|
العبقريون الثلاثة
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4044 - 2013 / 3 / 27 - 15:35
المحور:
الادب والفن
العبقريون الثلاثة كان يا ما كان في قديم الزمان ، جنة يتغنى بها الركبان ، منذ سالف العصر و الأوان ؛ سمع بثرائها الفظيع كبير الآلهة "هُبَل" الرهيب ، فسال لعابه لها ، و طمع بها ؛ فوضع يده عليها ، و نزل هو زوجته المُهابة "مناة" و أولاده المائة و العشرين فيها ؛ و قد استبد بهم الفرح و الطرب ، فراحوا يغنون و يرقصون و يقصفون وسط لعلعة المفرقعات و الألعاب النارية . غير أن المشكلة بدأت عندما أرادت العائلة المقدسة خدماً لها من الولدان المخلدين و الحور العين ، يتولون توفير المتع و الملذات المجانية لها بكل تفانٍ و جد و إخلاص ، و في كل حين . إذ لم يقبل أي من سكان الجنة الإضطلاع بهذه المهمة الحساسة و المكرسة لتوفير اللذائذ للعائلة المقدسة لكونها مَنْكَسةً للرؤوس و مَنْجَسةً للنفوس ؛ باستثناء ثلاثة غيلان – و هم : رعبور و وطبور و ثعبور - من أهالي الجنة المنبوذين و المبعدين إلى حافات المياه . و كان سبب نبذهم هو عطن الروائح الكريهة المتوطنة في كل أعضائهم ، و غباؤهم المستفحل ، علاوة على تكالبهم على الإستحواذ على مناطق الحمى ، و عشقهم المستديم للشقاق و النفاق و مساوئ الأخلاق . و بمجيء المحتل هُبل ، فقد وضع الغيلان الثلاثة عداواتهم جانباً حتى حين ، و تفرغوا للإستحمام و الإستجمام و الإستسلام للرب الجديد . و في يوم من الأيام ، رغب خمسة من أولاد هبل إستكشاف أصقاع الجنة - موئلهم الجديد ؛ فأخذهم الغيلان الثلاثة إلى مناطق حماهم العتيدة عند حافات المياه ، ليتفرجوا هناك على سحر الطبيعة ، و يتنافسوا بلعب لعبة "الغمّيضة" ، و إقامة مباريات "يا حمّصة ، يا زبيبة" . و فيما كان أولاد هبل يلعبون لاهين صاخبين ، إنفلقت فيهم ثلاثة ألغام من السرجين التوافقي الشديدة الإنفجار - و التي كان الغيلان الثلاثة قد زرعوها في خوانق ستراتيجية على الطرقات الرئيسية لمنع بعضهم الآخر من التجاوز على مناطق حماهم - ففطس الأولاد الخمسة شر فطسة . عندها ، أمر أبو الآلهة "آنو" أن تنزل أرواحهم إلى العالم السفلي كي تتولى هناك نزح الكنيف على نحو لطيف نظيف شريف . عندما أتاها نعي أبنائها الخمسة ، لطمت مناة بيديها على فخذيها ، و راحت تُوَلول و تُرَهول و هي تَجْعَر و تَنْعَر و تَدْعَر . ثم طالبت بعلها هبل بترك الجنة الجديدة حالاً ؛ و هددته : إن هو لم يفعل ذلك ، فستلفظه لفظ النواة ، و تذهب من فورها للإقتران بخصمه اللدود الإله "بعل" . خاف هبل على خسارة موقعه المهم في هيكل الآلهة إذا ما إقترنت مناة بمنافسه القوي بعل ، فقرر الإستجابة لطلب زوجته بالإنسحاب ، و تسليم أمور الجنة و شؤونها و شجونها للغيلان الثلاثة . إستدعى هبل الغيلان : رعبور و ثعبور و وشبور ، و أبلغهم بالقول : - إسمعوا يا عبيدي المخلصين ، لقد قررت النزول عند رغبة زوجتي ، السيدة المبجلة مناة ، و ترك هذا المكان للأبد . - كيف تتركنا و تذهب ؟ من سيبقى ينكح بنا إذا غادرت ؟ سأل رعبور . - و من سيوقظنا من الفراش ركلاً كل صباح ؟ سأل ثعبور . - و من سيغسل عطننا و يزكينا أمام الأعادي الموتورين ، صباح مساء ، في المحافل الدولية ؟ سأل وطبور . - إسمعوا يا عبيدي ، لقد آن لكم الأوان لكي تصبحوا غيلاناً محترمين ؛ أن تكونوا أسياداً مهابين و ليس من العبيد المنبوذين . لذا فقد قررت تسليم مقاليد الأمور لكم أنتم الثلاثة ، فاختاروا من بينكم رئيساً حاكماً . - أنا الرئيس ؛ لا يوجد أحد غيري ! - كلا ، كلا ، بل أنا الرئيس الشرعي ! - صها أيها النَتِنَيْن ! لا رئيس إلا أنا ! تصايح الثلاثة و تلاحوا و تلاكموا و نهش بعضهم بعضاً و فجّروا المفرقعات ؛ ثم تصالحوا و بسبسوا فيتصايحوا و تصارعوا و تناهشوا و فجّروا المفرقعات. - إسمعوا : أعلم أنكم غير قادرين على الإتفاق على أي شيء ، و كل شيء . ما رأيكم لو أخلق لكم الآن تنيناً جديداً بأفضل و أكمل المواصفات التي تحددونها أنتم بأنفسكم مجتمعين ، فيتولى صنيعتي الحكم بإسمكم ، و بالتوافق معكم جميعاً ، بإعتباره قطعة من فلذات كل واحد منكم ؟ ينظر التنانين الثلاثة غلى بعضهم ؛ يبسبسون ، ثم يتصايحون ، فيتلاحون ، و يتلاكمون ، و ينهش بعضهم بعضاً ، و يفجّرون المفرقعات ؛ ثم يتصالحون ، و يبسبسون ، فيتصايحون ، و يتصارعون ، و يتناهشون ، و يفجّرون المفرقعات. و بعد أن تسيل الدماء و الروائح الكريهة من كل مكان منهم ، يتصالحون ، و يقولون : - موافقون ! - طيب . نبدأ من المادة التي ترغبون أن أصنع منها الرئيس الحاكم الجديد ؛ هل تختارون الذهب أم الفضة أم البلاتين ؟ - أنا ، بطبيعة الحال ، أختار السرجين ! - ككلا ، أنا أختار البعرور حسب الأصول ! - من البديهي أن أفضل شيء هو الروث ! - ما رأيكم لو نصنعه من السرجين و البعرور و الروث أجمعين ؟ - موافقون ! - طيب . نبدأ من الرأس . لدينا الجمجمة : هل تريدونها طولية ، أم مفرطحة ؟ - يجب حتماً أن تكون طولية ! - و لكن الضرورة تلزم أن تكون مفرطحة ! - ككلا ، لا بد أن تكون مفرطولية ! - إتفقوا على رأي واحد ! يبسبسون ، ثم يتصايحون ، فيتلاحون ، و يتلاكمون ، و ينهش بعضهم بعضاً ، و يفجرون المفرقعات ؛ ثم يتصالحون ، و يبسبسون ، فيتصايحون ، و يتصارعون ، و يتناهشون ، و يفجّرون المفرقعات. و بعد أن تسيل الدماء و الروائح الكريهة من كل مكان منهم ، يتصالحون ، و يقولون : - نريد رئيساً بدون جمجمة ! - و لكن بدون جمجمة لن يحصل رئيسكم لا على دماغ و لا عقل و لا تفكير و لا تدبير. - نريد رئيساً بلا جمجمة و لا عقل . - طيب . صار . و الآن إلى العينين ، كيف تريدونها ؟ - أنا أريدهما زرقاوين . - بل بنيتين . - بل بنزرقيتين . - إتفقوا على رأي واحد ! يبسبسون ، ثم يتصايحون ، فيتلاحون ، و يتلاكمون ، و ينهش بعضهم بعضاً ، و يفجّرون المفرقعات ؛ ثم يتصالحون ، و يبسبسون ، فيتصايحون ، و يتصارعون ، و يتناهشون ، و يفجّرون المفرقعات. و بعد أن تسيل الدماء و الروائح الكريهة من كل مكان منهم ، يتصالحون ، و يقولون : - نريد رئيساً بلا عينين ! - طيب ، و لكنكم إذا بقيتم تتحاربون هكذا على كل توصيف ، فسنبقى مدة طويلة دون أن نستطيع التوصل إلى قرار حاسم سريع نصنع به رئيسكم المختار و المنتخب من طرفكم ، و أنا على عجلة من أمري ، و يجب أن أرحل اليوم بعد الفراغ من صنع و إكساء و تتكيز الرئيس الجديد حالاً و نفخ الروح فيه . ما رأيكم لو تتحاصصون فيما بينكم بالتوازن ، فيكون لكل واحد منكم حق الإختيار لصفة واحدة حسب الدور ؟ يبسبسون ، ثم يتصايحون ، فيتلاحون ، و يتلاكمون ، و ينهش بعضهم بعضاً ، و يفجّرون المفرقعات ؛ ثم يتصالحون ، و يبسبسون ، فيتصايحون ، و يتصارعون ، و يتناهشون ، و يفجّرون المفرقعات. و بعد أن تسيل الدماء و الروائح الكريهة من كل مكان منهم ، يتصالحون ، و يقولون : - موافقون . - طيب . أنت ، يا رعبور ، كيف تريد الأذنين ؟ - أريدهما صغيرتان جداً ، تسمعان الكلام الصادر مضخّماً مفخّماً ؛ و لا تسمعان الكلام الوارد ، البتة . - طيب . و أنت ، يا ثعبور : كيف تريد الأنف ؟ - أريده بإثنتي عشرة فتحة ؛ تشم الروائح الواردة ، و لا تشم الروائح الصادرة . - صار . الدور عليك يا وشبور : كيف تريد الفم ؟ - أريده مثل حوض القاطرة ، يأكل فلا يشبع ، و يتسع لأطنان من كل أنواع اللحوم و المخللات و البرياني و الفسنجون و المطنجنة . - جميل ! صار . قل لي يا رعبور ، كيف تريد الأسنان ؟ - أريدها مثل أنياب النمر مصاص الدماء . - واو ! صار . و أنت يا ثعبور ، كيف تريد اللسان ؟ - يجب أن يكون لساناً طويلاً جداً ، و قادراً على التكلم بذلاقة و بلاغة لعشرين سنة دون أن يقول شيئاً له أي مغزى و لا أدنى معنى ! - رائع ! إنتهينا من اللسان . أخبرني يا وشبور ، كيف تريد الرقبة ؟ - طويلة كرقبة الزرافة ، و دوّارة كرقبة البومة ! - جميل ! صار ! الدور لك يا رعبور ، كيف تريد الصدر ؟ - ضيقاً جداً لا يتسع لأكثر من كلمة و نصف . - عظيم ! صار ! أنت يا ثعبور ، كيف تريد اليدين ؟ - أريدهما طويلتين جداً ، لا تتركان جحراً لا تتلمسانه و تقتحمانه . - لطيف ! ها هما اليدان المطلوبتان . قل لي يا وشبور : كيف تريد البطن ؟ - فسيحة ، مثل حاوية الزبالة . - ههاي ! مدهش ! صار . الدور الآن عليك يا رعبور : كيف تريد الحوض ؟ - كروي و مجسم مثل علامة سيارات تويوتا ، و مجهز بمسامير چِوِي تلصق بالكراسي ! - عظيم ! و أنت يا : ثعبور ، كيف تريد الأطراف السفلى ؟ - رشيقة كعيدان الثقاب المكسورة . - ممتاز ! إنتهينا من خلق الجسد بأكمله . طيب . نأتي على لباس الرأس . كيف تريده يا وشبور ؟ - دزينة من الكلاوات التي يتلبَّس بعضها ببعض مثل رقائق فحل البصل . - واو ! هاهي الكلاوات المتداخلة . قل لي يا رعبور ، كيف تريد القميص ؟ - واسع الإبطين بما يكفي لإخفاء قطيع من الثعالب و المعيز ، و بجيوب فضفاضة ! - حلو ! و أنت يا ثعبور ، كيف تريد السروال ؟ - واسع ، و مثقوب من دُبُر و قُبُل ، و بدون ملابس داخلية لا لزوم لها كلما أراد التعري في اللحظات الحرجة . - واو . و أخيراً ، قل لي يا وشبور ، كيف تريد الحذاء ؟ - أريد له حذاءً مفخخاً كامل التفخيخ بطنٍ من السيفور البرتقالي الجميل و البرّاق، أولاُ ؛ و ثانياً ، يجب أن يصمم الحذاء بحيث يكون الحذاء هو الذي يتولى قيادة الرئيس ؛ و ثالثاً ، يلزم أن يكون الحذاء مزوداً بجهاز للتحكم عن بعد ، يمتلك كل واحد منّا مفاتيحه ! - ممتع ! صار . إنتهينا . فووووف . أيها التنانين : حيوا الآن هذا المخلوق الكامل الأوصاف و الفريد : رئيسكم الجديد ، و الحاكم عليكم منذ الآن ! ينظر التنانين الثلاثة إلى رئيسهم الجديد بعد أن نفخ هبل فيه الحياة ، و يتبادلون النظرات . يبسبسون ، ثم يتصايحون ، فيتلاحون ، و يتلاكمون ، و ينهش بعضهم بعضاً ، و يفجّرون المفرقعات ؛ ثم يتصالحون ، و يبسبسون ، فيتصايحون ، و يتصارعون ، و يتناهشون ، و يفجّرون المفرقعات. و بعد أن تسيل الدماء و الروائح الكريهة من كل مكان منهم ، يتصالحون ، و يقولون الواحد تلو الآخر : - نحن – معشر التنانين – كائنات عبقريّة و خلّاقة ! - و هذا هو السبب في حسد الأغبياء لنا ، فتصيبنا عيونهم بالشر ، و تتسبب في نشوب الخلافات البسيطة بيننا ؛ و من المعلوم أن الإختلافات إنما هي نعمة فضيلة ، و هي لا تفسد للود قضية . - يا ناس ، يا شرّْ ؛ كفاية قَرّْ ! - و قد قيل : عضّة أسد ، و لا نظرة حسد ! - عين الحسود بها عود ! - عين الشرِّ أصابتنا ، و ربّنا هُبل نجّانا ! بغداد ، 27 / 3 / 2013
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسية و الأخلاق
-
قصة حبيبين
-
الغربان و الحمير
-
قطاع الخدمات في النظام الرأسمالي من وجهة نظر ماركس
-
القرد و الجنّية و الغول
-
رد على د. مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
...
-
أبا الصّفا / مرثاة للشهيد الشيوعي الدكتور صفاء هاشم شبر ، أس
...
-
الإمتحان
-
الفيل و الضبع و البغل
-
طرزان و ذريته
-
رد على د. مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
...
-
رد على د . مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
-
شيخ المتقين و الخنازير
-
شَعَبْ و أبو وطن : قصة قصيرة / 3-3
-
شَعَبْ و أبو وطن : قصة قصيرة / 2-3
-
شَعَبْ و أبو وطن : قصة قصيرة / 1-3
-
كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 12
-
كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 11
-
كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 10
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 9
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|