|
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (13)
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 11:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هوية الأطراف الخربة - المحاصصة الحزبية والطائفية السياسية
إننا نعثر في ارتباط التحول من التوتاليتارية والدكتاتورية إلى الديمقراطية بقوى خارجية على حالة "نموذجية" عن مهزلة التاريخ العراقي المعاصر ومأساته في الوقت نفسه. إنها مأساة الدولة والمجتمع والأحزاب السياسية والنخب والفكر والتفكير. فهي مأساة للمجتمع من حيث تجريده من كل معنى لوجوده بوصفه اجتماعا بشريا، ومن ثم اغترابه عن ذاته بوصفه مصدرا شرعيا للسلطة. وفي هذا تكمن حلقة المأساة المكملة في الدولة، التي لم تعد أكثر من أداة للقمع السافر والابتزاز غير المتناهي ضد ابسط مقومات الوجود الاجتماعي للبشر. مع ما ترتب على ذلك من انحسار للحياة السياسية والحزبية بحيث جعل من الاثنين مجرد دمى بيد القدر والمكر والخبث والغريزة. من هنا تخريب الدور الروحي والمعنوي للنخب الفكرية في توجيه الدولة والمجتمع والأحزاب، مع ما ترتب عليه من انحسار لحقيقة الفكر والتفكير. بحيث تحولت أجهزة القمع المتلفعة باسم الدولة، والمجتمع المجرّد من كل تحصين حقوقي، والقوى السياسية المتهرئة بحزبيتها الضيقة، إلى كتلة متراصة في مواقفها الصلبة من حرية الإبداع المطلقة. أما النتيجة فهي شموخ متعجرف للرذيلة والمكر السياسي والعقائدية الفجة، أي لكل ما يواجه حقيقة الفكرة الديمقراطية من حيث كونها نظاما شاملا للدولة والمجتمع والثقافة. وفي هذا تكمن مأساة العراق المعاصرة ومهزلة صعود القوى السياسية التي لا نشم من زفيرها غير رائحة الطائفية العفنة. وفيما لو وضعنا هذه الصيغة الأدبية بمعايير الرؤية السياسية الواقعية، فإنها تعني أولا وقبل كل شيء، أن العراق وقواه السياسية يعانيان فيما يتعلق بالمشروع الديمقراطي من حالة انحطاط شامل. وهو انحطاط مرتبط أساسا بسيطرة الراديكالية السياسية والحزبية وتقاليدها المتخلفة على العمل الاجتماعي وفكرة الدولة والنظام السياسي. وفي هذا يكمن سر هزيمة المشروع الديمقراطي واستحالة تحقيقه في ظل سيادة القوى السياسية الحالية. فهي قوى لا تشكل الديمقراطية بالنسبة لها أكثر من لفظة قابلة للتأويل المتحزب والانصياع إلى نزوات وعقائد تتعارض من حيث الجوهر مع حقيقة الديمقراطية. فحقيقة الديمقراطية لا تتقبل أي شكل من أشكال التحزب الضيق والقومية الضيقة والعرقية والتوتاليتارية الدينية منها والدنيوية. بل إنها تعارض وتتعارض بصورة تامة مع هذه الأشكال جميعا. من هنا لم يكن المشروع العملي "لديمقراطية" المحاصصة السياسية سوى الوجه المحسن للطائفية السياسية. وهو مشروع لا يعمل من حيث مقدماته ووسائله وغاياته إلا على إفشال المشروع الديمقراطي الجديد في العراق وتأسيس التاريخ الفعلي للدولة الشرعية. وضمن هذا السياق لا تفعل هذه القوى إلا على إفشال المشروع الديمقراطي في العراق. بمعنى إنها تسير ضمن نفس المسار العام للخروج على حقيقة الدولة الشرعية والنظام السياسي الديمقراطي والثقافة الحرة. أما النتيجة في ظروف العراق الحالية فهي مجرد تأجيل المشروع الديمقراطي لا إلغائه، وذلك بسبب طبيعة التحول التاريخي الهائل الذي جرى في العراق على مستوى الدولة والسياسة والفكر والروح. وليس المقصود بتأجيله هنا سوى تعرجه في مسارات البحث عن مخرج أكثر واقعية وعقلانية تكفل تخفيف كمية ونوعية الدماء المهدورة وحجم التضحيات والمآسي التي قدمها العراقيون على مدار نصف قرن من سيطرة مختلف أشكال الهمجيات. ومن ثم لا يعني تداخل المثلثات الهمجية السنية والشيعية والكردية وغيرها في ظروف العراق الحالية سوى الذروة التي بلغها الانحطاط من اجل اندثارها الحتمي. فهي مثلثات لا تفعل في الواقع إلا على "تراكم" التخلف وتفعيله بالشكل الذي يجعل زوالها أمرا ضروريا، كما فعلت الصدامية التي عملت في كل زمنها المرير على صنع تاريخ الوعي الدفين القائل بضرورة زوالها واندثارها التام بوصفها رذيلة مطلقة. وهو الشيء الذي سوف يحصل بالضرورة لهذه الهمجيات الجديدة التي يعمل كل منها بقواعد المؤامرة والمغامرة المميزة لقدره وأقداره، كما نراه في مؤازرة القومية الصغرى (الكردية) للطائفية الكبرى (الشيعية) وتجاذب الطائفة المهزومة (السّنية) بطائفية شرسة (سنية سلفية صدامية!). وهي مؤازرة عفوية، بمعنى أنها تعمل من خلال تصارعها العنيف والدموي على الاشتراك في خيانة الفكرة الديمقراطية وتخريب حقيقة البديل الديمقراطي في العراق. وهي خيانة يكمن الكثير من جذورها في التاريخ المشوه للدولة العراقية المعاصرة وكيفية تبلور اغلب قواها السياسية. فقد كان هذا "التاريخ" في اغلبه مجرد أزمان متقطعة، بمعنى حلقات مفككة بعثرت تجاربه الذاتية، مع ما ترتب عليه من إهدار مستمر كان يبعثر ويخرّب بصورة دائمة صنع تقاليد عقلانية متراكمة فيما يمكنه أن يكون وعيا ذاتيا وتاريخيا للعراق وقواه الاجتماعية والسياسية. وتجسدت هذه التجسدت بصورة جلية في غلبة النزوع الراديكالي في الوعي والممارسة السياسية والاجتماعية والفكرية. من هنا سيادة نفسية وذهنية المؤقت، التي لم تتخلص منها القوى المعارضة للصدامية. بل نراها تستفحل ضمن ما ادعوه بنفسية الغنيمة وتقاليد المؤامرة والمغامرة المميزة لها والعراق عموما. وهي حالة نعثر عليها في صعودها الطارئ إلى الحكم وتفننها في تحويل المؤقت إلى ثابت في أسلوب الحكم والترقية والانتخاب والمحاصصة و"سن القوانين"، باختصار في كل شيء! بحيث جعلت من تثبيت المؤقت سياسة دائمة، في حين أن حقيقة الديمقراطية تراكم. من هنا كان وعيها وأسلوب ممارستها للديمقراطية يصب في إفساد حقيقتها، بمعنى العمل بحمية بالغة على صنع "ديمقراطية" طائفية وما يرافقها بالضرورة من "دمقرفة". وفي هذه الممارسة والرؤية تكمن دون شك فشلها المريع، بمعنى زوالها المحتوم. إذ لا يمكن بناء ديمقراطية مبتورة. فالديمقراطية هي نظام وليس محاصصة، ودولة وليس سلطة، ومجتمع وليس معشر، ووطنية وليس طائفية. بينما ليست الطائفية بشكل عام والسياسية بشكل خاص سوى الصيغة المبتورة للنظام والدولة والمجتمع والوطنية، أي لكل المكونات الضرورية لكينونة الأمم وتطورها المتناسق. وبالتالي ليست الطائفية السياسية سوى الصيغة المتناسقة لنفسية "الأقوام الصغيرة" كما نراها في قيادات شيعية ليست عربية، وكردية ليست عراقية، وسنية ليست عربية ولا عراقية بل جهوية همجية.ا كل ذلك يجعل من هذا "المثلث الهمجي" المترامي الأطراف في عراق اليوم قوة عابرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من سوء ورذيلة. من هنا أهمية وقيمة المشروع الديمقراطي الحقيقي البديل في العراق، أي المشروع المبني على أسس الرؤية الوطنية العراقية والشرعية والدنيوية (العلمانية) والواقعية العقلانية. وهو أمر يفترض بلورة أسس التقاليد السياسية القادرة على تذليل مختلف أصناف الطائفية السياسية من سنية وشيعية وقومية ضيقة وعرقية وشيوعية مزيفة (شيوعية الأقليات القومية والدينية). وهو بديل ممكن على أسس الفلسفة الثقافية للهوية الوطنية العراقية.
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (12)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني(11)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (10)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (9)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (8)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (7)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (6)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (5)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (4)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (3)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (2)
-
الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (1)
-
في نقد الراديكالية السياسية العربية (6)
-
في نقد الراديكالية السياسية العربية (5)
-
في نقد الراديكالية السياسية العربية (4)
-
في نقد الراديكالية السياسية العربية (3)
-
في نقد الراديكالية السياسية العربية (2)
-
في نقد الراديكالية السياسية العربية (1)
-
التصنيف العقلي والثقافي للفلسفة والأديان عند الشهرستاني
-
الفلسفة والكلام الإسلامي في منهج الشهرستاني
المزيد.....
-
أحمد الشرع يتعهد بتحقيق السلم الأهلي وإتمام وحدة الأراضي الس
...
-
إطلاق سراح ثماني رهائن إسرائيليين وتايلانديين من غزة، مقابل
...
-
ترامب حول إمكانية قبول مصر والأردن فلسطينيين من غزة: قدمنا ل
...
-
بيسكوف: لا اتصال بين بوتين وترامب بشأن حادث تحطم الطائرة في
...
-
القائد -الظل-.. من هو محمد الضيف؟ وما هي أبرز محطات حياته؟
-
إقبال كبير على المنتجات الروسية.. روسيا تشارك في معرض ليبيا
...
-
مبعوث ترامب: إعادة إعمار غزة قد تستغرق 10 إلى 15 عاما
-
الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة أم روابة بشمال كردفان
-
تقرير يكشف معلومة -غريبة- عن حادث مطار رونالد ريغان الكارثي
...
-
-الشبح- الذي طاردته إسرائيل لعقود.. من هو محمد الضيف؟
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|