|
لماذا تفشل بعض الثورات فى تحقيق أهدافها؟
أحمد سوكارنو عبد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 4053 - 2013 / 4 / 5 - 17:05
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تقوم الثورات لإحداث تغيرات جذرية فى المجالات المختلفة: اقتصادية وسياسية واجتماعية ويهدف القائمون بالثورات إلى انتشال البلاد من براثن الفساد والظلم والاستبداد. لم تمر أيام قليلة على ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير2011م حتى التقيت أستاذا كبيرا فى التاريخ. وقد بادرته بسؤال طالما ألح فى ذهنى: هل هذه الثورة سوف تنجح فى رفع اسم مصر إلى عنان السماء وهل سوف يحقق المصريون أهداف الثورة المتمثلة فى العيش والحرية والعدالة. جاءت الإجابة صادمة حيث قال الأستاذ إنه لا يعتقد ذلك لأن الثوار لم يتولوا مقاليد الأمور بل إنهم تركوا الميدان فور إعلان تنحى الرئيس مبارك كأن الهدف الرئيسى للثورة هو التخلص من مبارك وبعض أعوانه. وفى الواقع فإن قلبى يخفق بعنف كلما تذكرت هذا الحوار حيث تطغى مشاعر اليأس والحزن الشديد. لعل هذه المشاعر دفعتنى لقراءة أحداث ونتائج الثورات التى سبقتنا فى القرون السابقة.
من المعروف أن الفرصة الوحيدة لقيام نهضة حقيقية فى بلد ما غالبا تأتى بعد الثورات. فالولايات المتحدة الأمريكية التى تعتبر أعظم دولة فى هذا الكون لم تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم ونهضة ورخاء إلا بعد أن قامت بثورة فى 4 يونيو 1776م، ثورة ضد الظلم والقهر والاستعمار البريطانى. اللافت للنظر أن الأمريكيين لم يسارعوا بكتابة دستور وإقراره فى شهور قليلة بل ظلوا أكثر من عشر سنوات يكتبون الدستور. صحيح أن خلفية معظم السكان وجذورهم الأوربية ساعدت فى صياغة دستور فريد لكن يجب أن نشير إلى جهود الآباء الأوائل فى اللجوء لكتابات الفلاسفة الأوربيين من أمثال جون لوك وتوماس هوبز ومنتسكيو. لقد كان جفرسون (الذى أصبح رئيسا لأمريكا فى 1801م) يقضى الساعات فى مكتبات باريس ويرسل الكتب والمقالات إلى ماديسون (الذى أصبح فيما بعد الرئيس الرابع فى تاريخ أمريكا). وهكذا ظل الأمريكيون من دون رئيس حتى انتهوا من صياغة الدستور فى 1787م وراعوا أن يأتى الدستور توافقيا معبرا عن كل الإطراف المشاركة فى الصياغة. مثلا رأى البعض (أصحاب اقتراح أو خطة نيوجيرسى) أن يكون هنالك كيانا واحدا (يونيكاميرال) ممثلا للسلطة التشريعية بحيث تمثل كل ولاية بنفس عدد الأعضاء بينما رأى فريق آخر (أصحاب اقتراح أو خطة فيرجينيا) أن يكون تمثيل الولايات فى المجلس التشريعى وفقا لعدد سكان كل ولاية. وهذا الاختلاف فى الآراء أدى إلى قبول اقتراح مندوبى ولاية كونيكتيكت الذى جمع بين الاقتراحين، أى أن تكون السلطة ثنائية الكيان (بايكاميرال) .لعل هذا يفسر سر وجود مجلسى الشيوخ والنواب فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تتساوى الولايات فى عدد ممثليها (عضوان لكل ولاية) فى مجلس الشيوخ. أما فى مجلس النواب فإن الكثافة السكانية للولاية هى التى تحدد عدد ممثليها. فولاية كاليفورنيا مثلا يمثلها 53 عضوا فى مجلس النواب وعضوان فقط فى مجلس الشيوخ بينما يمثل ولاية أيداهو عضوان فى مجلس النواب وعضوان فى مجلس الشيوخ.
المثير للدهشة أن أول رئيس أمريكى يتولى إدارة الأمور وهو جورج واشنطن تم انتخابه فى عام 1789م أى بعد 12 سنة من قيام الثورة. وهذا الرئيس لم يبق فى السلطة سوى 8 سنوات، أى فترتين هذا رغم أن الدستور الذى تم صياغته لم يحتوى أية مادة تمنع ذلك. وحتى التعديلات العشرة التالية التى تم التصديق عليها فى عام 1791م لم تتضمن أية إشارة إلى تحديد مدة الرئاسة. وظل كل الرؤساء الأمريكيين يكتفون بالمدتين ولم يسع أى منهم إلى محاولة الترشح لفترة رئاسية ثالثة إلا فى الأربعينيات حين حصل الرئيس فرانكلين روزفلت (الرئيس رقم 32) على فترة ثالثة ليكون الرئيس الأمريكى الوحيد الذى قضى 12 عاما (1933-1945) فى البيت الأبيض. والسبب فى انتهاك العرف الذى انتهجه الرؤساء السابقون هو أن الحرب العالمية الثانية التى شاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية حالت دون إجراء انتخابات رئاسية لذلك اضطر روزفلت للبقاء فى الرئاسة حتى انتهاء الحرب. خشى الأمريكيون أن يحذو الرؤساء التاليون حذو روزفلت فى البقاء لقترة ثالثة لذلك أدخلوا تعديلا للدستور (التعديل رقم 22) فى عام 1951م الذى ينص على أنه لا يحق لشخص أن يقضى فى الرئاسة أكثر من فترتين (أى 8 سنوات فقط).
الجدير بالذكر أن هذه الثورة الأمريكية ألهمت الثورة الفرنسية التى قامت فى عام 1789م. الغريب أن الثورة الفرنسية لم تستفد استفادة كاملة من التجربة الأمريكية. واللافت للنظر أن الثورة الفرنسية التى قامت للقضاء على الملكية المطلقة قد تعثرت وتعرضت للكثير من العراقيل. فأول دستور فرنسى بعد الثورة تم إقراره بعد سنتين أى فى عام 1791م وبفضل هذا الدستور تحولت فرنسا إلى ملكية دستورية (أى الملك يتولى الرئاسة الشرفية للبلاد كما الحال فى المملكة البريطانية) ثم توالت الأحداث حيث تأرجحت فرنسا بين الجمهورية والملكية وهذا التذبذب واكبه تغيير الدستور أكثر من عشر مرات. ولم تستقر الأحوال إلا بعد إقرار دستور الجمهورية الخامسة فى 4 أكتوبر 1958م.
وإذا عدنا للحديث عن مصر فيمكن القول إن مصر سبق أن أضاعت فرصة العمر عقب ثورة يونيو 1952م. وكما كان متوقعا فإن ثورة يونيو أسقطت دستور 1923م (أشهر الدساتير المصرية) وتم إصدار إعلان دستورى فى 10 فبراير 1953م. وبعد فترة من الصراع على السلطة تولى الرئيس جمال عبد الناصر مقاليد الحكم واصدر دستور 1956م فى 16 يناير 1956م غير أن الوحدة بين مصر وسوريا أدت إلى إسقاط هذا الدستور ليحل محله دستور 1958م الذى أصدره رئيس الجمهورية فى 5 مارس. ولم يمر عامان حتى انفصلت سوريا من الوحدة فى سبتمبر 1961م ليضع نهاية لهذا الدستور الذى حل محله إعلان دستورى فى 27 سبتمبر 1962 ثم دستور مؤقت فى 24 مارس 1964م. وظلت الأمور على هذا الحال حتى صدر دستور 1971م فى عهد الرئيس السادات.
واستبشر المصريون خيرا بثورتهم الشعبية فى 25 يناير 2011م. لقد كان أمام مصر فرصة كبيرة لكى تنهض نهضة عظيمة لو أنها اتبعت الخطوات الصحيحة لإصدار دستور توافقي معبر عن جموع المصريين بكافة فئاتهم وعشائرهم وتجمعاتهم. كان لابد من قضاء الوقت الكافى لكتابة دستور قبل إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية. لماذا؟ لأن الدستور هو الذى ينشىء سلطات الدولة ويبين استقلالية كل سلطة عن الأخرى وفى نفس الوقت يبين أوجه اعتماد كل سلطة على الأخرى. مثلا تتولى السلطة التشريعية إصدار التشريعات والقوانين التى تقضى بها السلطة القضائية التى تصدر أحكاما متسقة مع هذه القوانين ثم تقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ هذه الأحكام. الخلل يحدث إذا قامت سلطة من هذه السلطات بالتدخل فى كتابة الدستور. فمن المتوقع عندئذ أن تقوم هذه السلطة بتعزيز وضعها فى الدستور على حساب السلطات الأخرى. وهذا يفسر لماذا فضل الأمريكيون أن يبقوا أكثر من عشر سنوات من دون انتخاب رئيس أو أعضاء كونجرس.
هل نأمل أن تصحح الثورة مسارها ليتحقق الوفاق والسلام بين أفراد الوطن الواحد الذى ينزف الدماء أم ستستمر الخلافات وتسود مشاعر الخوف وعدم الأمان، الخوف على مستقبل البلاد فى ظل أوضاع اقتصادية تزداد سوءا يوما بعد يوم مما يؤدى إلى اهتزاز البنية الاجتماعية للبلاد. وقى الله مصر شر العواقب.
#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر فى خطر
-
النوبة وكتالا: ماذا يريد النوبيون؟
-
درس هيكل بعد انتهاء الحصة
-
ثقافة العنف اللفظى فى مصر
-
أزمة قرارات الرئيس مرسى ودور المستشارين
-
ما الذى يحدث فى أرض الكنانة؟
-
مأزق الثورة المصرية
-
الشعب المصرى وانتخابات الثورة
-
قطار بلا سائق
-
بلد -عك فى عك-
-
من عجائب الدنيا: مرتبات أساتذة الجامعات المصرية
-
المناظرة التاريخية فى انتخابات الرئاسة المصرية
-
الحوار مع الشيطان
-
صراع المجالس فى مصر
-
ما الذى يحافظ على الكيان النوبى؟
-
مصير السودانين بعد الانفصال
-
الأقباط وقوة التحمل عبر التاريخ
-
المصريون بين الفسيخ والتفسخ
-
أنصاف الثورات مقابر للشعوب
-
كابوس الانتخابات
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|