|
شارع المُوازين و حرب الدلالات: تاريخ موضوعي للمقاومة
رضا كارم
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 10:18
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
شارع المُوازين و حرب الدلالات :تاريخ موضوعي للمقاومة.
مئات الآلاف من التلاميذ ينقطعون عن الدراسة، و يأوون إلى شارع يحن الى ضمير المجتمع أو سلطته قدر حنينه إلى تأسيس ضمير التحرر... شارع غير رسمي، لا تزوره الدولة أثناء "نومه" ، و تسجنه لحظة "اليقظة". شارع معذب، مشذّب، مكوكب بقوة الدولة و عصاها. هناك تقطف المسارب "الأخرى" المنفلتة خلسة (كما تظن) من الرسمي و المؤسساتي، زهراتنا التي شرعنا منذ فترة في "الحرص" على "تربيتها" ، فإذا هي تخضع قدرالاستطاعة حتى أوان القطيعة. و يظل بداخل "الفارين" من دولة التربية و دولة المعرفة، حنين الى التربية و المعرفة...زمن بن علي، لم يتمكن الشارع من افتكاك الكثير. لا شيء غير ملاعب الرياضة... الترجي يا دولة، نعم، الدولة كانت فريق كرة القدم...هناك نشأت ثورة لا تعي ثورتها، و تزيد انفلاتها عمقا بهدوء لم يلحظه الرسميون و مفكروهم و مدارسهم. السكولائي ، الأكاديمي ، الفقيه اللغوي و الفقيه، لم ينتبهوا الى الانقلاب الذي يقع أمام أعينهم المفرغة من البصر بفعل الضبابية الرسمية . مناهجهم جميعها، موجهة لتفكيك واقعات "رسمية" ، و تنفيذ أجندات الدولة. و هناك ، حيث ظل العمى مستفحلا، أفرجت المؤسسة "التربوية" عن نتاجها البشري المنفلت. و بادر المنقطعون أو المقاطعون لمدرسة السلطة ، فاعلين اجتماعيين من خارج النظام ينتجون دولة كرة القدم ، و معرفة شروطها و قوانينها ، كما أنتجوا دولات بديلة و معارف بديلة ، أهمها الدولة العربية الموحدة، و الدولة الإسلامية الموحدة... و كان الدين بوصفه "درسا أسبوعيا" يردّد ما فروا منه و كرهوه، فطلبوا اختلافا داخله أو خارجه، كل وفق حاجاته . تأسست ،إذن، معرفة المهمشين داخل المساجد ، معرفة عمدتها اللحي و القمصان و أحذية رياضية أيضا. الشارع أفرج عن ذاته في أشكال أخرى أكثر وضوحا. تغوّلت الفتوة و تشكلت مجموعات عصاباتية، منها من ارتبط سريعا بالبوليس لاتقاء السجون، و منها من ظل منفردا منطلقا. الرهانات الرسمية، تسقط كذلك في الهجرة السرية، في إعدام العلاقة بين العلَم و الناس. فقط منتخب كرة القدم مجددا يعيد نسج تلك العلاقة. الشارع طلّق القناة الرسمية و بحث عن خلاصه بعيدا... إنها دولة الفشل، و دولة صناعة الفاعلين خارج الإطار. و هي تسقط يوميا بغلبة اقتصاد "التهريب" على اقتصاد "الضريبة ". المهربون أكثر ثراء من "أصحاب رؤوس الأموال الرسميين" ، و هم بالمناسبة لا يدفعون الضرائب المنصوص عليهاضمن ما يسمى ب"القانون". المهربون و لخيبة المسعى، انتهازيون آخرون. فهم يبدؤون مهمشين، و يصنعون الانقلاب ،لكنهم لا يزرعون الانتقالات الطبقية داخل مجتمعاتهم . إنهم فاجرون آخرون، تنتدبهم "الدولة" ليكونوا ميليشيات الاحتكار و السمسرة و الفساد و الانحلال... من انقطع عن الدراسة و بات مهربا ناجحا التحق ب"صفوة المجتمع". و من واصل الدراسة فاتبرى في خطة تسمح له بأن يكون من "صفوة المجتمع". كلاهما يضمن نفس النتيجة، و لا أحد يتحدث عن وسائل تحقيقها. يحسن الجميع إخفاء سقطاته ، مثل سرقاته . و يشربان نخب "الصفوة" و يبولان فقر المهمشين... لا أحد يفجّر المعنى داخل تجربة المهمش، و لا أحد يفجّر معنى مضاعفا داخل ذات سجنها الدولار، بعد أن تربت على قداسته و انتهت تمتلكه و تستغل الكون بأسره لمضاعفة عدده. هنا تقع المقاومة. في شارع الموازين إثر تهميشهم، و تحت الظلال المزدحمة كالأشجار التي تورثها لصالحنا، في ذلك الشارع المقصي و المطرود، ثمة حرب مكتملة الوسائل تستحق أن نلتحق بها مضيفين سلاح الوعي الثوري الحدي و الانقلابي. إنها تلك الحرب التي تنفجر خلالها دلالات الحياة و مشروع السيادة للإنسان المتحرر من كل سلطة خارجة عن ذاته المتيمة بالكرامة و الحرية و الإرادة و الفعل . على أرض المقاومة الخصبة، تنتظرنا مهمات أصلية، كثيرا ما تجاهلناها اعتقادا منا بأن المؤسسات الحزبية ، التي خلناها تنبت داخلها مشاريع وجود إنساني مفعم بتوزيع عادل لمشروع الحياة و أدوات الاستمرار، حتى اكتشفنا أنها مجرد نسخ رديئة لدولة أخرى تبحث عن سلطة للاستعباد و الاستغلال و الهيمنة مجددا.
رضا كارم-4أفريل2013
#رضا_كارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البغل و المقاومة
-
أبناء الخديعة
-
جزء من ذاكرة الثورة
المزيد.....
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
-
تسعة شهور من الحبس الاحتياطي.. والتهمة “بانر فلسطين”
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|