محمد عبعوب
الحوار المتمدن-العدد: 4062 - 2013 / 4 / 14 - 18:10
المحور:
الادب والفن
تعانق أرواحنا صياح الديكة مع بزوغ خيوط فجر كل يوم في قريتنا الوادعة التي تتكئ على قمة الجبل الغربي بليبيا. نسافر بين تلك المعزوفات الشجية التي أَلفتها مسامعنا منذ الطفولة ونحن لازلنا تحت أغطية الصوف التي نسجتها أمهاتنا من صوف نعاجنا، نميز بين صوت ديك فتي وآخر بلغ من العمر عتيا.
نرسم في خيالنا صور جميلة لطيف الألوان الساحر الذي ينهمر من عرف الديك وهو يهتز بخيلاء، نحاول أن نحصي تلك الألوان مرارا ونعجز عن متابعتها والفصل بينها فهي تهرب وتفلت من حصار عيوننا!!
نقف إعجابا بإثار الديك دجاجاته ودعوتها لالتقاط حبوب القمح والشعير التي ننثرها أمامهم، يقف ذلك السيد بعرفه الشامخ مزهوا بفضيلة الإثار التي حباه الله بها، والتي تكسبه احترام قطيع. هذا المشهد طالما على ضميري تساؤلات عن سبب عدم أخذ ديوكنا البشرية العبر من هذا الطير الداجن؟ وإصرارهم على التمسك بإثار أنفسهم عن بقية القطيع؟!!
هل لكم أن تتصوروا معي القراء الأعزاء القطيع الداجن عندما يتكون كله من الديكة؟!! يا لها من صدفة قادتني ذات يوم الى مزرعة خالي (شقيق أمي) حيث شاهدت معارك دامية ومطاردات لا تنتهي بين الديكة!! وعندما سألت عن السبب عرفت ان الفريق يتكون من عشرات الديكة ولا ترافقه إلا اقل من خمس دجاجات!!! وهذا طبعا سيخلق منافسات حامية لا تنتهي.. إنها غريزة البقاء..
عود إلى سمفونية الديكة التي لا تغادر الذاكرة؛ فقد صمتت أيها السادة منذ يومين ديكة قريتي عن العزف! لم نعد نسمع تلك السمفونية الجميلة! توقفت ذاكرتنا عن فرز الأصوات وتصنيفها! حرمنا من مشاهدة ذلك الشلال من الألوان العصية على الحصر التي تنهمر من عرف الديكة! اختفت الدجاجات! ظل الحب منثورا يتقاسمه النمل، تصحر الفجر في قريتي إلا من صوت مؤذن مسجدها الرتيب، اختفى مشهد السيد وهو يقود قطيعه ويدعوه للالتقاط الحبوب!! اين اختفى هذا المشهد الأليف للنفس؟ هل قرر السيد وقطيعه ذات ليلة الهجرة ومغادرة قريتنا؟ ماذا جرى؟؟؟
بعد طلوع الشمس ذلك اليوم كان اول سؤال أطرحه : أين الدجاجات؟ أين الديكة؟ فكان الجواب صاعقا؛ لقد نفق كل دجاج القرية والقرى المجاورة بسبب مرض لم تعره السلطات اي اهتمام!! صمت الديكة .. توقف عزف الفجر الرخيم، ولم نعد نسمع سوى نباح كلب شارد او زعزعة محرك سيارة خرج سائقها لالتقاط خبز عياله..
#محمد_عبعوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟