احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 1168 - 2005 / 4 / 15 - 10:27
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تتناقض الثقافة الدينية المهيمنة على تفكير المجتمعات العربية تناقضاً كبيراً في قضية المرأة. ففي حين أن معظم المجتمعات العربية التي يغلب عليها الطابع الديني لم تحسم أمرها في مجال حقوق المرأة السياسية و المساواة, تعتبر تلك الثقافة أن الموروث الديني كرم المرأة و أنصفها و وضعها في مرتبة سامية فجعلها مثلاً يضرب للإيمان (( ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون)) و لكن لا يوردون الآية السابقة لها التي ضربت مثلين للكفر بامرأتين (( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط)) التحريم_10_
في هذا السياق نفهم أن المسألة ليست أمثالاً بقدر ما هي رؤية متكاملة نحو المرأة رسخها الموروث الثقافي الديني و ساهم بشكل كبير في واقع الظلم الذي تعيشه و تعانيه, و لقد جاءت إشارات إلى ذلك في تقرير التنمية العربية الشاملة للعام (2004)
و ليس هناك من ينكر أن الإسلام جاء خطوة متقدمة و ثورية نحو الواقع المزري الذي كانت تعيشه المرأة في المجتمع العربي القبلي الذي كانت فيه تورث للابن بعد موت الأب مع ممتلكاته الأخرى.و جعل الإسلام الذمة المالية للأنثى منفصلة عن الرجل و أعطاها حق التملك و اعتبرها شقيقة للرجل في الخلق و كرمها تكريماً شديداً كأم.
و لكن عبر عصور طويلة لم يطرأ تعديل أو تطوير في مفاهيم القوامة و التفضيل و حقوق الرجل على المرأة.
أخذ الموروث الديني يزداد ثقلاً و ظلالاً على عاتق المرأة, و تأكدت الروية الأحادية كون الفقهاء و الشرعيين و الأئمة كانوا على مدار الزمان من الرجال و كانت العقلية الذكورية غالبة في فهم النصوص المقدسة_كتاباً و سنة ً_ و مائلة بشكل مستمر نحو القوامة و التفضيل القانوني التشريعي (( الرجال قوامون على النساء)) النساء_34_
و ليست قوامة معنوية أو أخلاقية, و آية القوامة فيها الكثير من حقوق الرجل على المرأة و فيها حقه في الوعظ و الهجر والضرب.
و لعل أهم المعضلات التي لم يستطع الفكر الديني حلها و تجاوزها هي مسألة تعدد الزوجات و التي تشكل أزمة حقيقية للفكر الأصولي فهو لم يتمكن من إعطاء المبررات العلمية و الأدبية لهذه الإشكالية.
هل التعدد منصوص عليه:
بداية ليس هناك من ينكر أن تعدد الزوجات منصوص عليه بوضوح و أكدته الممارسة العلمية و التاريخ الممتد عبر أكثر من أربعة عشر قرنا ً. و الآية الثالثة من سورة النساء فيها أكثر من إباحة التعدد, فيها إباحة الإماء و الإماء نساء و بدون عدد و في شرعة حقوق الإنسان ليس هناك أحرار و إماء فالنساء سواسية كأسنان المشط.
و النص القاضي بالبقاء على واحدة خشية الظلم مفسر بنص آخر (النساء_129_) يبين حدوداً للعدل المطلوب مع التأكيد على التعدد: (( و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم )) فيها ذكر النساء و هن أكثر من واحدة فكأن النص أقر أكثر من امرأة لأن العدل بين النساء فوق استطاعة البشر.
(( و لن تستطيعوا العدل بين النساء و لو حرصتم ))
إذا ً العدل المطلوب غير ممكن (( ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها)) البقرة_286_ و لذلك هو خارج نطاق التكليف, هنا نعود إلى الأصل و هو التعدد.
المبررات التي يسوقها أنصار التعدد:
اعتبر البعض ممن يؤيدون التعدد أنه لحل مشكلة العنوسة فالمرأة التي فاتها قطار الزواج ترضى كونها الزوجة الثانية و تعرف طعم الرجولة و الأسرة خير لهل من البقاء في بيت أهلها يُنظر إليها بالريبة و النقص, و التعدد يتيح لها الشهوة الحلال بدل الانزلاق في دروب الحرام.
هذه أحدث المبررات التي يطلقها مروجوا التعدد خاصة بين الدعاة الجدد في مصر.
حل مسألة العنوسة لا يكون بمشكلة التعدد بل بوضع برامج اجتماعية تنموية تتيح رفع مستوى المعيشة بما يترك المجال للشباب و الفتيات لبناء أسرة قادرة على تحقيق متطلباتها المعيشية. و إحلال مشكلة مكان أخرى فيه استسهال للأمور و عجز عن البحث في أساليب حضارية حديثة لمشاكلنا المعاصرة و فيه استهتار بالعقول و تجميد للفكر.
في دولة الإمارات العربية المتحدة حلوا مشكلة العنوسة بوضع برامج تنموية تتيح القروض و المنح و التسهيلات للراغبين في الزواج, و ممكن للمصريين إيجاد حلول تناسب بلادهم و تنطلق من أفكار تنموية مرحلية و شاملة.
و بالنظر بطريقة معاكسة نرى أن التعدد سبب من أسباب العنوسة عند الشباب فالقادر الذي يملك المال و المستوى المعيشي العالي يتمكن من أن يتزوج أربع نساء و هو بذلك يحرم ثلاثة شبان من حقهم في الزواج, فإذا انتشر التعدد بصورة كبيرة كما هو حاصل ستزداد مشاكل الشباب من الذكور و يرتفع عدد الشبان العزاب. و بهذا يبدوا تعدد الزوجات تشريعاً للأغنياء فقط فيكرس الفوارق الاجتماعية و يرخي بظلال من الظلم على شرائح عديدة من الناس.
و من المبررات الأخرى: عدم قدرة امرأة واحدة على إشباع رغبة الرجل و هنا أتساءل هل حقا ً يتمتع المتدينون الراغبون بتعدد الزوجات بقدرات خارقة أم أنهم أناس عاديون كبقية البشر.
المسألة في الواقع جوع جنسي لا ينتهي سببه الحرمان الذي يعاني منه الشاب المتدين مع ما يرتبط في ذهنه من أهمية قصوى للمتعة التي تُعتبر ثمرة عظيمة ينالها في حياته الأخرى, فيتضخم لديه الجوع نحو النساء, و عندما يحصل على واحدة يطالب بالثانية.
إن التشديد البالغ في القيود المفروضة على الرجال و النساء يدفع نحو إيجاد كل السبل لوصول الرجل الواحد إلى عدد من النساء في سبيل إشباع رغبة وهمية.
النبي و الزوجة الواحدة:
ليس هناك أدنى شك بأن تعدد زوجات النبي كان لأسباب نبيلة هدفها الصالح العام و لكل حادثة مبرراتها. و الذي لا شك فيه أيضا ً أنه لا يوجد رجل آخر تنطبق عليه مثل هذه المبررات و لا يوجد من يستطيع الرقي إلى مستواه في النبل و السماحة.
من المعروف أن النبي أحب خديجة أكثر من أية امرأة أخرى و تؤكد ذلك الروايات التي تبين حرصه على إرضائها حتى بعد وفاتها فكان يكرم أصدقاءها و أقاربها وفاءً لذكراها. و لم يرض من عائشة النيل من مكانة خديجة بعد وفاتها بسنوات طويلة.
تذكر السيرة كيف كانت خديجة تؤازر النبي في بداية نزول الوحي و كان يعود إليها من غار حراء فتواسيه و تخفف عنه فزعه.
علاقة الحب و القدير و الاحترام المتبادل بين النبي و خديجة جعلتها زوجة واحدة ما يقارب العقدين من الزمن.. لم يتزوج النبي بعدها مباشرة و اكتفى بامرأة واحدة حتى تجاوز الخمسين و أمضى ما يقارب ربع قرن دون تعدد للزوجات. و هي فترة أوج النشاط الجسدي عند الرجل (ما بين 25 _ 50 سنة)
هذه القصة المأثورة تعني بوضوح أن المرأة الزوجة الواحدة كانت محل احترام شديد, و لم تكن العلاقة الشهوة هي الرابط الوحيد. فكلما كانت الزوجة حاضرة بقيمتها الإنسانية الكاملة كانت مسألة التعدد غير واردة
فاطمة وعلي: (عليهما السلام)
علي ابن عم النبي المقرب إليه و المفضل لديه.. زوجه ابنته أحب الناس إليه. و أنجبت له حفيدين لا يعدل حبهما في قلب النبي حب أحد.
تروي الآثار قصة محاولة علي الزواج ثانية مع الإبقاء على فاطمة, فتسمع ابنة النبي الخبر فتشتكي لوالدها فيصعد النبي المنبر و يقول: إن بني هشام استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي ابن أبي طالب.. فلا آذن, ثم لا آذن, ثم لا آذن, إلا أنيريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما ابنتي بضعة مني ويريبني ما يريبها و يؤذيني ما آذاها. و في رواية: ((إن فاطمة مني و أتخوف أن تفتن في دينها)) البخاري و مسلم.
و في قصة أخرى: ((قالت أسماء بنت حميس: خطبني علي فبلغ ذلك فاطمة فأتت رسول الله (ص) فقالت: إن أسماء متزوجة علياً, فقال لها النبي: ما كان لها أن تؤذي الله و رسوله))
إيذاء و ريبة وفتنة للمرأة و أهلها هذا ما يتسبب به طلب الرجل الزواج فوق زوجته. فالنبي استاء كثيرا ً عندما خطب صهره امرأة ثانية و اعتبر الأمر إيذاء لله و رسوله. و كرر رفضه إعطاء الإذن بزواج صهره ثلاث مرات واشترط طلاق ابنته إذا أصر صهره على إدخال ضرة إلى بيت ابنته فالمسألة إنسانية بشرية و كل امرأة تتأثر بما تتأثر به سيدة نساء الأرض فاطمة.
علاقة تعدد الزوجات بمكانة المرأة عموماً:
التعدد جزء من ثقافة فكرية و مناهج تربوية تتمثل في مجموعة من الأحكام المسبقة المتعلقة بالمرأة و تساهم بشكل رئيس في تحديد مكانتها و تبرر الأحكام الخاصة بها. فالمرأة قبل الرضوخ في مسألة التعدد لا بد لها من الحضور الذهني و الجسدي و من ذلك تعلم نصوص و فتاوى و أمثال و حكم مثل:
((إن المرأة تقبل بصورة شيطان و تدبر بصورة شيطان))
النساء أكثر أهل النار
الولد للفراش و للعاهر الحجر
النساء ناقصات عقل و دين
((مضت السنة أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في النكاح و لا في الطلاق))
((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح))
((و حق الزوج على زوجته إلا تمنعه نفسها و لو كان على ظهر جمل))
((و ألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله و ملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع و إن كان ظالما ً))
ليس هناك دليل على وجود شروط شرعية واجبة على الرجل فعلها قبل تعدد الزوجات و ليس عليه أخذ إذن زوجته أو حتى إخبارها
يجوز للزوج طلاق المرأة بالوكالة
عندما جاء المكّيون إلى المدينة كان الأنصاري يقول للمهاجر: انظر أي زوجاتي أحب إليك أطلقها فتتزوجها بعد ذلك
هذا المنهج الثقافي التربوي يساهم في بناء أجيال من الشباب تعتقد بحقها الكامل في القوامة و التعدد كما يوجد فتيات لا يعارضن في موقع النقص و الإقصاء. لهذا نرى العديد من النساء لا يعارضن التعدد من منطلقات دينية.
لكن المرأة التي تحب زوجها و تشعر بكرامتها و مكانتها لا ترضى بوجود زوجة أخرى في حضنة فما بالك بالثلاث أو الأربع. و لها بذلك أسوة بفاطمة الزهراء و أمها خديجة الكبرى.
الخيانة الزوجية:
يخفي تعدد الزوجات رغبة حقيقية و ملحة في الخيانة الزوجية. فعلاقة الحب و الاحترام القائمة بين الرجل و امرأته تمنعها من إقامة علاقات خارج الأسرة. فإذا رغب الرجل في علاقات أخرى فإن محبته و تقديره لزوجته و كرامتها تمنعه من فعل ذلك, و لكن عندما يعتقد الرجل بأن له الحق في التعدد مهما كان رد فعل زوجته فإنه سيحاول تحقيق رغباته بأية وسيلة, و لما كانت العلاقات خارج الزواج محفوفة بالمخاطر الاجتماعية و الصحية و ربما الفضيحة القانونية, يلجأ المتدينون إلى الزواج الثاني لأنه آمن و يترك الباب مفتوحاً للتفكير بخيانات جديدة و زوجة ثالثة و رابعة.
و بكل تأكيد فإن تحقيق رغبات الزوجات الثلاث أو الأربع أمر غير ممكن, وهذا يعني حرمان البعض و ظلم البعض الآخر و ربما يكون التعدد سبباً قوياً يدفع المرأة للتفكير في الخيانة الزوجية لقناعتها بالظلم و التهميش الجسدي والمعنوي من قبل زوجها.
الآلام النفسية و الجسدية:
تتزوج الفتاة المتدينة من شاب متدين و تقسم على الوفاء له و ترضى لنفسها كل ما فرض عليها من حقوق و واجبات.
و حالما تبدأ على الرجل عوارض تحسن حالته المادية يزداد إلحاحه على الزوجة الثانية. وتبدأ المعاناة الجسدية و القهر النفسي. تذهب كل الأمنيات و الرجاء مهب الريح و تأتي الزوجة الجديدة بشروط و ميزات ما كانت تحلم بها أم العيال. و تستمر المعاناة و الصراع و تأخذ المرأة على عاتقها عبء الحفاظ على الأسرة من الانهيار و تستمر في القيام بأعباء البيت. تنام مع الدموع و تستيقظ على الآلام و تحتار في تفسير ما يصيبها و ما تعانيه.
و في الطرف الآخر يشتكي الرجل القوام المزواج و يزداد تكبرا ً و تجبرا ً و زيادة في الحرمان عقابا ًً على النشوز و يلجأ إلى الهجر فتزداد الزوجة المظلومة عذابا ً فيلجأ إلى آخر الحلول و هو الضرب.
يكبر الشعور بالظلم و القهر و مع تطور الآلام الجسدية و النفسية يتفتق ذهن الرجل التقي عن حل جذري: اسمعي أيتها المرأة لقد تلبسك الشيطان و أخذ يجري منك مجرى الدم من العروق فأنت تعترضين على أمر الله و رسوله.
تصدق الزوجة المظلومة تشخيص زوجها العارف العالم و تفتح فصلاً جديداً من مأساة بدأتها بالزواج من رجل يعتقد أنه الخليفة في الأرض (( من لا يشكر الناس لا يشكر الله))
ختاماً:
التعدد يتعارض مع روح العدل و المساواة و التسامي بالأخلاق النبيلة.
إن قيم العدل و المساواة و الحرية و التراحم و الإنسانية هي التي جعلت الإسلام دينا ً رائعا ً, و القضاء على أي من هذه القيم يؤدي إلى تقويض الدين كله.
إن الدافع الرئيس في إشكالية تعدد الزوجات هو الشهوة الجنسية التي جاءت التعاليم الدينية لتهذيبها و تنظيمها. و هذه الرغبة الملحة في نكاح أعداد كبيرة من النساء يتعارض بشدة مع التعاليم التي توصي بحب الآخر و الزهد في الدنيا و التفرغ للصالح العام.
14/4/2005
#احسان_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟