|
مصر بين الحلم و الكابوس
سمير نعيم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4053 - 2013 / 4 / 5 - 20:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت وسط الجماهير في ميدان التحرير ورقصت معها وهللت و هتفت لمصر حتي الصباح بعد الإعلان عن تخلي مبارك عن منصبه يوم 11 فبراير 2011 وفي الأسابيع التالية كنت دائم ألتجول في مختلف أحياء القاهرة و التردد علي ميدان التحرير أرصد و أسجل سلوكيات و أقوال الناس و الأهم من ذلك تعبيرات وجوههم . كان الجميع وبخاصة الشباب ممتلئين حماسا و وفرحا وانفرجت أساريرهم و حلت علي وجوههم الإبتسامة و التفاؤل محل العبوس و التجهم و اليأس و شاهدنا جميعا الشباب من الجنسين يقومون برفع المخلفات من الشوارع و الميادين و يكنسونها و يقومون بطلاء الأرصفة و يرسمون علم مصر علي أعمدة الإنارة و الأشجار و يملؤون ميدان التحرير و ميادين مصر كل جمعة مطالبين بالإسراع في تحقيق أهداف الثورة . ساد لدي كل الجماهير في مصر الإحساس بأنهم علي وشك تحقيق حلمهم المشروع بمجتمع يتحقق فيه رغد العيش و الحرية و الديموقراطية و الكرامة الإنسانية و العدالة الإجتماعية بعد ما قدموه من تضحيات و شهداء و مصابين . وكان لسان حالهم يقول : إذا كنا قد نجحنا في إسقاط نظام فهل سنعجز عن إقامة نظام بديل يحول أحلامنا إلي واقع فعلي معاش : واقع يجد فيه كل مصري مسكنا لائقا و عملا مناسبا لقدراته و بأجر يتناسب مع الأسعار وتعليم جيد لأبنائه و رعاية صحية بمستشفيات حكومية جيدة ومواصلات عمومية تصلح للإستخدام الآدمي و شوارع نظيفة جميلة بلا قمامة ومعاملة بالمصالح و أقسام الشرطة تحترم كرامة و حقوق الإنسان و يعامل الجميع علي أنهم سواسية بدون تمييز أو تفرقة . واقع ينتهي فيه الفساد و إهدار ثروات مصر وتشهد البلد فيه مشروعات تنموية عملاقة نخرج بها من الوادي الضيق نعمر الصحراء و نستثمر كل ما علي أرضنا من ثروات .واقع يفجر طاقات و ملكات شباب مصر مما ينعكس علي ارتقاء العلوم و الآداب والفنون و الثقافة و التكنولوجيا. و خرجت إلي النور مشروعات قومية كبري لتنمية مصر و استثمار مواردها مثل مشروع فاروق الباز و ممدوح حمزة وتحمس المواطنون لمناقشتها و المقارنة بينها. وفي خلال أقل من شهر تشكلت لجان شعبية لإعداد دستور يحقق الحلم المصري الذي قامت من أجله الثورة وشارك في مناقشة بنوده جهابذة القانون الدستوري و مختلف قطاعات الشعب. تبلور الحلم المصري و التف حوله الشعب وهو علي أتم الإستعداد لتقديم كل ما يمكنه تقديمه من أجل تحويل الحلم إلي واقع نعيشه. ووقفت القوي المعارضة للثورة وعلي رأسها رجال النظام الذي لم يسقط بمجرد إزاحة رئيسه بالمرصاد لهذا الحلم وصممت علي وأده لكي يحل محله كابوس مرعب مع الحرص علي ألا يفيق الشعب منه . وبدأت خطوات الإنقضاض علي الثورة ووأد الحلم بشكل ممنهج وبالتدريج .وكانت أول خطوة رفض مشروعات الدستورالثورية من قبل السلطة الحاكمة آنذاك التي ارتأت إجراء تعديلات علي الدستور الذي سقط بالثورة و أوكلت مهمة صياغة التعديلات لأهل الثقة من أعضاء التيار الإسلامي و دعوا لإستفتاء سريع علي التعديلات حيث أجري يوم 19 مارس 2011 أي بعد ما يزيد قليلا علي شهرمن تنحي مبارك وأقبل المواطنون علي الإستفتاء بشكل لم يسبق له مثيل وهنا تغاضت السلطة عن كل التجاوزات الممكنة للإخوان المسلمين ومن أهمها استخدام منابر المساجد لتوجيه المواطنين للموافقة علي هذه التعديلات حيث أن رفضها ضد الإسلام . وخطوة خطوة أخذ االشعب المصري يعيش كابوسا مخيفا مرعبا : بدأت حملات تشويه شباب الثورة و اتهامهم بالعمالة و البلطجة وتزامن معها عمليات القتل و الإعتقال وكشوف العذرية للمتظاهرات و المحاكمات العسكرية و إطلاق بلطجية النظام علي الشباب في تظاهراتهم واستشهد المئات بأعداد تزيد علي الشهداء حتي 11 فبراير 2011 وكما حدث في الإستفتاء علي التعديلات الدستورية خضعت انتخابات مجلسي الشعب و الشوري و كذلك اتنخابات الرئاسة والإستفتاء علي الدستور لكل التجاوزات من أجل فوز جماعة الأخوان المسلمين بالهيئتين التشريعيتين ثم برئاسة السلطة التنفيذية وبصياغة دستور علي هواهم و ما لبث الرئيس الذي تسلم السلطة في أوائل يوليو 2012 أن مارس سلطاته من أجل ما أطلق عليه أخونة الدولة و أخيرا انقض علي رموز الثورة و شبابها حيث تعرضوا للإعتقال بتهم ملفقة و لتحويلهم للمحاكمات كما تعرضوا لعمليات القتل و التعذيب و الإختطاف و الإصابات و الإغتصاب التي كان آخرها ما عرف بموقعة الإتحادية ثم موقعة المقطم وعلي رموز الإعلام الناقد و المعارض للرئيس و للإخوان و يعرض الآن علي مجلس الشوري الذي جعله الرئيس يمارس التشريع مع أنه في الأصل استشاري قانون التظاهر من أجل تحريم أو التحكم في المسيرات و الإعتصامات وهي أسلحة الثورة السلمية. و في الوقت الذي يمارس فيه نظام مرسي من القمع ما هو أبشع مما كان يمارسه نظام مبارك فإنه يتجاهل تماما معاناة الأغلبية العظمي من الشعب في حياتهم المعيشية اليومية التي تزداد سوءا كل يوم . و بدلا من رسم مشروع قومي تلتف حوله الجماهيرلتحقيق الحلم المصري جعل النظام بأجنحته المختلفة الشعب يعيش كابوسا مؤلما في كل مناحي الحياة. تزايدت حدة البطالة بين الشباب نظرا لتوقف المشروعات الإستثمارية و ضرب السياحة وأصيبت أسعار السلع الأساسية و بخاصة الغذائية وكذلك مستلزمات الإنتاج الزراعي بالجنون نظرا لإنعدام الرقابة و التغافل عن جشع التجارورفع أو تقليص الدعم تنفيذا لأوامر صندوق النقد الدولي مثل رغيف الخبز و البوتاجاز و السولار و البنزين و ازداد الفقراء فقرا و بؤسا وازداد تدهور كافة الخدمات كالمواصلات و النظافة و الصحة و التعليم والصرف الصحي و المياه و الكهرباء في كافة محافظات الجمهورية. الأخطر من ذلك كله سيادة الفوضي الأمنية وتداعي دولة القانون علي أيدي النظام فجرائم قتل المتظاهرين السلميين و إصابتهم و تعذيبهم و هتك أعراض النساء ترتكب جهارا نهارا و تسجل بالصوت و الصورة أثناء ارتكاب البلطجية لها ومع ذلك لا تتخذ السلطات أي إجراء ضدهم بينما يصدر النائب العام أوامر ضبط و إحضار لشباب الثورة و للإعلاميين المعارضين دون تحقيق معهم مما جعل ثقة التاس في القانون و مؤسساته تهتز و خاصة مع تفرغ الأجهزة الأمنية لقمع الثورة علي حساب الأمن العام للمواطنين مما أشاع جوا من الشعور بانعدام الأمن وجعل مواطنين يقومون بدور الشرطة و القضاء في آن واحد فيلقون القبض علي اللصوص و البلطجية و يعذبونهم و يقتلونهم سحلا و يمثلون بجثثهم و يفلتون من العقاب . بعد مايزيد علي العامين من الثورة حل الشعور العام بالكابوس المؤلم و المرعب و الخوف من تحوله إلي واقع دائم يفرض علي جموع الشعب محل الحلم الجميل بواقع جديد قابل للتحقق يساهم في صياغته كل إنسان علي أرض مصرو يتسم بالوفرة في الإنتاج و الرفاهية و بالعدالة الإجتماعية و انتهاء الإستهانة بالإنسان المصري و بكرامته في وطنه و في الخارج. إلا أنه ما من كابوس يمكن أن يستمر إلا في حالات مرضية عقلية نادرة مثل الميلانكوليا أو الإكتئاب الذهاني و من المؤكد تماما أن الشعب المصري أبعد ما يكون عن ذلك وقد أثبت منذ ثورة 25 يناير و ما قبلها من ثورات أنه قادردائما علي هزيمة صانعي الكوابيس وعلي استمرار النضال من أجل تحقيق أحلامه الواقعية و المشروعة فهو ليس أقل عزيمة من غيره من الشعوب مثل الشعب الفرنسي الذي قضي علي كوابيس عهد الإرهاب ( 17900-1794 ) بقيادة روبسبير ليحقق أحلام الثورة الفرنسية في الحرية و الإخاء و المساواة و إن غدا لناظره قريب .
#سمير_نعيم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطلوب حكومة للثورة فورا
-
بين القضية الفلسطينية و القضية المصرية
-
الرئيس و الجماعة و المجتمع
-
أصحاب الفخامة و المعالي رؤساء القوي السياسية المدنية
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|