|
الاسلام والطقوس الجاهلية/الحلقة الثالثة
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 12:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفصل الثالث الطقوس الجزائية قطع اليد ذكرنا في فصل سابق ان هناك كثير من الطقوس التي كانت تقيمها اهل الجاهلية قد صارت فيما بعد طقوس اسلامية مقدسة ، اذ قد اضفى عليها الاسلام طابع القدسية وامر المسلمين التعبد بها . وفي هذا الفصل سنسلط الضوء على طقوس جاهلية اخرى كانت تقام قبل مجيء الاسلام ولما جاء الاسلام اقر هذه الطقوس . ومنها (قطع اليد) وقطع اليد من اشد العقوبات التي فرضتها بعض الشخصيات المعروفة في الجاهلية حتى لا يكرر السارق فعله هذا وحينما يراه غيره ممن تسول له نفسه بسرقة سيده ، يتعظ ولا يقدم على هذا الامر ، وبتعبير آخر ان حكم قطع اليد يراد منه ان يبقى عبرة يعتبر بها الاخرين ، ويظهر منها انها حكم قاس وظالم ، على اعتبار ان السارق قد يكفر عن ذنبه ويعود الى رشده ويكفر عن خطئه ، بعد مدة من الزمن سنة او سنتين او اكثر فاذا عاد وهو بهذه الحال كيف يواجه الحياة وكيف ينظر اليه المجتمع وهو بيد مقطوعة او رجل مقطوعة (( وكانوا يقطعون يد السارق اليمنى اذا سرق)) ( ) . وفي صحيح مسلم كتاب الحدود الحديث (1688) عن النبي انه قال : ( يا ايها الناس : انما اهلك الذي قبلكم ، انهم كانوا اذا سرق فيهم شريف ، تركوه ، واذا سرق فيهم ضعيف ، اقاموا عليه الحد . وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) يقول الماوردي : كل مال محرز بلغت قيمته نصابا اذا سرقه بالغ عاقل لا شبهة له في المال ولا في حرزة قطعت يده اليمنى من مفصل الكوع ، فان سرق ثانية بعد قطعه . اما في ذلك المال بعد احرازه او من غيره قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب ، فان سرق ثالثة قال ابو حنيفة لا يقطع فيها ، وعند الشافعي تقطع في الثالثة يده اليسرى ، وفي الرابعة رجله اليمنى . وان سرق الخامسة عزر ولم يقتل ، وان سرق مراراً قبل القطع فليس عليه الا قطع واحدة . واختلف الفقهاء في قدر النصاب الذي تقطع فيه اليد فذهب الشافعي الى انه مقدر بما تبلغ قيمته ربع دينار فصاعداً من غالب الدنانير الجيدة . وقال ابو حنيفة هو مقدر بعشرة دراهم او دينار ، ولا يقطع في اقل منه . واختلف الفقهاء في المال الذي تقطع فيه اليد ، فذهب الشافعي الى انه يقطع في كل مال حرم على سارقه . وقال ابو حنيفة لا يقطع فيها كان اصله مباحا كالصيد والحطب والحشيش . وعند الشافعي يقطع فيه بعد تملكه . وقال ابو حنيفة لا يقطع في الطعام الرطب . وعند الشافعي يقطع فيه . وقال ابو حنيفة لا يقطع سارق المصحف . وعند الشافعي يقطع . وقال ابو حنيفة لا يقطع اذا سرق عبداً صغيراً لا يعقل او اعجمياً لا يفهم يقطع عند الشافعي . وقال ابو حنيفة لا يقطع ، ولو سرق صبياً صغيراً لم يقطع وقال مالك يقطع ( ) . عن عمر بن الخطاب انه اراد قطع يد سارق ، فجاءت امه تبكي ، وتقول : هذه اول سرقة سرقها فاعف عنه ، فقال : كذبت ان الله لا يؤاخذ عبده في اول مرة ( ) .
القسامة والقسامة عند اهل اللغة ، هي ايمان تقسم على المتهمين في الدم ( ) . وقال الفيومي : (القسامة بالفتح الايمان تقسم على اولياء القتيل اذا ادعوا الدم يقال : قُتل فلان بالقسامة اذا اجتمعت جماعة من اولياء القتيل فادعوا على رجل انه قتل صاحبهم ومعهم دليل دون البنية فحلفوا خمسين يميناً ان المُدعى على قتل صاحبهم فهؤلاء الذين يُقسمون على دعواهم يسمون قسامة ايضاً ) ( ) . وان العرب قبل الاسلام عرفوا نظام القسامة وطبقوه بينهم . ففي (يوم سحلب) وسحلب موضع في ديار بني الحارث ان جعفر بن علبة وعلي بن جندب من بني الحارث قد قتلا رجلاً من بني عقيل اسمه خشينة وضربا عرقوبي اخر ، وضربا ثالثاً بين الشارب والانف . ثم هربا الى محمد بن هشام في مكة ، وجاء بنو عقيل الخليفة هشام يشكون محمد بن هشام ويطلبون حقهما ، فكتب الخليفة الى محمد بان يعطي القوم حقهما . (( فما جاء العقيليون طلاب الدم اخذ ابن هشام جعفراً وعلياً وقيدهما ، وقال للعقيلقيين : أئتوني بالبينة ، فقالوا : قسامة ؟ كيف نأتي بالبينة ؟ وكيف نقيم من يشهد لنا ، وقد اتودى (اقر واعترف) بدمائنا ، وتغنى بها واعترف ؟ فقال : اما قتلاً فلست قاتلاً ، ولكني عاقل لكم موف نذر دمائكم وخيلكم )) ( ) . ولا نريد ان ننقل الحادثة بطولها ، ولكن الذي نؤكد انهم طلوا القسامة وهو شاهد الكلام . روى البخاري ان رجلا من الانصار يقال له سهل بن ابي ختمة اخبره : ان تفرا من قومه انطلقوا الى خيبر ، فتفرقوا فيها ، ووجدوا احدهم قتيلاً ، وقالوا للذي وجد فيهم : قتلتم صاحبنا ؟ قالوا : ما قتلنا وما علمنا قاتلاً ، فانطلقوا الى النبي ، فقالوا : يارسول الله ، انطلقنا الى خيبر ، فوجدنا احدنا قتيلاً ، فقال : الكبر الكبر . فقال لهم : تأتون بالبينة على قتله ؟ قالوا : مالنا بينة ، قال : فيحلفون . قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود ،فكرة رسول الله ان يبطل دمه ، فوداه مائة من ابل الصدقة ( ) . (روي ان رجلاً من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ اخرى ، فانطلق معه في ابله ، فمر به رجل من بني هاشم فقال : اغثني بعقال اشد به جوالقي لا تنفر الابل ، فأعطاه عقالاً فشد به ، فلما نزلوا عقلت الابل الا بعيرا واحدا ، فقال الذي استأجره . ما بال هذا البعير لم يعقل ؟ فقال : ليس له عقال ، فقال : فاين عقاله ؟ وحذفه بعضا كان فيها اجله ، فمر به (بالمقتول) رجل من اهل اليمن قال فهل انت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر ؟ قال : نعم . قال : اذا شهدت الموسم فناد يا لقريش ، فاذا اجابوك فناد يالبني هاشم ، فاذا اجابوك فأسال عن ابي طالب ، فاخبره ان فلانا قتلني في عقال ، ومات المستأجر ، فلما قدم الذي استأجره اتاه ابو طالب ، فقال : ما فعل صاحبنا ؟ قال : مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه ، قال : هل كان ذلك منك . فمكث حينا ، ثم ان الرجل الذي اوصى اليه وافى الموسم .. حتى جاء ابا طالب ، قال امرني فلان ان ابلغك رسالة ان فلانا قتله في عقال ، فاتاه (المستأجر) ابو طالب ، فقال : اختر منا احدى ثلاث : ان شئت ان تؤدي مائة من الابل ، فانك قتلت صاحبنا ، وان شئت حلف خمسون من قومك انك لم تقتله ، فان ابيت قتلناك به ) ( ) . ولما جاء الاسلام اقر القسامة كما يؤكد الدكتور احمد امين ، اذ يقول : وقد تعرض الاسلام للقانون الجاهلي ... فاقر بعضاً وانكر بعضا وعدل بعضاً ، ومثال ما اقره القسامة) ( ) . ويضيف : (فقد اخرج مسلم والنسائي عن رجل من اصحاب النبي ان رسول الله اقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ، وقضى بها بين ناس من الانصار في قتيل ادعّوه على يهود خيبر) ( ) . عن رجل من الانصار : ان رسول الله اقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ، وقضى بها رسول الله بين ناس من الانصار في قتيل ادعوه على اليهود ( ) . واخيراً نستطيع القول : ان هذا النظام هو لا زال معمولاً به على المستوى العشائري في العراق ، ولا سيما في جنوب محافظات العراق .
العاقلة
وهي الدية التي تتحملها عشيرة القاتل سواء حدث ذلك القتل عن طريق الخطأ او شبه العمد . وهذا العرف كان معروفا عند القبائل العربية قبل مجيء الاسلام . ولما جاء الاسلام اقر هذا النظام الذي يعد قانوناً يحافظ على تماسك وحدة تلك القبائل وعدم اهدار المزيد من الدماء . اذ ان اهل القتيل عادة ما يلاحقون القاتل فيقتلونه تأرا لقتيلهم عملاً بمبدأ (العين بالعين والسن بالسن) وهو مبدأ شرّع في وادي الرافدين على يد حمورابي . وبتعبير آخر ان نظام (العاقلة) كان يفل النزاعات والخصومات التي قد تترك اثراً غير محموداً ما بين القبائل تفضي الى اهدار دماء كثيرة ، وتدعو بالتالي الى نشوب حروب قد تستمر الى عدة سنوات مثل (حرب البسوس) و(داحس والخبراء) التي طالت الى اكثر من ثمانين عاماً . والجدير بالذكر ان هذا النظام (العاقلة) لا زال قائماً عندنا في العراق ويسمى بـ(الفصل) في النظام العشائري ولا سيما في محافظات جنوب العراق . فعلى الرغم من وجود نظام سياسي وامن ودستور وحكومة تراقب الوضع العام عن كثب ، الا ان النظام القبلي العشائري له ثقله على الوضع الاجتماعي حيث العادات العشائرية سارية المفعول ولا تستطيع الدولة كبح جماحها ، بل ان هناك من القضايا والامور لا تستطيع الدولة حلها كالقتل مثلاً او نزاع حول ملكية ارض ، فيلجأ صاحب الشأن الى عشيرته حتى يحصل على حقه ، بينما الدولة احياناً قد يعجز عن ايجاد الحل اللازم خصوصاً في قضايا القتل او السرقة والتسليب . واذا الاسلام اعتبر نظام (العاقلة) نظاماً معتبراً ويسهم في حل النزاعات والخصومات وبالتالي انه يمكن ان يحقن كثير من الدماء ، فانه نظام جاهلي لم يأت به الاسلام بل وجده كذلك ، وبتعبير آخر ان الاسلام قد ورثه من الجاهلية واقره كنظام اسلامي .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاسلام والطقوس الجاهلية/الحلقة الثانية
-
الاسلام والطقوس الجاهلية/ الحلقة الاولى
-
انتخبوني قبل ان تفقدوني
-
الساسة :السفر يطيل العمر
-
اللوكي
-
البطاط في عصر البطاطة
-
كرة القدم افيون الشعوب
-
الحمار والثور والسياسة العراقية
-
نوال السعداوي مثال للمرأة العلمانية المتحررة
-
الافعال الناقصة
-
يابسة على تمن
-
اكراماً للسلاطين
-
الشعب: اضحك كرر ... اوعى تفكر
-
البطاقة التموينية : الجانت عايزة التمت
-
اطار ابو الريحة والعملية السياسية
-
حينما اكلت حماراً بحاله
-
هي وكرّتها ب14
-
عذر ملوح
-
عراقي يقترن اسمه بالسماء
-
يا اميو العالم اتحدوا
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|