أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - فنتازيا التطوُّر















المزيد.....

فنتازيا التطوُّر


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 4056 - 2013 / 4 / 8 - 22:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



بعد نشر مقالي السابق بعنوان (شرح وتبسيط نظرية التطوُّر) على صفحات الحوار المتمدِّن (العدد 4012) بتاريخ 23 شباط الماضي، تلقيتُ عددًا من الرسائل على بريدي الإلكتروني، تحتوي على أسئلة تشي بعدم استيعاب البعض للنظرية، من حيث آلية التطوُّر وزمنه، فخطرت في بالي فكرةٌ، أظن أنَّها جيّدة، وجديدة، فعوضًا عن شرح النظرية بإعادة الزمن إلى الوراء، بحثًا عن الأسلاف، فإنَّه قد يكون من المُفيد سحب الزمن إلى الأمام، بحثًا عن الأجيال المُتوقعة، على أننا، كذلك، سوف نستعيض عن مصطلح (الطفرات الجينيَّة) بمُصطلح آخر أكثر شيوعًا وتداولًا، وهو (التشوُّهات الخَلقيَّة) علَّ ذلك يُفيد في فهم النظريَّة على الوجه الصحيح. ولابد لنا، قبل بدء رحلتنا الافتراضية في عوالم التطوّر، أن نتذكر أساسيات آلية التطوُّر التالية، لأنَّها غايةٌ في الأهميّة:
1) الطفرة الجينيَّة (التشوُّه الخَلقي) لا تعني التطوُّر بالضرورة، لأنَّ التطوّر لا يحدث إلا مع تراكم الطفرات الجينية (التشوّهات الخلقية).
2) التطوّر لا يحدث في الفرد، بل في المجموعة.
3) الطفرات الجينية (التشوّهات الخلقية) ليست بالضرورة مفيدة أو ضارة، ولابد أن تخضع لاختبار أداء ليتم التأكد من ذلك، وهو ما نُسمِّيه الانتخاب الطبيعي.

الآن، لو أخذنا الإنسان الحالي، بالصورة والشكل المعياري الذي نعرفه الآن (ولنطلق عليه اسم: إنسان A) فإننا سنجد ما يُميَّز الإنسان عن باقي الكائنات (وكذلك كل كائن حي عن بقيَّة الكائنات الحيَّة) هو مجموع سماته العامة التي تُحدد شكله، وهذه السمات محفوظة في شريط بروتيني اسمه (الحمض النووي DNA) وعند التكاثر يتم نسخ هذه المعلومات إلى الجيل الجديد، ولكن أحيانًا يحدث خطأ في نقل المعلومات الجينية المحفوظة في الحمض النووي، وهوخطأ نادر الحدوث، ولكنه يحدث، وعندها قد يحدث تشوه خلقي في الجيل الجديد، ونُسمِّيه تشوهًا لأنَّه يُشوه الصورة المعيارية المعهودة التي نعرفها، فإذا حدث تشوّه خلقي في أي مولود من مواليد إنسان A أدى إلى تكوَّن ثمانية أصابع في اليدين، فإنَّ هذا يعتبر شذوذًا، لأنَّ الطبيعي بالنسبة لإنسان A أن يكون لديه خمسة أصابغ في كل يد وليس ثمانية، ولكن هذا لا يُعتبر تطورًا، لأنَّ التطور يحدث فقط في المجموعة، وليس في الفرد.

وإذا قلنا أنَّ هذا المولود المُشوّه، كُتبت له الحياة حتى تزوَّج، ونجح في نقل هذه السمة الجديدة (التشوّه) إلى أبنائه، أوعلى الأقل أحدهم، بحيث أنجب أطفالًا يُشبهونه، بثمانية أصابع في أيدهم، وكبر هؤلاء الأطفال، وتزوجوا، وأنجبوا أطفالًا مُشوهين، وهؤلاء الأطفال كبروا وتزوجوا كذلك، وأنجبوا، أيضًا، أطفالًا مشوهين، وبدأت أعداد المشوهين تزداد بصورة مضطردة، فإنه سيكون هنالك نوعان من الإنسان: إنسان A المعياري (بخمسة أصابع) وإنسان B جديد (بثمانية أصابع) ولكننا، أيضًا لن يكون بإمكاننا اعتبار ذلك تطورًا، فالمسألة حتى الآن لم تخرج عن إطار التشوه الخلقي، ولنتذكر هنا أنَّ التطور يحدث بتراكم الطفرات الجينية (التشوهات الخلقية)، وفي حالتنا هذه مازالت لدينا تشوه واحد يتكرر فقط، وسوف يظل الأمر كذلك حتى يتم إخضاع هذه السمة الجديدة (الثمانية أصابع) إلى اختبار أداء، أو اختبار الكفاءة. بمعنى أن تكون هذه السمة ضرورة حياتية لابد منها، بحيث أن من لا يمتلك ثمانية أصابع من البشر سوف يموت.

بطبيعة الحال فإنَ اختبار الأداء أو الكفاءة هذا مُرتبط بعوامل كثيرة جدًا، كالمناخ ونمط الغذاء ونمط الإنتاج، ونمط الحياة، والعديد من العوامل الأخرى، فإذا فرض أيّ عامل من هذه العوامل نفسه على حياة الإنسان، فإننا سوف نجد أن إنسان A سوف ينقرض، بينما سيبقى إنسان B الذي كان عُرضةً للسخرية أو الشفقة أو التقزز من قِبل إنسان A وهذا هو قانون الانتخاب الطبيعي بكل بساطة: الكائن الأقل تكيفًا مع عوامل البيئة والطبيعة، المُتغيرة باستمرار، هو الأكثر عُرضةً للفناء.

الآن، إنسان B يستعمر الكوكب، وهو ما يزال يعتبر نفسه إنسانًا، فالفارق الوحيد بين إنسان A وإنسان B هو فقط في عدد أصابع اليدين. ومع مرور الوقت سوف يبدأ إنسان B بالتكاثر والتوالد، ويتم تثبيت موروثة الأصابع الثمانية، حتى أن الأجيال التي سوف تأتي بعد 100 نة مثلا سوف ترى أن الأصابع الثمانية أمر طبيعي، بل وضروري جدًا، لأنها تؤدي وظيفتها على أكمل وجه، وقد يعتقد كثير من أبناء ذلك الجيل أن الإله أبدع تصميم اليد البشرية على ذلك النحو لتتوافق تمامًا مع احتياجات الإنسان، بينما كبار السن من إنسان B، الذين سمعوا قصصًا من أجدادهم عن إنسان A ذي الأصابع الخمسة، قد يتندرون بذلك، مُستغربين كيف يُمكن للإنسان أن يكون بخمس أصابع فقط.

بعد مرور زمن طويل جدًا (لأنَّ الطفرات الجينية نادرة الحدوث) تضع إحدى نساء إنسان B مولودًا مُشوهًا، بشفةٍ أرنبية، وهو تشوه، لأنَه شذوذ عن الصورة المعيارية المألوفة. وإذا افترضنا أنَّ هذا المولود المسكين كُتبت له الحياة حتى تزوَّج، ونجح في نقل هذه السمة الجديدة (التشوّه) إلى أبنائه، أوعلى الأقل أحدهم، بحيث أنجب أطفالًا يُشبهونه، بشفاهً أرنبية، وكبر هؤلاء الأطفال، وتزوجوا، وأنجبوا أطفالًا مُشوهين، وهؤلاء الأطفال كبروا وتزوجوا كذلك، وأنجبوا، أيضًا، أطفالًا مشوهين، وبدأت أعداد المشوهين تزداد بصورة مضطردة، فإنه سيكون هنالك نوعان من الإنسان: إنسان B المعياري (بشفةٍ طبيعية) وإنسان C جديد (بشفةٍ أرنبية) ولكننا، أيضًا لن يكون بإمكاننا اعتبار ذلك تطورًا، فالمسألة حتى الآن لم تخرج عن إطار التشوه الخلقي، ولأنَّ التطور يحدث بتراكم الطفرات الجينية (التشوهات الخلقية)، وفي حالتنا هذه مازالت لدينا تشوه واحد يتكرر فقط، وسوف يظل الأمر كذلك حتى يتم إخضاع هذه السمة الجديدة (الشفة الأرنبية) إلى اختبار أداء، أو اختبار الكفاءة كما حدث للسمة السابقة. بمعنى أن تكون هذه السمة ضرورة حياتية لابد منها، بحيث أن من لا يمتلك شفةً أرنبيةً من البشر سوف يموت، لأنه لن يكون قادرًا على الأكل مثلًا.

بعد اختبار الأداء القسري والمرير هذا سينقرض إنسان B ليبقى إنسان C الأصلح للبقاء والأكثر تأقلمًا، وسوف تُصبح سمة الشفة الأرنبية سمةً معيارية بعد أن تم تثبيتها أخيرًا، وبهذا يكون إنسان C قد ابتعد عن إنسان A بسمتين، بينما سيكون إنسان B هو الأقرب شبهًا به، وهكذا في كل جديد تظهر سمة جديدة، تُبعد إنسان ذلك الجيل عن إنسان A الذي هو نحن، وتطلب هذه العملية سنوات طويلة جدًا قد تصل إلى ملايين السنين.

وعلى هذا النحو إذا افترضنا أنَّ إنسان C أنتج تشوهًا جديدًا، كالغزارة في مُعدل نمو شعر الجسم، وتم نقل هذه السمة إلى جيل جديد بذات الطريقة السابقة، ونتج عن ذلك إنسان D وحدث تشوه في أحد مواليد إنسان D كطول بارز جدًا في الأذن وتم نقل هذه السمة إلى جيل جديد، ونتج عن ذلك إنسان E وحدث تشوه في أحد مواليد إنسان E وليكن مثلًا السير على أربعة قوائم، كما حدث مع العائلة التركية التي تمشي على قدميها ويديها معًا(1) ونتج عن ذلك إنسان F ثم تشوه آخر في إنسان F أدى إلى بروز ذيل، كذلك الطفل الهندي(2) وغيره، ونتج عن ذلك إنسان G ثم تشوه آخر في إنسان G ليختلف شكل الأنف مثلًا بصورة ملحوظة وغريبة، لينتج عن ذلك إنسان H ولنتوقف عند هذا الحد أو هذا الجيل.

الآن، حاولوا أن تجروا مُقارنة بين إنسان A والذي هو نحن، وإنسان H الذي يمتاز بمتاز بما يلي:
1) له ذيل
2) له شعر كثيف في جسمه
3) يمشي على أربع
4) له شفة أرنبية
5) له أذن غريبة وطويلة
6) له أنف غريبة
7) له ثمانية أصابع في يديه (أحد قوائمه)

هل بالإمكان إطلاق مُسمى إنسان على إنسان H؟ والآن، ماذا إذا حاول أحد أفراد إنسان H البحث عن أسلافه، وعثر على صورتي مثلًا، وقال للجميع من أبنا جيله: هذا أحد أسلافنا القدماء، فهل سيتقبلون منه ذلك؟ سنكون، بالنسبة إليهم، كائنات مُضحكة ومقززة، فنحن بخمسة أصابع فقط، وشعر قليل جدًا في أجسادنا، مُقارنة بهم، ومنظر شفاهنا مُختلف، وكذلك منظر أنوفنا وآذاننا، كما أننا بلا ذيل، وفوق كل ذلك فنحن نمشي منتصبين، ياللسخرية.

إن سبب رفضنا لفكرة تطوّر الإنسان، قريب جدًا من هذا التصوّر الفنتازي، ويتطلب الأمر قدرًا كبيرا من الشجاعة للإقتناع بذلك، وقدرًا أكبر من الثقة بالعلم، فالعلم لا يُجاملنا، ولا ينبغي له ذلك. هذا هو التطور ببساطة: تراكمٌ من الطفرات الجينية على مدى سنوات طويلة جدًا، ولكم أن تتخيلوا أننا يومًا ما سوف نخضع لاختبار أداء أو كفاءة (انتخاب طبيعي) وستأتي أجيال أخرى بعد ملايين السنوات لتنكرنا وتتبرأ منَّا كما نتبرأ نحن الآن من أسلافنا، لا لشيء إلا لأنهم لا يُشبهوننا، أو لأننا مُصابون بالغرور.


=============
(1) http://www.youtube.com/watch?v=fN_P0Qgc12A
(2) http://www.youtube.com/watch?v=BzR-J3C711M



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دردشه فقهية: تعدد الزوجات
- خرافة التكليف الإلهي للإنسان
- كوانتم الشفاء
- شرح وتبسيط لنظرية التطوّر
- لا تناظروا المسلمين حتى ...
- العلم من وجهة النظر الدينية
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 3
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 2
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 1
- بين موت المسيح وقيامته
- تفسيرٌ غير مُقدَّس لنصٍ مُقدَّس
- تأملات في العقيدة المسيحية
- عن المسيحية والبالتوك - 6
- عن المسيحية والبالتوك - 5
- عن المسيحية والبالتوك - 4
- عن المسيحية والبالتوك - 3
- عن المسيحية والبالتوك - 2
- عن المسيحية والبالتوك - 1
- لماذا الله غير موجود؟
- في نقد شعار: الإسلام هو الحل


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - فنتازيا التطوُّر