|
إيفان تسيسْكاروف (أول كاتب وأديب شيشاني)
أمين شمس الدين
الحوار المتمدن-العدد: 4063 - 2013 / 4 / 15 - 20:01
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إيفان تسيسْكاروف (الشيشاني) (1820-1860) نُشر عام 1855، في جريدة "كَوكاز" (القوقاز)، التي كانت تصدر في مدينة تفليس، عاصمة جورجيا، أول مقالة- نبذة، بعنوان "صُور من توشيتيا"، لأول كاتب شيشاني من تسوف- توشيتيا واسمه إيفان تسيسْكاروف. وفي ألمانيا، قام الأكاديمي الألماني أ. شِيفْنِر، عام 1855م، بإصدار عمله "توصيف اللغة التوشينية" المبني على مادة علمية- لُغَوية، قام بجمعها أول عالم تسوف- توشيتي إيوف تسيسْكاروف. من هي عائلة تيسْكاروف هذه؟! من أجل الإجابة على هذا السؤال، تطلب مني قراءة عدة أبحاث ودراسات. إلا أن أهم مادة استطعت الحصول عليها من بين المواد مدار الحديث وجدتها في المواضيع العلمية التالية: "المستقبل التاريخي لأدب الشيشان والإنجوش" للباحث اللُّغوي خ. تُورْكاييف؛ و "البناء الثقافي في جمهورية الشيشان- إنجوش السوفييتية" للباحثة ز. جامبولاتوفا. ومن كل ما قرأته توصلت إلى الشيء الرئيس التالي: أن أفراد عائلة تسيسْكاروف هم شيشانيون في الأصل. والمعلوم من التاريخ أن المنحدرين من الشيشان، وهم التسوفا- توشين (الباتسْبي) والكيسْتين- قد نزحوا وقطنوا في جورجيا منذ زمن بعيد (حيث يعيشون إلى يومنا هذا) - في مناطق محاذية لبلاد الشيشان. وجاء في "تاريخ جورجيا"، على سبيل المثال، أن "نزوح جبليي شمال القوقاز في القرن الثالث عشر من أودية سلسلة جبال القوقاز نحو الجنوب شَملَ كل المناطق الحدودية الشمالية لجورجيا. انبثقت عن هؤلاء الجبليين شخصيات علمية وفنية وأدبية كثيرة، أغنت الثقافة الجورجية بأبحاثها ودراساتها العلمية، وبأعمالها الأدبية وبمؤلفاتها الموسيقية. ومن أشهر وألمع هؤلاء هم في حقيقة الأمر ممثلو الفرع التوشيني للشعب الشيشاني، أبناء وأحفاد عائلة تسيسْكاروف، ومنهم إيوف وإيفان، الذين أبدعا في أربعينيات القرن التاسع عشر. كان القَسّ المسيحي إيوف تسيسْكاروف شخصية فولكلورية وعالم لُغة، ذو فضل كبير في تطوير الفلكلور الجورجي وفي دراسة قواعد اللغة التوشينية. لقد كتب العالم الجورجي، الدكتور في علم الفلسفة ك. تشريلافْشيلي في المقالة الافتتاحية لمجموعة مؤلفات مختارة لـ إيوف تسيسْكاروف، قائلا: "ترتبط الأعمال العلمية والأدبية لـ إ. تسيسْكاروف مع الباحث الفرنسي المشهور، مؤسس الكارتفيلوجيا Kartvelogiâ، الأكاديمي م. بْرُوسّيه. إن إيوف تسيسْكاروف وضع بعد مجيئه إلى جورجيا أولى قواعد اللغة التوشينية، وقاموسا يحتوي على ثلاث آلاف كلمة، وترجم إلى اللغة التوشينية "العهد الجديد". وحاز هذا العمل على تقدير عال من قبل الأكاديمي م. بْرُوسّيه". وهناك حادثة جديرة بالاعتبار أيضا في حياة هذا العالم والأديب المرموق. ففي النصف الثاني من خمسينيات القرن التاسع عشر، أصدر الأكاديمي الألماني أ. شِيفْنِر، في برلين، على ضوء الأبحاث التي قام بها إ. تسيسْكاروف، عملا بعنوان "توصيف اللغة التوشينية". وبنفس العام قام بنشر بحثا علميا باللغة الألمانية عن تراكيب قواعد اللغة التوشينية. وبتقدير واحترام كبيرين تجاه المساهمة التي قدمها إيوف تسيسْكاروف في دراسة التركيبة القواعدية للغة التوشينية، كتب الأكاديمي أ. شِيفْنِر في مقدمة عمله العلمي، ما يلي: "للأسف الشديد، لم يظهر بين الشيشان أحد حتى الآن، استطاع أن يقوم بما قام به الواعظ إيوف تسيسْكاروف للغته الأم". إن هذا العالِم- الأديب، رفيع الشأن، ساهم بشكل مؤثر في تنبيه وتشكّل الهبة اللغوية لقريبه الكاتب إيفان تسيسْكاروف. وقبل كل شيئ، غرَس فيه إيوف الحُبَّ تجاه لُغتِه، وتجاه تاريخ التسوفا- توشين وثقافتهم، والذين يشكلون فرعا (أصيلا) من فروع الشعب الشيشاني. وبالمناسبة، فإن أصل التسمية "تسوفا- تُوشين" цова-тушин tsova-tushin)) هو من اسم البلدة الجبلية "تسا" Ца (وبالشيشانية "تْزا" Ц1а- بمعنى بيت). استمر النشاط الأدبي لإيفان تسيسْكاروف لفترة لم تزد عن عشر سنوات. وخلال الأعوام 1846-1856 م، نُشرت مواضيعه التاريخية- الاتنوغرافية وكتاباته الأخرى على صفحات جريدة "كَوْكاز" (قوقاز)، وعلى التقويم الأدبي "زُوْرْنا". وهي تبين لنا، حسب ما يكتبه خ. تُورْكاييف، أن إيفان تسيسْكاروف كان عسكري الثقافة، خريج المدرسة الثانوية النموذجية (جيمنازيوم) في العاصمة تفليس، وتربّى في كنه الأدب الأوروبي، والروسي، والجورجي، وكان قويّ الملاحظة، وتمتع بذوق فني رفيع. ومؤلفاته، وخصوصا تلك، التي ظهرت في بدايات إبداعاته، تحتوي على معطيات مهمة للغاية عن التسوف- توشين. وهذه المؤلفات مزهُوة برسومات ذات ألوان بهيجة ومناظر طبيعية خلابة لوطنه الأم. وخلال فترة نشاطاته الإبداعية المتقطعة كتب ونشر إيفان تسيسْكاروف ما يزيد عن عشر أساطير، إضافة إلى مقالات ونُبذات ودراسات وقصص في التاريخ والحياة الاجتماعية للتسوفا-توشين، وعن عاداتهم ومعتقداتهم. ومن أهمها: "ديكْلو و شَناكُو" (عن السياسة الاستعمارية القيصرية، التي كانت تبث السموم بين الجبليين القوقاز، الذين كانوا يكافحون من أجل الحرية القومية والاجتماعية)؛ و"صُور من توشيتيا"؛ و "مذكرات عن توشيتيا"؛ و "جَفنَة حُب" وغيرها.. والنبذة "صُور من توشيتيا" ذات أهمية خاصة، حيث يُورِدُ فيها إيفان تسيسْكاروف تصديق التوشين لرواية أميراني (الشكل التوشيني الأسطوري "الميثولوجي" لملحمة بروميثيوس، والقريبة جدا من الأسطورة اليونانية عن بروميثيوس المقيَّد Prometheus Chained). ويقول بهذا الخصوص البرفيسور الجورجي، إي. أرْدْجيفانيدْزِهْ: "تجدر الإشارة هنا، إن ما كتبه ونشره إيفان تسيسْكاروف، في صحيفة "كَوكاز" عام 1847م، حول الشكل التوشيني لأميراني- بروميثيوس والحُكم في ذلك، لهو أحد أول المواضيع التي تنشر حول هذا المحور التاريخي- الملحمي اليوناني، وهوبذلك سَبق الكثير من الباحثين غيره في أعمال مشابهة". أما إيفان تسيسْكاروف نفسه، فيكتب قائلا، أن حكاية أميراني- "تصديق التوشين، ليس من الصعب معرفة الأسطورة اليونانية المشوّهة فيها عن بروميثيوس (ومن المحتمل جدا أن يكون اليونان قد اقتبسوها عن الشعوب القوقازية)". و خ. تُوركاييف، يكتب حول ذلك، كالتالي: "فمن جهة، إيفان تسيسْكاروف على يقين من أن حكاية أميراني- بروميثيوس تعود إلى التوشين أو "السكان الأصليين". وعُني بـ "السكان الأصليون" آنذاك الشيشان والإنجوش وغيرهم من شعوب شمال القوقاز، ولا بحال من الأحوال الجورجيين. ومن جهة أخرى، يؤكد المؤلف، على أن أميراني- بروميثيوس- "هي مُلك الشعوب القوقازية". وبالتالي، فإن إيفان تسيسْكاروف لم يكتشف حكاية أميراني للجورجيين فحسب، ولكنه أيضا حدَّد تشابهها التصنيفي مع الأسطورة اليونانية لبروميثيوس المقيَّد. ويؤيد هذا الفكرة الباحثون المعاصرون (منهم على سبيل المثال، البرفيسور، الدكتور في علم اللغات وآدابها، واللُّغوي ك. تشوكاييف وغيره..". و"مذكرات عن توشيتيا" لهي مهمة ليس فقط لأنها تحتوي على معطيات تاريخية موثقة وثابتة عن حياة التوشين ومعيشتهم، والحقائق المتعلقة بأساطيرهم وأفكارهم، حيث يختص بها هذا الشعب، بل قبل كل شيئ لأنه ظهر في هذه المؤلفات والأعمال إدراك إيفان تسيسْكاروف ومعرفته الواسعة بوضوح أكثر في تاريخ، وإثنوغرافيا، وفلكلورالتوشين ومعتقداتهم الدينية. واعتبر المؤلف بأن نشر هذه المذكرات يشكل إحدى وسائل معرفة ماض التاريخ والثقافة التوشينية، والتي فيها، كما يكتب عن ذلك إيفان تسيسْكاروف، قائلا: ".. جوهر أصل الكيستين. فلغتهم كيستية (كيستينية)، والتي هي نفسها اللغة الشيشانية تماما". كما وأكد إيفان تسيسْكاروف، قائلا: "فيما لو قيست الأحرف الشيشانية لكانت الفائدة كبيرة جدا. فإضافة إلى ما ستقدمه من وسائل خيّرة وسهلة في تعليم السكان الأصليين، كانت قد لعبت أيضا دورا في نجاح التدابير و الإجراءات الطيبة للحكومة..". ويبقى الانتاج الابداعي الأهم، والمشهور "جَفنَة حُب" أول مؤلَّف لإيفان تسيسْكاروف، حكاية عن حياة الكيستين، إعادة توضيب الأساطير الشعبية الشيشانية- إكرام المؤلف للحركة الأدبية في أربعينيات القرن التاسع عشر، التي كانت دارجة بين الجماهير الشعبية، ألا وهي الرومانسيّة. والموضوع الأساس في الحكاية، حسب اعتراف الكاتب نفسه، يدور حول قصة شعبية شيشانية عن حُبٍّ طاهر وكبير بين فتاة وفتى، اللذان ذلّلا كل الصعوبات، التي وقفت بين حبهما. وقد كان هذا المحور منتشرا بشكل واسع في الأدب العالمي: روميو وجوليتا، مجنون ليلى، طاهر وزهراء، .. الخ. أما في حكايات إيفان تسيسْكاروف فهؤلاء من التوشين، فهما عمر-علي وغازيلو. كتبت القصة عام 1845م، ولكنها نشرت من قبل المؤلف عام 1855م. هكذا كانا: إيوف وإيفان من عائلة تسيسْكاروف- أول عالم شيشاني، وأول كاتب وأديب شيشاني. ونحن بحق وحقيق يسعدنا ويشرفنا الافتخار بهما، تماما كما هو الحال مع أول رسام شيشاني، أكاديمي من أكاديمية الامبراطورية الروسية للفنون الجميلة في بطرسبورغ، بيوتر زخاروف، والذي كان يوقع على جميع لوحاته باسم" شيشاني من دادي- يورت".
الكاتب: عديز كوساييف ترجمة: د. أمين شمس الدين عن: "كتاب جمهورية الشيشان"، غروزني، ، 2005 ، ص 12-16، لمؤلفه عديز كوساييف. Адиз Кусаев ИВАН ЦИСКАРОВ (1820-1860) ПИСАТЕЛИ ЧЕЧНИ, Грозный, изд.ГУП "Книжное изд-во", 2005, Стр. 12-16
#أمين_شمس_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معيار الثقافة الأخلاقي عند الشعب الشيشاني -قوناخلاّ-
-
من الفلكلور الشيشاني/ قرب العين
-
قصيدة من الشعر الشيشاني المعاصر/ الفتاة الجبلية
-
اكتشاف ظاهرة طبيعية لم تكن معروفة سابقا
-
روسيا تقوم بتجهيز منطقة ما وراء القوقاز لحالة حرب محتملة ضد
...
-
أكاديمية العلوم الشيشانية بين الأمس واليوم
-
باسم السلام والإبداع/ إحياء الإرث الثقافي الشيشاني
-
روسيا: الحوار هو المخرج الوحيد الممكن للخروج من الأزمة السور
...
-
حقيقة عن الأماكن المقدسة في بلاد الشيشان – إنجوش
-
قصيدة -شجرة الكستناء- للشاعرة الشيشانية رئيسا أخماتوفا
-
الافتراءات والأكاذيب في -الموسوعة الكبرى- الروسية
-
خانباشا نورالديلوف/ بطل الاتحاد السوفييتي
-
معيار الثقافة الشيشانية
-
قصيدة للشاعر الأردني الراحل الأستاذ شمس الدين عبد الرزاق الش
...
-
الشيشان ما بين الانفصاليين و-الإماراتيين-
-
الشيشان والإنجوش معا ضد الإرهاب
-
الشيشان/ قصائد من الشعر الشيشاني المعاصر
-
الشيشان/ لا- لعفو عام في الشيشان بعد اليوم
-
رئيس جديد لجمهورية الإنجوش/ القوقاز
-
تخريب إيديولوجي
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|