|
الاسلام والطقوس الجاهلية(الحلقة السادسة)
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 4057 - 2013 / 4 / 9 - 13:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفصل السادس الطقوس السياسية
الامامة تؤكد معظم المصادر السنية الى ان النبي مات ولم يحدد خليفة من بعده يدير دفة الحكم ويسيّر امور المسلمين . لكن الشيعة يقولون بل ان النبي قد عيّن خليفة قبل ان يغادر الحياة ويذهب الى ربه بعد اكمال مهامه ونشر رسالته . لذلك فقد عيّن ابن عمه وزوج ابنته فاطمة علي بن ابي طالب . وانا ارى ان رأي الشيعة هو اقرب الى العقل والمنطق ، لكنني لست هنا بصدد اثبات ذلك او نفيه . لكن جميع المصادر تشير الى ان المسلمين اجتمعوا في اليوم الاول لوفاة الرسول في سقيفة بني ساعدة واختاروا ابا بكر ليقود المهام بعد النبي . وسوف نفصل ذلك . يقول ابن قتيبة : لما قبض الرسول اجتمعت الانصار الى سعد بن عبادة ، فقالوا له : ان رسول الله قد قبض . فقال سعد لابنه قيس : اني لا استطيع ان اسمع الناس كلامي لمرضي ، ولكن تلق مني قولي فاسمعهم فكان سعد يتكلم ، ويحفظ ابنه قوله ، فيرفع صوته ، لكي يسمع قومه ، فكان مما قال بعد ان حمل الله واثنى عليه : يا معاشر الانصار ان لكم سابقة بالدين وفضيلة في الاسلام ليست لقبيلة من العرب ، ان رسول الله لبث في قومه بضعة عشرة سنة ، يدعوهم الى عبادة الرحمن ، وخلع الاوثان ، فما امن به من قومه الا قليل ، والله ما كانوا يقدرون ان يمنعوا رسول الله ، ولا يعرفوا دينه ، ولا يدفعوا عن انفسهم ، حتى اراد الله تعالى لكم الفضيلة ، وساق اليكم الكرامة ، وخصكم بالنعمة ، ورزقكم الايمان به وبرسول ، والمنع له ولأصحابه والاعزاز لدينه ، والجهاد لأعدائه ، فكنتم اشد الناس على من تخلف عنه منكم ، واثقله على عدوكم من غيركم ، حتى استقاموا لأمر الله تعالى طوعاً وكرهاً ، واعطي البعيد المقادة صاغراً داحراً حتى اثخن الله تعالى لنبيه بكم الارض ، ودانت بأسيافكم له العرب ، وتوفاه الله تعالى وهو راض عنكم قرير العين ، قشدوا ايديكم بهذا الامر ، فأنكم احق الناس واولاهم به. فأجابوا جميعا : ان قد وفقت في الرأي واصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت توليتك هذا الامر ، فانت مقنع ولصالح المؤمنين رضا ( ) . ولما جاء الخبر ابا بكر فزع اشد الفزع ، فخرج بصحبة عمر بن الخطاب متوجهاً الى السقيفة ، وفي طريقهما لقيا ابي عبيدة بن الجراح ، فانطلقوا جميعهم حتى دخلوا السقيفة ، وحدث بين القوم كلام طويل كل منها يدلو بدلوه ويبين وجهة نظره حتى انتهى الامر بتولي ابي بكر امور المسلمين فكان اول خليفة بعد النبي . حدث كل هذا بدون حضور بني هاشم لانهم كانوا مشغولين بتجهيز رسول الله حتى مواراته الثرى . * * * * * * وتعد الحكومة الراشدة (الخلفاء الراشدين) اي فترة حكمهم ، فترة ذهبية حيث سادت العدالة واتسعت اطار النهضة الاسلامية وجرت بعض الفتوحات ، وزاد عدد الجيش الاسلامي ، وتعدد جوانب عديدة ومهمة منها اجتماعية واقتصادية لولا الحروب الداخلية التي اقضت مضجع المجتمع الاسلامي آنذاك وشغلته في امور وقضايا هو في غنى عنها . وبعد نهاية فترة الخلفاء الراشدين تحول الحكم الى ملك ولم يلتزم الحكماء بمبدأ الشورى الذي سنه عمر بن الخطاب والذي بموجبه يحدد المسلمون الخليفة الذي يدير شؤونهم السياسية (امور الدولة) ويعد معاوية بن ابي سفيان اول من خرق بنود مبدأ الشورى . معاوية تسلم الحكم بدون مشورة المسلمين ، بل قد حصل عليها ونالها (الخلافة) نتيجة حروب طاحنة امتدت لفترة طويلة ما بين الحكومة المركزية بقيادة علي بن ابي طالب وجيش الشام الذي رئيس اركانه معاوية بن ابي سفيان . وقد امتدت هذه الحروب الى تولي الحسن مهام الدولة بعد ابيه علي بن ابي طالب الذي قتل بسيف لبن ملجم . وما لبث الحسن الا ان تنازل عن الخلافة الى معاوية لم ينقد تلك الشروط . ومعاوية عندما شعر بدنو اجله لم يغادر الحياة الا ان نصب ابنه يزيد خليفة من بعد ، وهناك من المسلمين من هو افضل منه بحد قول كثير من المؤرخين . واستمر الحكم الاموي ردحاً طويلاً من الزمن الى ان انهار بانقلاب عسكري قاده بني العباس وقد نجح هذا الانقلاب لان المجتمع الاسلامي في العهد الاموي كان مهيئ لان عاصفة تريد ان تقلع ذلك العرش . ويقول الاستاذ عارف تامر : كان المجتمع الاسلامي في العهد الاموي يسير في طريق مظلم يؤدي الى مخدر سحيق يكمن في ارجائه الفناء المحتم ، وكان شبح الزوال يطل بوجهه الجاهم منتظراً فريسته الوديعة السائرة الى الهدف بخطى مرتجفة واهنة . ان الدولة الاموية الحاكمة العربية النزعة والطابع كما هو جلي وواضح في تاريخها ، لم تكن تعتمد الا على العناصر الخالصة التي تنحدر من اصل عربي او تشعر بما يملك عليها حواسها وافكارها ، وعلى الرغم من خضوع الشعوب الاسلامية غير العربية اليها ، فلم يعن بنو امية بغير قومهم العرب ، وكانوا معاول هدم في كيان الدولة الاموية ( ) . * * * * * * * * * * * * قال الماوردي : ( الامامة موضوعة لخلاف النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمن يقوم بها في الامة واجب بالأجماع وان شاد عنهم الاصم . واختلف في وجوبها هل وجبت بالعقل او بالشرع . فقالت طائفة وجبت بالعقل لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين وهجماً مضاعين . وقد قال الافوه الاودي : لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة اذا جهّالهم سادوا وقالت طائفة اخرى بل وجبت بالشرع دون العقل لان الامام يقوم بأمور شرعية وقد كان مجوزا في العقل ان لا يراد التعبد بها فلم يكن العقل موجبا لها . وانما اوجب العقل ان يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظلم والتقاطع ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل فيتدبر بعقله لا بعقل غيره ولكن جاء الشرع بتفويض الامور الى وليه في الدين ، قال الله عز وجل : (يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) النساء / 59 . ففرض علينا طاعة ولي الامر فينا وهم الائمة المتآمرون علينا ) ( ) . على ان الآية لم تثبت على ان معناها اطاعة الحكام والولاة ، ولو ان كثيراً من المفسرين حملوها على ظاهرها لكن الاهواء والميول السياسية انحت بهؤلاء على المنحى الذي اراده الحكام والسلاطين ، وهذه هي عادة الوعاظ قديماً وحديثاً . فالقسم الاكبر من المفسرين قد فسروا (اولى الامر) بان المقصود بهم علماء الدين لانهم الامناء على العلم ونقله ، لذلك فان طاعتهم من هذا الجانب تعتبر واجبة لأنها طاعة لله وامثال لأوامره ونواهيه ، فليس من العقل ان يأمرنا الله بإطاعة حكام الجور الذين يشهد تاريخهم بذلك .
الشورى من المعلوم ان الاسلام قد اكد على مبدأ الشورى كنظام سياسي يدير دفة الحكم ويسير قضايا الدولة بما ينسجم ومعطيات الحياة بكل اوجه . يقول الاستاذ عبد القادر عودة في كتابه (التشريع الجنائي الاسلامي) بحسب ما ينقل عنه خليل عبد الكريم : (جاءت الشريعة الاسلامية مقررة لمبدأ الشورى في قوله تعالى : ( وامرهم شورى بينهم ) ، الشورى /83 ، وفي قوله : (وشاورهم في الامر ) آل عمران / 159 ، ولم يكن تقرير النظرية نتيجة لحال الجماعة ، وقد كان العرب في ادنى دركات الجهل وفي غاية التأخر والانحطاط وانما قررت الشريعة النظرية لأنها قل أي شيء من مستلزمات الشريعة الكاملة الدائمة المستعصية على التبديل والتعديل ، ولان تقرير النظرية يؤدي الى رفع مستوى الجماعة وحملهم على التفكير في المسائل العامة والاهتمام بها والنظر الى مستقبل الامة نظرة جدية والاشتراك في الحكم بطريق غير مباشر جدية والاشتراك في الحكم بطريق غير مباشر والسيطرة على الحكام ومراقبتهم ، فالنظرية اذاً مقررة لتكميل الشريعة ولتوجيه الجماعة ورفع مستواها) ( ) . ويرد خليل عبد الكريم على هذا الكلام بقوله : (فليس صحيحاً ان العرب كانوا ادنى دركات الجهل وفي غاية الانحطاط ، فقد سبق ان ذكرنا ان العرب لو كانوا كذلك لما جادلهم القرآن بل ولما نزل القرآن مخاطبا اياهم ولا نريد العودة الى اثبات فساد نظرية انحطاط العرب قبل الاسلام بعد ان اوردنا العديد من الادلة كما انه ليس صحيحاً ما قرره استاذنا عودة من ان تقرير نظرية الشورى لم يكن نتيجة لحال الجماعة فلا علم الاجتماع ولا الوقائع التاريخية يقبلان هذا القول ) ( ) . ان حكم عبد القادر عودة على عرب ما قبل الاسلام على انهم كانوا منحطون حكما لا يستند الى علمية ، وهو قول ناب وسطحي ناتج عن تعصب اعمى مقيت ، فلو ان عودة دقق في المصادر التاريخية وتأمل قليلاً وتجرد عن عواطفه لرأى عكس ذلك تماما . ان عرب ما قبل الاسلام كانوا يتمتعون بخصال وصفات حميدة كثيرة مثل السخاء ، الكرم ، الشجاعة ، النخوة ، اقراء الضيف ، اداء الامانة ، وغير ذلك من السجايا والخصال التي اقرها الاسلام واكد عليها ( وهكذا يثبت ان القول بان العرب كانوا في منتهى التأخر والانحطاط وان الاسلام جاء بالشورى ليحملهم على التفكير في المسائل العامة والاهتمام بها غير صحيح لا علمياً ولا تاريخياً ) ( ) .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاسلام والطقوس الجاهلية(الحلقة الخامسة)
-
الزحامات وتوزيع الحمير
-
الاسلام والطقوس الجاهلية (الحلقة الرابعة)
-
الاسلام والطقوس الجاهلية/الحلقة الثالثة
-
الاسلام والطقوس الجاهلية/الحلقة الثانية
-
الاسلام والطقوس الجاهلية/ الحلقة الاولى
-
انتخبوني قبل ان تفقدوني
-
الساسة :السفر يطيل العمر
-
اللوكي
-
البطاط في عصر البطاطة
-
كرة القدم افيون الشعوب
-
الحمار والثور والسياسة العراقية
-
نوال السعداوي مثال للمرأة العلمانية المتحررة
-
الافعال الناقصة
-
يابسة على تمن
-
اكراماً للسلاطين
-
الشعب: اضحك كرر ... اوعى تفكر
-
البطاقة التموينية : الجانت عايزة التمت
-
اطار ابو الريحة والعملية السياسية
-
حينما اكلت حماراً بحاله
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|