|
كساد ربيع مزيف
موسى مريد
الحوار المتمدن-العدد: 4067 - 2013 / 4 / 19 - 09:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان طبيعيا ، بعد الموجات الاحتجاجية العارمة الأولى التي عرفتها تونس و مصر ، و رحيل الرئيسين السابقين بن علي و مبارك عن سدة الرئاسة في كلا البلدين ، أن تعم الإشادة و تتعدد الأسماء الرومنسية لهذه الانتفاضات ، فغالبية النخب رأت فيما حصل ، بشائر "ربيع" جديد و "ثورات" تاريخية حاسمة تقطع مع إرث الاستبداد الذي عمر قرونا ، و تؤسس عصر الديمقراطية و التحديث و المواطنة الكاملة ... لكن توالي الأحداث بشكل دراماتيكي متسارع ، جعل الكثيرين من هؤلاء ، يعلنون تارة "كفرهم" بهذا (الربيع الذي ما شاهدوا فيه وردا) ، و ذهب البعض الى أن ما يجري مجرد مؤامرة جديدة في المنطقة ، و غلبت حالة من اليأس و الإحباط أوساط نخب كثيرة ..فيما اعتبر البعض الاخر أن ما يحدث طبيعي ، حيث لابد لكل ثورة الكثير من الوقت لتحقيق أهدافها ، و أن الأهم استمرار هذه السيرورة "الثورية"... في هذا المقال ، لا نريد الانتصار لأي وجهة نظر ، بقدر ما نتغيأ جرد العوامل التي أدت الى هذا الجو من التشاؤم و الإحباط و التراجع لهذا المسمى "ربيعا" عربيا .. فلقد تغاضت جل الحركات الشبابية الاحتجاجية المطالبة بالتغيير ، بشكل يدعو للاندهاش و الريبة ، عن رفع شعارات مناهضة للتدخل الاجنبي ، و مطالبة باستكمال السيادة الوطنية و الانعتاق من الوصاية الاستعمارية ، و إنهاء كل أشكال التبعية ، و شجب التدخل الخارجي .. و كان لافتا تناسي حقيقة مفادها أن الدول الاستعمارية الكبرى كانت أكبر حام و داعم للاستبداد الذي خرجت لإسقاطه ، وأن أعداء التغيير يوجدون بالداخل كما بالخارج ، و على هذا الأساس كان من البديهي أن تجد الحركات الشبابية نفسها إلى جانب الحركات العالمية المناهضة للحروب و العولمة المتوحشة و المناضلة من أجل عالم أكثر سلاما و عدلا و حفاظا على البيئة ... لكن هذه الحركات سقطت في أخطاء فادحة تمثلت في استجداء التدخل الأجنبي ، فكان مقززا للكثيرين رفع صور ساركوزي و أعلام فرنسا في بنغازي ، واستقبال الصهيوني برنار ليفي في ليبيا ، و إصدار كثير من رجال الدين المحسوبين على تيار الاخوان و السلفية فتاوي تجيز التدخل العسكري الأجنبي في البلدان العربية ، و تدعو للتحالف معه ، و مراسلة بعض شباب حركة 20 فبراير بالمغرب الرئيس الفرنسي هولاند ، و تدخل شيوخ البترودولار العملاء الفاسدين المباشر في الشأن الداخلي لجل بلدان "الربيع" لإجهاض الحراك الشبابي ، و مطالبة أغلب معارضي الأسد بالخارج جهارا نهارا بتدخل عسكري غربي في سوريا .. و النتيجة ، قثدان السيادة الوطنية و تدويل الشؤون الداخلية للأقطار العربية ، بطريقة أصبحت مصائرها رهينة بما تقرره القوى العالمية في واشنطن و موسكو و لندن و باريس ، و خرجت المبادرة من أيدي الشعوب العربية التي أصبحت تنتظر ما تسفر عنه اجتماعات الناتو و الاتحاد الاوربي ، و ما تصرح به هيلاري كلينتون و سيرجي لافروف !!!
و غابت أعلام فلسطين في المظاهرات و ميادين التحرير ، و ظهر جليا أنه لم تعد فلسطين قضية العرب المركزية بالنسبة للنظام الرسمي العربي "الجديد" الذي أفرزه الحراك ، بل تم التصريح علنا ، و في سابقة تاريخية بأن العدو الأكبر اليوم هو إيران و ليس اسرائيل ، وفي مصر ، يعلن الإسلاميون الذين صعدوا للسلطة بلا خجل رغبتهم "الصادقة" في الحفاظ على استمرار العلاقة مع الكيان الصهيوني و "احترام" اتفاقية كامب ديفيد .. و أصبح الكيان الصهيوني بقدرة قادر داعما للمعارضة المسلحة في سوريا !! والمدهش في الأمر أن يصبح ماكين و أوباما و حمد و اليمين المتطرف الصهيوني و زعماء القوى الاستعمارية من أشد المدافعين عن الديمقراطية في العالم العربي !! اقليميا ، صعدت دولتا قطر و السعودية كقائدتين جديدتين للمنظومة العربية الرسمية ، صحيح ان السعودية اعتبرت دائما دولة مؤثرة في المحيط العربي ، لكن اللافت للانتباه غياب دول عربية اعتبرت تقليديا كبرى مثل مصر و العراق و المغرب و الجزائر و سوريا ، هذا الغياب الناتج عن خلخلة عميقة في الداخل العربي ، استغلته إمارة قطر ، اعلاميا و ماليا ، بتحالفها مع حركات الاخوان المسلمين ، كي تفرض نفوذها كقوة جديدة ، و تمارس أبشع أنواع التآمر على الشعوب العربية ، رغم أنها لا تتمتع بميزات دولة حقيقية ... و برز الى السطح صراع همجي متخلف و داء عضال اسمه الطائفية و المذهبية ، فلم يعد الخلاف السياسي بين انصار الديمقراطية و انصار الاستبداد ، بل أصبح بين اسلاميين و علمانيين ، و بين شيعة و سنة !! و استطاعت قوى الاسلام السياسي ، بقوة تنظيماتها و الدعم الذي تحصل عليه من الخارج ، ان تفرض شعاراتها الماضوية الشعبوية في الساحة ، و غابت تدريجيا و بشكل مؤلم شعارات الحرية و الديمقراطية و المساواة و العدالة ، ذات النفس العلماني ، لصالح بروز شعارات رجعية كإقامة الخلافة و تطبيق الشريعة !! وسادت كثير من مظاهر العنف و الفوضى غالبية دول "الربيع" العربي ، حد الاحتراب الداخلي ، و ضرب مقومات الدولة ، و انتشر السلاح و الإرهاب و التطرف و الاقصاء بشكل مخيف ، و لم يعد المطلب إنجاح تحول ديمقراطي ، و استكمال أهداف "الثورات" ، بل تراجع المد الجماهيري ، و أصبح المطلب اليوم هو الاستقرار و إنهاء العنف ... و الخلاصة البادية للعيان ، أن الشباب الذين خرجوا في بداية الحراك بحماس الى الميادين ، لم يمتلكوا بوصلة التحليل وناصية المعرفة الضروريين لإنجاح عمل ثوري حقيقي ، و لم يتمكنوا من استيعاب اليات الصراع السياسي الدولي و الاقليمي و المحلي بمفهومه الشامل ، و لا قدرة على صياغة مشروع مجتمعي حديث بتفاصيله السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، و لم يؤسسوا تنظيمات قوية بقيادات نزيهة حازمة وازنة لتسلم السلطة و إنجاز أهداف الثورة التي حلموا بها ، و غاب دور المثقف / المؤطر/ الضمير ليحل مكانه دور رجل الدين/ المفتي/المرشد ... و اعتقد غالبية الشباب أن مهمتهم هي مجرد إسقاط رؤوس أنظمة و ليس الأنظمة ككل ، و صدقوا بسذاجة بالغة أن حركات يمينية محافظة غير مؤمنة بالديمقراطية و المواطنة ، و قوى تقليدية فاسدة ستساهم في تحقيق أهداف الثورة .... و كانت النتيجة كارثية ، إذ تحت يافطة الثورة ، يتم التأسيس لاستبداد أشد فاشية ، و لديمقراطيات مشوهة ، فبدا الامر شبيها بنهاية حقبة الاستعمار المباشر ، حيث حازت جل الدول على استقلال ناقص مشوه ، تمت فبركته في دهاليز القوى الكبرى و الاتفاقيات السرية ، و صعدت للسلطة تيارات رجعية عميلة ، و بدأت الثورات تأكل أبناءها ، و أوطانها حتى ...
#موسى_مريد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|