أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعود سالم - مسرحية -الديموقراطية هي الحل-















المزيد.....

مسرحية -الديموقراطية هي الحل-


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4041 - 2013 / 3 / 24 - 13:14
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


عندما ثار محمد البوعزيزي يوم الجمعة 17 ديسمبر2010 احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية لعربتة التي كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وقرر إضرام النار في جسده أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، فإنه بهذا العمل أكد بما لا يدع مجالا للشك وبطريقة مفجعة على حريته المطلقة وعلى كونه غير قابل للإستعباد أو الإهانة والإحتقار من قبل السلطة، وهو أقصى ما يمكن أن تصل إليه الحرية الفردية لتحقيق ذاتها وتأكيدها أمام شراسة السلطة في نفي الفرد وسلبه مقومات وجوده الأساسية. غير أن هذا الحدث يظل عملا فرديا يائسا ليس بالأول ولا بالأخير- أضرم على الأقل 50 مواطناً النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة - لولا الظروف الموضوعية التي جعلته يصبح رمزا ومنبعا لغضب شعبي وإجتماعي شامل أدى إلى إشعال انتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، ثم انتقلت الثورة إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين. وكانت مطالب الشعب الغاضب، في البداية هي نفسها مطالب البوعزيزي: الخبز والعدالة والحق في الحياة الكريمة. غير أنه في ظرف أسابيع قليلة، جاء الإسلاميون والليبراليون وغيرهم من محترفي الكلام السياسي ولحقوا بقطار الثورة، ورغم أنهم ركبوا العربة الأخيرة إلا أنهم كانوا مزودين بالأبواق القطرية والسعودية وأجهزة الإعلام الغربية، وسرعان ما تمكنوا من إزالة المطالب الشعبية الحقيقية من قاموس الثورة واستبدالها بمفاهيم هلامية فضفاضة مثل: الحرية والديموقراطية وتغيير أو إسقاط النظام. فالبوعزيزي لم يطالب بالحرية، لأنه كان حرا حتى النخاع،ولم يكن بحاجة إلى تصريح لممارسة هذه الحرية، والشعب الثائر لم يكن يطالب بالحرية، لأنه كان يمارس حريته حتى الموت في الخروج إلى الشارع تحت رصاص السلطة ومدرعاتها، ولم يكن يحتاج إلى تصريح أو مرسوم ملكي أو جمهوري أو إلهي ليشرع حقه في التظاهر أوعدمه، الحرية ممارسة وليست حقا دستوريا قابلا للإستفتاء عليه. مطالب الشعب المسروقة كانت بسيطة وقابلة للتحقيق فورا، الخبز والعدالة والمساواة والحياة الكريمة، مطالب يمكن قياس درجة تطبيقها علميا وفي كل لحظة، مطالب إجتماعية تهم الشعب بأكمله بدون إستثناء. بينما مطالب الحرية والديموقراطية، هي مطالب سياسية تتعلق بممارسة السلطة وتوزيع الأدوار بين قبائل النخبة الحاكمة المعزولة عن الشعب بطبقة كثيفة من الذهب والدولارات والحسابات المصرفية في سويسرا وأوربا، الذين لم يعرفوا يوما ولن يعرفوا مطلقا معنى أن يحرق شاب نفسه من أجل عربة خضار. تجربة الثورة الليبية، تبقى خير مثال لتوضيح هذه الهوة الفاصلة بين مطالب الشعب الحقيقية، وبين مطالب البرجوازية التي تصبوا للوصول إلى الحكم عن طريق وبواسطة أصوات المواطنين. ليبيا دولة كبيرة المساحة قليلة السكان وغنية بالبترول والغاز، استولى عليها ملازم في الجيش سنة 1969 بواسطة إنقلاب عسكري منسوخ عن إنقلاب عبد الناصر في مصر قبل ذلك بعشر سنوات. الملازم الصغير أصبح عقيدا وبدأ في تنفيذ مشروعه السياسي، والذي قدمه كخلاص للشعب الليبي من الحكم الملكي الذي وضعه الإستعمار الإنجليزي وصيا على الشعب وللمحافظة على مصالحه الإقتصادية والسياسية في البلاد في بداية الخمسينات. أغلبية الشعب الليبي تقبل بل ورحب بهذا التغيير المفاجيء وبلغة السلطة الجديدة، قومية وإسلامية وتقدمية وضد الإمبريالية في نفس الوقت. وبعد عدة سنوات من ممارسة السلطة، تخلص العقيد من زملاءه واحدا واحدا وبدأ فترة من الحكم الفردي المطلق، ثم أصبحت السلطة له ولقبيلته وعائلته وأولاده، وهو تطور طبيعي لحكم مطلق خلال أربعين عاما. أغلبية الشعب الليبي تعايشت مع النظام، القلة رفضت هذه السلطة بالقول والسلاح، فهاجر من هاجر، وقتل من قتل، شنقا أو رميا بالرصاص، والمئات وجدوا أنفسهم في غياهب السجون تحت التعذيب والإغتيال والإختفاء والإعدام، وقلة أخرى اختارت التعاون مع النظام واستغلاله لمصالحها الخاصة، أما أغلبية الشعب الليبي فقد تعايش مع النظام بطريقة أوتوماتيكية مثلما هو حال كل الأغلبيات الصامتة. أستمر الوضع هكذا أربعين عاما، حتى اليوم الذي قررت فيه هذه الأغلبية الصامتة بأن هدنة الصمت والصبر قد انتهت وبأنه قد حان الوقت للتغيير وزحزحة هذه المصيبة من فوق صدورهم، كما فعل من قبلهم الشعب في تونس ومصر. فخرج البعض في تظاهرات شعبية مسالمة، ونتيجة للقمع الشرس الذي مارسته قوى السلطة، أختار البعض الآخر حمل السلاح، بينما مئات الآلاف من المواطنين خرجوا لاجئين إلى مصر وتونس لحماية عائلاتهم وأطفالهم من همجية الحرب، ناهيك عن العمال الأجانب - ما يقارب المليوني عامل من مصر وتونس وأفريقيا وآسيا ـ الذين اضطروا للهروب بجلودهم والرجوع إلى بلداهم بعد أن فقدوا أعمالهم وممتلكاتهم نتيجة لتوقف الإقتصاد الليبي والذي ما زال متوقفا حتى الآن. فالثورة المسالمة سرعان ما تحولت إلى حرب مسلحة، ذلك أنه في نفس الوقت دخل في السيناريو عامل جديد هو "ثوار الفنادق"، معارضوا العقيد أصحاب الجنسيات والحسابات المصرفية المتعددة، والذين كانوا يمارسون الثورة من خلال شاشات التلفزيون القطرية والسعودية والفرنسية وغيرها، وطلبوا مساندة أمريكا وفرنسا وبريطانيا ثم حلف الناتو لمساعدتهم في التخلص من هذا الطاغية ليحلوا محله. وقد نجحوا في نهاية الأمر، بمساعدة طائرات الناتو وبمساندة السعودية وقطر من الوصول إلى السلطة والتحكم في المجلس الوطني والحكومة وفي مصير البلاد. وهي اليوم في صراع مفتوح مع الميليشيات الوهابية التي تتحكم عسكريا وأمنيا في قطاع واسع من البلاد وترفض تسليم أسلحتها بدون مقابل وبدون ضمانات للمشاركة في كعكة السلطة. خلافا للإنتفاضة التونسية والمصرية واليمنية، الشعب الليبي لم يكن "الخبز" همه الأول أو السبب الرئيسي لغضبه، رغم وجود طبقة فقيرة واسعة لم تصلها مليارات البترول، الهم الرئيسي لليبيين كان التخلص من النظام البوليسي القمعي الذي كان يمنعهم من التنفس، الشعب الليبي ثار ضد "الخوف" وسياسة التخويف التي كان يمارسها النظام على جميع المستويات، وأيضا ضد الفساد العام والرشوة ونهب ثروة البلاد والفوضى العامة في جميع قطاعات الحياة وغياب الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم والثقافة والمواصلات .. إلخ. واليوم، وبعد عامين من عمر الإنتفاضة الليبية، لا بد أن نتسائل ما الذي تحقق من مطالب الشعب الليبي؟ لا شيء .. لا شيء على الإطلاق من المطالب الأساسية، رغم تحقق "الديموقراطية" والإنتخابات "النزيهة" ووجود مجلس وطني وحكومة "شرعية"، متناسين أن الشرعية الوحيدة التي لا خلاف عليها لا تأتي إلا من تحقيق هذه المطالب ذاتها التي دفع ثمنها بالدماء آلاف الشباب والرجال والنساء. ولكن "الديموقراطية" كلمة سحرية يمكنها أن تغطي كل الأكاذيب والمشاريع المشبوهة، ويمكنها أن تحول الجحيم إلى جنة تجري من تحتها الأنهار. الإنسان الليبي تخلص اليوم من الكابوس الذي دام أربعين عاما، نهض على قدميه ونفض الغبار من على جسده ومسح الدماء وضمد جراحه، وتنفس عميقا هواء نقيا خاليا من الخوف، وأراد أن يستريح للحظة ويفكر ماذا سيفعل في الأيام القادمة، فهو ما يزال تحت تأثير الصدمة التاريخية، لا يعرف أين هو ولا يعرف بعد الشرق من الغرب ولا الشمال من الجنوب، غير أنه قبل أن يفيق من دهشته، ها هي قبائل الضباع والتماسيح والذئاب، تمسك بيده وتقوده وهو ما يزال يترنح إلى مسرحية جديدة.
ولكننا نعتقد بأن الشعب الليبي لن يبقى متفرجا لفترة طويلة، ليس لأنه لا يحب المسرح، ولكن لسوء النص ورداءة الممثلين.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورعب السلطة
- رعب الحرية
- خرائب الوعي .. 17 - شيزوفرينيا
- خرائب الوعي .. 16 - الريح والكلمات
- خرائب الوعي .. 15 - إستراحة
- بيان من أنصار البدعة
- تداعيات 3- شيطان المحبرة
- تداعيات 2- الغثيان
- تداعيات 1- الرجوع
- خرائب الوعي .. 14 - إفتح يا سمسم
- خرائب الوعي .. 13 - الرأس المقطوعة
- خرائب العقل .. 12 - تحرش بعد الغروب
- خرائب الوعي .. 11 - الشاعر والعطش
- خرائب الوعي .. 10 - المرأة التي أكلها النمل
- خرائب الوعي .. 9 - لا يحب الله والله لا يحبه
- خرائب الوعي .. 8 - الطابق الثاني
- خرائب الوعي .. 7 - قوارب الهجرة إلى الجحيم
- خرائب الوعي .. 6 - الصندوق
- خرائب العقل .. 5- الحاشية
- خرائب الوعي .. 4 - مقبرة الضباع


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعود سالم - مسرحية -الديموقراطية هي الحل-