عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب
(Abderrahim Tourani)
الحوار المتمدن-العدد: 4060 - 2013 / 4 / 12 - 21:35
المحور:
الادب والفن
قال الفقيه بولحية لمسندر، وهو يعض على الحروف حتى كاد يدمي شفتيه الغليضتين:
- هذا الميت لا يجوز غسله ولا ينبغي تكفينه ولا تجب الصلاة عليه. ثم أحنى رأسه وهو يحوقل ويلعن بصوته الأجش إبليس الرجيم .
كنا قد قمنا قبل وصول الفقيه بغسل ميتنا وبتكفينه. لم تبق إلا الصلاة على جثمانه. توجه إلينا لمسندر بموعظة فصيحة كلها تهديد وترهيب من أن نحشر مع الميت في جهنم إن فعلنا. هو رأى أن ميتنا يدخل الجحيم من دون انتظار يوم الحساب. وليوضح لنا ما جزم به قال:
- إن الجنة لا تنتظر ضيوفها حتى يأتي يوم الحساب، الجنة الآن ينعم فيها الملائكة والشهداء، كما أن جهنم يملؤها حاليا المنتحرون والشياطين من الأبالسة نجانا وإياكم الله من شرهم وشرورهم.
ثم أضاف مفتيا ببطلان تقبل العزاء في من ينتظر منا أن ندفنه طبقا لطقوس الدين الحنيف، محذرا أيضا من البكاء عليه. وانصرف والزبد يملأ شفتيه الغليضتين.
تبادلنا النظرات فيما بيننا نحن أقرباء الميت بحزن أشد، ثم قمنا للصلاة عليه صلاة الجنازة. لم يكن من بيننا من يحفظ دعاء صلاة الجنازة، لكننا اهتدينا أن نسأل من الله العزيز الرحمة والمغفرة له ولنا.
قال شقيق الميت غاضبا باكيا:
- وهل مفاتيح الجنة والنار في يد مثل هذا الغليض القلب والشفتين؟
أهلنا التراب على الفقيد، ثم عدنا لنواجه عدوانية الفقيه الذي أفتى بمقاطعتنا، وربما راودته فكرة تكفيرنا، لكن من حسن حظنا أنه اكتفى بوصفنا فقط بالعصاة.
قال محدثا الناس عنا، وأغلبهم من جيراننا:
- هؤلاء عصاة عصوا الإله واتبعوا هوى الشيطان، لا يجوز الأكل معهم، ولا الصلاة بقربهم، ولا حتى تبادل السلام معهم.
هكذا وجدنا أنفسنا معزولين. لما أنهى مكتب الدرك التحقيق في أسباب وظروف وفاة المرحوم تبين أن الهالك لم ينتحر وإنما مات مقتولا بسم الفئران. وبعد تعميق البحث والتحقيق ظهر القاتل، وكانت هي بنت بولحية لمسندر ما غيره. الفقيه الذي يصلي بالناس ويفتيهم في أمور دينهم ودنياهم. وكانت الغادرة لها علاقة آثمة بالميت. لم يستسغ الفقيه العار الذي ألحقته به أصغر بناته، فوجه فوهية بندقية صيد إلى ابنته ثم إلى فمه الواسع. اجتمع أهل القرية منتفضين وقد توزعوا ما بين من يفتي برمي جثته في حفرة من غير تغسيل ومن غير كفن وبلا صلاة جنازة، وبين من يعارض أن يعامل الفقيه ميتا مثل جيفة. "الرجل كان فقيه القرية يا ناس". هكذا نطق زرياط السكير. أما المغدورة الغادرة فلم ينتبه أحد إلى جثتها المرمية فوق التراب وقد غمر بصاق النساء والأطفال وجهها المدور الجميل.
#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)
Abderrahim_Tourani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟