يخدم الآن فى "بولونيا " و يعيش على مرتبه فقط و لهذا فلن نتمكن من الزواج قبل ان أجمع مصاريف الزواج . - أذن و داعا يا سنيورة لو كاتيللى . ان مهرجا بائسا ً مثلى لن يستطيع أن يزيح من قلبك ضابطا لامعا . و داعاً يا سنيورة و لكى تتحقق سعادتك بأقرب و قت اسمحى لى أن أقدم لك المبلغ الذى أنت بحاجة اليه . - قلت لنفسى : - " ان هذا المخادع المدهش أنسان رائع و لكن ولعه الشديد بالزواج مع أشراقة كل يوم أمر مزعج للغاية، لأننى أستيقظ من النوم فجأةً كل صباح بسبب ذلك و قبل الموعد الذى تعودت ان استيقظ فيه ." - فى الليلة التالية لم أتمكن أن أغمض لى جفنا ، فقد كان المستر جيسلام يتحدث بصوت عال الى رجل فى أنجليزية تشوبها اللهجة المتميزة للولايات الغربية فى العالم الجديد . - أجل يا جيسلام أنت أنسان بائس حقا . ستموت بلا عائلة و بلا حب . - أنت على حق يا جيسلام ، سأضطر الى الأذعان و المهادنة . لقد كنت طوال حياتى أبعث الفرح فى قلوب الملايين من الناس فى القارات الخمس ، و لكن لم أتمكن من العثور على زوجة . - لقد كنتَ يا جيسلام مصدر فرح للجميع و كنت َ تجسيدا ً لمرح العالم كله ، و لكن لم تكن ثمة أمرأة واحدة بمقدورها أن تتحمل لوحدها كل هذا المرح الذى كان ملكاً لجميع الناس ، لأن هذا المرح الهائل لا بد أن يثير فزع أمرأة واحدة . - هكذا يا جيسلام لا املك الا الموفقة على رأيك ، أن خيالك الذى بعث فى نفوس جميع الناس مرحا عظيما ً لم يسبق له مثيل ، لم يستطع أن يجعلك تظفر بأعجاب فتاة بسيطة . هذه الفتاة المغمورة ، عندما كانت و سط الجمهور ، كانت تضحك مع الجميع و لكن ما أن تتحدث اليها على أنفراد حتى توحى لها بحزن لا حد له . - أذن هذه هى حال الدنيا يا جيسلام . - أجل يا جيسلام ، هكذا الحياة ! - أذن ليس هناك من يستطيع مواساتى . - أجل يا جيسلام ، ليس هناك أحد غيرك بوسعه ان يفعل ذلك . - كان من الممكن ان يستمر هذا الحوار الكئيب بين الجيسلامين لمدة طويلة و لكن حين نفد صبرى أخذت أدق الجدار الفاصل بيننا و صرخت : - حان وقت النوم ايها السادة و سيطلع الفجر قريباً . - سكت الجيسلامان فى آن واحد ، فأستغرقت سريعا ً فى نوم عميق . - و لكن كم كانت دهشتى عظيمة ، حينما أستيقظت فجأةً فى صباح اليوم التالى وفى حوالى الساعة الثامنة على صوت جارى و هو يتحاور بحدة مع أولى المحبة للحرية و التى جاءنى صوتها أولاً . أرتديت ملابسى على عجل و ذهبت الى صاحبة البنسيون المحترمة . - ان الغرفة المخصصة لى لا يمكن النوم فيها ، لأن جارى يستقبل النساء و يتحاور معهن بصوت عال ٍ مع الصباح الباكر و يستقبل الزوار الى ساعة متأخرة من الليل . - ان نومك خفيف يا سير ، سنعطى لك غرفة أخرى فى طابق آخر . أما جارك فأنه أنسان جدير بالأحترام ، أنه الممثل العالمى الساخر جيسلام بورو . لقد ولد فى كاليفورنيا وأستطاع عن طريق فنه ، فن مخاطبة الأرواح ومن خلال الاعيبه و عروضه و نكاته التى يقدمها من دون مساعدة أحد ، أن يكوّن لنفسه مجدا عريضا ًفى العالم كله ، انه على جانب عظيم من الثقافة و يتقن عدة لغات .صحيح أنه لم يعد شابا و لكنه ثرى . أن جيسلام بورو أعزبٌ قديم ، ليس له أقارب ولا أصدقاء ، و يقطن هذا البنسيون منذ ثلاث سنوات . و هو لايتحدث الى أحد و لكنه يحادث نفسه فقط . ان فن تحضير الأرواح يساعده على أختيار الشخص الذى يود التحادث معه ، و هو غالبا ً ما يتحاور مع أحدى النساء اللواتى أراد أن يتزوجهن فى فترة من فترات حياته ، غير أن حواره الأكثر كآبةً هو حواره مع نفسه ، كما يحدث فى بعض الأحيان . - جيسلام بورو ، أنسان جدير بالرثاء العظيم يا سيدى ، لأن كل هذه الثرثرة حول الذكريات ، على الرغم من تنوعها لا تعدل – اليس كذلك يا سيدى ؟ - محادثة بسيطة مع رفيقة عمر كان شعر رأسها سيشيب مع شعر رأس هذا الهزلى الحزين ، مع رفيقة عمر كانت ستصبح سلواه فى شيخوخته , - بعد عدة أيام غادرت لندن من دون أن ألتقى جيسلام بورو .
#جودت_هوشيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورات العربية من وجهة نظر روسية
-
ما قل ودل : أسلحة للأستخدام الداخلي
-
ما قل ودل : مياه المالكي الراكدة
-
ما قل ودل : حلم المالكي المستحيل
-
نداء أوجلان التأريخي الى السلام ، ألقى الكرة فى ملعب أردوغان
-
مرحلة جديدة في تطورالعلاقات الكوردستانية – الروسية
-
اليوم العالمي للغة الأم
-
حرية الصحافة بين التشريع والتطبيق
-
ما قل و دل : البصرة تستغيث من كابوس سوري
-
خمسون عاماً على صدور كتاب - الحكايات الملحمية الكردية المغنا
...
-
رسائل ساخاروف دفاعاً عن الكرد و حقهم فى تقرير المصير
-
رائعة العقاد عن أمه الكردية
-
الأنترنيت والتلفزيون: من المنافسة المحمومة الى الإندماج والت
...
-
ما قل و دل : بلطجية مرسى !
-
عراق الكرد و عراق المالكى
-
ما قلّ و دلْ : مرسى و لغز ( كوكب القرود)
-
تفاصيل مثيرة عن صفقة مريبة
-
ما قل و دل : لغة لمالكى
-
صفقات المالكى التسليحية ... ما خفى كان أعظم !
-
آفگوست ژابا مؤسس ( الكوردولوجيا ) الروسية
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|