|
لكي لا ندخل عيادة الطبيب النفسي - الخطوة الاولى ( لا تقلّد الآخرين)
عصام عبد العزيز المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 4056 - 2013 / 4 / 8 - 23:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لكي لا ندخل عيادة الطبيب النفسي الأستاذ المساعد الدكتور عصام عبد العزيز المعموري – معهد إعداد المعلمين – بعقوبة – العراق .......................................................................................
الخطوة الأولى : لا تقلّد الآخرين
في عام 1992 جاءنا كتاب رسمي من وزارة التربية يطلب فيه ترشيح مدرسين من كافة الاختصاصات للتدريس في اليمن الشقيق وتقدمت مع باقي الزملاء للتنافس على نيل الإعارة للتدريس هناك حيث كان الإيفاد لليمن حلما" صعب المنال لانخفاض قيمة الدينار العراقي آنذاك حيث كان الدولار يساوي ثلاثة آلاف دينار عراقي ، وكان المطلوب مدرسا" واحدا" من كل اختصاص من كل محافظة وكانت المنافسة شديدة للحصول على الترشيح حيث كنت أقل المرشحين درجة حزبية وأقلهم خدمة وعلاقات مع ذوي النفوذ والتأثير وكان ترشيحي مستحيلا" في الحسابات التقليدية .. وتقدمنا إلى المقابلة وسئلنا السؤال الآتي : لماذا تريد الذهاب إلى اليمن ؟ من يسمع السؤال يظنه هينا" لكنه في الواقع لم يكن كذلك لأننا لو افترضنا أن الجميع أجابوا نفس الإجابة .. فمن سيكون المرشح للإعارة ؟ اخترت أن أكون آخر من يقابل لكي أستمع لإجابات الجميع وأتفرد بإجابة تميزني عن الآخرين . استمعت لإجابات الجميع وكانت على نمط واحد : ( أريد الذهاب لليمن بسبب المواقف القومية المشرّفة للقطر اليماني الشقيق ) . دخلت المقابلة وفي ذهني قرار أن أتفرد في الإجابة فسألني أعضاء اللجنة السؤال ذاته فكانت إجابتي كالآتي : ( أريد الذهاب لليمن لأنني أحلم أن يكون لي بيت مستقل في يوم ما فالذهاب لليمن يوفر لي هذه الفرصة .. وفي الوقت نفسه فأنا رجل يحترم مهنته ويعشقها حد التوحد فيها ولي هيبتي وتقديري أمام طلبتي فإذا بقيت في العراق فأضطر إلى ممارسة مهنة أخرى لا تليق بي كبيع الخضروات أو الحلاقة ... الخ مع احترامي لجميع أصحاب تلك المهن مما يؤدي إلى شرخ في الصورة التي رسمها لي طلبتي ) . قال لي المدير العام للتربية آنذاك : ( بارك الله فيك وأنت الوحيد الصادق في إجابتك ) ورشحت للإعارة رغم قلة سنوات خدمتي وتدني درجتي الحزبية .. وكان الفخر في ذلك بعد العناية الإلهية الى كتاب قرأته آنذاك تحدث فيه المؤلف عن مقابلة أجراها مع مدير التوظيف في إحدى الشركات العالمية حيث يقول هذا المدير بأنه أجرى مقابلات مع أكثر من ستين ألف طالب عمل وألّف كتابا" عنوانه ( ست طرق للحصول على عمل ) ولاحظ أنه بدلا" من الاسترخاء والتحدث بصراحة يلجأ المتقدمون للوظائف إلى إعطاء أجوبة يعتقدون أن أصحاب العمل أو المسؤولين يريدونها . ولكن ذلك لا يجدي نفعا" لأننا جميعا" لا نريد عملة مزيفة فأصحاب العمل يدركون أن إجابات المتقدمين للتوظيف متكلفة وليست حقيقية . ان تقليد الآخرين هو انتحار على المستوى الشخصي وان عدم الرغبة في أن نكون على صورتنا الحقيقية بدون تكلف هو السبب الرئيس لعقدنا النفسية وأمراضنا العصبية . في مقابلة تلفزيونية مع عميد أكاديمية الفنون الجميلة في دمشق يوما" ما قال : ( من أكثر المشاكل التي كانت تواجهنا هي اقناع الطلبة الجدد في قسم التمثيل بأن يمثلوا على سجيتهم دون تكلف ولكن المشكلة كانت بأن كلا" منهم يريد أن يقلد دريد لحام أو عادل إمام أو غيرهم من الأسماء اللامعة ) . ان الجمهور قد تذوق ذلك النوع من التمثيل وهو في لهفة لتذوق نوع جديد ذي نكهة جديدة . تقول ( كاس دايلي ) وهي مطربة أمريكية نقلا" عن كتاب ( كيف تتعامل مع الناس لدايل كارنيجي ) : ( كنت أتوق لأصبح مطربة لكن وجهي كان سبب تعاستي ففمي كان كبيرا" وأسناني بارزة وعندما قمت بالغناء أمام الجمهور لأول مرة في ناد ليلي حاولت أن أمط شفتي العليا لاخفاء أسناني وحاولت أن أبدو جميلة ولكني شعرت بأني سخيفة وشارفت على الفشل ولكن لاحظني رجل كان يستمع الى غنائي وأعجب بصوتي وقال لي : كنت أراقب أداءك وعرفت أنك تحاولين اخفاء اسنانك البارزة .. فلماذا تخفينها؟ افتحي فمك وسيعجب بك الجمهور عندما يعرف أنك لست خجولة .. هذا بالاضافة الى أن أسنانك البارزة التي تحاولين اخفائها لربما جلبت لك الحظ ) وبالفعل فان ( كاس دايلي ) عملت بنصيحته ونسيت شكلها التي تعتقد أنه قبيح وكانت تفتح فمها وتغني ولا تفكر بشيئ سوى جمهورها وتغني بسعادة لا نظير لها حتى أصبحت واحدة من ألمع نجوم السينما والاذاعة ويحاول ممثلو الكوميديا تقليدها . ان أفضل نصيحة أقدمها لمن يروم الحصول على صحة نفسية أفضل هي أن نعيش كل مرحلة عمرية كما هي بدون تكلف فالطفل الذي لا يلعب ولايمرح ولايتمتع بطفولته فهنالك خلل في طفولته وفي صحته النفسية ولكننا نتدخل في ذلك ونخلق لأطفالنا أنموذجا" نريد منهم تقليده ..ففي زيارة قمت بها لطلبتي الذين نعدهم ليكونوا معلمين وشاهدت أحدهم كيف يدرّس تلاميذ الأول الابتدائي حيث لاحظت هدوءا" تاما" في الصف الدراسي وكأنني في مأتم .. فكان يعاقب كل تلميذ يبدي ولو حركة بسيطة .. لا نريد تعليما" كهذا .. نريد أن تكون المدرسة مصدر متعة وبهجة لتلاميذنا .. وأفضل طريقة في هذه المرحلة هي التعلم باللعب . أما مرحلة المراهقة فليعيشها أبنائنا كما هي دون تكلف فان لم يعيشوها ستظهر لديهم ما يسمى بالمراهقة المتأخرة .. فان وجدت أبناءك يضعون صور نانسي عجرم وهيفاء وهبي وغيرها على جدران غرفهم ويحلقون شعر رؤوسهم وفق أحدث صيحات الموضة فلا تقلق .. فكلنا واكب هذه المرحلة وكنا نتصرف وفق متغيراتها آنذاك ورغم ذلك لم ننحرف .. ولا يعني ذلك عدم التدخل عندما أرى حالة شاذة تتطلب إصلاح الاعوجاج . يؤكد علماء النفس دائما" : ( كن نفسك مهما حدث ولا تقلد الآخرين ) وفي تربية الأطفال هنالك كاتب أمريكي شهير اسمه ( أنجيلو) كتب في مطلع القرن العشرين 13 كتابا" وآلاف المقالات التي تناولت تربية الأطفال يقول : ( ما من تعيس أكثر من الذي يتوق ليكون شخصا" آخر مختلفا" عن شخصه جسدا" وعقلا" ). وفي مقابلة تلفزيونية مع الشيخ أحمد الكبيسي قال فيها : ( كان أهلنا في الفلوجة يوقظون الأطفال في سن الرابعة أو الخامسة عندما يؤذن المؤذن لصلاة الفجر ويريدون منهم أداء الصلاة في الجامع .. انهم يريدون من الأطفال أن يصلوا في تقواهم وايمانهم الى الامام علي أو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهم في هذه السن المبكرة .. انهم يجعلون الأطفال يكرهون شيئا" اسمه الصلاة ) .
#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اشتقاقات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس الثامن
-
اشتقافات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس الثامن
-
اشتقافات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس السابع
-
اشتقافات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس السادس
-
اشتقافات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس الخامس
-
اشتقافات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس الرابع
-
اشتقاقات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس الثالث
-
اشتقاقات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس الثاني
-
اشتقاقات بعض الكلمات الانكليزية من جذورها - الدرس الأول
-
نعم لثقافة الاختلاف .. لا لثقافة الخلاف
-
بناتنا بين مطرقة العنوسة وسندان الزواج الفاشل
-
كتابان قد يغيران حياتك
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة الحادية عشرة
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة العاشرة
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة التاسعة
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة الثامنة
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة السابعة
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة السادسة
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة الخامسة
-
ذكرياتي في اليمن - الحلقة الرابعة
المزيد.....
-
شاهد رد فعل شرطيه تمتطي حصانا عندما رصدت رجلا يوزع المخدرات
...
-
مصر ترد على إسرائيل و-مخاوفها- من قوة الجيش المصري وتطوره ال
...
-
ألمانيا ـ تزايد حالات أمراض الجهاز التنفسي لدى أطفال المدارس
...
-
تعطيل مئات السيارات في ألمانيا ـ جزء من حرب روسيا الهجينة؟
-
كوريا الشمالية تؤكد أنها لن تساوم قط على أسلحتها النووية
-
مصادر إسرائيلية: الإفراج عن الرهائن من غزة اعتبارا من العاشر
...
-
مؤيدون لفلسطين يواجهون غالانت في نيويورك: -مجرم حرب لماذا تم
...
-
-روستيخ-: ميراج 2000 عفا عليها الزمن ولا يمكن مقارنتها بالمق
...
-
موسكو تعلن السيطرة على توريتسك في شرق أوكرانيا ولقاء -محتمل-
...
-
السودان بعد الحرب.. هل تستمر لعبة العسكر؟
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|