أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - الشاعر الغجري لايوس رافي















المزيد.....


الشاعر الغجري لايوس رافي


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 4066 - 2013 / 4 / 18 - 14:11
المحور: الادب والفن
    


وأنا أتنزهُ بين رفوف المجموعات الشعرية باللغة السويدية، كعادتي كلما ألقيتُ رحالَ عينيّ في بستان المكتبة العامة بمدينتنا، وقعتُ بين المجاميع الجديدة التي وصلت المكتبة مؤخراً على مجموعة شعرية اسمها (قاع ، ضربة إلى الأرض) للشاعر لايوس رافي، وحين قرأت غلافها الأخير عرفتُ أنه شاعر غجري هنغاري ، فقررت أنْ أبدأ رحلتي في أجواء عالم هذا الشاعر الذي أسمع باسمه لأول مرة ، وقد زادت رغبتي أكثر لكونه غجرياً . ولما طُفْتُ في حقلِ أول قصيدة (فبراير في غودوج) شدّتْ انتباهي، فسحرتني زهورُها وأنسامُها فجذبتني إلى أجوائها جذباً، فاجتاحتني الدهشة، إذ هزّتني بجمالها ومضمونها الانساني وصورها الأخاذة .
واصلتُ سياحتي اللذيذة في هذا السفر الجميل من عالم الشعر الساحر، وما يكتنزه من صور، وما يتضمنه من تصوير حسيّ جميل ولذيذ لتجربة ذاتية حياتية لغجري ينقل فيها أحاسيس ومعاناة وآلام وأفكار وتجارب لهذه المجموعة البشرية بما تحمله البشرية من انطباع سلبيّ ضبابيّ عنها . إنها مجموعة شعرية مثيرة للدهشة واللذة ومتعة الشعر الجميل . وعندها قررتُ ترجمة بعض من قصائدها لقرّاء العربية ليتعرفوا على عالم هذا الشاعر الغجري والغجر عموماً ، اضافة الى ترجمة موجزة عن حياته وشعره مما ورد في مقدمتها التي كتبها (غيورغي باينا) وهو صحفي وشاعر وكاتب سيناريو لفيلم وثائقي عن الشاعر لايوس رافي.

وربّ قارئ يرى أنّ الترجمة عن ترجمة أخرى للشعر تفقد النصَّ الأصلَ حرارته وتجربته وأحاسيسه مرتين . وربما في هذا صواب ، لكننا كثيراً ما نعايش الترجمة وكأنها صياغة جديدة للقصيدة، يقودنا فيها المترجمُ البارع الماهر، وخاصة إذا كان شاعراً ، عبر عالمها الشعري الحسيّ، وهو يتذوقه ويحتسيه تجربةً وحسّاً، كما لو أنه النص الأصل ونبض الشاعر الحقيقي حين كتب وعبّر وصاغ. لأنّ ترجمة روح النص باحترافية مقتدرة تنقل أجواءه الى المتلقي، وتثير ذائقته، وتجعله يعايش تجربة الشاعر حين وُلِدتْ القصيدة . وهذا ما جاهدتُ أنْ أكونه إذ قررتُ أنْ أترجم بعضاً من قصائد هذا الشاعر الى العربية عن الترجمة السويدية التي قام بها المترجم السويدي المتخصص بالشعر الهنغاري (أوفه بريلوند Ove Berglund). فسواءً كانت الترجمة خيانة كما قالَ الشاعر الأمريكي الكبير روبرت فروست:"كلُّ مترجمٍ خائن."، أم كما يرى أدونيس بأنَّ الترجمات الشعرية خيانات جميلة، أم هي إعادة صياغة شعرية كما يرى الشاعر السويدي الكبير غونار اكيلوف الذي تخصص بترجمة الشعر الفرنسي واللاتيني، فإني احببْتُ أن أنقل تجربة الشاعر المهمة المثيرة وتجربة شعبه التي نقلتها الينا قصائد هذه المجموعة، وبما تهيّأ لي من معايشة ومعاينة وفهم وتعبير وصور وإمكانية، وعلى قدر عزمي، مثلما قالَ المتنبي: "على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ". وهنا أودُّ أنْ أعلمَ قرّائي الأحبّاء بأننا لا ندّعي ولم ندّعِ يوماً لأنفسنا الكمالَ أبداً، والحمد لله . ومن الله التوفيق والسداد.

ولد الشاعر لايوس رافي Lajos Rafi في رومانيا عام 1970 ويعيش هناك ، وهو من أصول غجرية هنغارية . كان أجداده من الحدادين، كما يذكر هو. وقد خسروا عملهم عندما تأسست الجمعيات التعاونية، فأخذوا يعيشون حياة الترحال والتنقل الدائمين، يعتاشون على صناعة الأواني المنزلية. أكمل دراسته الثانوية، وكان يأمل أن يصبح قسيساً كاثوليكياً. لكنّ حلمه لم يتحقق بسبب رفض قس الكنيسة المحلية رفضاً قاطعاً أن يساعده في مسعاه هذا. تمرّد الشاعر على قوانين الحياة الغجرية دون جدوى إذ كانت أقوى منه، فمثلاً أضطر الى الزواج وهو في الثامنة عشرة كعادة قومه. واليوم هو أب لستة أولاد، مثلما زوّج أبوه حفيدته ابنة الشاعر دون أنْ يسألها او يسأله عن رأيهما، وقد أخبره من أجل أنْ يتحمّل تكاليف الزواج فحسب. أخذ بكتابة الشعر مبكراً. عارض أبوه ممارسته الشعر معارضةً شديدة، لأنه غير مألوف عند الغجر، إضافة الى خوفه من البوليس السري الروماني، فأحرق قصائده.
يكتب رافي عن الحبّ والطلاق والشيخوخة وعالم الغجر وثقافتهم كأقلية ضمن الشعب الهنغاري . المجموعة هذه تضم أربعين قصيدة قصيرة، وهي القصائد التي جُمعتْ مما كان متوفراً عند اصدقائه، وقد طبعت عام 2007 في العاصمة الهنغارية بودابست.

* فبراير في غودوج

الريح في الخارج تقطع ساقَ الشجرة
لا أعير اهتماماً لذلك . الغجري يتحدث عن النساء .
حنجرتي تشعر بالرغبة:
أريد أنْ أشربَ معه كأساً .

لأنّ الحقَّ معه ، فحياته تصلّبتْ
منْ الأرض ومن الألم .
هو أيضاً يحسّ بحلاوة الكلمات،
وإذا بكى قلبهُ:
يسقي حنجرته.

خلف الجبل تُحجَبُ الشمسُ الساطعةُ
بالدخان .
كان بإمكان كلِّ شيءٍ أنْ يكون جميلاً حتى لي ، لكنّ
الألمَ يطرقني . أتأمل الغجريّ .
في عينيه الزرقاوين سلامٌ بارق،
كأنه قد اصطاد نجمةً:
الآن ينقش صباحَ يومه على الخشب.

* على كفّ الأرض

أنا مستلقٍ على كفِّ الأرض .
يا إلهي ـ لقد سقطتُ ثانيةً هذا اليوم ....
لونُ وجهك البنيّ الخريفي
يصرخ من داخلي حتى السماء .

وأنا ألعن الغصن
الذي منحني لوني الأصفر ،
والآن رمادي ، بارد وشديد الحنين .
لقد حطّم حقيقتي .

أصلّي من أجل الأرض ، صلاةً صامتةً:
دع الصخورَ تبقى ، لكي
تتحول الى رمال وغبار ، إلى رماد .
هل يفتحُ هذا الصراع بوابةً ؟

أغنية جانبية:
من أجلك تبكي الأشجار والأعشاب ،
من أجلك أدخلُ قبرَ الكحول .

* مايس أسود

بالطبع:
أرغب فقط بقدر
ما يطلبُ إنسانٌ آخر
بغريزته في العيش
وبشرف حياته.

كلُّ دقيقةٍ أحياها
طِيبة غير عادلة.
قاع ، ضربة إلى الأرض .
قاعٌ تُشكِّله الآلهة
مجدَداً في داخلي.

آلامي ، أعضّ عليها.
الخوف ، الحزن يلفانني ،
مثل المتواضع مرة
المسيح.
لقد تركوني للصليب.

كنتُ أريد فقط أنْ نمشيَ معاً.
أنا لا أخدعك . لحظة ...
براعم الشجرة تتفتح.
مايس أسود يُثقل رأسي .
هل أنا مزيّف ؟

* قصيدة الشجيرة الحزينة

قَدَري آلام التراجيديات.
أستطيع الوقوف بين يدي الله وأبكي،
لكنه يحقّ لشفتيّ أنْ تقبّلا شجيرةً.

أتنقلُ بين طرق ترابية،
يكفي انصياعي لمدة تسعة وثلاثين عاماً.
جوع الحياة يستهلك ثقوبَ نعالي.

لا شهرة ولا تصفيق ،
لا شيء أحتاج غير صليب المسيح !
أتقاسم مع نفسي فرح الألم.

أرغب أن أجلس في صالة وأكتب الحكايات.

لا خطر، متعة الآلام تجعلني
أسكن في صمت الظلام.
اضعُ رأسي "البارد" في خندق .
في الأعالي تقهقه الآلهة.

* زواج منزلي غجري

جاءتْ بهذيانها المرح
جاءت "بأنفها الجميل" ـ رأسها.
مشّطتْ بحماس شعرها البني
"فنظّفتْ كلّ أوساخ المدينة "

عندها صار نصف العالم ملكي.
في عينيها شعّ القمر.
فكّرتُ بأنّها الآن تعود
"هموم اللهجة القاسية"
غضائن عينيها الجميلة
كانت مثل ملائكة البرية
جسد رائع لخريفي الصامت.
جسد رائع لزواجها المنزلي.

* أغنية غجرية

لا تدقّي مسماراً في دماغي.
لا تدقي مسماراً في عذابي.
لا تميتي أحلامي.
لا تقتلي رغباتي.

قلتُ شيئين ، قلتِ أربعةً.
لماذا لا تصغين أبداً.
شيطانتي الحبيبة ، توقفي عن الهذر،
توقفي عن الشجار ، ـ توقفي عن الدمدمة!

* لعنة غجرية

إلعبي معي:
آلامي ستصبح آلامكِ.
افرحي حين أفرح.
ألقي بين الصخور
كلّ أيامكِ .

أدعيتُكِ ستصبح لعنات.
لن تستطيعي أنْ تحلمي أبداً.
كلّ ما ستفعلينه لن يكفي.
كُلي بطريقة ما غرائزَك.

* خريف غجري

إذا كان هكذا ، إذا كان هكذا:
إذا لم تكنْ ريح الخريف هكذا.
أُدخِلُ الغجريَّ في جيبي
وأثقبُ نفسي فتحةً للعالم .
لديّ غصن في جيبي:
لكي أفرح .
لكي أتدفأ.


* كلمة أخيرة

اليومَ تحوّل دمي ماءً.
إذا لم تكنْ الكلمةُ جارتك
تُضطرُ أنْ تناديَ الله.

خطيئتي فوق الوصف،
صخب الانسان مفزع ،
ـ بلا مستقبل ، تائه.

أخوضُ غمارَ الوحل هنا ،
في ماء مختلط بالدم ،
مريض بداء الكلب يبكي .

الآن تحلّ النهاية ـ بالتأكيد!
أنا لا أشكو ، بالتأكيد .
اتركْني للعالم الآخر.

عبد الستار نورعلي
الأربعاء /ثاني أيام عيد الأضحى المبارك 1431
17 تشرين الثاني 2010



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوهانس آنيورو
- رفقاً بالعظام !
- من سيرة رفيق الدرب
- يوميات مدينة/الجزء الثالث
- سقوط الكلمات المسروقة
- قرأتُ كثيراً
- الميناء
- الزحف
- آني أمك يا شاكر
- سيدتي بغداد
- الساحات ملأى بالخيل وأزهار الشوق
- وصايا داخلية
- من سيرةِ داوود سلمان
- الخيول
- مرثية شارع أبي نؤاس
- الرواية الثالثة
- ثورة 14 تموز من الذاكرة (3)
- اختلال
- فوضى
- الظلُّ والشرفة


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - الشاعر الغجري لايوس رافي