أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 24 - نوستالجيا














المزيد.....

خرائب الوعي .. 24 - نوستالجيا


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4067 - 2013 / 4 / 19 - 13:27
المحور: الادب والفن
    


وتذكر انه كتب ذات يوم قائمة طويلة، عشرات الصفحات بكل الأشياء التي تذكرها أو التي يريد أن يتذكر تفاصيلها: تذكرت اليوم الذي مات فيه أخي، تذكرت طعم الملح حين عطشت في البحر لأول مرة، تذكرت طعم الموز ورائحة البرتقال، تذكرت رائحة الدم في العيد ورائحة الفحم في الكانون في الصباح قبل الاستيقاظ، تذكرت جلسات المقهى مع العديد من الاصدقاء والأحاديث الطويلة التي لا تنتهي، عن الشعر والادب والكتابة والرسم وكل هذه التفاهات المملة، تذكرت سهرات الويسكي والتكيلا والاستيقاظ المميت في الصباح مع عدة مسامير في جانبي الرأس، تذكرت الرحلات الطويلة في السيارات الصغيرة، تذكرت وجه جارتنا، تذكرت وجه ليليث كما أراها في أحلامي، تذكرت الغولة وكلبها والسبع صبايا والجنون والعفاريت، تذكرت أيضا شوارع وأسماء المدن التي لا أعرفها، كازابلانكا، اثينا، اسطمبول، دمشق، باريس، سان فرانسيسكو، بن قردان، لندن، شحات، براغ. تذكرت أيضا الرحلة الخرافية التي قمت بها قبل ان استيقظ، الرحلة التي ذهبت فيها إلى جزيرة بعيدة ضاع مني إسمها وسقط في البحر، عشت فيها سنوات عديدة في كوخ من سعف النخيل، وعدت فيما بعد محملا بتابوتي فوق ظهري، يبدو انها جزيرة لا تتقبل الموتى. تذكرت حين غرقت في زجاجة بيرة لأول مرة على ظهر ناقلة للبترول، وتذكرت قصة الطوفان التي حكاها لي جلجامش إثر سهرة طويلة نجحت خلالها ان اجعله يتكلم، تذكرت نيتشاييف وباكونين وهرتسن وناتاشا، زاباتا وماكنو ولويز ميشيل، وبرودون وايفان وبقية الأسماء الهمجية التي لا وجود لها في التاريخ ولا في الجغرافيا. رفوف المكتبات لم أتذكرها، لم أتذكر الكتب، ولا كيف كانت. تذكرت فقط لهب الشمعة والفنار ورائحة البترول المحترق والدموع في عيني من السهر والجوع والبرد. القراءة مثل الحلم، طريق جانبي للهروب من الموت والتليف العقلي، نهرب من الحصارإلى جزر نائية، وإلى مدن بعيدة، نكتب ونحلم ونقص الحياة كما نراها. وتذكرت ذلك اليوم الذي حملت فيه حقيبتي على ظهري وأخذت طريق الغرب، تذكرت الجلسات الطويلة أمام المكاتب التي تسمى مكاتب الانتظار، تذكرت تحقيقات البوليس واسئلتهم الطويلة. تذكرت جيوبي الفارغة في كاديز، وتذكرت رائحة الجوع في رغيف الخبز داخل مخبز مقفل بفعل إضراب الخبازين، وتذكرت الباصات المقلوبة ورائحة الغاز المسيل للدموع، ورأس لورنزو بدون قبعة، ويديه السوداوين بفعل رياح البحر والملح وحبال قوارب الصيد، تذكرت سويعات الأصيل على شط الفرات، وعلى شط العرب. تذكرت مصاريني تتلوى بفعل الأوزو وعرق الخليج. تذكرت قنابل الأمريكان على رؤوس النخيل في البصرة وبغداد وطرابلس، وتذكرت البشر يصرخون، والرؤساء يهربون ويختبئون في جحورهم كالجرذان، ثم يصرخون بالنصر في اليوم التالي، تذكرت هزيمتي وهزيمة أحبائي في العالم باسره، هنا وهناك، وفي كل مكان يسقط فيه المهمشون ضحية البوليس والجيش والسلطة الدينية والدنيوية، ضحية رأس المال. تذكرت أشياء عديدة لحظة جلست إلى الطاولة الخشبية الخضراء، حولي عشرات الناس يمارسون حياتهم اليومية، يشربون القهوة أو البيرة، ويتحدثون عن السياسة الدولية والمحلية ومباراة الليلة الماضية، وعن آخر أسعار السيارات والثلاجات. لحظة رشفت القهوة، تذكرت المغني والنبي والسلطان واللص الهارب وعفريت الشارع الخلفي وعلبة الحليب المثقوبة والدراجة التي سرقتها ولم أنجح في تزويقها ولا في إصلاحها. تذكرت شجرة الرمان في حديقة البيت والليمونة والصورة على الحائط واسطوانات الموسيقى الصوتية، ومغني السلطة والحكومة، وشعراء الجرائد المحلية، وكتابات الشيخ النيهوم. تذكرت أيضا رحلة رامبو وهو يتاجر بالسلاح وحزامه الجلدي الذي لا يفارقه والمحتوي على سبيكة من الذهب، وأذن فان جوخ المقطوعة بسكين ثم حقل الغربان وصوت الرصاصة، تذكرت غوغان ومسيحه الأصفر، ودفاعه عن حقوق سكان تاهيتي، وتذكرت الآف الأشياء التي تطفو في بعض الأحيان على سطح الصفحة البيضاء ذات المربعات. تذكرت كيف استيقظت ذات يوم على صوت الراديو يبث الأناشيد العسكرية وصوت نزق يعلن قيام الثورة، تذكرت خيبة الأمل في الثورة، فالثورة لم تعن بالنسبة لي في أي يوم من الأيام إنقلاب يقوده العسكر أو رجال السياسة. الثورة يقوم بها الناس انفسهم بدون قيادة، وبدون هدف محدد، سوى كسر السلاسل والانطلاق نحو مستقبل جديد، بلا دولة ولا وزراء ولاقادة ولا جيش ولا بوليس ولا صحفيين ولا مخبرين ولا دين ولا مفتي ولا شيوخ ولا سجون ولا مدارس ولا خوف ولا إستغلال إلخ. سلطة مطلقة ليس للشعب فقط، ولكن لكل فرد من أفراد الشعب. وهنا كل الاختلاف، وتذكرت بأنه منذ ذلك اليوم وأنا اهرب من براثن سلطة دولة، لأقع في براثن سلطة أخرى. وتذكرت وتذكرت .. إلخ‬
وتذكر في نهاية المطاف أنه مزق الصفحات التي تحتوي القائمة الطويلة عندما أدرك أن الذاكرة أفيون الشعوب.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرائب الوعي .. 23 - الهروب
- جربوا الحب قبل الموت
- خرائب الوعي .. 22 - الصدى
- الفقراء وبؤس الثورة
- العصيان والعقاب .. 3 - ثورة إبليس
- العصيان والعقاب .. 2 - سارق النار
- العصيان والعقاب
- السلطة .. وسرير بروكست
- خرائب الوعي .. 21 - مربع ماليفيتش
- خرائب الوعي .. 20 - المصدر
- خرائب الوعي .. 19 - الأسطورة
- خرائب الوعي .. 18 - إختفاء البحر
- إغتصاب المرأة .. من مظاهر الرجولة
- حكاية الضجر .. 3 - وقود الثورة
- حكاية الضجر .. 2 - العجلة
- القاتل والقتلة والجوع
- حكاية الضجر .. 1- القناص
- مسرحية -الديموقراطية هي الحل-
- ورعب السلطة
- رعب الحرية


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 24 - نوستالجيا