|
ماكس فيبر و الظاهرة الحضرية
ادريس الغزواني
الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 20:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ماكس فيبر Max weber (1920-1864) : لما كانت تكدح و تثابر سعيا منها و بحثا عن موضع قدم داخل مضمار باقي العلوم و المعرفة، وعندما كانت تحاول إثبات جدواها و مشروعيتها المعرفية ، أنجبت السوسيولوجيا واحدا من أهم مفكريها ومنظريها ، يعد إلى جانب كارل ماركس و جورج زيمل و إميل دوركايم، أهم روادها الكلاسيكيين الذين أطلقوا عنانهم للتفكير وكافحوا من أجلها، بغية فرض وجودها ضمن علوم المجتمع و الإنسان . إنه الفيلسوف و السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر، صاحب ما تسمى بسوسيولوجيا الفهم ، و الذي درس الظواهر الاجتماعية و ذلك بإرجاعها إلى ما سماها "النماذج المثالية". إذن، من هنا نجد أن ماكس فيبر قد ساهم بشكل من الأشكال في تأسيس علم الاجتماع بصفة عامة . لكن ماذا إذن عن مقاربة ماكس فيبر ليس للسوسيولوجيا العامة فقط ، و إنما لعلم الاجتماع الحضري خاصة، باعتباره فرع تخصصي ضمن فروع علم الاجتماع العام ؟. شدت المسألة الحضرية انتباه ماكس فيبر إلى جانب العديد من المفكرين الرواد لعلم الاجتماع، على اختلاف مشاربهم و مرجعياتهم الإيديولوجية منذ بداية الفكر الإنساني ، بحيث جعلوا من إشكالية التحضر و الحضرية رغم اختلافهما ، و ما يتعلق بهما من إشكاليات ، فرعية كانت أم جوهرية ، أحد المواضيع المركزية التي اشتغلوا عليها ، و انكبوا بالدراسة على أسبابها و مسبباتها ، بغية فهمها و تفهمها، عن طريق ميكانيزمات البحث و آليات التحليل . إذ حاولوا تقديم طبق تفسيري علمي لها ، و ذلك ، بسبب التبدل السريع التي عرفته البلدان الرأسمالية الغربية خلال القرن التاسع عشر ، و الذي مس جميع جوانب المجتمع الأوروبي والغربي عامة بمختلف نظمه و هياكله ، بسبب ظاهرتي التصنيع و التحضر و ما صاحبهما ، من مشاكل و قضايا تستدعي البحث و الدراسة ، الأمر ، الذي جعل من المدينة بنية شطرنجية فوق مجال حضري معقد و متشعب الأبعاد ، يزخر بمجموعة مختلفة من التفاعلات و النظم ، و محيطا مكتنزا لجملة من الظواهر الاجتماعية ، المتنوعة الأسباب و التأثيرات ، و العصية عن الفهم و التفهم الآن و هنا . لا يصح لنا، الآن و هنا، أن نقول بأن ماكس فيبر من بين الرواد الأوائل لعلم الاجتماع و فقط ، بل سبر أغوار ظواهر اجتماعية مستعصية على الفهم و التحليل ، كما بحث و نقب على الميكانيزمات المتحكمة فيها بنوع من الحذر الإبستيمولوجي والتمكن النظري . و تشكل المدينة و ما يعتمل فيها من هزات و خضات ،من بين الظواهر التي لفتت انتباه ماكس فيبر، إلى حد أنه ألف فيها كتابه الشهير و الذي سماه "المدينة La cité " . بحيث تضمنت عناصر تعريفه للمدينة: ضرورة سيطرة العلاقات التجارية، و توافر عدد من الشروط الأساسية مثل وجود الحصن و السوق و المحكمة و الاستقلال الذاتي و الذي أطلق عليه فيبر"النموذج المثالي". " إن فيبر توجه بالدراسة والسؤال إلى المدينة من خلال فهمه لمغزاها العميق و تحليل جذورها التاريخية، و كذا تحول النظم الاجتماعية الناتجة عن الحياة الحضرية". لقد عرف ماكس فيبر المدينة تحت ضوء "الترتيبات الاجتماعية التي تسمح بالتطور الكامل للقدرات الفردية و التجديد الاجتماعي" . هذه الترتيبات الاجتماعية والحياة الاجتماعية بصفة عامة ، شكلت المدن الصناعية خلال القرن التاسع عشر أحد أشكالها ، و التي قد لا تكون وحدات تابثة و صادقة للتحليل السوسيولوجي . من هنا ، درس ماكس فيبر المدينة من خلال بعدين أساسين : البعد الاقتصادي: هنا يعتبر ماكس فيبر المدينة كوحدة اقتصادية ، تنتج سلع ، تبادلات تجارية و عقارية و خدماتية ،و كذلك تنتج موارد بشرية و مالية. بمعنى أخر، إن ثمة منطقا اقتصاديا عقلانيا هو الذي يتحكم في المدينة أكثر مما هو منطق يرتبط بشيء أخر، أي أننا هنا نتحدث عن المدينة في معناها الاقتصادي للكلمة، بحيث توفر للناس جميع الحاجيات الاقتصادية من سوق محلي وسلع و خدمات... البعد السياسي : إن المدينة حسب ماكس فيبر هي أيضا وحدة سياسية توجد في تفاعل دائم مع الجانب الاقتصادي من خلال تنظيم التبادل و الإنتاج . إن المدينة باعتبارها وحدة سياسية تتوفر على استقلالية ترابية و إدارية كما تتميز بنوع من التنافس على السلطة من خلال تضارب رهانات الفاعلين السياسيين . على الرغم من اعتقاده بما يمكن أن يكون للمدينة من قوى ايجابية و تحررية في الحيات البشرية إلا أنه لم يعلق أمالا كبيرة على مدن القرن العشرين ، بل نراه على العكس من ذلك يؤكد أن مدن العصور الوسطى المحصنة والمكتفية بذاتها هي وحدها التي يمكن أن يصدق عليها صفة المجتمع الحضري الكامل، غير أن فيبر لم يكن متشائما على طول الخط، وأن هناك إمكانية تحقيق حياة طيبة وأفضل في المدن الحديثة من جديد فقط أذا توفرت الشروط في النموذج المثالي ”للمجتمع الحضري الكامل“من هنا نفهم أن ماكس فيبر قد ساهم هو الأخر بوجه أو بأخر و من موقعه في التقعيد النظري ليس فقط للسوسيولوجيا العامة ،و إنما حتى للسوسيولوجيا الحضرية بشكل خاص .
#ادريس_الغزواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب -الطرائق في علم الاجتماع- لريمون بودون و رينو
...
-
الروح المغربية
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|