أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن سرحان جاسم - المثقف والسلطة: جدلية العلاقة وحتمية الصراع















المزيد.....


المثقف والسلطة: جدلية العلاقة وحتمية الصراع


حسن سرحان جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4053 - 2013 / 4 / 5 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس من باب المصادفة أبدا أن يُذكرَ المثقفُ أينما ورد ذكرٌ للسلطة أو أحد تجلياتها ومظاهرها حتى غدا من الصعب على الوعي البشري الفصل بينهما الى درجة عُدت معها متلازمة السلطة/المثقف ضرورة رقصت على إيقاع تكرارها الكثير من الأيديولوجيات والنظريات. يستند التلازم بين الجانبين المكونين للتاريخ إلى وجود وشائج وعرى تمفصلٍ بينهما حدد ماهيتها، بشكل كبير، منطقُ التأريخ وطبيعةُ أنساق المعرفة التي تحكم آليات إنتاج الخطاب لدى كل منهما. على أساس اختلاف النسق المعرفي والتباين في فهم حركة التاريخ بنى المثقف، كما ستفعل السلطة بعد ذلك، منطقه الخاص القائم، أو هكذا يجب، على سمو الغائيات وتحكيم الضمير وتغليب القيم بمقابيل منطق القوة، المنضبطة حينا والمنفلتة أحيانا، التي ارتبط بها ميلادُ السلطة وتكرس على أسس ممارساتها جدل الصراع وحتمية المواجهة بينها، أي السلطة، بوصفها كيانا مراوغا يصعب السيطرة عليه وبين المثقف باعتباره نمطا خاصا من الوجود الإنساني الفردي تمتزج فيه قوى التاريخ وتتبدى في كينونته أرقى قدرات الكائن البشري الذهنية.

قبل الخوض في العلاقة بين المثقف والسلطة، ينبغي، كي نؤسس لفهم واضح لما سوف يلي، أن نحدد معنى "السلطة" ومعنى" المثقف" لننتقل، في مرحلة لاحقة، إلى البحث في العلاقة بينهما. معلوم أن للسلطة تفسيراتٍ صيغت بطرق مختلفة للاستجابة لأهداف متباينة تبعا لتباين مذاهب منظري السياسة وفلاسفة القانون. ولأن المقارنة بين هذه التفسيرات ليست من ضمن خيارات هذا العمل، سنترك جانبا تلك الخلافات والاختلافات كي نركز حديثنا بخصوص مفهوم السلطة على ذلك الذي يمنحها إياه ميشيل فوكو. سبب بحثنا عن مفهوم للسلطة لدى فوكو، يبرره كون هذا الأخير أعد تعريفا للسلطة يتجاوز بكثير رؤى القانون والسياسة التي ترى في السلطة كيانا أعلى ينشأ في الجماعة، يتولى حماية حريات الناس، وحفظ الأمن والاستقرار في الجماعة، وفي نفوس الأفراد.

يذكر فوكو في العديد من مؤلفاته سيما "المراقبة والعقاب" و"إرادة المعرفة" تعريفا بسيطا للسلطة لكنه بسيط بما يكفي لأن يزعزع كل المتبنيات المعرفية التي درجنا على وصف السلطة بحسبها. يرى فوكو أن السلطة عبارة عن علاقة قوى. أول ما يستوقفنا في هذا التعريف هو كون مفردة "قوى" قد وردت بالجمع. وهو أمر مقصود من قبل فوكو الذي لا يجد في السلطة جهازا تنفرد باستعماله الدولة أو الأفراد الفاعلون في جسد الدولة. بمعنى أن الدولة كمفهوم ثابت ومستقر ليس بإمكانها، وإن رغبت، أن تختزل السلطة ولا أن تحتكرها لا بواسطة مؤسسة جمعية (حزب، جماعة، تنظيم مسلح...الخ) ولا بواسطة ذات فاعلة تتوهم في نفسها امتلاك القوة. ما دامت السلطة تأبى أن تُختزلَ في مؤسسة أو في ذات فاعلة، فذلك يعني أن ليس بالإمكان الحديث عن مركز للسلطة فضلا عن سلطة للمركز. هذا المفهوم الفوكوي الأخير للسلطة ينأى بها عن حدود التصورات الماركسية التي ترى أن ليس غير الدولة بإمكانه احتكار السلطة. ذلك أن السلطة، وفق المفاهيم الماركسية، هي الدولة والعكس يصح بل لا شيء يصح غيره. إذا كان من غير الحق، وفق ما يرى فوكو، النظر إلى السلطة والدولة على أنهما تمظهران لمحتوى واحد، وإذا كان نفي الخاصية المركزية عن السلطة يجري مجرى البديهية لدى فوكو فلن يكون من المستبعد ان يعارض هذا الفيلسوف نظريات الحق الطبيعي في السلطة والتي تنظر الى هذه الأخيرة على أنها ملكية قارة أو مستقرة تنبع من ذات واحدة تمتلك القوة ترى في السلطة هبة إلهية من حقها احتكارها طالما أن الله (المعز/المذل) يهب ما يشاء لمن يشاء للمدة التي يشاء.

إن السلطة برأي فوكو "شيء" ينبجس في مكان وزمان معينين تتمازج في طيات وجودهما السرمدي مجمل القوى المنبثة في كل العلاقات الاجتماعية والرمزية المتصادمة. من هنا يأتي تفضيل استعمال مفردة "قوى" على "قوة" عند الحديث عن السلطة لدى فوكو. إذا كانت السلطة، وفقا لما يراه فوكو، قابلة للانشطار إلى قوى صغيرة تجد لها حضوراً في كل الجسد الاجتماعي بمكوناته المادية وغير المادية، تصبح إمكانية اصطدامها بالمثقف، الذي هو احد أهم إفرازات ذلك الجسد، واردة بل وحتى حتمية سيما عندما تكون السلطة السياسية قمعية، أي عندما تكون منتجة لخطاب يحث على تكميم الأفواه محتكرة لنفسها، بذلك، حق الكلام وكبح الأهواء والرغبات وممارسة التهديد بالموت. في ظل مناخ كهذا يبرز دور المثقف في التنوير وإثارة الوعي وخرق ما تفترضه السلطة واقعا والتأسيس لنسق معرفي ينطلق من بحثه عن إرادة الذات وفض التباسات وهم القوة الذي تحاول السلطة، دوماً، إسباغه على آلياتها ومؤسساتها وأدوات حكمها.

قبل أن نذهب بعيدا في تحليل العلاقة بين السلطة والمثقف، يجب علينا أن نجد وصفا لهذا الأخير. هناك وجهة نظر منتشرة، مع كونها غير صحيحة، مفادها أن كل من يمتلك مؤهلاً علمياً عالياً له أن ينتمي إلى طبقة المثقفين. غير إن الواقع يقول أن الكثير من أصحاب الشهادات العليا لا يتمتعون إلا بمعرفة قاصرة ومتواضعة لا تسمح لهم بالانتماء إلى شريحة يفترض بوعيها أن يكون كونياً. ذلك أن الشهادة العلمية لا تضمن لصاحبها دائماً اكتساب المعرفة الذهنية المتميزة والمقدرة الخاصة على الاشتغال في مجالات الفكر بكل أنواعه. ورغم محدودية تأثيرهم على الجماهير إلا أن هؤلاء، وهنا يكمن التناقض، يشكلون حاجة بالنسبة للنظام السياسي، أي نظام سياسي على الإطلاق، الذي يشجع ويدعم تواضع ثقافتهم بهدف تسخيرهم والحصول على تواطئهم غير المشروط عندما يلزم الأمر. لكونهم أدوات خاضعة ومطيعة ومن غير كرامة يصبح نهازو الفرص الجبانة هؤلاء واجهة للنظام مهمتها الدعوة له وتبييض ما اسود من صفحاته أمام العامة. توجد فئة ثانية من المثقفين تمتاز بكونها أكثر إعداداً من سابقتها من ناحية التخصص الدقيق وامتلاك أدوات معرفية تمكنها من إنتاج خطاب نوعي مسيطر عليه مسخر لأغراض محددة. تلك هي فئة المثقفين الذين في السلطة. لهذا الصنف من المثقفين مهمة محددة تتمثل بخلع المشروعية على سلوكيات السلطة التي تحولهم، بوعي منهم أو بغير وعي، إلى دمى سياسية تنصاع للهيمنة وتنجر، شيئاً فشيئاً، لمنزلقات الاستلاب وفقدان الموضوعية. بقيت فئة ثالثة من المثقفين وهي تلك التي تشتمل على أناس يمتلكون، فضلا عن المعرفة الواسعة والثقافة العميقة المتنوعة المصادر، خصائص فكرية استثنائية تؤطرها أخلاقيات ثابتة تصنع منها منطقها الخاص الذي يؤهلها لإرساء أسس خطاب مختلف يمتلك القوة والسيطرة على العقول ويمكنها من ممارسة وظيفتها الحقيقية وسط الجمهور.

يملأ المثقف، في مجتمعه، وظيفة خطرة تتمثل بأنه شاهد على عصره. ليس شاهدا سلبيا وغير مبال بل شاهد حي وفعال يدلي بشهادته أمام التأريخ باسم الحقيقة والعدالة. بحسب طبيعة هذه الشهادة، يستطيع الناس تمييز المثقفين الحقيقيين الذين ليس بإمكان اية سلطة سياسية او من اي نوع كانت تسخيرهم لصالحها. ذلك أنهم يتبعون صوت ضمائرهم كيفما كانت المخاطر ولهذا السبب لا يدعون أنفسهم تنقاد لحقائق جاهزة مفروضة من الأعلى. لأجل هذه الصفات ينظر المجتمع إلى هؤلاء المثقفين على أنهم نماذج مثالية تمتلك قوة إشعاع فكرية تؤهلهم لقيادة الأمة. هل ينطبق ما سبق على الطبقة المثقفة العراقية؟

إزاء السلطة، ينقسم المثقفون العراقيون إلى ثلاث فئات. يلتئم في أولاها، باتفاق أو بغير اتفاق، المثقفون الذين يجيدون ممارسة لعبة علاقات غير متكافئة وبعيدة عن الثبات ومتحركة الى الحد الذي يسمح لهم بالبقاء متغيرين وغير مستقرين ومرنين ومخادعين مستترين خلف مؤسسات ذات واجهات ثقافية يبحثون فيها دائما عن المال السهل ويتخذون منها مطية للحصول على الوظائف السياسية التي توصلهم إلى غاياتهم الشخصية. يسخر مثقفو هذه الفئة معارفهم الفكرية للتقرب من السلطة والاشتغال على تبرير كل ما تنتجه وتزيين أخطاءها وتلميع صورتها. في سبيل ذلك، يكثر مثقفو هذه الفئة من المؤتمرات العامة التي يجمعون فيها منافقي السلطة ورجالاتها على أمل الاستفادة العابرة من بعض العوائد المالية من جانب أولئك الذين يتحكمون بمسار الأمور أو بهدف الحصول على تقديرهم في الاستحواذ على وظيفة مهمة في التشكيلات الحكومية المستقبلية. ولكون بعضهم من الأسماء المعروفة حتى من قبل العوام من الناس، فان مَنْ على هذه الشاكلة من المثقفين الذين لا يتحرجون من التزلف الذليل إلى رجالات الحكم، ينشرون الحيرة والارتباك ويشوشون بشكل أو بآخر على قناعات الناس وآرائهم. وهنا مكمن الخطورة التي يشكلها هؤلاء على المجتمع. توجد فئة ثانية من المثقفين مكونة من نساء ورجال يعملون في وظائفهم داخل منظومة الدولة أو خارجها دون الاهتمام بالسياسة مباشرة. بعض هؤلاء يعيشون حرمانا عميقا لكنهم يفضلون السكوت على المواجهة التي قد تجعلهم يخسرون ما هم فيه من حال. بعض هؤلاء يمتلكون أفكارا حذرة مستوحاة من تجاربهم أكثر من كونها طروحات محكمة البناء على المستوى النظري. هذا الصنف من المثقفين يعرفون غالبا ما يفعلون لكن ما يجهلونه هو الأثر الذي ينتج عما يقومون به من تغليب للدعة واستسلام لخدر الراحة وطلب السلامة الفردية على مستقبل البلد.
الفئة الثالثة من المثقفين تضم أشخاصاً استثنائيين ظلوا ثابتين في مسيرتهم وذلك بإصرارهم على البقاء أوفياء لخياراتهم وقناعاتهم المبدئية في متابعة طريقهم الخاص من اجل بناء عراق جديد أجمل من قبل وأكثر عدلاً وإنصافا مع المخلصين من أبنائه. بالتأكيد هم الآن منقسمون لكن التحامهم لن يتأخر لأنهم مدعوون إلى أن يتحدوا إن عاجلاً وإن آجلا. تقول حكمة صينية قديمة: الحكيم الحقيقي هو من يضع في حسبانه أن حيل الإنسان، ستطيح بها حيلُ الزمان. إن بلدا يأمل فض نزاعاته يجب قبل كل شيء أن يعتمد على رأس ماله من المثقفين القادرين على بث روح السلام بين الناس وتعزيز روح المواطنة لدى مكونات الشعب. هدف إستراتيجي كهذا يتضمن الإرادة لكنه يتضمن أيضا حساب الخطوات التي قد تصطدم بعقبات وبظروف وبمقاومات من نوع خاص من قبل السلطة أو من قبل من يتطوع لان يسدي لها خدماته حتى قبل أن تطلب منه ذلك.

بعد هذا التحديد السريع للمثقفين العراقيين، حان الوقت للقول أن المثقف الحقيقي هو الذي يستثمر طاقاته في مجال عمله من اجل بلده وتلك ليست مقدرة يتمتع بها البعض دون البعض الآخر. في كل الأحوال ليس المثقف الحقيقي من يفكر طيلة وقته ويتكلم ويكثر من المقالات والمؤتمرات وذلك بهدف أن يلفت الأنظار اليه. في عراق اليوم يجب أن يقوم فاصل عميق وحقيقي بين المثقفين الذين يتبعون مصالحهم الآنية والأنانية ولا أهمية للوسيلة لديهم وبين الذين يناضلون من اجل تحقيق السعادة لعامة الناس وإن كلفهم ذلك التعرض، قليلا أو كثيرا، لمضايقات السلطة.



#حسن_سرحان_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف والسلطة: جدلية العلاقة وحتمية الصراع


المزيد.....




- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن سرحان جاسم - المثقف والسلطة: جدلية العلاقة وحتمية الصراع