|
صراع العاطفة والجمال بين المرأة والطبيعة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1166 - 2005 / 4 / 13 - 11:03
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
إن الأساس المحوري للوصف الجمالي والعاطفي لشعر الغزل الشرقي، يتجسد في المرأة باعتبارها الكائن الأكثر قدرة على تفجير براكين العاطفة في ذات الشاعر لتقذف بحممها نحو الخارج على شكل سيل عاطفي ملتهب لتخفف من التفاعلات المستعرة بنيران الكبت والحرمان. وكلما استعرت أكثر نيران الحرمان وزادت هواجس الكبت، كلما تألق الشاعر أكثر في التعبير عن عواطفه تجاه المرأة التي يرغب بها ويسعى للوصول إليها عبر سُبل لاتتعارض ومنظومة القيم الاجتماعية. ويمكن اعتبار قصائد الغزل والحب للمرأة في الشرق عبارة عن رسائل غرام مجهولة العنوان في أغلب الأحيان، لكنها تصل إلى المعني بها دون الحاجة إلى عنوان محدد، لأنها بالأساس تحمل عناونيها بين طيات ومضامين الكلمات وأبيات الشعر. فهذا الشرق المؤطر بقيم روحية واجتماعية متأصلة في وجدان الشاعر، لاتسمح بانسياب العواطف والأحاسيس بحرية كاملة، بسبب قانون (العيب) وما يفرضه من سيادة كاملة على الشاعر والمرأة. وبعيداً عن عالم الشرق وقيمه السائدة عبر الزمن تجاه الشاعر والمرأة، يرفض عالم الغرب تلك القيم ولايعترف بقانون (العيب) وينظر للمرأة بكونها إحدى الكائنات المشاركة معه في هذا العالم. ولاتشكل المرأة لبعض الشعراء في الغرب محوراً أساسياً يستمدون منها الوصف العاطفي والجمالي لخلق قصيدة الغزل، حيث ينظر إلى العناصر الأخرى في الطبيعية والكون بكونها أجمل وأكثر استحقاقاً للغزل وتمنح الشاعر فضاءاً أوسع وأكثر شمولية للتعبير عما يخلد في وجدانه من وصف جمالي وشعوري من عنصر المرأة ذاتها. كتب ((ديفيز)) قصيدة غزل غاية في الجمال عن مكونات الكون، حيث عبر عن شكل العلاقة العاطفية بين مكونات الطبيعة والكون واصفاً آلياتها بلغة غزلية تفيض منها العاطفة قائلاً: " انظري.... إلى هذه الأزهار ذات الجمال البديع هذه الجواهر التي تتزين بها الأرض عندما تتجاسر الشمس الشابة فتطارحها الغرام انظري...كيف أنها تميل بأجسادها الرخصة هنا وهناك؟ حالما يتناهى إلى سمعها صفير الرياح ورغم أن رقصها لايتبع إيقاعاً منتظماً لكن موسيقاها غالباً ما تجعلها تتبادل القبلات ما الذي يحدو بالكروم الملتفة حول شجر الدردار لأن تتراقص ما بين التفاف واحتضان ما الذي يحث حجر المغناطيس على أن يدفع صوب الشمال بطرفه المدبب، وكأنه عثر في ذلك الموضع على مصدر جذب يئوب إليه ويرتد إن الطبيعة الرقيقة تغرس المحبة في الأشياء جميعاً والمحبة تحثها على الرقص، وعلى التحرك في نظام بديع". هذه التوليفة من الغزل الجميل لمكونات الطبيعة، أسقطت السمة المطلقة في عالم الشرق لعنصر التأنيث المؤطرة بالمرأة ذاتها باعتبارها المنهل الأساس لإثارة العاطفة والوصف الجمالي لدى الشاعر. إن التأمل والانفتاح غير مؤطر لرؤية الشاعر وإحساسه العميق بمكونات الطبيعة الأخرى، يؤشر حالة من التفاعل والتعاطي الايجابي مع سحر الطبيعة ومكوناتها ويرتقي بأحاسيسه وعواطفه لمراتب أسمى تربطه بأواصر حسية مع جميع مكونات الطبيعة الجمالية ولاتقتصر على عنصر واحد منها. وكلما تسامت المشاعر والعواطف أكثر، كلما بحثت عن عناصر أخرى تستمد منها الرؤية الجمالية في الوصف والغزل. وتلك العناصر الجمالية، لاتقتصر على مكونات الطبيعة ذاتها حسب، بل أنها تبحث عن سُبل أخرى خارجة عن إطارها. وقد تكون تلك السُبل مرئية وتؤدي إلى منافذ بعيدة عن المنظومة الأرضية نحو منظومة أكثر اتساعاً وجمالاً إلا وهي المنظومة الكونية. وقد تكون غير مرئية تبحث في مضامين النفس (الروح) باعتبارها عالم منفصل عن المنظومة الأرضية ويتربط أكثر بالمنظومة الكونية الخارجة عن إدراك منظومة التحكم (العقل) للكينونة الإنسانية ذاتها. يعبر عنها ((كَنت)) قائلاً:" شيئان يملانني إعجاباً، السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي والقانون الخلقي في نفسي". وحينما تسمو ذات الشاعر أكثر، ولايجد ما يحرك وجدانه في الغزل والوصف الجمالي في المنظومة الأرضية، يبحر بعواطفه وأحاسيسه نحو بحار المنظومة الكونية باحثاً عن إجابات لتساؤلات تثقل ذاته عن سرَّ بناء الكون والطبيعة ومكوناتهما ومساراتهما وموجبات العلاقة بينهما. وعن سرَّ إناطة المسؤولية بالإنسان للكشف والبحث في مكونات البناء للمنظومة الأرضية والكونية. يبحث ((جون درايدن)) عن سرَّ الكون وعلاقته بنظام التكوين للمنظومة الأرضية وعناصرها، ويجسد تلك العلاقة برؤية شاعرية غاية في الجمالي الوصفي المؤطر بلغة الغزل قائلاً: " لقد استمد هذا الكون وجوده من تألف الألحان ، ومن تألفها السماوي فحين كانت الطبيعة ترقد مطمورة تحت أكوام هذه الذرات المتنافرة عاجزة عن أن ترفع رأسها وإذا بالصوت المنغوم يسمع في الأعالي هيا.....أنهضي من رقادك أيتها الجثة الهامدة وما أن لبت البرودة والحرارة والرطوبة والجفاف النداء تواثبت إلى أماكنها في نظام دقيق وانصاعت لسلطان الموسيقى لقد استمد هذا الكون وجوده من تآلف الألحان، ومن تألفها السماوي وانتقل الكون ما بين النغمات المؤتلف، عبر النطاق النغمي إلى أن انتهى اللحن عند بني الإنسان". هذا الوصف الجمالي والغزل الكوني، لايمكن مقارنته إطلاقاً بالوصف الجمالي والغزلي لإحدى عناصر الطبيعة (المرأة) إنه إحساس وعاطفة متألقة وشاردة عن حدود التحكم العقلي. أنها منظومة مشاعر وعواطف كونية، يرددها عنصر من عناصر الطبيعة أخذلته الكلمات والهواجس والعواطف الأرضية عن التعبير. فأبحر في أعماق البحار الكونية باحثاً عن الكلمات واللغة ليستعير منها حاجته للتعبير عما يجول في خاطره من عواطف وغزل لعناصر أكثر جمالاً ورقة من جمال (المرأة) في الطبيعة ذاتها. معلناً عن انتهاء عصر التسلط لعنصر أرضي واحد على مناهل الوصف الجمالي والغزلي في وجدان الشاعر.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التأثيرات السلبية للفقر والجهل على المجتمع
-
استحقاقات الرئاسة القادمة
-
مَلكة الإبداع بين العبقرية والالهام والفطرة
-
قيم الراعي والقطيع السائدة في الكيانات الحزبية
-
الحكمة والحقيقة في الفلسفة
-
مراتب المعرفة عند الفلاسفة
-
ماهية الإحساس والمعرفة في الفلسفة
-
صراع القيم والمبادئ بين الفلاسفة والملوك
-
تأثير الاستبداد والعنف على اختلال أنماط السلوك الاجتماعي
-
دور علماء الاجتماع في تقويم المجتمع
-
موقف الفلاسفة من الحاكم والحكومة
-
العلم والجهل في المجتمع
-
تحرير الثقافة من الهيمنة والتسلط
-
الحكومة والشعب
-
التصورات اللاعلمية في الفكر الماركسي
-
مجالس الفلاسفة والعلماء مع السلاطين
-
الملوك والفلاسفة وتهمة الإلحاد
-
النظام الديمقراطي والسلطة السياسية
-
الفشل في تحقيق الذات وانعكاساته السلبية على المجتمع
-
العنصر الثالث لدعم الاستقرار والتوازن الاجتماعي
المزيد.....
-
سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 الجريدة الرسمية بعد أخر ال
...
-
المجلس الوطني يدين جرائم الاحتلال ضد المرأة الفلسطينية ويطال
...
-
وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع
...
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|